-
℃ 11 تركيا
-
27 فبراير 2025
د. سنية الحسيني تكتب: الحرب ضد مخيمات الضفة ليست لاعتبارات أمنية فقط
د. سنية الحسيني تكتب: الحرب ضد مخيمات الضفة ليست لاعتبارات أمنية فقط
-
27 فبراير 2025, 1:15:55 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وسط تصعيد واسع ومستمر في الضفة الغربية، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء سكان ثلاثة مخيمات للاجئين الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية المحتلة، مع تصريحات تؤكد نيته البقاء في مخيم جنين وطولكرم ونور شمس طوال العام الجاري، لمنع عودة السكان.
وتشير الشواهد إلى توجه جيش الاحتلال نحو التوسع في هذه الحملة ضد مخيمات أخرى في الضفة الغربية. وطلبت حكومة الاحتلال من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» وقف جميع أنشطتها في جميع مخيمات الضفة.
يأتي ذلك في ظل حملة شرسة يشنها الاحتلال ضد «الأونروا» ومخيمات اللجوء الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس، في إطار حملة أوسع تستهدف الوجود والسيادة الفلسطينية.
ومنذ هجمات السابع من أكتوبر في العام ٢٠٢٣، يواصل جيش الاحتلال هجومه على الضفة الغربية، حيث اقترب عدد الشهداء فيها خلال تلك الفترة من الألف شهيد وسقوط عشرات آلاف الجرحى، ونشر مئات الحواجز في كافة أنحاء الضفة الغربية، وتخطى عدد الأسرى والمعتقلين العشرة آلاف. ويأخذ ذلك التصعيد في الضفة وتيرة متصاعدة، خصوصاً بعد التوصل لهدنة التبادل الأخيرة في غزة، ودخولها حيز التنفيذ الشهر الماضي، حيث قرر الجيش تدخل الدبابات في الهجوم على الفلسطينيين العزل في شمال الضفة الغربية، وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها الاحتلال الدبابات في هجماته منذ عشرين عاماً.
يأتي استهداف الاحتلال المكثف لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وللأونروا في الآونة الأخيرة في إطار حملة أوسع تستهدف الوجود الفلسطيني نفسه في فلسطين، مدعومة بتصريحات تشير للتهجير في غزة والضم في الضفة الغربية. ولا تأتي ممارسات الاحتلال في الأراضي المحتلة تجاه السكان الفلسطينيين بمعزل عن تلك التصريحات الخطيرة، بل على العكس تتساوق معها إلى حد بعيد.
ويعتبر استهداف وجود «الأونروا» في الأراضي المحتلة ومخيمات اللاجئين فيها مكملاً لذلك المخطط الواسع، لأن يستهدف جذور القضية الفلسطينية، وروايتها التاريخية المتجسدة في واقع قضية اللجوء الفلسطيني، والدعم الدولي المؤسسي المنتظم لهذه القضية العادلة. لم يكن موقف حكومة الاحتلال تجاه «الأونروا» ومخيمات اللجوء في الماضي نفسه اليوم، بل تغير وفق مصالحها.
فرغم أن «الأونروا» نشأت كآلية تساعد على تطبيق قرار الجمعية العامة رقم ١٩٤ الداعي لعودة اللاجئين وتعويضهم، إلا أن فشل المجتمع الدولي في تنفيذ ذلك القرار ضمن شقه السياسي، جعل «الأونروا»، التي تشكلت من رحم القرار كآلية لتحقيق شقه الإنساني، تركز على جانب الدمج وتوطين اللاجئين في أماكن تواجدهم. فركزت «الأونروا» في البداية على مشاريع التشغيل والتعليم وتبني المشاريع الصغيرة، وهو ما يفسر قبول إسرائيل بها وبتواجدها، انطلاقاً لأنها رفعت عنها تحمل عبء الأزمة الإنسانية الضخمة التي تسببت بها.
لم يتغير موقف دولة الاحتلال من «الأونروا» والقبول بدورها الإنساني، وتحمل العبء السياسي الذي تحمله نتيجة ارتباطها بالقرار ١٩٤، بعد احتلال الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس وقطاع غزة في العام ١٩٦٧، بسبب ذلك البعد الانساني، الذي تحملته الوكالة عنها، فقبلت باستمرار وجودها وفق اتفاق تعاقدي بين الطرفين.
وقد بدأت علاقة «الأونروا» بالضفة الغربية وقطاع غزة من خلال ترتيبات قانونية مع الأردن ومصر، البلدين اللذين أدارا شؤون الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة في أعقاب النكبة الفلسطينية عام ١٩٤٨.
إلا أن موقف الاحتلال من الأونروا وفكرة بقاء المخيمات الفلسطينية تغير بعد ذلك لسببين؛ الأول يتعلق بفشل «الأونروا» في مساعيها لدمج الفلسطينيين وترسيخ فكرة توطينهم في أماكن لجوئهم، رغم مرور كل تلك العقود، لتمسك الفلسطينيين بمبدأ العودة للوطن، ودعم الدول العربية الحاضنة لهم في الأردن ولبنان وسورية لذلك المبدأ، ومحاربتها لأية مساعٍ باتجاه توطينهم في تلك البلدان؛ ويعود السبب الثاني لتوقيع اتفاق أوسلو، الذي رأت فيه حكومة الاحتلال فرصة لإنهاء دور «الأونروا»، وحسم قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل نهائي.
إن ذلك يفسر سياسة الاحتلال تجاه «الأونروا» وقضية اللاجئين الفلسطينيين وصمود مخيماتهم بعد توقيع اتفاق أوسلو، فقد حددت الحكومات الإسرائيلية المختلفة موقفها صراحة ودون تغيير تجاه حل قضية اللاجئين، كونها أحد قضايا الحل النهائي، في جميع جولات المفاوضات التي خاضتها مع الفلسطينيين، بإصرارها على عدم تحملها المسؤولية القانونية والسياسية والأخلاقية والمالية والإنسانية تجاههم، وعدم القبول بعودتهم وفق أي اعتبار سياسي.
وربطت حل قضية اللاجئين الفلسطينيين بقضية اليهود العرب الذين قدموا لإسرائيل بعد نشأتها، وقبلت بعودة أعداد محدودة من الفلسطينيين لبلدهم، وفق اعتبارات إنسانية، تحت عنوان «لم الشمل». وبدأ الاحتلال باستهداف «الأونروا» بعد توقيع اتفاق أوسلو، فبدأنا نشهد خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي مناشدات الوكالة بضرورة التزام الدول بدفع مساعداتها المالية للأونروا.
وتعاني «الأونروا» من خلل بنيوي مركزي، يتعلق باعتماد ميزانيتها على المساعدات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، حيث تساهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمعظمها، وهو الأمر الذي استغلته إسرائيل بعد توقيع اتفاق أوسلو من خلال حلفائها لمحاربة «الأونروا» وقضية اللاجئين الفلسطينيين. فتقليص الدعم عن «الأونروا»، والدعم الأميركي والأوروبي المشروط للوكالة، جميعها أدوات استخدمت وفق ذات السياق.
تعددت وسائل محاربة الاحتلال للأونروا، فلم تكتف بالضغط المالي لتقويض أدائها، بل شككت بنزاهتها في أداء مهامها، كما شككت بنزاهة موظفيها الدوليين والمحليين، وهو ما تُوج بادعاءاتها ضد عدد من موظفيها بالمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر، والذي لم يثبت صحتها، والذي سبقه وضع شروط على الدعم للأونروا، سمح بتدخل دول مثل الولايات المتحدة، وجهات مثل الاتحاد الأوروبي بالتدخل في صميم مهامها.
لم يأت موقف إسرائيل مؤخراً باقرار قوانين تمنع «الأونروا» من العمل في القدس، وتوقف العمل بالاتفاق الناظم للعلاقة بين الطرفين في الأراض الفلسطينية المحتلة، إلا كنتيجة لإجراءات مستمرة ومتصاعدة ضد وجود «الأونروا» وموظفيها ومقراتها في القدس والضفة الغربية منذ سنوات، ووصلت اليوم ذروتها مع محاربة وجود المخيمات الفلسطينية ذاتها، في ظل مخطط أوسع لا تخفيه إسرائيل يستهدف القضية الفلسطينية برمتها، ومستقبل الوجود الفلسطيني في فلسطين.








