مشهد أفقي لقلب العاصمة الأردنية عمان ... صيف عام ١٩٧٧ ... ولد مصري صغير علي أعتاب المراهقة يمر من أمام المسجد الحسيني الكبير متفرسا" وجوه العمال المصريين الذين يأمون الساحة أمام المسجد املا في التقاطهم من طلاب عمال البناء والمعمار والتحميل والتنزيل .... يتلقف عناوين الكتب المتناثرة في الاكشاك المتهالكة التي تتوسط شارع طلال وشارع فيصل .. مذابح الإخوان في سجون عبد الناصر .. موت اميرة سعودية ... وسرعان ما يجمع عدد اربع مجلات الموعد ومجلة الشبكة واقصوصة حسناء اللبنانية فالاغلفة مثيرة رغم تهالك ورقهم .. يتأبطهم في طريق الرجوع الي البيت مارا" مرة ثانية من أمام المسجد الحسيني ليجد العمال المصريين يهرلون تجاه باص كبير  ليسمع حوار بين اتنين من العمال ... 

_ هنروح نعمل ايه في أفغانستان

_ هي فين أفغانستان ديه ياحامد

_ بعيدة ولا قريبة المهم نلاقي شغل 

_ دوول هياخدونا السعودية نعمل عمرة قبل مانروح فغانستان ديه ...

انصت الي همهاتهما غير مدرك ولا مستوعب عما يتحدثون ... قفل راجعا" الي بيته وهبط الليل وملل الإجازة الصيفية يجعله متقلبا" علي حرارة الطقس وهبوب عواصف الصبا والشباب فالتلفزيون الاردني يغلق في تمام الحادية عشرة مساءا" بعد السلام الملكي .. حتي التليفزيون ليس به شئ جاذب سوي نشرة أخبار الثامنة حيث الثورة الإيرانية وهروب الشاه ...

تقلب في نومه بعد أن التهم الكتابين وتفحص نهود وشفاه نجمات غلاف الشبكة والموعد ... حرك مؤشر الراديو علي الشرق الاوسط عبد الحليم يصدح بحبيبها لست وحدك حبيبها وبعدها نداء من الفنانات بصوت الفنانة شادية  لمساعدة المسلمين في افغانستان ضد السوفيت الملحدين الكفرة ... شادية ... أفغانستان...  سوفيت ... ملحدين كفرة ... شال فيشة الراديو وإختار احدي نجمات غلاف الموعد ليحضنها ويغط في نوما" عميق ...

خريف ١٩٨٢ .. مشهد أفقي برضه لنفس الواد بعد أن أصبح شاب يقف في طابور الصباح في مدرسة شكري شعشاعة الثانوية .. اكبر مدرسة ثانوي في ارقي أحياء عمان ( وقتها ) تحية العلم والسلام الملكي وعلي وقع اغنية عراقية تصدح بها الإذاعة المدرسية يشدو المطرب العراقي ... نزلت عمان وبغداد في خندق واحد والأردن قالت كلمتها شعب وقائد والله ووفيت ابو عبدالله والله ووفيت ... علي وقع الاغنية ينتظم الطلبة في طوابير الطلوع الي الفصول وهو واثنين زملائه يقفزون من سور المدرسة مهرولين الي وسط البلد ... تدور أطباق الفول في مطعم هاشم ومنه الي حبيبة حيث الكنافة النابلسية وخمس سجاير فرط وبعدها الخلاف الوحيد بينهم بين الذهاب الي مقهي خبيني في سقف السيل او كما يفضل هو مقهي الجامعة العربية امام جامع الحسين .. رغم أن كاسة الشاي أغلي ولكنه انضف فقد شعر أكثر من مرة بالتقزز من سعال رواد خبيني ومن رائحة التمباك التي طبقت علي مراوحه ... انصاعوا له ... وقبل يدلفوا الي باب الجامعة العربية امام الجامع الحسيني لفت نظره ثلاثة باصات مكتوب عليها .. امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة .. ويهرول نحوها جموع من العمال المصريين الذين يفترشون الساحة انتظارا" لمن يطلبهم في عمل ... شاب عراقي كث الشوارب عريض المنكبين متدلي الكرش  يخطب فيهم بلهجة عراقية صارمة ... باوع يامعود راح تطلعوا من هون عالرطبة ومن هناك نوزعكم عالمعسكرات .. اكل وشرب وراتب شهري ... الله يخلي الريس .. الله يطول عمره ... والعمال يهتفون خلفه الله يخلي الريس الله يطول عمره ويغيب العمال في جوف الباصات ... هو يحاول أن يفهم ... ان يعي ما يحدث ... ليأتيه صوت أحد العمال وهو يصرخ .. يا باشا مكتب السفريات في مصر قال لي أن عقدي علي سلطنة عمان بس الطيارة نزلتني في عمان بتاعت الأردن ممكن يعني توديني عمان التانية بتاعت السلطنة ... ليصرخ فيه الضابط العراقي ... جعمز في القاع ... جعمز في القاع ياكلوشي  ... اجلس في ارضية الباص يا اونطجي ...

نفس الواد برضه  قرر أن يبعد عن شلة الهروب من المدرسة ويلتزم ... ومشهد أفقي برضه لأقرب مسجد لبيته مسجد الكلية العلمية الإسلامية... صلاة العصر ودروس ما بين العصر والمغرب ... وأثناء الراحة ما بين الدروس تجمعوا كلهم في حلقة في أطراف المسجد يهمسون ... حماة والطاغية حافظ الاسد واخوه رفعت وسرايا الدفاع دكوا سجن حماة بالمدافع علي رؤؤس المعتقلين ... ومن ان تذكروا وجوده حتي غيروا الموضوع الي حلقة ذكر ...

كبر الواد وبقي راجل وزيارة بيت الله الحرام ونعمل عمرة ... مشهد أفقي له وهو يطوف حول الحرم  ويؤدي المشاعر وما ان انتهي من المناسك جلس ليستريح قليلا هناك حيث يهرول المعتمرين بين الصفا والمروة وسرعان ما وقف يبحث عن مصحف يقرئه لحين حلول موعد صلاة العصر ... في آخر الصفا او المروة هناك مكتب يجلس به المطوعين .. سلم عليهم فردوا جميعا وتشجع وطلب منهم قراءن يقرئه ويحتفظ به ذكري فصرخ فيه كبيرهم... اشي تبغي ... عاوز مصحف سعاتك .. فعبس الرجل صارخا .. امشي من هون ... ياعم انا عاوز مصحف ... هو انا شتمتك انت زعلان ليه ... لتأتي ثلة من المعتمرين البنجلاديشين ... صديق ... صديق ... طريق .. طريق ... ليختفي ويذوب بينهم ...

منذ أن فشلت محاولات عبدالناصر في نتف دقن فيصل وقرر فيصل نتف ريش عبد الناصر في فك الوحدة المصرية السورية وبعدها التنسيق  مع المخابرات الامريكية لاصطياده في ٦٧ في عملية اصطياد الديك الرومي ... يموت عبد الناصر ويصعد السادات وتنتقل العلاقة السادتية الامريكوسعودية من الخفاء الي العلن ويستلم كمال أدهم مدير المخابرات السعودية وصهر فيصل ملف السادات كاملا وينصاع السادات الي خطة الانقضاض علي الإرث الناصري ... لتتطور الخطة بعد ذلك من محو الإرث الناصري الي التوغل وتشويه الشخصية المصرية ... وبعد كتابة السيناريو من المخابرات الامريكية وكمال أدهم وتقديمه السادات شرع سيد مرعي وعثمان احمد عثمان الي تكليف مثلث التأثير في الرأي العام ... الشيخ عبد الحميد كشك ...  الشيخ الشعراوي ... الدكتور مصطفي محمود ... الشيخ الشعراوي يعمل علي بسطاء المصريين من خلال شخصيته الكاريزمية وتفسيراته المبسطة للقرأن

الشيخ كشك يلعب علي جزء مهم في الشخصية المصرية وهي السخرية المشبعة بالتطاول وقد استخدمها كشك في هز صور نمطية في الوجدان المصري من خلال السخرية من القوة الناعمة المصرية ... فنانين وشعراء وفي الحشو الدعاء علي عبد الناصر ونظامه ... اما الدكتور مصطفي محمود فكان تركيزه علي المثقفين و مهاجمة اليسار والمفكرين اليساريين وبرضه في الحشو مهاجمة عبد الناصر ... فردت لهم صفحات الجرائد والقنوات وتم تكليلهم بغار من القداسة في وقت تم التضييق علي اليسار و الناصريين مضايقات وصلت الي اعتقالات سبتمبر ...

في يونيو ١٩٨٤ وصلت القاهرة لإكمال دراستي الجامعية ... في المعهد العالي للخدمة الاجتماعية ... كان المدرج به ٤٠٠ طالب وطالبة ... عدد المحجبات من الطالبات لم يكن يتجاوز عشرين طالبة وما ان أنهيت البكالوريوس في اربع سنوات  وأصبحت معظم طالبات المعهد محجبات ...

خطبت في عام ١٩٨٨ ... حفلة في البيت فيها الأهل والجيران والأصدقاء حفل خطوبة عادية  مثل كل المصريين ... في عام ١٩٩٠ تم الزفاف فرح في الشارع ورقص ونقطة واختلاط عادي بين الأهل والأقارب والجيران ...

نزلت اجازة من عمان في صيف ١٩٩٣  واتعزمت علي فرح  احد شباب العائلة ... ياللهول علي رأي عمنا يوسف وهبي ... انقسمت العائلة نصفين .. الرجال في جهة والسيدات في جهة اخري .. ونحن أقارب من الدرجة يعني اعمامي هم اولاد عم اخوالي ... فضلا عن ظهور بعض المنتقبات من العائلة ...

وبعدها ظهر ارهاب التسعينات الذي تراجع بفعل المراجعات الفقهية والضربات الأمنية ليطل علينا فقهاء الألفية... حسان و برهامي وغيرهم من شيوخ السلفية المدعومين سعوديا ... لهم مساجدهم ودروسهم وإطلاق عميو خايد( عمرو خالد ) علي الشريحة الأهم وهم  شباب الطبقة الوسطي ومعهم سيدات الطبقة العليا ...

وتأتي يناير وتسبغ السعودية حمايتها علي مبارك ونظامه ويستجيب المجلس العسكري وتتم المحاكمات الفشنك وبعد مهرجان البراءة للجميع يطلق محمد حسان بالاشتراك مع مصطفي بكري مبادرة الدية ويعرضوا الدية علي اهالي شهداء يناير ...

 وتتم ٣٠ يونيو وبعدها ٧/٣ وتتبلور الأفكار والمعطيات ليصبح الملحق العسكري السابق في سفارتنا في الرياض رئيس جمهورية وتظهر الكاميرات قبلة الحياة علي جبين الملك عبد الله في الطائرة وتنفتح شكاير الرز ... وهوووب يتوفي الملك عبد الله وينصب اخوه الطاعن في السن المريض سلمان ويصبح ملك السعودية ويعين ابنه محمد ولي للعهد لتحدث التطورات الدراماتيكية في السعودية مع إبقاء عينهم علي مصر  ... يحبس اعمامه ... يفتح المجتمع السعودي يتحلل من الوهابية ورجالاتها ويطاردهم ويحبسهم ... تصل التعليمات الي احمد القطان سفيرهم في القاهرة ويتم الاستعانة بالدكتور مصطفي الفقي ابو لبانة ( ابو لبانة ديه ليست من عندياتي ولكنه لقب كان يطلقه مبارك عليه لأنه لايضبط لسانه ودائما ما يبوح بأسرار الدولة لأي سيدة يقابلها ) وكانت العزومات ورحلات العمرة المجانية والساعات الرولكس لكوكبة من الإعلاميين تعرفونهم جميعا نفر نفر ... ويتم تسليم تيران وصنافير ... يرحل القطان ويتم إرسال الصديق الشخصي للأمير محمد بن سلمان السيد تركي آل شيخ  مندوب له للقاهرة ... للتأثير في القوة الناعمة المصرية ووضع اكبر نادي رياضي في مصر في جيبه ولقوة وصرامة مجلس إدارة الاهلي ( علي فكرة انا زملكاوي ) ولتفاهة وعنجهية تركي يفشل مع الأهلي طال عمره ينتقل من الاهلي للزمالك وبعد محاولات مضنية من مرتضي لحلبه أخيرا رفع اسمه مع علي المبني الاجتماعي الذي بناه بفلوسه ... طبعا طبيعي ان تركي يفشل في احتواء الاهلي ومن بعده الزمالك ... مالك انت ياتركي بالكرة ده انت بتنهج وانت بتشرب مج النسكافيه ... يرجع مبعوث محمد ابن سلمان تركي آل شيخ الي سيرته القديمة حيث الشعر الركيك والأخطاء الإملائية وشلة المنتفعين من الفنانين الدرجة التانية وشعراء اغاني المهرجانات ...

السعودية صدرت لمصر الوهابية ... وسيطرت وشوهت وميعت الكثير من القوة الناعمة المصرية