- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
د. خلدون النبواني يكتب: كيف استخدمت روسيا ترسانة سلاحها النووي كقوة ردع في حربها على أوكرانيا؟
د. خلدون النبواني يكتب: كيف استخدمت روسيا ترسانة سلاحها النووي كقوة ردع في حربها على أوكرانيا؟
- 26 مايو 2023, 12:40:58 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بالاستراتيجية الدفاعية نفسها التي تتهيب بها بعض الحيوانات من مهاجمة حيوانات أخرى لما تمتلكه هذه الأخيرة من أسلحة أو حتى مظاهر خادعة على شكل سلاح، فإن استعراض القوة العسكرية والتهديد باستخدامها جزء أساسي من أي حرب. وعليه لا يكون السلاح المستخدم فعلياً في الحروب والمعارك والمواجهات هو سلاح الحرب التي تتزود به القوات المقاتلة على الجبهة فقط، وإنما وخاصة، احتياطي السلاح المتوفر أو الذي يمكن للبلد المنخرط في الحرب شراؤه أو الحصول عليه، وهذا يجعل منه قوة ردع كبيرة، فالعدو سيضع في اعتباره كل تلك القوة الممكنة التي سيتوجب عليه مواجهتها في الحرب إن أقدم عليها أصلاً بسبب تحسبه لحجم الخسائر الكبرى التي قد يتكلفها بسبب إمكانيات الآخر العسكرية.
من هنا تتجلى خطورة الدخول في حرب مع دولة ذات قوة نووية ومن هنا سعي العديد من دول العالم إلى امتلاك القنبلة النووية كقوة ردع، بل وحتى كقوة هجوم وعدوان تحد من إرادة الجيش المقابل وتضع سقفاً لعزيمته وطموحاته وحدوداً لمغامراته وحساباته.
سيف ديموقليس
يمكن إدراج التهديد باللجوء إلى السلاح النووي – الذي يصبح به هذا السلاح قاطعاً كسيف ديموقليس رغم ثباته فوق رأس من يُشهَر فوق رأسه فيكبل حركته ويشل قدراته – ضمن ما يعرف اليوم بالحرب الهجينة التي وعد الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف باستعداد روسيا لها على المدى الطويل ضد أعدائها الغربيين.
في الحرب الهجينة تتعدد الهجمات التي تقاتل فيها الأشباح أكثر من المقاتلين الأحياء من لحم ودم. ففيها تختفي هوية المقاتلين بين الجيش النظامي والقوة المقاتلة الموازية وتختلط فيها الأسلحة التقليدية بالأسلحة غير المرئية مثل الهجمات السبرانية والحروب الإعلامية والمعلومات المضللة واستعراض القوة ولغة التهديد واللعب على مكونات شعوب الخصم واستثمار ولاءاتها، الخ. لا شك إذن من أن التهديد باستخدام السلاح النووي هو جزء من الحرب الإعلامية أو السوفت بور التي أثبتت أنها من أهم الفصائل المقاتلة في الحروب الهجينة الحديثة. ولا شك أن الروس للآن قد أداروا حربهم الإعلامية في وعلى أوكرانيا والغرب بمهارة عالية ربما أكثر بكثير من استخدامهم للسلاح الفعلي فيها على اختلاف أنواعه حتى الآن.
الأسلحة الكلاسيكية
مما لا شك فيه أن روسيا لم تستخدم لحد الآن سلاحها النووي وقد لا تستخدمه أبداً على الأرجح بشكلٍ فعلي على الأرض، لكن – وهنا المفارقة – فإن تهديد مسؤوليها المتكرر منذ بداية الحرب بإمكانية استخدامه جعل من هذا السلاح النووي السلاح الروسي الأكثر ردعاً وقوة من بقية الأسلحة الكلاسيكية الأخرى التي استخدمتها لحد الآن على جبهات أوكرانيا.
وبمعنى آخر يردع شبح إمكانية ضرب الروس لسلاح نووي أعداء روسيا في الناتو أو في الاتحاد الأوروبي أو في الولايات المتحدة من توسيع حدود المعركة أكثر ويجعلهم يحجمون عن المغامرة بتزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية نوعية تستطيع ضرب روسيا في أرضها بشكل خطير.
إذن تكبل الترسانة الروسية الهائلة طموح وقدرات أصدقاء كييف وتحد من دعمهم لها على نحو ينهي الحرب بهزيمة نكراء لروسيا. بهذا المعنى فإن التهديد الروسي المتكرر بالنووي هو استخدام فعلي لهذا السلاح كقوة ردع فاعلة وحقيقية تعطي نتائجها على الأرض وهو من الأسباب الأولى لقدرة روسيا على الاستمرار في الحرب حتى اليوم وتحقيق انتصارات مستمرة رغم كل ذلك البطء الذي يمكن لنا التحدث عنه وشرح أسبابه.
يصرِّح مجلس الأمن الروسي 23/05/2023 أنه “كلما ازداد إرسال الأسلحة المدمرة إلى أوكرانيا [بالإشارة إلى طائرات F16] يقترب سيناريو الحرب النووية”. لنتذكر أنه ومنذ بداية الحرب على أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر شباط/فبراير من العام الماضي، والمسؤولون الروس لا ينفكون تقريباً عن التهديد باستخدام السلاح النووي، سواء في أوكرانيا نفسها أو خارج حدودها ضد الناتو أو حتى ضد الولايات المتحدة الأمريكية وعلى أرضها كما صرّح مؤخراً مثلاً نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن الروسي.
من الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا مروراً بوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ونيكولاي باتروشيف أمين مجلس الأمن الروسي وصولاً إلى رئيسه ديمتري ميدفيديف لم تتوقف منذ أكثر من سنة تهديدات كبار المسؤولين الروس عن إنذار العالم أن لجوء روسيا إلى السلاح النووي التكتيكي، بل والاستراتيجي أمرٌ ممكن في أية لحظة.
وإذ تتصدر تهديدات مدفيديف النووية تصريحات المسؤولين الروس الآخرين بوصفها الأكثف والأكثر مباشرة وتكراراً وعنفاً، فإن مثل هذا التهديد باستخدام النووي يصبح أكثر جديّة ومسؤولية وإقلاقاً عندما يصدر عن رأس السلطة، بوتين نفسه. فمنذ اليوم الثاني لاجتياح قواته الأراضي الأوكرانية لوّح زعيم الكرملين بإمكانية لجوء روسيا إلى ترسانتها النووية في حال واجهت خطراً وجودياً عليها وعلى أمنها، وقد كرّر مثل هذا التهديد بعد ذلك مرات عدّة بشكل صريح حيناً أو ضمني حيناً آخر.
معاهدة ستارت الجديدة
ولا يتوقف “استخدام” روسيا لسلاحها النووي على التصريحات، بل يشمل ذلك بعض تحركاتها العسكرية واللوجستية مثل إعلان الجاهزية القصوى لقوة الردع النووية التي تتوقف عليها، والاستعراض الإعلامي المكثف لأسلحتها النووية، والتحلل من بعض الاتفاقيات الدولية مثلما فعل بوتين (الذي أظهره الإعلام الروسي يتنقل أكثر من مرة ﺑ “الحقيبة النووية”) في 21 من شباط/ فبراير الماضي عندما أعلن تعليق مشاركة روسيا في معاهدة ستارت الجديدة التي تنص على توافق روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على تخفيض الرؤوس النووية الهجومية بنسبة 30 في المئة. ضمن “اللعب” بالنووي تندرج كذلك الخطوة الأخيرة – التي استفزت الغرب الذي وصفها ﺑ “الابتزاز النووي” – والمتضمنة إعلان موسكو عن عزمها نشر جزء من الترسانة النووية في بيلاروسيا من خلال تزويد هذه الأخيرة بعشر طائرات قادرة على حمل رؤوس نووية تكتيكية.
دعونا ننتبه إلى أنه ووفق تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية نفسها فإن ترسانة روسيا من القنابل النووية والأسلحة النووية قصيرة المدى تقارب الستة آلاف رأس نووية (من بينها 400 سلاح استراتيجي) في حين لا تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية منها أكثر من 3700 رأس نووية.
مع قيادة روسية عازمة على كسب الحرب ضد الغرب في أوكرانيا ومع ترسانة نووية روسية كهذه قادرة وحدها على تدمير شبه كامل للكرة الأرضية، لا يغدو التلويح باستخدام السلاح النووي الروسي مزحة ثقيلة أو مجرد تهديدات فارغة وإنما أمر يؤخذ على محمل الجد لدى قيادات الغرب التي عبرت أكثر من مرة عن تخوفها بل وذعرها (رغم بعض تصريحات التهدئة وإبراز الأمر كمجرد تهويل إعلامي) من مخاطر انزلاق الحرب نحو حرب شاملة وعن “ابتزاز نووي” تمارسه موسكو على خصومها الغربيين الداعمين لأوكرانيا.
التهديد والاستعراض
إذن بالتهديد والاستعراض والتحركات تستخدم موسكو بمهارة سلاحها النووي كقوة حاسمة تضمن لها درعاً حامياً من توسيع حدود الدعم الغربي لكييف وتتقدم من وراء هذا الدرع خطوات واضحة سواء على الأراضي الأوكرانية أو على الساحة الدولية كقطب جديد عائد إلى الساحة الدولية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وبعد عقود من الإذلال المعسكر الغربي لموسكو.
كاتب سوري يقيم في بريطانيا