رامي أبو زبيدة يكتب: هكذا كسر عدي التميمي جبروت "الجيش الذي لا يقهر"

profile
رامي أبو زبيدة كاتب وباحث بالشأن العسكري والامني
  • clock 20 أكتوبر 2022, 3:07:26 م
  • eye 950
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عدي التميمي، شاب فلسطيني... حمل سلاحه ومضى باتجاه مقاتلة الأعداء.. لم يدخل كلية عسكرية يتعلم فيها فنون القتال واقتحام المواقع، وكان يدرك أن مهمته ليست سهلة.. أمام جيشا يمتلك من الدبابات والطائرات والصواريخ والعتاد أكثر بكثير من مسدس بيده، ولكنه قبل دون تردد أن يكون مثالًا ونموذجًا فريدًا في الإقدام والشجاعة، فكان في مواجهة الاحتلال يعدل مئة من الرجال، يواجه لا يهاب الموت دفاعًا عن الحق.

عملية حاجز شعفاط 

شكلت عمليته على حاجز شعفاط صدمة امنية للاحتلال الاسرائيلي، وبرزت قدرته على مفاجأة قوات الاحتلال على الحاجز، والوصول إلى المكان المحدد، ومن ثم الانقضاض عليهم وشل حركتهم قبل أن يبدأوا بالرد.

رعب وإرباك عاشه جنود العدو خلال عملية عدي الأولى على حاجز شعفاط وأثارت مشاهد العملية التي سُربت، عاصفة من الانتقادات الداخلية في الكيان الإسرائيلي، بعد عجز عشرات الجنود عن مواجهة مقاوم فلسطيني واحد يحمل مسدسًا.

مراسل القناة "13" لشؤون القدس يوسي إيلي، قال: إن المشاهد القاسية لعملية حاجز شعفاط تدلل على إخفاق رهيب، مشيرًا إلى أن 15 جنديًا كانوا في المكان على شكل مجموعات كبيرة خلافًا للتعليمات. وأن "الجنود فشلوا في مهمة منع العملية، وفشلوا في استهداف المنفذ"، واصفًا المشاهد بـ "القاسية جدًا".

أما المراسل العسكري "تال ليف رام" قال إن: "الفيديو يدلل على وجود خلل خطير في أساليب عمل الجيش وكيفية تمكن مسلح واحد من اختراق صفوف عشرات الجنود والخروج سالمًا من بينهم".

المطاردة والحصار والحاضنة 

بعد العملية فرض الاحتلال الاسرائيلي الحصار المشدد على مخيم شعفاط، وبلدة عناتا في مدينة القدس المحتلة، ومنطقة حاجز قلنديا العسكري، فأغلق مداخل ومخارج مخيم شعفاط، وسط مداهمات لا تتوقف بحثا عن عدي التميمي، حيث شهدت مناطق متفرقة من القدس، منها العيسوية، وسلوان مواجهات.

وفي محاولة لممارسة الضغوطات على التميمي ودفعه لتسليم نفسه، اعتقلت قوات الاحتلال والدة ووالد وشقيق المنفذ، إضافة للشخص الذي أقله في مركبته، وثلاثة شبان آخرين يدّعي الاحتلال أنه يُشتبه بأنهم قد ساعدوه، بحسب زعمهم.

على عكس حسابات الاحتلال، قرر المخيم أن يواجه ما يفرض عليه، فأعلن أهالي المخيم العصيان المدني، وخاضوا المواجهات مع قوات الاحتلال. وكان للمخيم والاهالي من الساعات الأولى بعد العملية دور مهم في التشويش على جهود الاحتلال للوصول للمقاوم عدي التميمي.

القناة 13 العبرية كشفت أن هذا الاحتضان عقد التحقيقات في قضية المطارد التميمي، وبالتالي جعل أمر الوصول إليه صعبا، عبر قيام أهالي مخيم شعفاط بحذف تسجيلات الكاميرات، بل وصل الحد عند بعضهم إلى حرق الكاميرات ككل مع أجهزة التسجيل الخاصة بها، وهو ما أثار غضب الاحتلال، وفق اعتراف القناة. 

ولم يكن هذا هو الشيء الوحيد الذي قام به الأهالي لحماية المطارد، فقد قام شبان المخيم بحلق شعر رؤوسهم على درجة صفر، من أجل التمويه ومنع الاحتلال من الوصول للتميمي، وهو الأمر الذي تسبب بغضب واسع لدى الإسرائيليين، وتحدث إعلاميون ومحللون إسرائيليون عن الدعم الواسع الذي حظي به التميمي، وأشاروا إلى أن الحاضنة الشعبية التي حظي بها الشهيد هي التي أعاقت عمل وجهود أجهزة الأمن الإسرائيلية في الوصول إليه بسرعة، كما كان يحدث في السابق.

الحاضنة الشعبية والدعم الذي حظي به الشهيد عدي التميمي كان واضحا وواسعاً، فعمليته الغير مألوفة وجرأته التي تميز بها، من حيث عنصر المفاجأة والإقدام ومواجهته الجنود الإسرائيليين وجهاً لوجه ومن مسافة صفر، كما حدث في الهجوم على الحاجز العسكري المقام على مدخل مخيم شعفاط.

وفشلت دولة الاحتلال الصهيوني بكافة أجهزتها الأمنية والعسكرية ووسائلها التكنولوجية المتطورة لأكثر من 11 يوميا، في الوصول للمطارد عدي التميمي أو حتى الحصول على معلومة تمكنها من اعتقاله أو تصفيته ميدانياً، بعد أن شكل هاجسا وشبحاً مرعباً يطارد الاحتلال في كل مكان، بعد تنفيذه عملية حاجز شعفاط

فشل الاحتلال في الوصول لمعلومة أو مكان تواجد المطارد عدي كان نتيجة عدم استخدامه الوسائل التكنولوجية وحجم الذكاء الذي يتمتع به وامتلاكه استراتيجية عالية في التخطيط لكافة مراحل عمليته.

كسر جبروت الجيش الاسرائيلي

مساء الأربعاء خاض عدي التميمي، اشتباك مسلح حتى الرمق الأخير، قبل استشهاده مع حراس المستوطنة على مشارف مستوطنة "معالي أدوميم" شرقي القدس المحتلة، في فشل جديد للمؤسسة الامنية والعسكرية الاسرائيلية في اعتقاله، رغم مرور أحد عشر يوماً على تنفيذه عملية إطلاق النار عند حاجز شعفاط شمالي القدس المحتلة.

وتجددت الانتقادات في صفوف محللين عسكريين في الصحف العبرية، إذ اعتبروا أنّ تمكّنه من البقاء مختبئاً، وفشل قوات الاحتلال في الوصول إلى موقعه، يؤكد أنّ على الجيش وجهاز المخابرات، إعادة النظر في سبل عملهما، وفق ما ذهب إليه، كل من أمير بوحبوط في موقع "والاه"، وليلاخ شوفال في صحيفة "يسرائيل هيوم".

واعتبر بوحبوط، في موقع "والاه" أنّ ما حدث، من فشل الجنود عند حاجز شعفاط في التصدي للتميمي عند تنفيذ عمليته، ثم تمكّنه من البقاء تحت الأرض وعدم الوصول إليه، بل وتمكّنه من الاستعداد لتنفيذ عملية أخرى، يؤكد فشل أساليب المنظومة العسكرية والاستخباراتية "الإسرائيلية" في عملها.

وبيّنت واقعة استشهاد التميمي في اشتباك مسلح، ليل الأربعاء، بحسب بوحبوط، حجم الفجوة بين ما تحدث عنه الجيش "الإسرائيلي" والمخابرات، في تشديد الحصار على مخيم شعفاط، واستخدام كل الأساليب والأدوات التكنولوجية المتطورة في البحث عن التميمي عبر المسيّرات التي أعلن الجيش والمخابرات وشرطة القدس المحتلة عن استخدامها بكثافة، على مدار الأيام الأخيرة في مطاردته.

بطولة عدي التميمي توضح أن هناك فجوة واضحة لدى الجيشُ الإسرائيليُّ ووحداته بسبب الفرق بين المعرفة والفهم، وصعوبة استيعاب أهمِّيَّة التَّهديد، وعدم استعداده لذلك، وأن العمليات الميدانية وتغيير تكتيكات تنفيذها تكشف الكثير من الفجوات والتحديات بين الوضع المرغوب واستعداد القوات والوضع الحالي لوحدات الجيش الإسرائيلي.

وهكذا نجح عدي مرتين في ضرب منظومة أمن "إسرائيل" في مقتل، أولها كان بنجاحه في اقتحام حاجز شعفاط، وتنفيذ عمليته البطولية بتخطيط منفرد وذكاء وشجاعة تُحسب له وبنجاحه في الهروب من جيش الاحتلال وتخفيه عن أعين عملائه، فيما تجلت الضربة الثانية بالاشتباك مع حراس المستوطنة على مشارف مستوطنة "معالي أدوميم"

تبين مسيرة عدي التميمي انه في الصراع الدائم والأبدي بين المقاومة، وبين العدو المحتل، فإن التقييم الحقيقي لا يقاس بعدد الإصابات أو الخسائر البشرية والمادية، بل بإحساس المحتل أنه يخسر معنوياً ومادياً وأن إرادة المقاومين لن تنكسر، حتى تأتي النهاية المحتومة وهي التحرر ودحر الاحتلال وهزيمته.

 ولتكن وصية عدي التميمي وكلماته البسيطة المختصرة، التي قال فيها "أنا المطارد عدي التميمي من مخيم الشهداء شعفاط.. عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطة في بحر النضال الهادر". وأضاف: "أعلم أنني سأستشهد عاجلاً أم آجلاً، وأعلم أنني لم أحرر فلسطين بالعملية، ولكن نفذتها، واضعًا هدفًا أساسيًا أن ثمرة العملية مئات من الشباب ليحملوا البندقية من بعدي". نبراساً وطريقاً لأنه لا شيء يثبت صدق وصايا الشهداء بقدر الموت نفسه. فتصبح تلك الوصايا بمنزلة شيء مقدس


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)