- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
صادق الطائي يكتب: العراق: تفتيت «البيت السني» مجددا
صادق الطائي يكتب: العراق: تفتيت «البيت السني» مجددا
- 1 مايو 2023, 4:36:59 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تزايدت الضغوط على محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي من عدة جهات، إذ بات يخوض معاركه على أكثر من جبهة، فهو يواجه في معركته الأولى الإطار التنسيقي الشيعي، الكتلة البرلمانية الأكبر، وسبب الصراع بحسب التسريبات السياسية تملص قادة الإطار من تعهداتهم للقوى السياسية السنية بإصدار قانون عفو عام عن المعتقلين السياسيين السنة، وإلغاء هيئة المسألة والعدالة، وتحويل عملها من سياسي إلى قضائي، وإعادة المهجرين في المدن السنية إلى مناطقهم، مقابل دعم ائتلاف السيادة، الجامع للقوى السنية لتشكيل حكومة محمد شياع السوداني.
أما الجبهة الثانية التي يقاتل فيها الحلبوسي فهي صراعه على زعامة البيت السني ومواجهة شخصيات وقوى سنية عديدة بسبب ذلك، وربما كان أخطر هذه الشخصيات هو خميس الخنجر رئيس كتلة السيادة السنية في البرلمان، المدعوم من شخصيات نافذة في الأنبار وصلاح الدين ونينوى، يضاف إلى هذا التوتر بين الحلبوسي والخنجر، التململ السني مما بات يعرف بديكتاتورية الحلبوسي وتفرده بالقرار، إذ يواجه اليوم تهديدا من عدد من القيادات العشائرية في محافظة الأنبار من المحسوبين على الفصائل المسلحة الشيعية النافذة في المحافظة، الأمر الذي أضعف موقفه السياسي بصورة عامة.
بإمكان المراقب اليوم ملاحظة توتر الموقف الشيعي ـ السني متمثلا بإصرار السوداني على عدم تدخل الحلبوسي في عمل السلطة التنفيذية
الصراع الأهم ابتدأ عندما بدأ شركاء الحلبوسي السنة الضغط عليه، باعتباره رأس الهرم السياسي السني، لمطالبة الفرقاء الشيعة في الإطار التنسيقي بتنفيذ ما تعهدوا به عند إبرام صفقة تشكيل حكومة السوداني، لكن يبدو أن الإطار التنسيقي وفي خطوة استباقية كان قد حيّد الطرف الكردي من النزاع، عبر تمرير موضوع حصة الكرد من الموازنة، وتنفيذ انسحابات قوات الحشد من عدة مناطق وتسليمها لقوات بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبذلك يكون الإطار الشيعي قد تفرغ لصراعه مع السنة، وتحديدا مع الحلبوسي الذي بدت مؤشرات عدة على دفع الإطار لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني للتملص من تعهداته لائتلاف السيادة السني. وبإمكان المراقب اليوم ملاحظة توتر الموقف الشيعي ـ السني متمثلا بإصرار السوداني على عدم تدخل الحلبوسي في عمل السلطة التنفيذية، يضاف إلى ذلك دعم الإطار التنسيقي للسوداني، لعدم تقديم تنازلات للحلبوسي في ملف العفو العام، بعد أن أصبح واضحا أن الإطار التنسيقي لم يعد يرى ضرورة لذلك، طالما أن واقع الحال قد تجاوز مرحلة التهديد التي كان يعيشها الكل قبل انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية والحاجة للتحالف مع القوى السنية ممن كانوا حلفاء الصدر لتمرير تشكيل الحكومة. وقد تسربت إشاعات حول عزم الإطار التنسيقي العمل على عزل الحلبوسي من منصبه بعد الاتفاق مع القوى السنية المناوئة له. وتسربت الأخبار والتغريدات من قيادات سنية عن عزم محمد الحلبوسي على تشكيل كيان سني جامع مماثل للإطار التنسيقي الشيعي، يمكن أن يجمع القوى السنية تحت مظلته، ويسلم قياده للحلبوسي، وقد أطلق على هذه النية اسم (تشكيل الإطار التنسيقي السني) إذ وجه الحلبوسي دعوة لجميع القيادات السياسية السنية السابقة والحالية في العراق، لعقد اجتماع في بغداد منتصف شهر نيسان/أبريل الماضي، لكن هذه الدعوة لم تحظَ بتجاوب كبير. وبيّنت عدة تسريبات أن الهدف من دعوة الحلبوسي هو بحث إمكانية تشكيل الإطار التنسيقي السني، ليكونوا قادرين على مواجهة الإطار التنسيقي الشيعي سياسياً، ويكونوا قادرين على فرض تطبيق شروط ومطالب القوى السياسية السنية، بعد توحيد البيت السني تحت سقف واحد، كما عمل على ذلك البيت السياسي الشيعي.
وفي هذا السياق، كشف السياسي السني مشعان الجبوري، على حسابه في موقع تويتر قائلاً: «يمكنني التأكيد أن الرئيس أسامة النجيفي، والشيخ خميس الخنجر، والسيد مثنى السامرائي، والدكتور رافع العيساوي، ومن معهم، وبما يمثلونه من عناوين، لن يكونوا جزءاً من الإطار التنسيقي السني الذي يسعى محمد الحلبوسي لتشكيله». وأضاف:» وتقول الإشاعات أن محمود المشهداني، وسليم الجبوري، وصالح المطلك سينضمون له». ويبدو أن الحلبوسي تحرك إقليميا بحثا عن دعم في معاركه المتعددة، إذ زار في جولته الخليجية الأخيرة المملكة العربية السعودية الرياض، والتقى فيها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وقد أعقبت زيارة الحلبوسي بيوم واحد، زيارة للسياسي الشيعي عمار الحكيم للرياض التقى فيها ولي العهد السعودي، وتسربت الأخبار عن وجود مبادرة مصالحة بين السوداني والحلبوسي، يقوم بها السيد عمار الحكيم بدعم سعودي. وبما أن الإطار التنسيقي الشيعي لم يكن لينجح في مساعيه السياسية، لولا الدعم الإيراني المنقطع النظير، فقد توجه محمد الحلبوسي إلى العاصمة القطرية الدوحة التي سبقه لها خميس الخنجر، ويبدو أن الحلبوسي كان يسعى لدى رئيس الوزراء القطري إلى مبادرة مصالحة مع فرقائه السنة، ودعم مساعيه في تشكيل الإطار التنسيقي السني، وأكّد مشعان الجبوري، في تغريدة على تويتر، وجود وساطة قطرية لترطيب الأجواء بين الحلبوسي والخنجر، لكنها لم تتكلل بالنجاح. وأشار الجبوري إلى أن الحلبوسي وصل إلى قطر في 16 أبريل في زيارة غير معلنة أجراها بعد مغادرة السعودية، وطلب من رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني التوسط لحل الخلاف بينه وبين الخنجر، لكنّ مشعان الجبوري كان قد غادر الدوحة.
الاعتراض على مشروع «الإطار التنسيقي السني» جاء من عدد من القيادات السنية، ولاسباب مختلفة، إذ أكد جمال الضاري الأمين العام للمشروع الوطني العراقي «صعوبة تحقيق الفكرة»، وكشف الضاري عن أسباب رفضه للفكرة خلال اجتماعٍ مع الحلبوسي أكّد فيه أن الوقت غير ملائم لمثل هذه الطروحات، معتبرا أن « ليس من السهولة أن يجتمع السُنة في إطار واحد». وكان هذا رأي رئيس مجلس النواب الأسبق أسامة النجيفي أيضا، إذ أكّد صعوبة تحقيق الإطار السني بسبب «تضارب الآراء بين القوى السنية وصعوبة توحيد الآراء والأهداف السنية»، وقد صرّح النجيفي في مقابلة تلفزيونية يوم 10 أبريل الماضي بقوله: «إن دعوات الحلبوسي لتشكيل إطار سياسي سنّي هدفها تقوية موقعه الحالي، خاصة بعد توقّع صدور شيء ضدّه خلال الفترة المقبلة»، كما كشف النجيفي عن وجود «خلافات داخل تحالف السيادة، وأيضاً بين السوداني والحلبوسي بخصوص التدخل في الأمور التنفيذية للدولة من قبل رئيس البرلمان». وصرّح النجيفي، بأن السياسيين العراقيين داخل المجموعة السُنية يمتلكون تاريخا من الانقلاب على الاتفاقات بسبب عدم الالتزام وانتشار الفساد بينهم، مختتما حديثه بـ»على الشيعة أن لا يلوموا أحدا إذا قرر السنة تشكيل إطار سياسي مشابه، فالأول هو من اخترع ذلك، لكنه في النهاية قرار خاطئ، سيُزيد من الاصطفاف المذهبي». المفارقة أن رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري بيّن في تصريح تلفزيوني، أن الفترة المقبلة يمكن أن تشهد بديلاً بعثياً للسنة الحاليين في العملية السياسية. ولم يوضح الجبوري الذي ينتمي إلى الحزب الإسلامي العراقي (وهو فرع الإخوان المسلمين في العراق) وكان أحد قياداته، تفاصيل هذا البديل، وعلى ماذا يستند، لكن يبدو أن هذه الطروحات تزامنت مع ما أثارته رغد صدام حسين بعزمها العودة إلى العراق، ونيتها دخول المعترك السياسي، فضلاً عن النقاش الدائر أخيراً حول إلغاء هيئة المساءلة والعدالة، التي يعدها السنة أحد مطالبهم ضمن ورقة الاتفاق السياسي، بحيث يتحول ملف المساءلة من سياسي إلى قضائي. الأمر الذي يرفضه الفرقاء الشيعة باعتباره سيفتح باباً لرجوع بعث العراق إلى الساحة السياسية من البوابة السنية.