- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
د. عمرو هاشم ربيع يكتب: الحوار الوطني في مصر.. هل من فرص للنجاح؟
د. عمرو هاشم ربيع يكتب: الحوار الوطني في مصر.. هل من فرص للنجاح؟
- 16 يونيو 2023, 12:07:43 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا زالت أعمال "الحوار الوطني" الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أحد موائد إفطار رمضان قبل الماضي (2022) في بداياتها، وتسير بشكل مكثف منذ أن دشن مجلس أمناء الحوار مناقشات الخبراء والحزبيين في 14 مايو/أيار 2023، بعد نحو 10 أيام من حفل الافتتاح.
وأدى تأخر بدء جلسات الحوار بين القوى السياسية والخبراء -لما يزيد على عام- إلى إحباط لدى المتابعين، وميل إلى اعتبار الدعوة إليه نوعا من الفرقعة الإعلامية، لكن الحقيقة أن هذا الوقت الطويل كان ضروريا للإعداد الجيد لعدد من الأمور الإجرائية، التي لولاها لفشل كل ما تبع جلسات الإعداد التي بلغت 23 جلسة.
محددات الحوار
ووضع مجلس أمناء الحوار عدة محددات شكلت إطارًا حدوديًا له:
- الأول: أنه حوار سياسي، وإن تطرق للعديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية.
- الثاني: أنه حوار بين السلطة والمعارضة، وبذلك فإن ما يمكن أن يقال عنه إنه حوار بين خبراء أو متخصصين لا أساس له من الصحة، وغرضه البعد عن الهدف المرجو منه، كما أن غرضه بقاء المجال العام على حاله من الانسداد.
ويرتبط بهذا المحدد أمر آخر، وهو أن المشاركين فيه ينتمون إلى كل المدارس الفكرية (اليمين واليسار والوسط والتيار الإسلامي)، ولم يُستبعد منه إلا جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم. - الثالث: هو التأكيد على عدم المساس بدستور البلاد، وهو دستور 2012 المعدل عامي 2014 و2019، فهذا الدستور -على ما به من مثالب في رأي البعض- يجب تنحية الخلاف حوله حتى لا تتشتت الجهود والرؤى، إذ إن القرار بشأن تعديله لا يتحكم فيه مديرو الحوار ولا المشاركون فيه، فللبرلمان الدور الرئيسي والنهائي في هذا المجال، ومن ثمّ قد لا تأتي التعديلات النهائية عليه (حال إدراجه في جدول الأعمال) على غير هوى أطراف الحوار.
- الرابع: الابتعاد عن كل ما يرتبط بالأمن القومي للبلاد، والمقصود هنا المعنى الضيق للأمن القومي، وليس المعنى الواسع الذي يقوض استبعاده كل أركان الحوار، والمقصود هو النأي بمهام السياسة الخارجية المصرية عن النقاش.
- الخامس والأخير: هو التأكيد على التقدير الكامل لكل مؤسسات الدولة، لا سيما البرلمان؛ إذ المعروف أن الحوار بين السلطة والمعارضة في أي نظام سياسي هو وظيفة معنوية يقوم بها البرلمان، وإيكال تلك المهمة إلى تنظيم جديد ومؤقت هو "الحوار الوطني" قصد منه تأسيس كيان أكثر جرأة من البرلمان في التعاطي مع المعارضة، من دون أن يكون بديلا عنه؛ ببساطة لأن بعض مخرجات ذلك الحوار تحتاج للتمرير في صورة تشريعات يصدرها البرلمان.
تأخر بدء جلسات الحوار لما يزيد على عام أدى إلى إحباط لدى المتابعين، وميل إلى اعتبار الدعوة إليه نوعا من الفرقعة الإعلامية، لكن الحقيقة أن ذلك الوقت الطويل كان ضروريا للإعداد الجيد
قضايا الحوار
وتتشعب قضايا الحوار في 3 محاور: سياسي واقتصادي ومجتمعي، وضمن تلك المحاور توجد 19 قضية مركزية:
- ففي المحور السياسي: يُنَاقش النظام الانتخابي ومباشرة الحقوق السياسية، والحريات العامة وحقوق الإنسان، والأحزاب، والمجتمع المدني.
- وفي المحور الاقتصادي: يناقش الدين العام، والاستثمارات، والبطالة، والصناعة، والزراعة، والسياحة.
- وفي المحور المجتمعي: تناقش قضايا الصحة والتعليم والسكان والهوية.
ولكل من تلك القضايا تفرعات سيتطرق إليها النقاش، يصل عددها إلى نحو 113 قضية جانبية. فمناقشة النظام الانتخابي ومباشرة الحقوق السياسية تتفرع عنها مثلا مناقشة شكل النظام الانتخابي لمجلسي النواب والشيوخ، وعدد أعضاء كل مجلس، وقضية التفرغ لعضوية المجلسين… وهكذا.
لكن على الرغم من كل ذلك، فقد غابت بعض القضايا عن الحوار، وما كان لها أن تغيب، منها على سبيل المثال بحث تفعيل مواد الدستور التي حتمت إصدار قوانين معينة في آجال محددة، وهي آجال مضت بالفعل من دون أن تصدر، مثل قانون العدالة الانتقالية، الذي تلتزم الدولة بإصداره -وفق الدستور- عام 2015 كحد أقصى (مادة 241)، والغرض منه إنهاء الضغائن بين القوى السياسية التي لم تتورط في أعمال عنف.
والتزام الدولة بسن قانون منع ندب القضاة إلى جهات غير قضائية (المادتان 186و239)، وهو القانون الذي يحول دون إفساد القضاة من خلال ندبهم إلى دواوين الحكومة للاشتغال بأعمال يغلب عليها الطابع السياسي أو الإداري.
وكذلك التزام الحكومة وفق المواد 18و19و21 و23 من الدستور بأن تنفق على كل من الصحة والتعليم والتعليم الجامعي والبحث العلمي نسبا تصل -على الترتيب السابق- إلى 3% و4% و2% و1% من الناتج القومي الإجمالي، وتتصاعد تدريجيًا لتصل للمعدلات العالمية، وهو ما لم يحدث إلى الآن.
وعلى أية حال، فإن النقاش حول القضايا المدرجة ضمن المحاور الثلاثة ستستمر خلال الأسابيع التالية، ويبدو أن الحد الزمني للانتهاء منها هو بدء إجراءات انتخابات الرئاسة التي تسبق يونيو/حزيران 2024 بـ4 أشهر كما نص الدستور في المادة 140.
مؤشرات النجاح
وهنا يبقى السؤال الختامي: هل من مؤشرات على نجاح للحوار الوطني؟
للإجابة عن هذا السؤال نطرح بعض الأفكار الرئيسة:
- أولا: ينبغي ملاحظة أن مخرجات الحوار الوطني ستتضمن توصيات بعضها لن تكون مكلفة ماديًا للجهات التنفيذية، وأخرى مكلفة. ولا شك أن غالبية المقترحات في المحورين الاقتصادي والاجتماعي هي مقترحات مكلفة قد يتأخر تنفيذها بعض الوقت.
وعلى العكس، فالقضايا ذات الطابع السياسي لن يكون أغلبها مكلفا. خذ مثلا تقرير سياسة محددة للحبس الاحتياطيّ أو دعم المجتمع المدني، فهي أمور لا تحتاج إلا لانعقاد النية لتنفيذها، وقارن ذلك بإقرار خطة لزيادة الصادرات أو زيادة الاستثمارات أو تحسين أوضاع المعلمين، وكلها أمور تتطلب أعباء مالية.
- ثانيًا: التوصيات التي ستحظى بالتوافق هي أقوى وأقرب للتنفيذ من تلك التي ستخضع لتصويت تختلف فيه الآراء؛ ففي الحالة الثانية ترفع الآراء المختلفة لرئيس الدولة ليرجح كفة على أخرى، وهو أمر غير محبب لأحد بمن فيهم الرئيس نفسه. خذ مثلا، مناقشات النظام الانتخابي، أليس من الأنجع رفع تقرير للرئيس يتحدث عن تفضيل نظام انتخابي بعينه بدلا من تشتيته بالحديث عن عدة نظم انتخابية يعلمها الرئيس جيدا؟!
المقصود هنا أنه كلما غاب التوافق وانقسمت الآراء زادت فرص بقاء الأوضاع غير المرضية على ما هي عليه. - ثالثًا: كلما ركزت مخرجات الحوار على الشأن الداخلي -لا الخارجي- زادت فرص تطبيقها. خذ على سبيل المثال سن قانون الإدارة المحلية أو تأسيس مفوضية للتعليم، وقارن ذلك بفتح أسواق لصادرات مصر أو جذب استثمارات أجنبية أو معالجة الدين الخارجي. المؤكد أن مقترحات الشأن المحلي حظها أوفر في التطبيق.
- أخيرًا: هناك مخرجات تحظى باتفاق على المبدأ وعلى التفاصيل في آن واحد، وهذه ستكون حظوظها في التنفيذ أكبر؛ مثل موضوع الحبس الاحتياطي، والسياسات المحددة المطلوبة بشأنه. وفي المقابل هناك مخرجات سيكون هناك اتفاق بشأنها على المبدأ وخلاف على التفاصيل؛ مثل سنّ قانون جديد للتعليم الجامعي أو تعميم تجربة التأمين الصحي أو توافر الأسمدة للفلاحين. هذا النوع من المخرجات سيأخذ بعض الوقت لتنفيذه بسبب الخلاف حول الآلية. ثم هناك المخرجات التي قد يحدث حولها خلاف على المبدأ والتفاصيل معا، كالخلاف على النظام الانتخابي، وهذه ستكون الأصعب في التنفيذ.
على أية حال، فإن تأكيد إدارة الحوار على أن مجلس أمنائه سيرفع مخرجات كل قضية انتهى النقاش فيها -على حدة- إلى رئيس الدولة، يجعل من ردّ فعل السلطة التنفيذية -وربما التشريعية- على تلك المخرجات هو الاختبار الحقيقي لمدى نجاح تجربة الحوار برمتها.