- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
د. ناصر محمد معروف يكتب: سِرٌّ عميق لسبب اتفاق سائر المعتقدات واتحادها في محاربة المسلمين
مائدة: خاصة ومهمة
د. ناصر محمد معروف يكتب: سِرٌّ عميق لسبب اتفاق سائر المعتقدات واتحادها في محاربة المسلمين
- 10 يناير 2023, 3:00:05 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مائدة: خاصة ومهمة
لماذا العالم كله يتحد ويجمع على حرب الإسلام؟
ولماذا يتوافق العالم مع الحكومات المسلمة هذا الزمان؟
الجواب: سيُفْهَمُ ضمنا من خلال ما يلي:
بعث النبي ﷺ والناس متفرقون مشتتون حتى في عقائدهم وأفكارهم، وقد بلغت الأفكار والعقائد يوم مبعثه (360) صنما وعقيدة، قال عبد الله بن مسعود: (دَخَلَ النَّبيُّ ﷺ مَكَّةَ، وحَوْلَ الكَعْبَةِ ثَلَاثُ مِئَةٍ وسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بعُودٍ في يَدِهِ، وجَعَلَ يقولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ})
لم يختلف العرب في الجاهلية على اختلاف أفكارهم وعقائدهم، وكانوا يعقدون الأحلاف، وينصر بعضهم بعضا على اختلاف آلهتهم، مع أن لكل قبيلة (فكرا يمثلها)، صنما يعبدونه من دون الله، فعن ابن عباس قال: (صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب تعبد، أما ودّ؛ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع؛ فكانت لهذيل، وأما يغوث؛ فكان لمراد، ثم لبني غطيف، بالحرف عند سبأ، وأما يعوق؛ فكانت لهمدان، وأما نسر؛ فكانت لحمير، لآل ذى الكلاع) البخاري، وهكذا كانت قبل بعثة النبي ﷺ، فهبل لقريش، واللات لثقيف، والعُزى لغطفان وتعظمها قريش أيضا، ومناة للأوس والخزرج، فبعض هذه الآله يعتقد أنه إله الصيف وبعضها إله الشتاء، وبعضها ألهة تجلب العِزَّة والنصر، كالعُزّى، ولذلك صرخ أبو سفيان يوم أحد فقال: "لنا العُزَّى ولا عزة لكم".
جاء الإسلام ولم يُحارب في بدايته، وبعد أن وضحت فكرته، اشتعلت النيران في قلوب العرب، وسلطوا سيوفهم عليه، وكلما ازدادت قوته، ازدادت شراسة العرب ضده، وما يفسر لنا سرَّ العداوة، هو العروض التي كانت قريش تعرضها على المسلمين، فعن ابن عباس: (أن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة، ويزّوجوه ما أراد من النساء، ويطئوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكفّ عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل، فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح. قال: “ما هي؟ ” قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزي، ونعبد إلهك سنة، قال: “حتى أنْظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدِ رَبّي”، فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) السورة).
إذاً، هم لا يعترضون على الإسلام كدين، وهم على استعداد أن يعاملوه كما يعاملون باقي الأفكار ال (360) بل أكثر من ذلك، فهم مستعدون أن ينصبوا محمدا ﷺ عليهم ملكا، ويعطوه الأموال، كما عرضوا عليه ذلك من خلال عتبة بن ربيعة، فقال: (يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا).
وهنا تتجلى الفكرة وتظهر جليّة في ردّ النبي ﷺ: (يا عماه، والله لوْ وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهره الله أو أهلك فيه ما تركتُه)، إذاً فالقصة ليست فقط صلاة وصيام، وعدم التدخل في أفكار الناس، وتركهم وما يعتقدون ويعبدون، فديننا ليس محصورا في أداء هذه الطقوس والإعتقاد بأنني على الحق، إنما الفكرة هي أكبر من ذلك بكثير، وهي: أن هذا الدين يجب أن يتدخل في سائر حياة الناس، ويوجههم جميعا إليه، ويطالبهم بتوحيد الأفكار والمعتقدات حول معتقد واحد وفكر واحد لا محيد عنه، والالتزام بشرائعه وانضباط الحياة بها، وهذا هو دور المسلمين، وهو أن يقوم كل واحد منا بواجبه، فلا يرض أن يعلو الباطل وهو موجود، بل لا بد أن يجاهد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وهذا التدخل والإصلاح هو هذا الدين، وهو الاستسلام لخالق الأرض والسماء، الاستسلام لمنهج رب الأرض والسماء، وأن ينوب أحدنا عن الله في تنفيذ أحكامه على الأرض، (إني جاعل في الأرض خليفة)، ولهذا كانت هذه العداوة للإسلام، وكان الإجماع من جميع الأفكار والمعتقدات وتحالفهم صفا واحدا لإزالة هذا الدين عن طريقهم، فهل عرفنا السر، وهل عرفنا سبب معاداتنا؟
د. ناصر محمد معروف