- ℃ 11 تركيا
- 25 نوفمبر 2024
د. ناصر محمد معروف يكتب: كاهل الأمة ثقيل والأمانة تحتاج التكاتف
د. ناصر محمد معروف يكتب: كاهل الأمة ثقيل والأمانة تحتاج التكاتف
- 14 فبراير 2023, 6:51:25 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أسبوع القدس العالمي: نستعيدها معاً 3
كاهل الأمة ثقيل والأمانة تحتاج التكاتف
إن من دلائل ميراث الاستخلاف في الأرض آيات بينات تقيم الحجة علينا وتثقل كاهلنا، ولا استطاعة لحملها إلا بتكاتف الجهود ، وتوحيد الصفوف لمواجهة عدوٍّ متغطرسٍ يتشبث بباطله، ويظن أنه قادر على إقناع الناس بأنه صاحب الأرض.
لقد تدَرَّجت سورة البقرة معنا، تُظهر لنا كيف تَقَلَّبَ الاستخلاف على الأرض،{قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129]، حيث بدأت السورة تضرب لنا مثلاً كيف تَقَلَّبَت الأجيال في الاستخلاف ، فمنهم من نجح، ومنهم من فشل، حتى جاءت أمتُنا، كما يلي:
(1) (إني جاعل): نموذج تجريبي في الجنة يأخذ الدرس قاسياً فيخسرُ النعيم ويهبط إلى الحياة في الأرض؛ ليبدأ الاستخلاف العملي، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] ، {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: 35، 36].
(2) (وأني فضلتكم): نموذج فاشل، بدأ يمارس الاستخلاف على الأرض، ويتولى مهام إدارتها، فلم يحفظ الأمانة، وفشل فشلاً ذريعاً فاستحق العقاب، وهم بني إسرائيل، قال تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40]، واستمر القرآن في السورة من الآية (40 حتى الآية 123) يُسْهِبُ كيف أمدَّ الله لهم وهم يُكَرِّرُون الفشل تلو الفشل، حتى استبدلهم الله سبحانه.
(3) (إني جاعلك): نموذج ناجح بامتياز، يضرب الله به المثل ويُعَلِّمنا، قال تعالى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124].
(4) (وكذلك جعلناكم): وهكذا فالجَعْلُ يُحَوَّلُ من نبي الله آدم، إلى نبي الله إبراهيم، إلى بني إسرائيل، إلى أمتنا، أمة محمدﷺ، لينظر كيف نتصرف ونعمل، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]
ويبدأ الله سبحانه بأول توجيهات المؤمنين، فبدأ ينبههم ويحذرهم من مسايرة اليهود في أقوالهم وأفعالهم، فأول فشلهم أنهم كانوا يُحَرِّفُون الألفاظ والكلمات، فيوهمون السامع كلاماً ويقصدون غيره مستهزئين، وإن العلم لن يؤتى إلا بالاستماع الصحيح، والتأني، فقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104]، فالاستخلاف لا يمكن أن يقوم به جاهل، وأكبرُ أضراره، تقليد اليهود، والسير على خُطَاهُم ومطاوعتهم في أفكارهم الملوثة الفاسدة.
ثم جاء التكليف باستخلاف هذه الأمَّة، وذلك في أول توجيه لنا، بقوله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]، فكان المطلب أن تتوحد المقاصدُ تجاه جهة واحدة، فوحَّدَ الله وجهة الأبدان إلى الكعبة المشرفة، وطالبنا بأن نوحِّدَ الأفكار والتصورات والمقاصد، فتكون الوجهة والتصور والمقصد على قلب رجل واحد.
واليوم ونحن نعيش ذكرى الإسراء والمعراج والفتح الصلاحي للمسجد الأقصى، نَسْتَذْكِرُ كيف استطاع صلاح الدِّين تحرير المسجد الأقصى، فنجد أنه لم يستطع ذلك؛ إلا بعدما استطاع أن يوحد وجهة المسلمين ومقصدهم؛ في أرجاء العالم الإسلامي، فعلمنا أن المسجد الأقصى لا يمكن أن يحرر بغير ذلك.
إن ما يمُرُّ به المسجد الأقصى ومدينة القدس؛ ليحتاج من الأمة أن تتوحد خلف منهجها، وأن تنبذ الخلافات، وأن تَسْتَذْكِرَ أن التيه المعنويّ الذي تعيشه أمتنا هذه الأيام؛ لا يمكن أن يُنْزَعَ إلا بالعودة إلى المنبع الأصيل؛ فتتوحد وجهة الأمَّة ومقصدها وتصوراتها حوله، فلا يُعقَل أن يتكاتف مع عدونا حكومات العالم الغربي، ونحن هنا نتفرق ونُطالب برفع الظلم عن المسجد الأقصى، فالتفرُّقُ وترك العمل للمسجد الأقصى ومدينة القدس، حتما فإن نتيجته التيه، كنتيجة التيه لأتباع نبي الله موسى ﷺ، وإن هذا التّيه سيظل قائماً خافضاً لهذه الأمة حتى تصحوا من غفلتها، وتستيقن أن العزة بالتّوَحُد واسترداد مسجدنا الأقصى ومدينة القدس.