حرب أوكرانيا وجيوسياسية العالم.. بوصلة تتحرك شرقا

profile
  • clock 14 فبراير 2023, 3:48:11 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ملامح النظام العالمي تتبعثر لتزيح بوصله الاهتمام عن الغرب وتدفع بها شرقا مع تشكل كتل جديدة لم يشهدها العالم منذ الحرب الباردة.

تغييرات تختزل التأثير الجيوسياسي لحرب أوكرانيا التي تتأهب لمرور عام على اندلاعها، في محطة فارقة خلقت تغييرات في أجزاء من النظام العالمي.

تكتلات جديدة

بحسب وكالة "فرانس برس"، زادت الحرب من حدة النزاعات والمواجهة، فضلاً عن الاتجاه العالمي الحالي للدول لتشكيل كتل تتمحور حول واشنطن وبكين. 

وفي تصريحات أدلى بها قبل أشهر، قال جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إنه : "لقد تحولنا إلى عالم غير منظم متعدد الأقطاب كل شيء فيه سلاح: الطاقة والبيانات والبنية التحتية والهجرة. الجغرافيا السياسية هي المصطلح الأساسي، كل شيء جيوسياسي".

وتحولت آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان وأفريقيا والمحيط الهندي والمحيط الهادئ إلى ساحات معركة على النفوذ بين قوى مثل الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا - سواء من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية أو إبرام صفقات في التجارة أو التعاون العسكري أو الدبلوماسي.
 

وجاءت الحرب في أوكرانيا لتمعن في زعزعة الأمور، فحدت بشكل ما قبضة روسيا على الجمهوريات السوفياتية السابقة بآسيا الوسطى وفتحت الباب أمام تركيا للاضطلاع بدور جديد كوسيط. 

وفي قراءته للتحولات، يرى الباحث الفرنسي بيار رازو، أن "إعادة التنظيم الجارية في حالة من الفوضى حقيقية لكنها مؤقتة على الأرجح". 

وأضاف: "حتما، ستؤدي الحرب في النهاية إلى إضعاف روسيا وأوروبا وإرهاقهما، في حين أن المنتصرَين الرئيسيين من هذا الوضع هما الولايات المتحدة والصين". 
 

بفلك الصين؟

كان على الصين أن تفكر في الحرب من منظور هدفها الاستراتيجي طويل الأمد المتمثل في أن تصبح القوة الرائدة في العالم بحلول عام 2049. 

ورغم أن بكين تدعم موسكو، إلا أنها تجنبت القيام بتحركات قد تنفر الغرب منها. 

وبخصوص ذلك، قالت أليس إيكمان، محللة شؤون آسيا في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، إن "الصين لا تنأى بنفسها، ولكنها عززت علاقتها الوثيقة" مع روسيا. 

وأضافت إيكمان، أن"الدعم قد لا يكون توافقا كاملا"، والصين لا تقدم لروسيا مساعدات بحجم تلك التي توفرها واشنطن لأوكرانيا، لكن "علينا أن ننظر إلى الوقائع: لقد تعززت العلاقات الاقتصادية". 

وفي تقريرها السنوي الذي نُشر هذا الشهر، قالت أجهزة استخبارات إستونيا، إنه "من السابق لأوانه النظر إلى تأييد (الرئيس الصيني) شي جينبينغ المتحفظ للحرب التي يشنها بوتين كعلامة على الابتعاد عن روسيا". 

وفي الواقع، قد تعني الحرب أن موسكو تخاطر بأن تصبح مجرد تابع لبكين وأن تدور في فلكها. 
 

وقالت الخبيرة الاقتصادية وخبيرة العقوبات أغات دوماريه إن "روسيا ليست في وضع يسمح لها بالتفاوض مع الصين التي ستأخذ ما تشاء من روسيا دون أن تعطي روسيا ما تريد" مثل الأسلحة أو المكونات الإلكترونية المهمة. 
 

ومع ذلك، ترى إيكمان أنه "يمكن للأيديولوجيا أن تتقدم على عدم التوازن الاقتصادي ولا ينبغي تحليل العلاقة من منظور عقلاني فحسب". 
 

دور أوروبي؟

بالنسبة للاتحاد الأوروبي، تمثل الحرب في الوقت نفسه فرصة لأن يظهر قدرته على التحرك كجهة فاعلة رئيسية، فضلاً عن خطر أن يؤدي دورا تابعا لواشنطن من جديد.

وفي حديث لفرانس برس، قال مسؤول أوروبي رفيع المستوى طالبًا عدم الكشف عن اسمه: "لم يكن أداء أوروبا سيئًا جدًا، فقد أظهرت مرونتها وقدرتها على الاستجابة بسرعة كبيرة منذ بداية الحرب، من خلال تقديم الدعم العسكري ومساعدة اللاجئين وخفض اعتمادها في مجال الطاقة" على روسيا. 

وأضاف أن الاتحاد الأوروبي "لبى الاحتياجات العاجلة. هل استعد للمستقبل ومكانته على الخارطة العالمية؟ ما زال أمامه عمل يتعين القيام به". 

من جهتها، تعتبر قالت الخبيرة الاقتصادية دوماريه أنه "من الواضح أن هناك كتلتين، واحدة أمريكية وأخرى صينية مع حلفائها وروسيا، فهل ستصبح أوروبا كتلة ثالثة أم لا، أم ستتحالف مع الأمريكيين؟".
 

وقال رازو إن القادة الأوروبيين يريدون، من خلال اتحادهم مع واشنطن في الوقت الحالي في دعم كييف، "تقوية العلاقة مع الولايات المتحدة، لكنهم يدركون أنهم قد يجدون أنفسهم بمفردهم خلال ولاية رئاسية أو اثنتين" إذا وصل مرشح انعزالي إلى البيت الأبيض.

في غضون ذلك، يوجد المزيد من دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي ترى أن لا مستقبل خارج المظلة الأمنية للولايات المتحدة والناتو.

ومن ثم، يبحث الاتحاد عن مزيد من المجالات لتقليل التبعيات الاستراتيجية أبعد من الوقود الأحفوري الروسي الذي استغنى عنه إلى حد كبير. 

ضربة للعولمة

بالإضافة إلى إمداد كييف بالأسلحة، سعى حلفاء أوكرانيا بقيادة واشنطن والاتحاد الأوروبي إلى خنق الاقتصاد الروسي بفرض عقوبات قاسية.
 

وتظهر تأثيرات الإجراءات التجارية على نظام التجارة الحرة العالمي الذي كان السائد منذ نهاية الحرب الباردة، على الرغم من أنه كان يعاني.

وقال باتريك بويان، الرئيس التنفيذي لشركة توتال إنرجي لوكالة فرانس برس، إن عقوبات مثل فرض مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي سقفًا على سعر برميل النفط الروسي المصدّر "أنهت السوق العالمية" في ما يتعلق بالوقود الأحفوري. 

وتساءل "ما الذي ستعنيه فكرة سعر عالمي للنفط بمجرد أن نقرر فرض سقوف، بمجرد أن يتمكن المشتريان الرئيسيان الصين والهند (اللذان لا يطبقان العقوبات) من الشراء من الروس بسعر مختلف؟"، مضيفا "هذا شيء جديد حقًا وسنختبره في عام 2023".

كما تعمل القوى الكبرى على التخلص من مبادئ التجارة الحرة التي كانت تعتز بها في مجالات أخرى مثل القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على مبيعات بعض رقائق الكمبيوتر إلى الصين، أو تعليق الهند لصادرات القمح. 
 

وتأتي كل هذه التأثيرات المتعمدة لتضاف إلى الضربة التي وجهتها جائحة كورونا لسلاسل التوريد العالمية. 
 

ويرى خبراء أن ميل العالم إلى الانقسام يعود إلى ما قبل الحرب، لكنه تلقى صدمة مزدوجة تمثلت في الجائحة ومن ثم الحرب، مما أدى إلى تسارعه. 
 


 

التعليقات (0)