سنا كجك تكتب: الأسطورة الشهيد يحيى السنوار في عيون "هادي" ابن فلسطين "صفورية".. ما بعد التحرير

profile
سنا كجك كاتبة صحفية مختصة بالشأن الإسرائيلي- مديرة مكتب 180 تحقيقات لبنان
  • clock 21 أكتوبر 2024, 8:22:59 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لست أدري يا "أبو ابراهيم" إن وصلتك كلماتي في مقالي الأخير عنك... وهل راق لك لقب "الثائر الكنعاني"؟

فأنا أعلم أنك "تلتهم" سطور الكتب والمقالات لأنك رجل الحكمة والثقافة في أعلى مستوياتها ورجل العلم والمعرفة... تتقن اللغة العبرية وضليع في اللغة العربية أضف الإنجليزية...على كل جميل أنني لقبتك "بالثائر الكنعاني" فالمشهد الذي هز العالم قبيل استشهادك لا يليق إلا بشخصيتك التي عبرت عن كل معاني الثورة والعنفوان والتمرد في العالم...ولن تنجب الأمة أمثالك من القادة!

"بالخاوة" جعلت قلمي يزف شهادتك وكنت "بستنى يا عيني" كما تقولون باللهجة الفلسطينية المحببة للسمع كي أخط السطور  الذهبية عن عرس نصرك. "بالخاوة" هي كلمة فلسطينية كانت محببة للقائد الشهيد السنوار وتعني بالإرغام.

أنا لن أتحدث عنك وعن أمجادك وشجاعتك يا "أبونا"... بل "هادي" سيبثك أشواقه ويهنئك بالشهادة التي أكرمك بها الله كما تمنيت.

ذات صيف هادئ من عام 2038 بتاريخ 18 أكتوبر يصادف ذكرى استشهاد أسطورة العصر الشهيد المشتبك يحيى السنوار... هذه الذكرى "متغلغلة" في القلوب ومتجذرة في العقول.

ومن ينسى يوم استشهاده عام 2024؟عندما تربع على عرش البطولة والشجاعة وسجل اسمه في التاريخ كالعظماء والقادة الذين تركوا "بصماتهم " للأجيال على مر العصور.

أنا "هادي" أبلغ من العمر 13 سنة قائد فرقة الكشافة:"أشبال السنوار  بعد التحرير"...منذ أن عدت إلى وطني الأم فلسطين "بلدة صفورية" المعروفة بمعالمها الأثرية الرائعة وبأشجار زيتونها وطبيعتها الخلابة قررت أن أخلد اسم القائد الشهيد السنوار على طريقتي الخاصة ..فكانت فكرة "ولادة" الفرقة الكشفية التي تحمل اسمه وتسير على خطاه في القيم والمبادئ وكل ما تبناه.

تجهزنا منذ الصباح الباكر ونسمات الهواء الدافئة تلاطف وجوه فريقي الذي اختارني لأتولى قيادته ربما لأنني أشبه أمي في طبعها "الثورجي" وتمردها فهي لا تخاف قول كلمة الحق مهما كلف الأمر.

وأشبه أبي بفن القيادة وبحكمته وصبره ومعالجته لكل المواضيع بايجابية فلا مكان للسلبية في قاموسه... وبفضلهما ترعرعت على حب قادة المقاومة اللبنانية والفلسطينية وكانت صورة شهيدنا الحبيب القائد السنوار تزين جدران المنزل.

حدثوني عنه كثيرا" وقرأت "بنهم" قصة حياته في ريعان شبابه وفترة دخوله إلى المعتقل وتحديه للسجان الصهيوني وفرض سيطرته عليه فأعجبت كثيرا" بأفكاره وتطلعاته وآرائه للقائد النبيل الشريف الذي وهب حياته لفلسطين ولشعبها الجبار المقاوم وأورثنا نحن جيل ما بعد التحرير هذا المجد والعزة والمفخرة بأننا أبناء الأرض التي داست على ترابها أشرف الرجال.

تأثرت به كما والدتي المتأثرة بالشهيدات البطلات:" دلال المغربي لولا عبود وسناء محيدلي... يسار مروة والمناضلة الأسيرة المحررة سهى بشارة"..  حدثتنا عنهن وعن شجاعتهن في مواجهة جيش الاحتلال الغاصب ولطالما كانت تردد والدتي الجريئة اتمنى أن يختم الله حياتي  بالشهادة... تلك كانت أمنيتها كما أمنية والدي.. إنهما كالتوأم.

تجمعت فرقة" أشبال" الشهيد السنوار من كل مناطق فلسطين ليقفوا في صف عسكري.

صعدنا إلى الباصات باتجاه غزة العزة التي سطرت أروع ملاحم البطولة في ذاك الزمن الذي شهد على إبادتها الجماعية العالم بأجمعه منذ السابع من اكتوبر عام 2023 عندما بدأ العدوان الإسرائيلي الغاشم ودمر البشر والشجر والحجر!

آه لغزة... كيف احتملتِ يا حبيبة الشرفاء كل هذا المصاب الأليم؟ ارتكب العدو الصهيوني أبشع المجازر بأهلنا وأحبتنا "وعزوتنا"... وصلنا إلى غزة أرض التضحية والفداء وكانت الجموع في استقبالنا رحبوا بنا ونثروا الورود والأرز على "كوفياتنا" التي تربعت على "رؤوسنا" بدلال وكيف لا؟ أولسنا أشبال الأسطورة الذي أصبحت "كوفيته "حديث الماضي والحاضر والمستقبل؟

كنا نرتدي لباسنا الموحد من الكوفية..للجعبة العسكرية..للكنزة القطنية الزيتية اللباس الذي يجسد شخصية الشهيد البطل المغوار يحيى السنوار..."غمرونا" بأحضانهم  فهذا من شيم أهل الوفاء والمحبة أبناء الأرض الطيبة التي ارتوت بدماء الأحرار والأبطال ...هتفوا انظر يا شهيد الأمة والعروبة من عليائك ها هم أشبالك قدموا لزيارة المكان الذي شهد على ملحمة بطولتك... الدموع لمعت في العيون الغزاوية تلك العيون منها من فقد أحبته في الإبادة الجماعية... ومنهم من تذكر مآسي وويلات الحرب الكونية عليهم وعلى الآباء والأمهات والأطفال الرضع والأجنة الذين كانوا سيشهدون معنا اليوم على احياء ذكرى قائدهم  لولا الحقد الصهيوني الذي قتلهم في بطون أمهاتهم فنالوا الشهادة قبل أن يبصروا نور الحياة.. هنيئا".

توجهنا بمواكب سيارة برفقة الجماهير إلى المنزل الذي استشهد فيه الأسطورة "الثائر الكنعاني" السنوار وأصبح كالمتحف العالمي تزوره الوفود من كل أنحاء العالم ...تجولنا في غرف المنزل الأنيق الذي تزين بألوانه الزاهية وقد تم ترميمه وصنعت "الكنبة" بنفس الألوان والتصميم ووضع إلى جانبها "العصا" الشهيرة التي رمى بها أيقونة النضال مُسيرة العدو وهو مثخن بجراحه ويده تنزف! ورغم الألم تحداهم في نظراته ولم يضعف أو يستسلم!

تلك العصا الآن يحملها كل شبل منا فقد أصبحت المثال للتحدي.

بالمناسبة... دعوني أخبركم بأن "الكنبة" البرتقالية صُمم منها المئات والمئات وزينت منزل كل مواطن عربي شريف ...كما حرصت والدتي على تصميم طاقم بأكمله وبالألوان ذاتها ووضعت العصا قرب احداها لتبقى في أذهاننا آخر لحظات قائد التحديات الشهيد يحيى السنوار.

تناوب بالجلوس على "الكنبة"الطاهرة كطهر فلسطين فرقة" أشبال السنوار" والتقطوا الصور التذكارية وهم يجلسون  بذات الطريقة التي جلس فيها سيد طوفان الأقصى الذي مهد طوفانه لتحرير فلسطين العنيدة كعناده والعصية على الخضوع كما شهيدنا العزيز.

 

تجولنا في متحف قائدنا وكنا نشعر بأن خياله يرافقنا فنحن أشباله تجرعنا من كؤوس الكرامة الممزوجة بحلاوة العز والنصر منذ صغرنا.. وبما أنني "الهادي" مهندس ايقاع فرقتنا الكشفية" السنوارية" وقفت بين الجموع لأخاطبهم عن فخر العرب وقد اتقنت فن الخطابة من والدي كما فن الكتابة من والدتي...

خاطبتهم وأنا استحضر الشهيد القائد الأبي "أبو ابراهيم" أمامي الذي كان يقول دائما":" مابديش أطلع من غزة"... عندما كان ينصح بالسفر لاكمال دراسته ...وها أنتم اليوم يا أهل غزة صرختم بأعلى الأصوات "ابدناش نطلع منكِ يا غزة" عندما كانت تُباد ويُهجر أهل الصمود من منطقة إلى منطقة...لقد خشعت قلوب الأوفياء لصبركم...

قائدكم فكرة... والفكرة لا تموت وإن غابت الأجساد فكيف سيموت من ترك لنا ميراث الأدب والعلم والجهاد؟؟ هل قرأتم روايته "الشوك والقرنفل" ؟

كتبها في المعتقل الذي امضى فيه "ربيع" سنين عمره التي اغتصبها الإسرائيلي 23 سنة!! "وتذوق"سجانه لوعة تمرده وعصيانه!! كانوا يخافونه ويخشون نظراته الثاقبة الجارحة "كأشواك "روايته ...الرواية التي كان بطلها منذ الصغر وعلمنا كيف ترسم معالم البطولة... درب الأسرى الذين كانوا رفاق دربه في المعتقل على الصبر وعلمهم عن ارادة الحياة و"نثر" على عقولهم حبات "قرنفل" روايته ليتحملوا جحيم المعتقلات.. كان نعم المعلم والأب الحنون....

هيا يا فرقة "أشبال السنوار" قدموا التحية العسكرية إلى طيف قائدكم الذي حضر  ويسمعنا ويرانا وكأني المحه والكوفية تزين رقبته والجعبة العسكرية كالميدالية الذهبية تتدلى من على صدره... وتلك العصا ولكأنها عصا نبي الله موسى .... خاطبت الجموع باللغة الإنجليزية لتسمع وتفهم الوفود الأجنبية والقنوات العالمية لا سيما أنني اتقنت المخاطبة بالانجليزية من أبي كما علمني أصول اللغة العربية بقواعدها و"صرفها ونحوها "...ومن ثم أكملت الخطاب عن الأسطورة شهيد الحق والحرية باللغة الفرنسية التي اتقنتها من أمي التي علمتني بدورها الاسبانية فأردت أن يسمع العالم صوتنا بكل اللغات ويعرف من هو بطل فلسطين الذي أذل قادة الجيش الذي كان يُسمى بالنخبة !!

قسمنا الجموع إلى مجموعات عدة وطلبنا من كل مجموعة الدخول إلى فسحة كبيرة خارج المنزل "البطولي" حيث جــُهزت بطاولة لعبة "التنس" وأشرنا عليهم بضرورة خلع أحذيتهم!!

كما فعل "أشبال السنوار جيل ما بعد التحرير" دُهش الجميع!!

لعبة "التنس" كان يلعبها الشهيد السنوار في باحة معتقل عسقلان وعندما سئلت لماذا سنبقى حفاة الأقدام ؟ كنت أتوقع هذا السؤال، فأجبتهم بعد أن اجتمعنا حول الطاولة:

"أنني ألمس أرضي! أرض فلسطين.. أنا لست في السجن..أنا في أرضي! أنا حر هنا في بلدي!!"...  هذه الكلمات الخالدة هي للقائد الشهيد المناضل يحيى السنوار هكذا كان يجيب من يسأله لماذا تفضل احيانا" أن تكون حافي القدمين  لدى ممارستك رياضة لعبه التنس.!

لقد بُهر الطاقم الأجنبي بهذه المعلومة عن الشهيد القائد الشجاع!!

أخبرتهم بكل فخر: هكذا صنعنا الحرية لأننا نؤمن أن تراب أرضنا لن يدوسها سوانا ... الأرض التي غرست فيها اقدام كل بطل مقاوم فاح عطر شهادته على امتداد مساحة أرض فلسطين...

أبطال غزة هم فخر الأمة العربية والإسلامية الذين علمهم الثائر الكنعاني السنوار بأن أشجار الزيتون لنا ! وحبات الليمون أنفاسها ملكنا!والهواء لا يليق إلا لأنفاسنا!  وأزهار الياسمين سننثرها على مواكب الشهداء لتحيا فلسطين.

صرخت بعنفوان: هيا اكتبوا وانشروا ها هنا تحدث بطلنا مع الكواكب والشمس والنجوم والقمر... هنا أزهرت أرض غزة بتضحيات الشهداء ودحرت الاحتلال وحطمت قيود الاجرام وسلاسل الحقد لنعود  إلى الديار مرفوعي الرأس !

هيا انشروا وصية ملهم الثوار والأحرار المشتبك الذي أذل عدوه في حياته وأكرمه الله وأعزه لحظة استشهاده... فالعدو المتغطرس راهن أنه سيعتقله من بين أحضان" الأنفاق فكانت الصدمة أن بطلنا واجههم بشموخ فوق الأرض كشموخ الأرز ومتجذر في أرضه كالسنديان!

هيا اذهبوا وقولوا للعالم الغربي "المتحضر" هاتوا لنا رجل من قادتكم نال كل هذا المجد والعظمة ورسم خارطة تحرير بلاده حتى آخر أنفاسه!!

أيا تراب غزة اشهدي على الجسد الطاهر الذي احتضنتيه كالأم الحنون  ناضل وجاهد في سبيل الله كي تتعطري بأمطار الشتاء بهناء وصفاء... اشهدي يا فلسطين أن "أبو ابراهيم" أحبك ِوعشقكِ أكثر من فلذات كبده !عشقكِ لدرجة أنه قاوم لأجلكِ وهو ينزف!

رفعنا صور القائد السنوار أيقونة المقاومة تحية لروحه الطاهرة وسط صمت الحضور... وتنهدت في لحظات الصمت من رهبة الذكرى... وإذ بامرأة مسنة تقترب مني وتسألني:"ابن من أنت يا "جدتي"؟".

نظرت اليها ولمحت بريق الحنين في العيون المنهكة من الحزن على فراق الأحبة... أجبتها بكل ود واحترام وأنا أمسك بيدها واقبلها:

يا "جدتي" الكنعانية أنا ابن تلك المرأة الحرة من بلاد الأرز الشامخ التي أذلت جيش النخبة بقلمها!

أنا ابن ذاك الرجل الحر من أهل كنعان في "صفورية" المحارب بالسياسة نجم من نجوم "الأخضر"خط الدفاع الأول عن قضية فلسطين وطن الخلود.

"هيدا" ابني هادي "المستقبلي" يا "أبو ابراهيم"!

أتراني وفيتك حقك بسطوري "الدامعة"؟


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)