- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
عاموس هرئيل يكتب: الجيش منح الحكومة صورة نصر.. لكنها مشغولة بمسألة مهاجمة إيران
عاموس هرئيل يكتب: الجيش منح الحكومة صورة نصر.. لكنها مشغولة بمسألة مهاجمة إيران
- 25 أكتوبر 2024, 2:07:36 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أرشيفية
كان من المفترض بسلسلة النجاحات العسكرية التي حققتها إسرائيل، مؤخراً، أن تتيح لها تقديم صورة انتصار على عدة جبهات، وتمهّد لاستراتيجيا تضمن الخروج من الحرب الإقليمية، بعد أن ألحقت إسرائيل أضراراً كبيرة بحزب الله، وتمكنت من القضاء على معظم قياداته وقيادات "حماس"، ودمرت البنية التحتية العسكرية في الجنوب اللبناني، وقصفت مواقع "حماس" بشدة في قطاع غزة، وهو ما منحها تفوقاً، بعد أكثر من عام من الحرب المكلفة والشاقة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل ذاهبة في الاتجاه المعاكس تماماً، على ما يبدو، لتبقى متورطة في غزة من دون أن تتخذ خطوات جادة نحو صفقة تحرير الأسرى، على الرغم من اغتيال قائد "حماس" يحيى السنوار. وكذلك، على الرغم من أن الجيش يسعى لإنهاء العمليات في لبنان، فإن الحكومة لا تُبدي أيّ استعدادات للتوصل إلى تسوية سياسية قريباً. فعشية العيد، قُتل أربعة جنود من كتيبة المشاة الاحتياطية في اشتباك مع عناصر حزب الله داخل منطقة قتال قرب الحدود، وقُتل جندي آخر يوم أمس. وفي ظل الرشقات الصاروخية التي استهدفت الشمال، أصيب مدني بجروح خطِرة، وامتدت صافرات الإنذار خلال العيد لتصل إلى وسط البلد. ولا يزال الحديث قائماً عن جولة متوقعة من الضربات الباليستية المتبادلة بين إسرائيل وإيران في الأيام المقبلة.
يتمثل أحد أهم أسباب استمرار هذا التورط في تحالف المصالح غير المقدس، والذي بدأ بالخطيئة الأولى: تأليف الحكومة الحالية في نهاية سنة 2022. لقد بدأت التحقيقات ضد نتنياهو في سنة 2017، وبعد خمسة أعوام، باتت حالة نتنياهو ميؤوساً منها بصورة تدفعه إلى المراهنة على شراكة سلّم فيها زعيمَي حزبَين من اليمين المتطرف مكانة حاسمة في الائتلاف الحكومي، ووظائف أساسية في الحكومة والكابينيت، وفي تلك المرحلة، كانت الكتلتان الحريديتان أيضاً [شاس ويهدوت هتوراه] تعرفان أنهما قادرتان على أخذ كل ما تريدانه من نتنياهو.
إن مصير 101 مخطوفاً محتجزين في ظروف مروعة في أنفاق غزة، بات على كف عفريت، لكن يبدو أن للائتلاف الحاكم أولويات أكثر إلحاحاً. فكل حزب من أحزاب هذا الائتلاف منشغل بأموره الخاصة: نتنياهو وعائلته يركزون على إصلاح الواجهة الزجاجية لمنزلهم في "قيسارية"، والتي تضررت من الطائرة المسيّرة التي أطلقها حزب الله. واليمين المتطرف يدفع في اتجاه إعادة المستوطنات إلى القطاع، أمّا الأحزاب الحريدية، فترى أن تمرير قانون الإعفاء من التجنيد أمر أساسي، والجميع يولي أهمية للسيطرة على ميزانيات ضخمة على حساب حاجات الشعب. هذه المصالح الحزبية جميعها تدفع القضايا الملحة حقاً إلى أدنى سلّم الأولويات: إنقاذ المخطوفين، وإعادة سكان الشمال إلى منازلهم، وإعادة إعمار منطقة "غلاف غزة"، وتخفيف العبء عن الجنود النظاميين واحتياطيي الجيش.
يتعامل الائتلاف، بمكوناته، مع هذه المطالب بنبرة من التجاهل المطلق. لقد بدا أن الأمور ستتغير بعد "مجزرة" 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، وأن كل ما اعتدنا تحمُّله لم يعد يُحتمل. أمّا الآن، فمرّت سنة وعدة أسابيع أُخرى، وعادت الحكومة إلى تركيز جهودها على شؤونها الخاصة، فبعض مكوناتها يواصل الدفع نحو الانقلاب الدستوري على النظام، والبعض الآخر مهتم بالذهاب في رحلات مشبوهة إلى الخارج. أمّا الحديث عن تشكيل لجنة تحقيق رسمية، وهو الإجراء الأكثر منطقيةً، نظراً إلى حجم الكارثة، فقد أصبح، طبعاً، خارج النقاش.
في نظر هيئة الأركان العامة، هناك شك فيما إذا كان في الإمكان تحقيق موقف أكثر تفوقاً في الحرب مما نحن عليه الآن. من هذا الارتفاع، قد يكون الاتجاه الوحيد هو التراجع. لقد مثّل مقتل يحيى السنوار وحسن نصر الله صورة انتصار رمزية ذات أهمية معينة. ومع ذلك، فإن لقطات النصر الحقيقية لن تتحقق سوى عندما يُعاد الأسرى والجثث إلى الوطن، وعندما يتمكن سكان الحدود الشمالية من العودة إلى منازلهم، وتبدأ عملية إعادة إعمار بيوت بئيري ونير عوز وكفار عزة بشكل جدي.
في الشمال والجنوب، يجد كلٌّ من رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي ووزير الدفاع يوآف غالانت نفسه في موقف ضعف في خلافاتهما مع نتنياهو. عندما يلمّح رئيس الوزراء إلى نيته الاستمرار حتى النهاية، فإنهما يتساءلان، ونتساءل: ما الذي يعنيه ذلك بالضبط؟ هل يعني احتلالاً جديداً للجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني؟ أم الاستمرار في الضغط العسكري على قطاع غزة حتى مقتل آخر الأسرى؟
لقد طرحت مصر هذا الأسبوع اقتراحاً للتسوية، يبدو أن فرصه ليست كبيرة، ويتضمن الإفراج عن مجموعة من الأسرى في مقابل وقف إطلاق النار مدة أسبوعين. أمّا بقايا قيادة "حماس" في القطاع، التي لا تزال ملتزمة شروط التفاوض التي وضعها السنوار، فلا تبدو متحمسة لتبنّي هذا الاقتراح.
من المقرر أن تُستأنف المفاوضات بشأن صفقة الأسرى في قطر يوم الأحد، بعد توقُّف دام شهرين، لكن فرص التقدم لا تزال ضئيلة.
في الجانب الإسرائيلي، لا تبدو الصورة مختلفة كثيراً عن غزة، فالوزيران إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش غير مستعدَّين لإعادة "ظفر أسير فلسطيني" في مقابل الأسرى. ومن وجهة نظرهما، يجب أن تستمر الحرب مع وعود فارغة بتحرير جميع الأسرى بالقوة. وفي ظل هذه الشروط، فعلياً، فإن نصف الأسرى الذين ما زالوا في قيد الحياة سيموتون في الأنفاق، أو نتيجة القصف الإسرائيلي، أو يُقتلون على يد مُحتجزيهم. وربما يكون هذا هو المقصود؛ بحيث تُحلّ المشكلة، بالتدريج، من تلقاء نفسها من دون أن تُضطر حكومة اليمين إلى تقديم تنازلات إضافية.
لن نتوصل إلى اتفاق دولي يحدد طبيعة "اليوم التالي" في غزة من دون وقف إطلاق النار، أو تبادُل أسرى. ولن تتدخل الأطراف المحتمل مشاركتها، مثل الإمارات والسعودية ومحمد دحلان وأتباعه والسلطة الفلسطينية، في غزة، إلّا بعد التوصل إلى اتفاق يهمّش حركة "حماس"، ويشمل اعترافاً رمزياً بحل الدولتين. وبما أن نتنياهو لا يرغب في إفساح المجال لأيّ دور للسلطة الفلسطينية، أو حتى لدحلان، حليف الإمارات المثير للجدل، فإن هذا السيناريو لا يشكل قلقاً كبيراً بالنسبة إليه. الخسارة الوحيدة، من وجهة نظره، تكمن في فقدان فرصة إبرام اتفاق تطبيع مع السعودية، لكن يبدو أنه يأمل بفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بعد نحو أسبوع ونصف، على أمل أن يعيد هذا الفوز الزخم إلى المحادثات مع الرياض.
ستكون صفقة الأسرى جزءاً من إطار إنهاء، ولو موقت، للقتال في الجنوب، وستساهم أيضاً في تهدئة القتال في الشمال. لكن رئيس الوزراء، كما عوّدنا، إنسان يُساق أكثر مما يبادر. أمامنا حرب استنزاف طويلة، يُقتل فيها جنود في لبنان وغزة يومياً. أمّا على الساحة الدولية، فقد تزداد الأمور سوءاً، إذا ما هددت الدول الغربية بفرض عقوبات على إسرائيل في مجلس الأمن، وفرضت تسوية أحادية الجانب تمنع إسرائيل من تحقيق أيّ مكسب من مكاسبها العملياتية. أمّا شركاء نتنياهو من اليمين المتطرف، فلديهم خطط أوسع: طرد الفلسطينيين من شمال القطاع، وإنشاء مستوطنات في المناطق التي سيتم تهجيرهم منها، وربما لاحقاً ترحيل مزيد من الفلسطينيين من جنوب القطاع. يتطلب تحقيق كل ذلك أكثر من مجرد استعادة الأسرى وإنهاء الحرب.
تعتمد أحلام اليمين المتطرف في قطاع غزة على التحركات الأخيرة للجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا للاجئين. وما يعرضه الجيش كجهد لاستئصال بنى "حماس" التحتية التي أُعيد بناؤها داخل المخيم، ينطوي على جانب آخر مظلم، وهو دفع السكان المدنيين إلى الخارج. يتمثل الهدف النهائي، وفقاً لما يسمى بـ "خطة الجنرالات" التي ينفي الجيش تبنّيها، في إجلاء السكان بالقوة نحو جنوب القطاع، إلى ما وراء محور نيتساريم الذي سيطر عليه الجيش في بداية الحرب. وحتى الآن، يرفض المدنيون الفلسطينيون الاستجابة لهذه التهديدات.
تعهّد نتنياهو لضيفه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال اجتماعهما هذا الأسبوع، أن مثل هذه الخطة ليس على المحك. لكن على أرض الواقع، وفيما بدا للعيان كأنه مصادفة، قامت إسرائيل بعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية إلى المنطقة أياماً طويلة، في محاولة لدفع المدنيين الفلسطينيين إلى الرحيل. ولم يُستأنف إدخال المساعدات الإنسانية جزئياً، إلا بعد ممارسة الولايات المتحدة ضغوطاً عليها.
قبل 14 عاماً، حاولت مجموعة من ضباط الجيش الإسرائيلي تحميل يوآف غالانت، الذي كان حينها مرشحاً لرئاسة هيئة الأركان، وزر فضيحة وثيقة هارباز المزيفة[1]، والتي شلّت قمة قيادة الأمن الإسرائيلي عدة سنوات. الآن، ولسخرية التاريخ، يدفع بعض المشاركين في تلك القضية من قيادة المنطقة الجنوبية في اتجاه تنفيذ "خطة الجنرالات". هذه الفوضى التي قد يتسبب بها هؤلاء (مع آخرين) للدولة والجيش قد تكون الآن أشد خطورة بما لا يُقاس من تلك القضية التي أصبحت طيّ الماضي. وغالانت، الذي يشغل اليوم منصب وزير الأمن، قد يجد نفسه في ورطة أكبر بسبب قضية "خطة الجنرالات" في محكمة لاهاي. الجدير بالذكر أن التحركات القانونية في المحاكم الدولية تقترب من الانطلاق من جديد، وربما حتى قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.
مع أداء نتنياهو دور العرّاب، تتخذ الحرب على غزة طابعاً إيمانياً أكثر منه استراتيجياً. الحديث عن انتصار كامل، وحرب دائمة، والآن تغيير حدود القطاع كعقاب للفلسطينيين على "مجزرة" 7 تشرين الأول/أكتوبر، ليس مجرد كلمات جوفاء، بل يحمل في طياته محتوى أيديولوجياً دينياً عميقاً، يستند إلى أبعاد زمنية مختلفة، وإلى منظومة قيم بديلة من المنظور الذي كانت تتبناه إسرائيل الرسمية في حروبها السابقة.
هآرتس