- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
د. طارق فهمي يكتب: تجاذبات جوهرية أم شكلية بين واشنطن وتل أبيب؟
د. طارق فهمي يكتب: تجاذبات جوهرية أم شكلية بين واشنطن وتل أبيب؟
- 4 أبريل 2023, 8:45:58 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
على الرغم من أن الإدارة الأمريكية سبق وأن وجهت تحفظات على أداء الحكومة الإسرائيلية بسبب جملة من الملفات الداخلية والمتعلقة بالتعديلات في النظام القضائي، ونظام المحكمة العليا الإسرائيلية، وسياسات الائتلاف اليميني الحاكم تجاه السلطة الفلسطينية
فإن كل الشواهد التي تجري في الكونغرس، ومن داخل لجان الاستماع التي تعقد دورياً تشير إلى وجود توافقات حقيقية، وليست تحفظات جدية في بعض الملفات، بما في ذلك ملف القضاء محور الجدل بين الجانبين مؤخراً.
وفي هذا الإطار تحرص الإدارة الأمريكية والكونغرس على نمط وتوجه العلاقات مع إسرائيل باعتبارها - في العرف الأمريكي وداخل مؤسسات القوة في الولايات المتحدة بل والأجهزة القيادية في النظام الفيدرالي - شأناً داخلياً وليس محل أي تجاذب حقيقي، وهو ما يؤكد أن الإدارة الأمريكية لا تريد أن تدخل في مناكفات سياسية، أو حزبية مع الحكومة الإسرائيلية برغم تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بشأن رد فعله على مجمل التصريحات الأمريكية الرسمية بما في ذلك تصريحات الرئيس جو بايدن، واعتبارها شأناً داخلياً، وبرغم إدراكه أن إسرائيل كدولة، وليست كحكومة ليست مجال جدال حزبي أو رئاسي في كل مؤسسات صنع القرار في واشنطن.
وتتحدث الإدارة الأمريكية، وصقور الحزب الديمقراطي عن أن النموذج الإسرائيلي للحكم سيتأثر جراء ممارسات الحكومة الراهنة، وأن وزراء اليمين المتطرف سيذهبون بإسرائيل إلى حالة من العزلة والمقاطعة، وأن الإدارة الأمريكية تتخوف من ارتدادات ما يجري على استقرار الإقليم، وليس فقط استئناف الاتصالات مع الجانب الفلسطيني، ومن ثم كانت مناشدة الإدارة الأمريكية قبل تشكيل الحكومة الإسرائيلية، ولشخص رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بعدم الإقدام على إدخال بعض الوزراء بالاسم في حكومته، وبقائهم في دوائرهم الحزبية خلف الستار كي لا يثار مزيد من القلق والإزعاج سواء في المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما لم يحدث، خصوصاً أن البناء الحزبي للائتلاف كان لا بد أن يعتمد على مقاربة محددة تستند إلى قادة الأحزاب، وليست شخصيات من داخل الكتل اليمينية، لكي يضمن رئيس الوزراء نتنياهو تشكيل الحكومة والاتجاه إلى الأمام بدلاً من الدخول في حلبة مفرغة، وضياع الاستحقاق الانتخابي، وربما العودة لخيارات صفرية، وهو ما دفع "الليكود"، وليس نتنياهو للمضي قدماً في إجراء الترتيبات الحزبية، وتشكيل الحكومة، الأمر الذي أزعج الإدارة الأمريكية وتدخلت عبر دبلوماسييها في السفارة الأمريكية في القدس، الذين باشروا حواراً معلناً مع القوى الحزبية، وهو ما أزعج تكتل "الليكود" وتحفظت عليه شخصيات كبيرة في المعسكر اليميني، واعتبرته تدخلاً في الشأن الداخلي، خاصة أن الأمر امتد إلى الولايات المتحدة عبر اعتراضات "أيباك"، كبرى المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، على ما يجري من إجراءات وتدابير متعلقة بأداء اليمين وممثليه في الحكومة، إذ مضت في نهج التصعيد، الأمر الذي بدا وكأن إسرائيل تحكمها حكومتان بالفعل؛ واحدة يديرها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والأخرى يديرها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وهو ما كان محل اعتراض، وتحفظ داخلي وخارجي، وفي ظل مناورات عدة عملت عليها الحكومة الرسمية عندما تفرغت لتمرير سلسلة القوانين المؤجلة في الكنيست، التي لم تمس القضاء فقط عكس ما هو شائع، بل امتدت إلى تشريعات أخرى مقترحة ستمس كل قطاعات الدولة بما يدفع بسيطرة "الليكود" وشخص رئيس الوزراء نتنياهو على مفاصل الدولة بأكملها.
لهذا كان تحرك الإدارة الأمريكية العاجل لمتابعة ما يجري، خاصة أن الأمر لم يعد مقتصراً على التحفظ على ملفات الداخل، بل أيضاً على ملفات الخارج سواء في إحراج الإدارة الأمريكية وإظهارها بشكل سلبي ومسلم بما يجري خاصة في ملف استئناف الاستيطان، وشرعنة بناء المستوطنات غير الشرعية وفق النهج الإسرائيلي، وإقرار مجلس المستوطنات القومي، وبرغم الحضور الأمريكي الرسمي واللافت في اجتماعي العقبة وشرم الشيخ والاتفاق على إجراءات وتدابير للتهدئة على الجانبين؛ فوجئت الإدارة الأمريكية بأن هذه الحكومة الماضية في نهجها، وساعية لتنفيذ اتفاق ائتلافها بصورة عاجلة، وهي أيضاً التي تريد استئناف التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، وتبادل المعلومات، ووقف المواجهات الفلسطينية والعمليات التي تقوم بها العناصر الفلسطينية، وتثبيت حالة الهدنة في قطاع غزة، ومنع استئناف إطلاق الصواريخ في منطقة غلاف غزة، بالرغم من أن هذه الحكومة لم تقدم على تقديم ضمانات سواء بالتهدئة أو المضي قدماً في مرحلة انتقالية حقيقية يمكن البناء عليها، وهو أمر مستبعد في ظل ما يجري من سياسات غير مسبوقة، بل والتصعيد في مسلسل لا ينتهي من الاقتحامات والتصميم على نقل رسالة لقطعان المستوطنين بأن الحكومة لن تتنازل، أو تقدم على تقديم تنازلات من أي نوع في الفترة المقبلة، وأن الشعار الذي تعمل به فعلياً هو التهدئة مقابل التهدئة والأمن مقابل الأمن.
أضف إلى ذلك تصميم الحكومة الإسرائيلية على حسم التعامل مع الملف الإيراني بصورة مباشرة في ظل تخوفات إسرائيلية على المستوى الاستخباراتي مطروحة بأن وصول طهران إلى مرحلة العتبة النووية سيؤدي إلى كارثة، ومن ثم فإن البديل المطروح التعامل بمقاربة استباقية للمواجهة مع استمرار التنسيق الأمني والاستخباراتي واللوجستي، وهو ما قبلت به واشنطن بالفعل، وكان محور كثير من جلسات الحوار بين مسؤولي الأمن والاستخبارات والأمن القومي في البلدين، وعبر لجنة الحوار الاستراتيجي، التي لا تزال تباشر مهامها، خاصة أن نواب الكونغرس دخلوا على الخط في إطار آليات التعامل التي تُقترح أمريكياً، وتركز على ضرورة المضي قدما في مسار توافقي وليس تصادميا .
في كل الأحوال فإن الإدارة الأمريكية ستعمل على مساحات رحبة من مصالح كبرى مشتركة مع الحكومة الإسرائيلية، لكن بضوابط ومسارات محددة يمكن المضي فيها، خاصة أن الإدارة الأمريكية لا تريد أن تذهب إلى وسائل الضغط التي سبق أن نفذتها إدارات سابقة، وأدت إلى نتائج سلبية، ومنها إدارتا بوش الابن وإدارة كلينتون، وهو ما تضعه الحكومة الإسرائيلية الراهنة بعناصرها اليمينية في تقييماتها، التي ترى أن أي موقف مطروح من قبل الإدارة الأمريكية، ومن شخص الرئيس جو بايدن شخصيا يجب أن يُبنى على مصالح مشتركة وواضحة، مع الإقرار أولا بأمن إسرائيل واستقرارها، وهو ما يعني إسرائيلياً ضرورة مراعاة المتطلبات الإسرائيلية تجاه إيران، وأنها من تقرر أمنها بالفعل، ولكن في توقيت محدد يجب أن تشارك الإدارة الأمريكية إسرائيل في نهجها، وأن تعيد انخراطها في بناء مقاربات إقليمية حقيقية، وتشجع أفق السلام الأمني والاقتصادي، وألا تتوقف عند مساحات محددة من الخلاف، الأمر الذي يتطلب إعادة تشجيع السلطة الفلسطينية على الالتزام بما تطرحه إسرائيل في استئناف كامل للتنسيق الأمني والتهدئة في قطاع غزة، وأن تعمل على إعادة دعم إسرائيل عبر الموافقة على تطوير مؤسسات التعاون والشراكة الاستراتيجية في إطار رؤية تركز عليها الحكومة الإسرائيلية بدعم جديد، ومطلوب خارج برنامج المساعدات المقرة سنوياً للظروف والتحديات التي تواجه الدولة في محيطها، وينبغي التعامل الأمريكي معها، وعدم التوقف فقط عند قضايا الداخل والحديث عن تشريعات هي شأن داخلي في إسرائيل .
في المقابل، ستعمل الإدارة الأمريكية على عدم الصدام المفصلي، والاعتماد على نهج منتصف الطريق، خاصة أن الموقف الراهن في إسرائيل – برغم تعدد سيناريوهاته الراهنة والمنتظرة – ستحكمه ضوابط عدة أهمها عدم وقوع صدامات في المواجهات المحتملة بين المؤيدين والمعارضين لموقف الحكومة الإسرائيلية، أو تجدد المواجهات في مدن الضفة فيما يتبقى من الشهر الفضيل، واحتمالات حدوث مواجهات بين قطعان المستوطنين والفلسطينيين، وهو ما قد ينقل رسائل في اتجاهات عدة. ومن المؤكد أن الإدارة الأمريكية ستظل تراقب وتتابع وترصد ما يجري مع التأكيد المكرر بحرصها الدائم والمكرر على أمن واستقرار إسرائيل.