- ℃ 11 تركيا
- 5 يناير 2025
سياسة الانتقام الإسرائيلية لم تولد في 7 أكتوبر بل أصبحت علنية فقط
سياسة الانتقام الإسرائيلية لم تولد في 7 أكتوبر بل أصبحت علنية فقط
- 3 يناير 2025, 9:11:14 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إيتاي ماك - هآرتس
بعد عام وشهرين تقريباً من الحرب التي قُتل خلالها عدد كبير جداً من المدنيين في غزة جرّاء القصف الإسرائيلي، أقرّ تحقيق صحيفة "نيويورك تايمز" بأن هناك سياسة رسمية، جرى إقرارها بأوامر فتح النار التي تم تحديثها يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وبحسب التحقيق، حصل الضباط من رتب متوسطة في الجيش على صلاحية استهداف آلاف المقاتلين من رتب متدنية، بالإضافة إلى مواقع عسكرية لم تكن ذات أهمية كبيرة خلال الحملات السابقة في القطاع. وهذا على الرغم من أنه كان من المعروف مسبقاً احتمال مقتل عدد كبير من المدنيين - يصل إلى20 مدنياً في كل قصف، وأكثر من 100 مدني إذا كان الهدف قيادياً في "حماس". وفي إطار "تخفيض السقف" الذي جرى، تم اعتماد أساليب غير موثوق بها من أجل إيجاد أهداف وتقدير عدد المدنيين الذين يمكن أن يُقتلوا بسبب القصف، ولم يتم الفحص ولا استخلاص العبر جدياً، فيما بعد.
وبمعزل عن مدى التزام هذه الأوامر بالقوانين الدولية، يبدو أن الضباط الكبار والمستشارين القضائيين، وأيضاً المستوى السياسي، صادقوا من خلال هذه الأوامر على "قيمة" الانتقام، وأرادوا تمرير رسالة، مفادها التالي: "جُنّ جنون صاحب المنزل"، أو "خلعنا القفازات". هذا لا يعني بالضرورة أن كل هجوم كان عبارة عن عملية انتقام غير مبرر عسكرياً، أو أن كل ضابط، أو جندي، شارك في هذا القصف، لكن من الواضح أن المستويات العليا على الأقل كانت تعلم مسبقاً بأن النتيجة التراكمية لتطبيق هذه الأوامر هي أعداد كبيرة جداً من الضحايا المدنيين.
لطالما قُتل مدنيون خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية، لكن على الأقل، كان هناك رغبة في الامتناع من ذلك رسمياً. فخلال جلسة الهيئة العامة للكنيست في نهاية تموز/يوليو 1982، وبسبب القصف على بيروت، قال رئيس الحكومة مناحِم بيغن: "ليشهد كل أعضاء الحكومة وضباط الجيش الذين يستمعون إلى أقوالي على أنه عندما أحضروا لي الخرائط، وشرح الضباط للحكومة خطة الهجوم المبرر والضروري، رداً على قتل أشخاص ونساء وأطفال، ألم يكن السؤال الأول الذي وجّهته إلى الضابط - أين المدنيون؟ ولو كان الجواب أنهم قريبون جداً من الهدف، لجرى استبعاد الخريطة عن الطاولة. وصادقنا على العملية، فقط عندما كان الجواب أن القصف لا يشكل خطراً على المدنيين، وأقول هذا أمام جميع أعضاء الحكومة الذين يشهدون".
في سنة 2018، ورداً على طلب التماس بشأن حرية الحصول على المعلومات، نشر الجيش إعادة صوغ لقرار إطلاق النار في القصف الجوي، وبحسبه، يجب القيام بتقدير موقف راهن بشأن كل عملية محددة، والتأكد من خلال مستشارين قانونيين من أن الهجوم موجه ضد العدو، أو ضد أهداف عسكرية فقط، وأنه يجب القيام بخطوات معقولة من أجل تقليص الأضرار الجانبية المتوقعة، والتأكد من الاستخدام المفرط للقوة العسكرية المتوقع نتيجة القصف. وجاء أيضاً أنه يجب التأكد من أن الضربة تستجيب لشرط التناسب وضرورة الحذر.
حينها، كان هناك تخوف من أن تسمح هذه الأوامر، التي كانت صالحة قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بإصبع خفيف على الزناد، وبصورة خاصة بسبب وجود التكنولوجيا الرخيصة، والمستعملة على نطاق واسع، والمسيّرات الهجومية. إلّا إن الأوامر التي تم إقرارها يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والتي كُشفت في تحقيق "نيويورك تايمز"، حولت الإصبع إلى حالة "ثبات على الزناد". وبدلاً من الرغبة في الامتناع من إلحاق الضرر بالمدنيين، تصالح الجيش مسبقاً مع قتل عدد كبير جداً من النساء والأطفال والعجَزة.
طبعاً، لم تولد العمليات الانتقامية في هذه الحرب، بل كانت موجودة قبل قيام الدولة وبعده. فعلى سبيل المثال، نفّذ الجيش 122 عملية انتقام في الفترة 1950-1956، قتل في بعضها مدنيين، ومن ضمنها العملية في قبية، حيث جرى قصف 45 منزلاً وقتل 60 مدنياً. الاسم المقبول لوصف هذه العمليات في إسرائيل هو "الانتقام"، لكن عملياً، المقصود الانتقام ممن ألحق الضرر بالدولة، أو قواتها، أو مواطنيها. وبحسب أوامر الجيش التي كُشفت في "نيويورك تايمز"، جرى السماح، رسمياً، بالانتقام من أبناء العائلة والجيران والناس الموجودين في المنطقة.
بحسب تقديرات سرية قامت بها أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة بشأن موضوع "إسرائيل": الخبرة في الحرب على الإرهاب"، والتي تم تجهيزها في سنة 1984، وكُشفت للجمهور في سنة 2016، فإن "الالتزام بسياسة الانتقام موجود عميقاً داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن جهات استخباراتية إسرائيلية حذّرت دائماً من أن قدرة هذه العمليات على ردع "الإرهابيين" ضئيلة جداً، فإن القيادة دائماً ما كانت تميل إلى العمل استناداً إليها، في حال كانت المصلحة الأمنية الإسرائيلية على المحك".
وتشرح التقديرات كيف كان العمل في خمسينيات القرن الماضي وحتى الثمانينيات منه، وأن إسرائيل "انتقلت من سياسة العين بالعين البسيطة إلى عقيدة انتقام متطورة كلياً. وبحسبها، يمكن التعامل مع ’الإرهاب’ عبر الرد بتدفيعه ثمناً مرتفعاً بشكل غير معقول".
وتشير هذه التقديرات إلى صعوبات شبيهة بالصعوبات التي تتعامل معها إسرائيل اليوم نتيجة سياسة الانتقام: بغض النظر عن درجة مهنية هذه العمليات، عسكرياً، فإنها أضرّت بمكانة "إسرائيل" وصورة جيشها وعلاقاتها بالدول الصديقة".
ثمن آخر تمت الإشارة إليه هو "إلى أيّ مدى ساهمت طريقة عمل "إسرائيل" ومواجهتها "الإرهاب" في استمراره. لقد ساهمت العمليات الواسعة التي نفّذتها في تحقيق الهدف الفلسطيني، أي أن يؤدي الرد الإسرائيلي القوي إلى إثارة الاهتمام، وأحياناً، إلى التعاطف مع أهداف "الإرهاب"، وأكثر من ذلك، يبدو أن طريقة عمل "إسرائيل" لا تمنع تجنيد فلسطينيين جاهزين للموت من أجل تحقيق أهدافهم".
وخلصت وكالة الاستخبارات الأميركية إلى القول إن "التعامل مع ’الإرهاب’، في الأساس، استناداً إلى القوة، يخلق دينامية جدلية، وليس نهاية واضحة للمشكلة". المثال لذلك يحدث اليوم مع نجاح "حماس" في إعادة ترميم قوتها في كل مكان يخرج الجيش منه في القطاع، وأيضاً تجنيد كبير لمقاتلين جدد.
دائماً ما كانت سياسة الانتقام موجودة، لكنها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يجري تطبيقها بقوة، وبات حتى مجرد التصنع غير ضروري. فبعد "المذبحة" بثلاثة أيام، يوم 10 تشرين الأول/أكتوبر، نُشرت عريضة حاخامات تتضمن مطالبة بإلحاق الضرر بالمدنيين قصداً، وقيل فيها أنه "لا يجب أخذ مدنيي العدو بعين الاعتبار"، و"خلال الحرب، أفضل الأفاعي تغيّر جلدها"، و"سألاحق أعدائي وأصل إليهم، ولن أعود حتى نهايتهم"، و"لا تسمحوا بالأقوال التي تُضعفنا، والتي تبحث عن ورقة توت قانونية لتقليص القتال".
كان بين الموقّعين دوف ليؤور، الذي يُعتبر حاخام "شبيبة التلال"، وأقرّ بأن "باروخ غولدشتاين مقدس أكثر من جميع مقدّسي المحرقة"، بالإضافة إلى الحاخام عوزي شرباف الذي تمت إدانته بقتل ومحاولة قتل، وحُكم عليه بالمؤبد بسبب دوره في العمليات الإرهابية في الكلية الإسلامية في الخليل.
في أعقاب مطالبات ناشطين وحاخامين من اليمين المتطرف بالانتقام بعد "مذبحة" السابع من تشرين الأول/أكتوبر، قام ناشطو "شبيبة التلال" بتنفيذ عمليات انتقامية في القرى الفلسطينية في الضفة الغربية، ونفّذ بعض جنود الجيش عمليات انتقامية في القطاع. جوهرياً، لا تختلف هذه المطالبات عن مصادقة الجيش على أوامر الانتقام التي كان يعرف مسبقاً أنها ستكون سبباً لمقتل عدد كبير من المدنيين.
هآرتس