- ℃ 11 تركيا
- 23 نوفمبر 2024
سهير الشربيني تكتب: آثار ممتدة: كيف تُضاعف أزمة سيليكون فالي تحديات شركات التكنولوجيا الأمريكية؟
سهير الشربيني تكتب: آثار ممتدة: كيف تُضاعف أزمة سيليكون فالي تحديات شركات التكنولوجيا الأمريكية؟
- 26 مارس 2023, 6:21:48 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
جاءت الأنباء حول إغلاق بنك سيليكون فالي، في يوم 10 مارس الجاري، بعد تعرضه لضربة قاسية إثر محاولات فاشلة لاستعادة خسائر الودائع وبيع سندات الخزانة والأوراق المالية، بمنزلة صدمة للكثير من الشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا، التي أُصيبت بحالة من الذعر، في توقيت وُجه فيه المستثمرون في مجال العملات المشفرة أصابع الاتهام نحو قطاع التكنولوجيا، وحملوه المسؤولية عن الأزمة، نظراً إلى كون انهيار البنك نجم بدرجة كبيرة عن نقص التمويل في قطاع التكنولوجيا.
يأتي ذلك الحدث في سياق غير مُحبَّب لدى شركات التكنولوجيا التي مرت بعام مضطرب دخلت فيه صناعة العملات المشفرة في انهيار استمر لمدة أشهر، واضطرت خلاله بعض أكبر شركات وادي السيليكون إلى عمليات تسريح جماعي للعمال؛ من أجل خفض النفقات للتغلب على أزمة التمويل، بيد أن ما سبق ليس فقط التحدي الوحيد الذي تواجهه شركات التكنولوجيا الأمريكية، خلال عام 2023؛ إذ لا يزال هناك عدد لا بأس به من التحديات والتهديدات على المستوى الداخلي، وعلى المستوى العالمي كذلك.
تحديات اقتصادية
ثمة تحديات اقتصادية تؤثر بدرجة كبيرة على نشاط شركات التكنولوجيا الأمريكية، يمكن استعراضها فيما يأتي:
1– تباطؤ الاقتصادات العالمية ونقص التمويل: في ظل تباطؤ نمو الاقتصادات العالمية، تتوقف إمكانية الوصول إلى رأس المال مؤقتاً في ظل تقييمات قاتمة من قبل المستثمرين للمشهد الاقتصادي؛ ما يعرض شركات التكنولوجيا لنقص في التمويل يهدد استمراريتها وقدرتها على المواصلة والعمل. ولعل أزمة بنك وادي سيليكون كانت – بشكل رئيسي – نتاجاً لنقص التمويل في شركات التكنولوجيا على مدار عام. ولا يزال التحدي أمام شركات التكنولوجيا في تسريع وتوسيع الحصول على تمويل قائماً، خاصةً أن ذلك يخلق بصورة رئيسية مشكلات لسلاسل التوريد الخاصة بمبيعات الأجهزة، وهو الأمر الذي يتأثر بدرجة كبيرة بمعدلات التضخم القياسية، وارتفاع أسعار الفائدة، واحتمالات حدوث ركود عالمي في صناعة التكنولوجيا.
2– الاضطرار إلى خفض التكاليف وتوسيع الإيرادات: تنعكس حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي بشكل رئيسي على عمل شركات التكنولوجيا؛ ما يدفعها إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة آثاره؛ من بينها تبني مبادرات خفض التكلفة، كالتخفيضات الإدارية والتشغيلية، التي تأتي في صورة تنفيذ تخفيضات في القوى العاملة أو إبطاء عمليات التوظيف، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً أمام شركات التكنولوجيا؛ إذ من شأن الاستمرار في ذلك النهج أن يُعرِّض شركات التكنولوجيا لخسارة ذوي المواهب والمهارات. في المقابل، تحتاج شركات التكنولوجيا إلى توسيع إيراداتها عبر المضي قدماً في عروض المنتجات والخدمات المبتكرة، من خلال تطوير منتجات جديدة أو تطوير علاقات جديدة من شأنها الدفع نحو زيادة الإيرادات.
3– مخاطر خسارة الاحتياطات النقدية المودعة في بنك وادي السيليكون: أسفر نبأ إغلاق بنك وادي السيليكون عن تضرر بعض شركات التكنولوجيا مالياً؛ حيث إن ما يقرب من نصف شركات التكنولوجيا والرعاية الصحية المدعومة من الشركات الأمريكية المدرجة في أسواق الأسهم في عام 2022 هم من عملاء بنك وادي السيليكون، وهو ما دفع الكثيرين إلى القلق بشأن تداعيات انهيار البنك على قطاع التكنولوجيا المنهك بالفعل، الذي شهد تسريحاً جماعياً للعمال في الأشهر الأخيرة.
في ذلك السياق، صرحت شركة Roku لصناعة أجهزة البث، بأن لديها نحو 487 مليون دولار، بما يعادل 26% من احتياطاتها النقدية، مودعة في بنك وادي السيليكون، وأنه فور تداول الأخبار انخفضت أسهم الشركة بنسبة 10%.
بيد أن تلك المخاوف لم تقتصر على شركات التكنولوجيا الأمريكية، بل امتدت إلى شركات التكنولوجيا في المملكة المتحدة؛ حيث حذر مؤسسو الشركات الناشئة في المملكة المتحدة من احتمال أن يتسبب انهيار البنك في إصابة قطاع التكنولوجيا البريطاني بالشلل، فيما حذرت العشرات من شركات التكنولوجيا في المملكة المتحدة في وقت مبكر من “تهديد وجودي” للقطاع بعد فشل بنك وادي السيليكون في الولايات المتحدة.
4– استمرارية الأعمال والتعافي من الكوارث والأزمات: خلال السنوات القليلة الماضية، مر قطاع التكنولوجيا بمحطات فارقة، بين تنامٍ في الطلب خلال جائحة كوفيد–19، مع زيادة التوجه العالمي نحو التعليم والعمل عن بعد – حيث صعَّدت الشركات في جميع أنحاء العالم لشراء التقنيات اللازمة أو التراخيص الإضافية التي يحتاجونها لاستئناف عملياتهم – وبين انحسار ذلك الطلب بعد ذلك على مدار العام الماضي، وهو ما يمثل تحدياً يفرض على شركات التكنولوجيا ضرورة التمتع بقدر من المرونة؛ ما يجعلها بشكل من الأشكال قادرة على الحصول على التمويل المطلوب، بما يضمن استمرارية أعمالها، ويدعمها في التعافي من الكوارث والأزمات.
5– معضلة سلسلة التوريد ونقص أشباه الموصلات: يواجه المصنعون وشركات التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم صراعاً مستمراً للحصول على قطع الغيار والإمدادات الضرورية، في ظل أزمات سلاسل التوريد التي تنجم بين الفينة والأخرى من الأزمات الجيوسياسية، والشكوك بشأن استمرار مسار تخفيف سياسات الإغلاق الذي تبنته الصين في ضوء استمرار تهديد فيروس كوفيد–19؛ لذا يتمثل أحد أشد التحديات أمام شركات التكنولوجيا في نقص أشباه الموصلات، الذي يحدث من وقت إلى آخر، وتأخيرات الإنتاج المرتبطة بها.
6– الطلب على تكنولوجيا أكثر استدامةً عالمياً: تنتقل الاستدامة بسرعة من الاستثناء إلى القاعدة؛ حيث باتت تشكل متطلباً أساسياً في جميع أنواع الأعمال عالمياً بما في ذلك التكنولوجيا، خاصةً مع زيادة الاهتمام الدولي بتغير المناخ، وتصاعد الأهداف البيئية الطموحة. ولعل النمو الهائل لصناعة التكنولوجيا والتطورات البيئية السريعة التغير، أضحت تُمثِّل تحديات كبيرة للأعمال التكنولوجية.
وهو ما يفرض على الشركات التكنولوجية ضرورة الابتعاد عن كل ما يمكن أن يكون له تأثير بيئي سلبي، والتركيز على استخدام التكنولوجيا النظيفة والمستدامة على جميع المستويات، لا سيما في المناطق ذات الاستخدام العالي للموارد، مثل مراكز البيانات، وسلسلة الكتل التي هي آلية متقدمة لقواعد البيانات تسمح بمشاركة المعلومات بشكل شفَّاف داخل شبكة أعمال.
تهديدات داخلية
بموازاة هذه التحديات الاقتصادية، تواجه شركات تكنولوجيا المعلومات جملة من المشكلات على مستوى بنيتها الداخلية، يمكن تناول أبرزها فيما يأتي:
1– تهديدات الأمن السيبراني: خلال السنوات الأخيرة، تنامت أهمية الأمن السيبراني لدى شركات التكنولوجيا، انطلاقاً من تصاعد قيمة البيانات السلعية بالنسبة إليها، والتهديدات الكثيرة المرتبطة به، التي باتت تهدد عمل الشركات، ومن بينها البرامج الضارة والمهددة لسلامة الأجهزة، وانتهاك البيانات وسرقتها أو الاحتفاظ بها للحصول على فدية، فضلاً عن الجرائم الإلكترونية الأخرى، التي يسعى من خلالها المهاجمون إلى استغلال نقاط ضعف الشركات من أجل الوصول إلى المعلومات، ونشر معلومات أخرى مضللة بغرض تفكيك عملها والإضرار به.
أضف إلى ذلكالمخاطر المرتبطة بظهور الحوسبة الكمية، التي تهدد أنظمة الأمان الحالية، وتجعلها بلا جدوى؛ حيث تعمل الحوسبة الكمية على مبادئ فيزياء الكم، التي تجعلها قادرة على فك تشفير معظم البيانات الآمنة؛ ما يسهم في جعل الهجمات ضد التشفير أكثر فاعليةً،وهو ما يلقي على عاتق شركات التكنولوجيا مسؤولية تكثيف عملها في مجال الأمن السيبراني بما يضمن استمرارية الأعمال وسلامة سلسلة التوريد، ومراعاة الضمانات الأمنية الشاملة التي تؤمن لها العمل دون مخاطر.
2– اتساع فجوة المهارات: وفقاً لبحث صادر عن شركة CompTIA لتكنولوجيا المعلومات، فإن نحو 93% من أصحاب العمل أكدوا وجود فجوة عامة في المهارات عند متخصصي تكنولوجيا المعلومات لديهم بالشركة، وهو ما يعبر عن وجود تفاوت بين المهارات المرغوب في الوصول إليها والمهارات الموجودة بالفعل. فيما أشار البحث ذاته إلى أن نحو 80% من شركات التكنولوجيا التي خضعت للدراسة، أكدت وجود فجوة في مهارات تكنولوجيا المعلومات لديهم، بشكل يؤثر على مجال عمل واحد على الأقل، كإنتاجية الموظفين وخدمة العملاء أو مشاركة العملاء أو الأمن.
وهو ما يفرض على قادة تكنولوجيا المعلومات ضرورة إشراك المواهب المناسبة لفريق تكنولوجيا المعلومات، والاستثمار فيهم؛ لزيادة مهاراتهم إلى الحد الذي يتمكنون من خلاله من الاستفادة من الابتكار والتكنولوجيا الجديدة في الشركة، وكذلك تبني الشركات برامج تدريب داخلية جديدة ومبتكرة، مثل معسكرات الترميز و”الجامعات” التدريبية، بما يُمكِّنها من توظيف وتدريب العملاء المحتملين والعاملين بداخلها الراغبين في النمو الوظيفي.
3– محاكاة التحول الرقمي المتسارع: أدى انتشار منصات SaaS للتجارة الإلكترونية وأنظمة المؤسسات والبيئات المتعددة السحابات، إلى جعل التحول الرقمي المتسارع ساحة أكثر تحدياً لشركات التكنولوجيا؛ إذ تتطلع الشركات إلى اعتماد نماذج بنية تحتية جديدة وتكنولوجيا ناشئة، وهو ما يوجب على قادة تكنولوجيا المعلومات اختيار التكنولوجيا الجديدة بحكمة، وفهم طرق التأكد من كون جميع خدمات وأنظمة تكنولوجيا المعلومات لدى شركاتهم تعمل بشكل جيد ومتناغم.
ذلك الأمر يمثل تحدياً كبيراً؛ إذ تحتاج شركات التكنولوجيا إلى اتخاذ قرارات تستند إلى استراتيجية واضحة لتكنولوجيا المعلومات أثناء التخطيط للمستقبل، وإن كان من الصعب التنبؤ بالمكان الذي ستصل إليه أحدث التقنيات، إلا أن التخطيط للبنية التحتية التكنولوجية يظل أولوية قصوى للشركات التكنولوجية في العام الجاري.
4– الإبقاء على وتيرة الابتكار المتسارعة: وفق الاستطلاع الأخير الذي أجرته شركة CompTIA، فإن أدوار مكتب المساعدة، وخدمات الشبكة، والتخزين، ودعم تكنولوجيا المعلومات يتغيَّر مع انتشار تكنولوجيا المعلومات الاستراتيجية؛ ما يعني أن الأمر لم يعد يتعلق بالاستعانة بمصادر خارجية للاستجابة لاحتياجات تكنولوجيا المعلومات التقليدية، كاللجوء إلى شركات قيمة استراتيجية، يمكنها تقديم استشارات وتوفير إرشادات مطلوبة بشدة للشركات التكنولوجية التي تتطلع إلى الابتكار باستخدام التكنولوجيا الجديدة أو الناشئة.
بل إن الأمر يفرض على شركات التكنولوجيا تحدياً أن تبقى على تحديث مستمر بأحدث التقنيات الجديدة كالحوسبة السحابية والحوسبة المتطورة والتعلم الآلي وmetaverse وweb3 والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) والروبوتات وإنترنت الأشياء (IoT)، وغير ذلك من التقنيات التي تتطور بسرعة مذهلة، والتي يجب على شركات التكنولوجيا أن تكون على إلمام مستمر بها؛ من أجل الحفاظ على قدراتها وميزاتها التنافسية.
5– انتشار المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي: تمثل وسائل التواصل الاجتماعي أداة عمل مفيدة للشركات على اختلاف أنواعها؛ حيث تسمح لها بالتواصل مع قاعدة عملائها، غير أنه مع تزايد الجدل حول مدى القدرة على التحكم في البيانات الشخصية وما يتم مشاركته على المنصات الاجتماعية، فإن ذلك يحتم على شركات التكنولوجيا توخي الحذر بشأن كيفية استخدامها المنصات الاجتماعية، خاصةً في ظل انتشار محتوى التزييف العميق الذي يدفع نحو انتشار المعلومات المضللة، بما يضر بعمل الشركات التكنولوجية، ومن ثم يفرض عليها وجوب الاستعداد بإجراءات التحقق للتأكد من أن محتواها صالح ومُؤمن لضمان عدم إساءة استخدامه.
6– تهديدات تتعلق بسمعة الشركات: تتعرض سمعة شركات التكنولوجيا لمخاطر عديدة إما بسبب مشاكل في المنتج نفسه، أو النظام الأساسي، أو أمن البيانات، أو حدوث انقطاع في النظام أو خطأ في الترميز. ليس ذلك فحسب، بل إن سمعة شركات التكنولوجيا تتأثر كذلك بسمعتها فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان داخل سلسلة التوريد والقضايا الثقافية في مكان العمل ونزاعات القوى العاملة، وغيرها من الموضوعات التي تؤثر على سمعة الشركات.
فرص ممكنة
ختاماً، على الرغم من استمرار الرياح المعاكسة في عام 2023، في وجه شركات التكنولوجيا الأمريكية، فإنه لا يزال هناك فرص محتملة في ظل الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، الذي يتيح الفرصة أمام الصناعة نحو المزيد من النمو والابتكار، خاصةً أنها أضحت صناعة وسيطة تدخل في كافة أنواع الصناعات، ابتداءً من استخدام الرقائق في السيارات وزيادة أهمية الذكاء الاصطناعي في المصانع، بما يدفع جميع نماذج الأعمال نحو السعي لامتلاك التكنولوجيا وتطوير حلول جديدة تمكنها من مجاراة التطور التكنولوجي الحاصل في بيئة الأعمال.
أضف إلى ذلك، فإن قطاع التكنولوجيا محرك للنمو الاقتصادي وعنصر أساسي للأمن القومي للولايات المتحدة، لا سيما بالنظر إلى التنافس بين الولايات المتحدة والصين، ومن ثم فإن من المحتمل أن تقرر الإدارة الأمريكية في مرحلة ما دعم قطاع التكنولوجيا مالياً، وتقديم التمويل المناسب، بما يساعدها على النهوض واستعادة نشاطها.
لكن إجمالاً، يجب على شركات التكنولوجيا إذا ما أرادت البقاء والاستمرار في هذه السوق المضطربة والمليئة بالتهديدات، الاستعداد للتحديات بشكل استباقي، من خلال مراقبة الصناعة لمواكبة التحديات والفرص المستقبلية ومواصلة التفكير خارج الصندوق للبقاء في صدارة المنافسة. ولا تزال الفرصة أمام شركات التكنولوجيا قائمة، لكن قدرتها على النهوض والازدهار ستتوقف على الطريقة التي تستمر بها شركات التكنولوجيا في دعم العملاء في التحول الرقمي وكيفية استمرارها في إدارة التكنولوجيا الجديدة واحتضانها.