رغم الحصار الأمريكي.. إيران تحقق اختراقات سياسية مثيرة للإعجاب

profile
  • clock 25 يونيو 2023, 6:51:31 ص
  • eye 468
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ورث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن سلفه نفس المشكلة السياسية الشائكة في الشرق الأوسط التي ورثها دونالد ترامب عن باراك أوباما، والتي ورثها أوباما عن بوش، وهكذا وصولا إلى جيمي كارتر وهي كيفية التعامل مع إيران. ومقارنة بالإدارات السابقة يبدو أن فريق بايدن قد استقر على إحدى الأدوات المفضلة لبيل كلينتون وهي "الاحتواء".

يتناول تشارلز دبليو دن في مقاله على موقع "المركز العربيواشنطن دي سي" طرق مواجهة واشنطن لسياسات إيران الإقليمية "المزعزعة للاستقرار"، من برنامجها النووي إلى طموحاتها في الهيمنة على العراق وسوريا ولبنان، مشيرا إلى أن إدارة بايدن عملت بجد لبناء جبهة موحدة من الشركاء الإقليميين والحلفاء لمواجهة "التهديد الإيراني".

ويرى المقال  أن بايدن وفريقه بنوا على اتفاقات إبراهيم التي أبرمتها إدارة ترامب في محاولة لإحداث تطبيع واسع بين العرب وإسرائيل. والهدف هو توسيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية بين إسرائيل وجيرانها العرب، ولا سيما دول الخليج، وخلق جبهة موحدة لتقييد "عدوانية إيران" وتقليص طموحاتها الإقليمية.

ووفق الكاتب، فقد حققت هذه السياسة بعض النجاحات الملحوظة، على الأقل من حيث التقارب العربي الإسرائيلي، على الرغم من أنها لم تعمل حتى الآن على استقرار الوضع المتوتر بشكل متزايد في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي عام 2022، صممت الإدارة الأمريكية إنشاء تجمع سياسي اقتصادي جديد، وهو منتدى النقب، يجمع بين مصر والإمارات والبحرين والمغرب وإسرائيل للعمل معًا في إطار تعاون إقليمي لمعالجة العديد من الجوانب الاقتصادية والبيئية، وقضايا الاستقرار الإقليمي.

ويشير الكاتب إلى أن الإدارة الأمريكية روجت لحقيقة أن أكثر من 200 مناورة عسكرية أجريت في المنطقة في العامين الماضيين، بما في ذلك مناورات "جونيبر أوك"، الأكبر في المنطقة حتى الآن، تأتي كرسالة واضحة لإيران.

ومع ذلك، يرى المقال أن استراتيجية الإدارة لم تفعل الكثير لتحقيق إحدى أولوياتها القصوى: التأثير على طموحات إيران الإقليمية والحد من حريتها في التصرف، حيث حققت إيران مكاسب سياسية مهمة في الأشهر الستة الماضية، لا سيما على الصعيد الدبلوماسي، وتحدت الولايات المتحدة في سوريا، وربما تفعل ذلك مرة أخرى في العراق أيضًا.

ويرى الكاتب أن الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لصانعي السياسة الأمريكيين هو حقيقة أن بعض هذه المكاسب جاءت بمساعدة، مقصودة أو بغير قصد من السعودية، الدولة التي كانت واشنطن تتعامل معها باعتبارها ركيزة أساسية لاستراتيجيتها الأمنية الإقليمية.

وربما تقوم الإدارة الآن بالتحوط في رهاناتها من خلال البحث عن طريقة تفاوضية لتهدئة التوترات مع إيران، لكن نجاح ذلك ليس مؤكدا، ويبدو أن استئناف المواجهة هو الطريق الأوضح للمستقبل.

الانتكاس الأمريكي في الخليج

منذ الفشل الواضح في العام الماضي للمحادثات متعددة الأطراف لاستئناف الاتفاق النووي الإيراني، ركزت سياسة إدارة بايدن بدلاً من ذلك على احتواء "الأنشطة الخبيثة" لإيران في المنطقة. وقد اشتمل هذا بشكل أساسي على دبلوماسية حذرة تهدف إلى البناء على اتفاقيات إبراهيم التي أبرمتها إدارة ترامب لتوسيع دائرة الدول العربية الراغبة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

غير أن هذه الاستراتيجية تعرضت لضربة سياسية في أبريل/نيسان، عندما أُعلن أن الصين توسطت في اتفاقية بين السعودية وإيران لاستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة.

ويعتقد الكاتب أن الصفقة التي توسطت فيها الصين ساعدت في خفض التوتر مع تعزيز هدف المملكة المتمثل في انتهاج سياسة خارجية أكثر استقلالية عن واشنطن وهو هدف رئيسي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. لكنها أثبتت أيضًا أنها قدمت دعما كبيرا لسياسات طهران الإقليمية، ليس فقط عبر تقليل مخاطر المواجهة مع السعودية والولايات المتحدة، ولكن الأهم من ذلك تقويض دور واشنطن المتصور باعتبارها وسيط القوة الذي لا غنى عنه في المنطقة وجهودها لتعزيز كتلة قوية مناهضة لإيران.

وفي هذا السياق لم تهدر طهران الكثير من الوقت في إظهار القوة التي تنظر بها إلى موقفها الحالي حيث احتجزت القوات البحرية الإيرانية ناقلتين نفطيتين في حادثتين منفصلتين، في استمرار لنمط حديث من التدخل في الشحن التجاري الدولي في الخليج.

وأثارت هذه الحوادث شكاوى من الإمارات من أن الولايات المتحدة لم تفعل ما يكفي لتأمين ممرات الشحن الخليجية. وربما ليس من قبيل الصدفة، أن أبوظبي أعلنت في 31 مايو/أيار انسحابها من القوات البحرية المشتركة بقيادة الولايات المتحدة، وهو تحالف بحري مقره منشأة بحرية أمريكية في البحرين.

بعد ذلك بوقت قصير، قال قائد البحرية الإيرانية، شهرام إيراني، إن إيران والسعودية ودول الخليج الأخرى ستشكل تحالفًا بحريًا جديدًا، يشمل الهند وباكستان، بغرض تعزيز الأمن البحري الإقليمي. وبينما لم يتم تأكيد الخطة، فإن الإعلان قوبل برد غاضب من المتحدث باسم الأسطول الخامس الأمريكي، الذي قال إن الفكرة ذاتها "تتحدى العقل".

الصين وروسيا

ويشير المقال أيضا أن العلاقات مع الصين وروسيا تدعم طهران وتحسن من مكانتها الدولية رغم العقوبات الغربية.

وفي هذا الإطار، قام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بزيارة إلى الصين في فبراير/شباط، حيث ورد أنه وقع حوالي 20 اتفاقية تعاون تحت عنوان وثيقة التعاون الصينية الإيرانية التي مدتها 25 عامًا والتي اتفق عليها البلدان في عام 2021.

في حين أعرب رئيسي عن بعض الاستياء من وتيرة تطوير العلاقات الثنائية خلال زيارته إلى بكين، أصبحت العلاقة مهمة لكلا البلدين، مع جوانب اقتصادية وأمنية حيوية، وهو ترتيب تشير إليه الحكومتان على أنه "شراكة استراتيجية".

وبالنسبة للصين، تساعد العلاقة الإيرانية على تأمين شريان حياة للطاقة من الخليج وتزويد بكين بشريك على استعداد لمساعدتها في تأكيد أهميتها الدبلوماسية في منطقة استراتيجية.

ومن المحتمل أن تعني هذه الشراكة مليارات الدولارات من الاستثمارات الصينية في إيران كجزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية، فضلا عن التمتع بدعم حاسم من قوة عظمى.

على الجانب الروسي، ظهرت إيران كمصدر حيوي لإعادة الإمداد لموسكو في حرب أوكرانيا، حيث قدمت طائرات بدون طيار وصواريخ وقذائف وذخائر أخرى. ومن جانبها، ورد أن روسيا ستبيع إيران طائرات مقاتلات من طراز "سوخوي -35" وأنظمة صواريخ مضادة للطائرات ومعدات أخرى، بما في ذلك الأقمار الصناعية العسكرية وتكنولوجيا المراقبة التي يمكن استخدامها للتجسس على المتظاهرين وقمع المعارضة.

ويرى الكاتب أن العلاقات المتوسعة بين إيران والصين وروسيا أدت إلى تقليل العزلة النسبية لطهران، وربط النظام بقوتين عالميتين، ومنحه فوائد اقتصادية وعسكرية كبيرة. ولعل الأهم من ذلك، أن هذه العلاقات عززت الصورة الدولية لإيران، والتي يمتد نفوذها الآن إلى حرب أوكرانيا، أهم صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

سوريا والعراق

بالنظر إلى كون النجاحات الدبلوماسية الأخيرة لإيران قد ساعدت على تهدئة العلاقات مع دول الخليج العربية، يبدو أن القادة الإيرانيين يتجرأون على مواجهة الولايات المتحدة بشكل "أكثر عدوانية" في سوريا، وربما في العراق.

حققت إيران مؤخرًا نجاحًا كبيرًا في سوريا، ولو بالوكالة فقط، عندما تم الترحيب رسميًا بعودة حليفها المقرب بشار الأسد إلى الحظيرة العربية خلال القمة العربية في جدة في مايو/أيار الماضي.

يذكر الكاتب أن طهران استخدمت على ما يبدو رحلات الإغاثة من الزلزال إلى سوريا كغطاء لشحنات الأسلحة إلى عناصر الحرس الثوري الإيراني، والميليشيات الموالية لها. ولم تشمل الشحنات أسلحة فحسب، بل شملت أيضًا معدات وأجزاء عسكرية أخرى.

وفي مارس/آذار الماضي، كانت الجماعات المدعومة من إيران مسؤولة عن عدة هجمات على القوات الأمريكية أسفرت عن مقتل متعاقد أمريكي وإصابة 26 جنديًا أمريكيًا.

وقد كشفت وثائق مسربة عن خطط الحرس الثوري الإيراني لتدريب وتجهيز الميليشيات بقذائف متفجرة كجزء من جهد أوسع لطرد القوات الأمريكية من سوريا.

على الجبهة العراقية، لا يزال الوضع هادئا نسبيا، لكن يمكن أن يشتعل بسرعة إذا قررت طهران اتباع استراتيجية أكثر صدامية حيث يمثل ما يقرب من 2500 جندي أمريكي بقوا في البلاد هدفًا مغريًا في حالة تجدد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.

سياسة غير واضحة

الخلاصة هي أنه بالرغم من كل جهود إدارة بايدن، فإن إيران اليوم ليست معزولة كما كانت تأمل واشنطن، وقد حققت بعض النجاحات المثيرة للإعجاب في دفع أجندتها الإقليمية. والسؤال الآن هو: إلى أين تذهب سياسة الولايات المتحدة في ضوء ذلك؟

لقد بدأت الإدارة اتصالات هادئة مع إيران في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في أعقاب اجتماعات غير مباشرة في عمان. ورد أن هذه المناقشات هدفت إلى تهدئة التوترات وركزت على هدف أولي محدود إلى حد ما يتمثل في مقايضة تتضمن إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين في إيران وبعض القيود الطوعية على برنامج إيران النووي مقابل إنفاق المليارات من الدولارات من عائدات النفط الإيراني المحتجزة في الخارج بسبب العقوبات الأمريكية.

ولكن حتى إذا نجحت هذه الصفقة المحدودة ، فمن غير الواضح ما إذا كانت ستؤدي إلى تخفيف أوسع للصراع بين الولايات المتحدة وإيران، ناهيك عن التقدم نحو تفاهم نووي طويل الأمد.

يعتقد الكاتب أن هناك شيء واحد مؤكد: الوضع الراهن آخذ في التآكل، وبدون أفكار سياسية إبداعية جديدة أو اختراق سياسي غير متوقع، من المرجح أن يزداد العداء بين الولايات المتحدة وإيران، ومعه يزداد احتمال نشوب صراع مسلح في المنطقة.

 

المصدر | تشارلز دبليو دن/ المركز العربي واشنطن دي سي

التعليقات (0)