سوزان جابر تكتب: حرب حملات انتخابية في تركيا...البصل مقابل السّفن الحربيّة

profile
سوزان جابر صحفية لبنانية
  • clock 17 أبريل 2023, 1:36:10 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تحتدم المعركة الانتخابيّة في تركيا كُلّما اقتربنا من موعد الانتخابات ويعمد كلّ فريق إلى إخراج  كلّ ما في جُعبته من أفكار دعائيّة تلعب على عواطف وقوميّة الشّعب، نتج عنها حرب دعائيّة غير مُتكافِئة من حيث الشّكل والمضمون بين أحزاب المعارضة وحزب العدالة والتّنمية.

اختارت المعارضة طريقاً مختلفاً وذكيّاً لحصد أكبرِ عددٍ من الأصوات وذلك من خلال التّركيز على الوضع الاقتصادي الهشّ في البلد والتّضخّم لجهة أسعار السّلع، فظهر مؤخّراً زعيم المعارضة كمال كيلتشدار أوغلو ببثٍّ مباشرٍ على صفحته في تويتر حاملاً بصلةً بيده ليعِدُنا بخفض سعر الكيلو عند وصوله إلى سُدّة الرئاسة، بينما فضّل رجب طيب أردوغان اِتّباع نفس نهجه التّقليديّ وهو الأقربُ إلى شخصيّته وأسلوبه وهو فائض القُوّة فتعمّد الأخير التّركيز على ما أنجزه خلال فترة ولايته من إنتاج أوّل سيّارة تركيّة محليّة الصُّنع إلى تدشين أكبر سفينة حربيّة تركيّة ومؤخّراً إطلاق أوّل قمر مُراقبة تركيّ إلى الفضاء.

ولم تنحصر هذه المرّة المُنافسة بين المرشّحين للرِّئاسة بل تخطّتها لتصل إلى زوجات المرشّحين، في حين أطلّت علينا أمينة أردوغان مع زوجها رجب طيّب أردوغان وهما يستلمان سيّارتين من نوع "توغ" المحلّيّة الصُّنع ، تعمّدت سيلفي كيلتشدار أوغلو زوجة كمال كليتشدار أوغلو أن تُطلّ علينا من مطبخها لتُخبرنا بأنّها اشترت مقلاة كهربائيّة كإظهار للفرق الطّبقيّ بينها وبين أمينة أردوغان فالأولى شاركت جمهورها اقتناءها لسيّارة يتجاوز سِعرُها  55 ألف دولار والأخرى بمقلاة كهربائيّة لا يتجاوز سعرها 450 دولاراً.

 

الدّعاية الانتخابيّة للمعارضة أقوى وأكثر ابتكاراً

في جولة سريعة على تويتر ستلاحظ قوّة الحملات الدّعائيّة للمعارضة من خلال سيطرتهم على جزءٍ لا يُستهان به يوميّاً من الهاشتاغات الأكثر رواجاً في تركيا وغالباً ما تجدُ اسم حملةٍ من حملاتهم الانتخابيّة في صدارة الترند ولا يخفى على أحدٍ أن المعارضة أقوى وأكثر تأثيراً على السوشيال ميديا وبما أنّ أغلب المؤيّدين لهم من الشّباب وجدت المعارضة المفتاح الأنسب والأسهل الذي يضمنُ لهم الوصول لأكبر شريحةٍ من الشّباب لاسيما أن هناك 6 ملايين ناخب شابّ سينتخب للمرّة الأولى وقد يصنع الفارقُ في النتيجة.

وإلى جانب السوشيال ميديا تستعمل المعارضة رئيس بلديّة إسطنبول أكرم إمام أوغلو كوجه ترويجي متنقّل لحملاتها الانتخابيّة فيكاد لا يمُرُّ يوم دون تواجُدِه في مهرجان انتخابيّ هنا أو هناك بالإضافة لنزوله إلى الشّارع دون سبب للقاء الشّباب على الطُّرُقات وسماع همومهم أو استغلال رمضان لحضور الإفطارات أو إقامتها، فالرّجُل الخمسينيّ صاحبُ الكاريزما الأعلى بين زملائِهِ في المُعارضة يحظى بإعجابٍ كبيرٍ من الشّباب نسبةً لِصِغَرِ سِنّه وتواجُدِهِ المُستمرّ على الأرض وذكائه في استعمال السوشيال ميديا وظُهوره المُتكرّر مع زوجتِهِ بلقطاتٍ رومانسيةٍ عفويةٍ تجعله أكثر تأثيراً بهذه الفِئةِ بالذّات.

وتُعوّل المعارضة بشكلٍ كبيرٍ على تململ الشّعب الواضح من السياسة الاقتصاديّة التي تنتهجُها البلادُ منذ فترة والّتي أدّت إلى انهيار العُملة وارتفاع التّضخُّم لذلك قرّروا محاربة أردوغان بالبصل الّذي ارتفع سعرُهُ مؤّخراً بشكلٍ جُنونيّ فبعد أن كان سِعرُه لا يتجاوز ال 3 ليرات السّنة الماضية وصل اليوم إلى ما يقارب ال 25 ليرة وأصبح شعار كمال كيليتشدار أوغلو "انتخبوني كي لا يصِلُ سعر البصل إلى المئة ليرةً". فهل حقّاً سيختار الشّعبُ التّركيّ رئيسه بناءّ على سِعرِ البصلِ في البِلاد؟ 

أمّا على المُنقلب الآخر، فأردوغان الذي يتمتّعُ بفائض قوّةٍ من خلال استنادهِ على إنجازاتٍ قام بها خلال فترة ولايته من اتّفاقيّةِ القمح إلى تصنيع أوّلِ سيّارةٍ كهربائيّة محليّة الصُّنع ومؤّخراً أكبر سفينةٍ عسكريةٍ تركيةٍ وإطلاق أوّل قمر مراقبة تُركيّ إلى الفضاء، يجد نفسهُ غير مُضطّرٍ إلى تقديم وعودٍ انتخابيّةٍ قد لا يستطيعُ الإيفاء بها لا سيّما من النّاحية الاقتصاديّة، إلا أنّ غريمهُ نجح في جرّه إلى ساحة الوعود الانتخابيّة فظهرعلينا أردوغان مؤخرا ليعد الشّعب بتخفيض التّضخّم إلى رقم في خانة الآحاد بالإضافة إلى إعطاء الطُلاّب إنترنت مجّاني وقروضًا مُيّسرة للزواج دون فائدة إلاّ أنّ ثقل أردوغان الفعلي يكمن بإنجازاته التي ذكرناها سابقا، فهل حقا سيختار الشّعب التّركيّ رئيسه بناءً على أكبر سفينةٍ تركيّةٍ أو أوّل صاروخًا تركياً وسيارة محليّة الصُنع؟

 

البصل مقابل الإنجازات العسكريّة والتّقدّم التّكنولوجي

معادلةً غريبةً نوعاً معا قد لا تجِدُها بكثرةٍ في الحملات الانتخابيّة لاسيّما أنّها متناقضة جداً وغير متوازنة، معادلة البصل مقابل التّكنولوجيا.

فعلى الرّغم من مُبالغة مُرشّح المعارضة كمال كيلتشدار أوغلو في حملاته وفي وعوده الانتخابيّة التي حتمًا لن يستطيع أن يحقّقها بسهولة في حال فوزه مثل إلغاء تأشيرة الفيزا الأوروبيّة للأتراك بعد 3 أشهر من وصوله إلى سُدّة الرّئاسة، إعادة إعمار البيوت التي دُمّرت في الزلزال مجاناً، وتخفيض التّضخّم إلى مُعدّلات قياسيّة، واستعادةُ قبر سليمان شاه من سوريا، ومؤّخراً تصريحه بأنّه سيقوم ببيع الطّائرة الرّئاسيّة وشراء عوض عنها طائرات لمكافحة الحرائق. فالرّجل المُصرّ على الظُّهور بصورة الزّاهد بكُلّ شيءٍ هو رجلٌ محظوظٌ لا أكثر لأنّ الشّعب الغاضب المتململ سيختار أيّ شخصيّة تقف بوجه أردوغان "نكاية" بأردوغان.

لذلك بتقديري أنّ حملة البصل الانتخابيّة سيكون تأثيرها أكبر هذه المرّة من حملة فائض القُوّة والقوميّة التي لطالما مال إليها الأتراك في السّنوات الفائتة وعوّل أردوغان عليها كثيراً في حملاته الانتخابيّة السّابقة ولكن يبقى كُلّ الكلام  في خانة التّوقّعات حتى يقول الشّعبُ التركي كلِمَتهُ في الصُّندُوق يوم 14 مايو، فقد يكون للقوميّة وفائض القوّة قولٌ آخر.

 

 

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)