- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
سمير فرج يكتب: الصين.. هل ينتهى عصر القطب الأوحد؟
سمير فرج يكتب: الصين.. هل ينتهى عصر القطب الأوحد؟
- 9 أبريل 2023, 3:06:32 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يمر النظام الدولى الحالى بمرحلة تحوّل من عصر القطب الأوحد، ويعنى الهيمنة الأمريكية، إلى نظام جديد متعدد الأقطاب أو قطب جديد آخر أمام الولايات المتحدة الأمريكية.. ولعل أهم الأسباب هو التنافس الأمريكى الصينى، خاصة أن الصين أصبحت الآن العدو الأول لأمريكا، نظرًا لأنها أصبحت القوة الاقتصادية الثانية على العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.. ومن الناحية العسكرية، أصبحت الصين القوة الثالثة عسكريًا عالميًا بعد أمريكا وروسيا، كما أصبحت تملك أكبر قوة بحرية عسكرية في العالم، خاصة أنها تبنى الآن أكبر حاملة طائرات عسكرية في العالم.
كما ظهر تميز الصين مؤخرا في المجال التكنولوجى، ولعل شركة هواوى الصينية، التي أصبحت من كبرى شركات الاتصالات والإلكترونيات تطورا في العالم، دليل على ذلك، حتى إنها فازت في مناقصة تطوير نظام الاتصالات G5 في المملكة المتحدة «بريطانيا» ولكن طلبت أمريكا أن ترفض بريطانيا قبول عرض شركة هواوى حتى لا تتجسس الصين على كل اتصالات الدول الأوروبية.. لذلك جاءت كل التحليلات من مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم حول فرض سؤال: هل أصبحت الصين قوة عظمى رائدة لأنها تتمتع بدرجة كبيرة من التفوق العلمى والاقتصادى والسياسى والعسكرى، والتى تمكنها من ممارسة الهيمنة والنفوذ في السياسة الدولية والنظام الاقتصادى العالمى، حيث إنها حققت هذه القوة من خلال عدة محاور؟.. هل ستصبح الصين القوة الجديدة أمام الولايات المتحدة؟ وكان الرأى الذي يؤيد ذلك يعتمد على عدة عوامل:
أولًا: الانتشار الجغرافى الاقتصادى الصينى في مناطق إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، خاصة عندما تمت إعادة إحياء طريق الحرير القديم الذي هو من أكثر المشاريع طموحًا للتنمية الصينية في آسيا وأوروبا بإنشاء شبكة من الطرق الجديدة وخطوط أنابيب للطاقة وطرق سريعة وخط حديدى، حيث تخطط الصين لإنشاء 50 منطقة اقتصادية، خاصة أنها أنفقت 200 مليار دولار على هذا الخط.. علاوة على أنها بدأت بناء الشراكات الاقتصادية في المناطق التي أهملتها واشنطن، خصوصا إفريقيا وآسيا.. وجاء اقتراب الصين مؤخرًا من دول مجلس التعاون الخليجى وبناء شراكة اقتصادية مع هذه الدول، وأهمها السعودية.
وثانيًا: على المستوى السياسى، جاء تدخل الصين سياسيا نحو تحقيق المصالحة بين السعودية وإيران وعودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، تمهيدا لخلق تفاهمات سياسية تزيل التوتر الموجود في المنطقة، خاصة التهديد الحوثى من اليمن للأمن القومى السعودى.
وثالثًا: يأتى توظيف الصين لقواتها العسكرية لدعم نفوذها الدولى خاصة في منطقة بحر الصين، خاصة أنها تملك حاليا أكبر قوة بحرية في العالم، وبدأت في فرض سيطرتها على تلك المنطقة من العالم، ولعل نجاحها في أن تكون جزر سليمان تابعة للصين أكبر دليل على ذلك.. ورغم محاولة الولايات المتحدة إثارة الصين لإجبارها على الدخول في أي نزاع عسكرى قادم يضعف من تطوير قدراتها الاقتصادية، لكن يبدو أن الصين تعلم تماما أن هذا فخٌّ تنصبه لها الولايات المتحدة. ولعل أبسط مثال على ذلك زيارة بيلوسى، رئيسة الكونجرس الأمريكى السابقة، إلى تايوان، ثم مرور رئيسة تايوان الحالية على أمريكا خلال زيارتها الأخيرة، لكن يبدو أن الصين تتفهم تماما ضرورة عدم الدخول في أي استفزازات عسكرية في الفترة الحالية تؤثر على نموها الاقتصادى.
وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية وزيارة الرئيس الصينى إلى موسكو لمدة ثلاثة أيام، ورغم إعلان الصين أنه ليس هناك تحالف مع موسكو ضد الولايات المتحدة، لكن كل الشواهد تؤكد أن العلاقات بدأت تنمو الآن مع روسيا بدرجة كبيرة، حتى إن الصين أصبحت أكبر مستورد للنفط الروسى، ضاربة عرض الحائط بالتحذيرات والعقوبات الأمريكية.
كما تحاول الصين اليوم بناء تحالف ليس مرئيًا ولكنه واضح للجميع مع روسيا وإيران، وفى المستقبل كوريا الشمالية.. ولكننى أرى أن الصين لن تدخل مستقبلا في أي تحالف عسكرى يثير الآخرين؛ وأقصد بالطبع الولايات المتحدة وحلف الناتو، كذلك فإننى أرى أن الصراع القادم بين كل من الولايات المتحدة والصين سوف يتم التركيز عليه من ناحية الولايات المتحدة تجاه الأبعاد الاقتصادية، حيث تعمل أمريكا حاليا على تقليل الاعتماد على الواردات من الصين، وفتح مصانع جديدة لإنتاج كل ما يتم استيراده من الصين.. كذلك بدأت الصين مرة أخرى في الاقتراب أكثر من إفريقيا، ذلك الملعب الذي فقدته أمريكا خلال العقود الماضية وتركته مفتوحا للصين. ولعل المؤتمر الذي تم في الولايات المتحدة وتمت فيه دعوة معظم قادة إفريقيا وتخصيص مساعدات أمريكية لدعم هذه الدول الإفريقية كان أقوى رد ضد توغل النشاط التجارى والاقتصادى من الصين لدول إفريقيا، مع أنها إحدى الوسائل لمنع الصين من استمرار تغولها في إفريقيا. ولقد كان رفض الولايات المتحدة القاطع للمبادرة الصينية لإحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا هو أحد المؤشرات، حتى لا تبدو الصين قوة سياسية قوية في العالم، حيث تؤكد أن واشنطن لا تريد للصين أن تكون لها أي قوة أو نفوذ لتحقيق السلام في هذه الحرب، لذلك فإننى أرى أن السيناريوهات القادمة سوف تركز فيها الصين على عدم الدخول في أي مغامرات عسكرية تستنزف فيها قواتها الاقتصادية.. وهذا ما تحاول أن تُقدِم عليه الولايات المتحدة خاصة باستخدام ورقة تايوان، على الرغم من أن واشنطن تعتنق اصطلاح الصين الواحدة، لكنها قد تجد نفسها مرغمة على استخدام ورقة تايوان مرة أخرى لإثارة الصين والتحرش بها عسكريا لإجبارها على الدخول في أي نزاع عسكرى قادم.. وهذا بالطبع ما نراه أمرا مستبعدا في الوقت الحالى، خاصة أن رئيس الأركان الأمريكى مارك بيلى أعلن أن هناك توازنًا في القوى النووية الصينية الأمريكية والذى قد يعطى أمريكا بعض التفوق في المخزون النووى.
وبالنسبة لمنطقة بحر الصين الجنوبى التي تعتبرها الصين منطقة جيوسياسية لأنها تمثل المجال الإقليمى لها.. فمن هذا المنطلق، بدأت الولايات المتحدة التواجد في هذه المنطقة وإقامة علاقات تحالفية مع باقى دول هذه المنطقة، وكان آخرها الفلبين بإقامة تواجد عسكرى أمريكى هناك وتنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة معها، لذلك فإن الجميع ينتظر أن تكون منطقة بحر الصين الجنوبى هي منطقة الصراع القادم بين الولايات المتحدة والصين.
ومن هذا المنطلق، فإن الصين تعد نفسها في الفترة القادمة لكى تكون نِدًّا قويًّا للولايات المتحدة، مع قدرتها على احتواء روسيا وإيران ثم كوريا الشمالية لتكون تكتلا آخر ضد الولايات المتحدة وحلف الناتو.. أو تكون الصين نفسها هي من يقود هذا التكتل منفردا أمام الولايات المتحدة والناتو.. وهذا ما ستظهره الأيام القادمة.