تكبير الخط تصغير الخط

خرج النائب الديمقراطي الأمريكي بيرني ساندرز، عن صمته وانتقد بلاده في عدم تحركها لإيقاف الحرب في قطاع غزة.

حيث قال يجب على الولايات المتحدة أن تتحرك لإنهاء كارثة غزة، فما يحدث في القطاع لا يوصف، ونحن شركاء فيه.

وهكذا دعا السيناتور الديموقراطي الأمريكي بيرني ساندرز، في مقال نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، منتقدا "تجاهل زملائه في مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكيين، للكارثة الإنسانية الخطيرة التي تتكشف في غزة.

ويضيف: "ما يحدث في غزة ليس مجرد مأساة مؤسفة تحدث على بعد آلاف الأميال من شواطئنا، وفي ظل تقديم الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات عسكرية بقيمة 3.8 مليارات دولار كل عام، لافتا إلى أن القنابل والمعدات العسكرية التي تدمر غزة مصنوعة في أمريكا، ما يعني أننل "شركاء فيما يحدث".

ويتابع ساندرز: "لقد تحدثت أنا وموظفونا في الأيام الأخيرة مع الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي والمنظمات الإنسانية الأخرى التي تكافح من أجل التعامل مع الكارثة في غزة، ووجدنا أن الأسابيع المقبلة قد تعني الفرق بين الحياة والموت لعشرات الآلاف من الناس".

ويزيد: "إذا لم نشهد تحسناً جذرياً في إمكانية وصول المساعدات الإنسانية في وقت قريب جداً، فإن أعداداً لا تحصى من الأبرياء، بما في ذلك الآلاف من الأطفال، قد يموتون بسبب الجفاف والإسهال والأمراض التي يمكن الوقاية منها والمجاعة".

وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن عدد الوفيات الناجمة عن المرض والجوع "يمكن أن يتجاوز العدد المرتفع للغاية الذي قُتل في الحرب حتى الآن".

ويشير إلى أن ذلك لا يعد كارثة طبيعية، وإنما أزمة من صنع الإنسان.

ويضيف: "هذه هي النتيجة المباشرة للاختيارات التي اتخذها القادة السياسيون، وليس أكثر من بنيامين نتنياهو، زعيم الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل".

وبرر ساندرز هجوم إسرائيل على "حماس"، التي هاجمتها في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن يضيف: "لم يكن لها، وليس لها، الحق في خوض حرب ضد الشعب الفلسطيني برمته، وهذا بالضبط ما يحدث".

واستشهد في الحرب على غزة أكثر من 26 ألف فلسطيني، وجُرح 62 ألفاً، 70% منهم نساء وأطفال.

ويعتقد أن آلافاً آخرين محاصرون تحت الأنقاض.

وقد استشهد ما لا يقل عن 152 من عمال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة حتى الآن، وهو عدد أكبر من أي حرب سابقة.

ومن غير المعقول أن 1.7 مليون شخص قد تم تهجيرهم من منازلهم، أي ما يقرب من 80% من إجمالي سكان غزة.

وهؤلاء هم الأشخاص الذين كانوا فقراء بالفعل ويعيشون الآن في ملاجئ مكتظة تابعة للأمم المتحدة أو بالعراء في ظروف الشتاء، ويفتقرون إلى ما يكفي من الغذاء والماء والوقود والإمدادات الطبية، وليس لديهم أي فكرة عما يخبئه لهم المستقبل.

وتضررت أو دمرت حوالي 70% من الوحدات السكنية في غزة.

لقد أصبحت معظم البنية التحتية الحيوية في غزة، غير صالحة للتشغيل، بما في ذلك العديد من آبار المياه والمخابز ومحطات الطاقة ومرافق معالجة مياه الصرف الصحي، وظلت معظم المنطقة بدون خدمة الهاتف المحمول لأسابيع، مما يجعل الاتصال صعبًا للغاية.

فالمياه نادرة، والقليل المتاح منها غالباً ما يكون ملوثاً.

وتعمل الآبار العامة بقدرة 10% فقط، ولا يعمل سوى خط واحد فقط من خطوط أنابيب المياه الثلاثة المؤدية إلى غزة.

ومنذ عدة أشهر، يعيش الأطفال في جنوب غزة على ما يتراوح بين 1.5 إلى 2 لتر من الماء يوميا، وهو أقل بكثير مما هو مطلوب.

وهذا في المنطقة التي يمكن إيصال مساعدات الأمم المتحدة إليها، والوضع أسوأ في أماكن أخرى.

ويؤدي الافتقار إلى المياه النظيفة إلى ارتفاع حاد في الأمراض المنقولة بالمياه والإسهال، وهي حالة خطيرة للغاية تمثل ما يقرب من 10% من كل الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة في جميع أنحاء العالم.

وفي غزة، أفادت الأمم المتحدة بوجود 158 ألف حالة، أكثر من نصفها بين الأطفال دون سن الخامسة، أي بزيادة قدرها 4000% عما كانت عليه قبل الحرب.

وتقول المنظمات الإنسانية إنها تخشى أن يموت آلاف الأطفال بسبب الإسهال، قبل أن يموتوا جوعاً.

وانتشر الجوع والمجاعة الآن على نطاق واسع، فقبل الحرب، كان في غزة 97 مخبزاً (15 مخبزاً فقط يعمل الآن)، ولا يوجد أي مخبز يعمل في الشمال، الذي أغلق بسبب الغارات الجوية ونقص الوقود والطحين.

وينام مئات الآلاف من الأطفال جائعين كل ليلة، ويتجمع الناس اليائسون على شاحنات الإغاثة القليلة التي يمكنها الوصول إلى ما وراء المعبر الحدودي.

وفي الوقت الحالي، تقول الأمم المتحدة أن 570 ألف شخص في غزة يواجهون "جوعاً كارثياً" يعادل المجاعة.

وهذه هي الفئة الأشد خطورة من المجاعة، لكن تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن "جميع سكان غزة (حوالي 2.2 مليون شخص) يعانون من أزمة أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي الحاد".

وتقريبًا كل أسرة تتخطى وجباتها بشكل منتظم، ويتناول معظمها وجبة واحدة يوميًا، غالبًا ما تكون مجرد خبز.

ويقول الخبراء إن الرضع والأطفال الصغار سوف يستسلمون أولاً للجوع.

وبدون ما يكفي من الغذاء، أو بدون مياه نظيفة لصنع الحليب الصناعي، ستبدأ أعضائهم الحيوية في التوقف عن العمل.

وسيموت الكثيرون بسبب العدوى قبل أن يصلوا إلى هذه النقطة.

ويلفت إلى أن المصطلح التقني لهذه المرحلة (هزال الأطفال)، هو أمر مروع للغاية، بحيث لا يمكن التفكير فيه.

ومع ذلك، فإن هذا هو ما نشاهده يتكشف بحركة بطيئة بينما ينظر العالم إلينا.

ويتعرض نظام الرعاية الصحية في غزة لضغوط هائلة، فمعظم مرافق الرعاية الصحية غير صالحة للعمل أو تعمل بقدرة متدنية.

وفي مواجهة عشرات الآلاف من الضحايا، ناضل العاملون في مجال الصحة، بشجاعة هائلة، لإنقاذ الأرواح وسط القصف المتكرر على المستشفيات المكتظة دون كهرباء أو وقود أو دواء كاف.

وقد استشهد 337 من العاملين في مجال الصحة.

ويساهم الافتقار إلى الضروريات الأساسية وظروف الاكتظاظ في زيادة كبيرة في الأمراض، ويعاني 10% من السكان الآن من التهابات الجهاز التنفسي الحادة.

كما أولئك الذين يعانون من حالات طويلة الأمد تتطلب علاجًا متقدمًا ليس لديهم أمل كبير في الحصول على الرعاية الكافية.

وفي خضم هذا الدمار، تلد حوالي 180 امرأة في غزة كل يوم، ويتلقين رعاية طبية غير كافية على الإطلاق.

وبدون ما يكفي من الغذاء أو المياه النظيفة، ناهيك عن الأدوية والمضادات الحيوية الضرورية، تواجه العديد من هؤلاء النساء مضاعفات خطيرة، وسيتحمل أطفالهن ندوبًا مدى الحياة من هذه الحرب.

ويلفت ساندرز إلى أن "هذه هي الحياة في غزة اليوم، ويجب على الشعب الأمريكي ألا يتجاهل ذلك، ويجب على إدارة الرئيس جو بايدن ألا تتجاهل ذلك، ولا ينبغي للكونغرس أن يتجاهل ذلك".

ويضيف: "لا يمكننا أيضًا أن نتجاهل سبب هذه الكارثة، فالجواب واضح للغاية، في كل خطوة، فشلت الحكومة الإسرائيلية في توفير حتى أبسط وسائل الحماية للمدنيين، ولم يتم انتزاع كل تحرك إنساني إلا بعد أسابيع من التأخير والضغوط الخارجية من الولايات المتحدة وغيرها".

والنتيجة هي أنه لا يُسمح اليوم إلا بدخول 20% إلى 30% فقط مما هو مطلوب، ولا يوجد ما يكفي من الغذاء، ولا يوجد ما يكفي من الماء، ولا توجد إمدادات طبية كافية، ولا يوجد ما يكفي من الوقود.

وينتقد ساندرز، عمليات التفتيش الإسرائيلية المرهقة على الحدود، ويعتبرها "سبباً رئيسياً لهذه الأزمة"، لافتا إلى أن ذلك يسبب انتظارا لمدة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أسابيع حتى تصل الشاحنات إلى غزة.

ويتم تفريغ العديد من الشاحنات وإعادة تحميلها عدة مرات، وغالبًا ما يتم البحث فيها عن نفس العناصر.

وترفض إسرائيل مواد مثل أعمدة الخيام، ومستلزمات النظافة النسائية، ومعقمات الأيدي، ومعدات اختبار المياه، والإمدادات الطبية.

وإذا تم رفض عنصر واحد، يجب على الشاحنة العودة إلى بداية العملية، في ظل عمل لمدة 8 ساعات يوميا فقط.

ويعلق السيناتور الأمريكي على ذلك بالقول: "من الصعب أن نرى هذه العملية ولا نستنتج أنها جهد متعمد لإبطاء المساعدات الإنسانية".

عندما تعبر الشاحنات الحدود في نهاية المطاف، فإنها تواجه مجموعة جديدة من المشاكل.

وتقصف إسرائيل أهدافا في أنحاء غزة، وأغلقت قواتها البرية العديد من الطرق الرئيسية وسط القتال، وانهارت عملية تنسيق قوافل المساعدات مع الجيش الإسرائيلي.

وشهد النصف الأول من يناير/كانون الثاني، تدهوراً فعلياً في إمكانية وصول المساعدات الإنسانية.

ويضيف: "حكومة نتنياهو اليمينية تعمل على تجويع غزة، فقد أدى القصف العشوائي الذي تمارسه إسرائيل والقيود المفروضة على المساعدات الإنسانية الأساسية إلى خلق واحدة من أشد الكوارث الإنسانية خطورة في الآونة الأخيرة".

ولعدة أشهر، ناشدت حكومة الولايات المتحدة، حليفتها إسرائيل، اتخاذ خطوات عاجلة لتجنب المزيد من الوفيات بين المدنيين.

لكن على الرغم من هذه الطلبات، بما في ذلك الطلبات المقدمة من بايدن نفسه، ولم يفعل نتنياهو شيئا.

ويدعو ساندرز إلى تغيير هذا الوضع الآن، بعدما باتت عشرات الآلاف من الأرواح معلقة في الميزان، وأصبح كل يوم مهم.

ويضيف: "يتم خوض هذه الحرب في المقام الأول باستخدام الأسلحة والمعدات الأمريكية، وهذا يعني أن الولايات المتحدة متواطئة في هذا الكابوس، ويجب علينا إنهاء الأمر، ويتعين على الولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها لحمل نتنياهو على تغيير نهجه".

وكجزء من هذه الجهود، والحديث لساندرز: "حاولت أن أفرض على مجلس الشيوخ الأمريكي ما أعتبره خطوة متواضعة للغاية، بإصدار قرار يلزم وزارة الخارجية بتقديم تقرير عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان قد تحدث أثناء الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة".

ويستند القرار إلى القانون الأمريكي المعمول به منذ فترة طويلة، والذي يقضي بأن يتم استخدام أي مساعدة أمنية أو معدات عسكرية تقدم لأي دولة، بما يتماشى مع حقوق الإنسان المعترف بها دوليا.

ويضيف: "من المؤسف أن 11 عضواً فقط في مجلس الشيوخ صوتوا لصالح هذا الجهد الأول في الكونغرس لمحاسبة إسرائيل، لكن الزخم آخذ في التحول".

ويتابع: "المزيد والمزيد من الأميركيين من المسؤولين أو الشعب يدركون أننا لا نستطيع أن نستمر في غض الطرف عن المعاناة في غزة، نظراً لحجم الكارثة التي تتكشف مع القنابل والمعدات العسكرية الأمريكية".

ويزيد: "يتعين على الكونجرس أن يتحرك".

ويلفت إلى أن الكونجرس يدرس الآن مشروع قانون تكميلي يتضمن مساعدات عسكرية أخرى بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل، ولكن "يجب على الولايات المتحدة أن توضح لنتنياهو أننا لن نقدم دولاراً آخر لدعم حربه اللاإنسانية وغير القانونية".

ويضيف: "يتعين علينا أن نستخدم نفوذنا للمطالبة بوضع حد للقصف العشوائي، ووقف إطلاق النار لأسباب إنسانية للسماح بتدفق المساعدات إلى أولئك الذين يعانون، وإطلاق سراح أكثر من 130 أسبيرا ما زالوا محتجزين في غزة، ويجب علينا أن نطالب الحكومة الإسرائيلية باتخاذ الخطوات اللازمة لوضع الأساس لحل الدولتين".

ويختتم: "يجب على الولايات المتحدة أن تتوقف عن مطالبة إسرائيل بفعل الشيء الصحيح، لقد حان الوقت للبدء في إخبار إسرائيل بأن عليها أن تفعل هذه الأشياء وإلا فإنها ستفقد دعمنا".