عبدالعزيز الحسيني :معركة نور الشريف من أجل ناجي العلي

profile
  • clock 29 أبريل 2021, 2:00:52 م
  • eye 1327
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تأتي ذكرى الفنان العروبى الملتزم المبدع نور الشريف الذى أنتج وقام بتمثيل فيلما عن الفنان الرمز الشهيد ناجى العلى فقامت الدنيا عليه ولم تقعد .. إعلام وأنظمة كامب دافيد ومن سار على نهجهم 

دخل الشريف معارك كثيرة بأفلامه دفاعا عن الحرية والوطن والفقراء وضد الرأسمالية الجشعة بيد أن كل هذه المعارك لا يمكن أن تقارن بتلك المعركة الشرسة التي خاضها نور الشريف دفاعا عن فيلمه الشهير "ناجي العلي" الذي يجسد فيه شخصية رسام الكاريكاتور الفلسطيني الاشهر ناجي العلي الذي تعرض للاغتيال في لندن عام 1987.

الشريف، صاحب الفكر القومي كان من أكثر المدافعين عن القضية الفلسطينية والرافضين لأية شبهة تطبيع مع الكيان الصهيوني فى عام 1992، قدم نور الشريف فيلم "ناجي العلي" الذي أنتجته شركة "إن بي فيلم" التي كان يمتلكها وزوجته بوسي، بالاشتراك مع مجلة "فن" اللبنانية.. الفيلم  كتبه السيناريست اليسارى بشير الديك وأخرجه المخرج الناصرى عاطف الطيب، فتح أبواب جهنم، كما يقول المثل، في وجه نور الشريف، حيث هاجمه الجميع، وأعلنت كل الأطراف التي يمسها الفيلم من قريب أو من بعيد الحرب عليه.

الفيلم أثار حفيظة الأنظمة العربية التي لطالما هاجمها العلي في رسوماته بضراوة، وبخاصة أن الفيلم لم يتخذ جانبا محايدا في هذه النقطة، بل أبرز صور هذا الهجوم من خلال الحوار، وعلى لسان بطله، ما أدى إلى منع عرض الفيلم في معظم البلاد العربية.

كان أحد المعترضين بشدة على الفيلم، والمهاجمين لبطله ولأسرة عمله، الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي كان العلي أحد المعارضين الشرسين له ولجماعته، لدرجة أن أصابع الاتهام وجهت بعد اغتيال العلي، بجانب الكيان الصهيوني، إلى عرفات. 

أما في مصر فكانت ردود الفعل في غاية العنف، فقد تعرض نور الشريف لموجة من الاتهامات القاسية بالخيانة والتواطؤ ضد الدولة المصرية، وقد خرجت صحف مصرية وقتها لتقول "نور شريف يقدم فيلما عن الرجل الذي شتم مصر".

هذه الاتهامات كانت بمثابة ضربة قاصمة للشريف من الناحية الفنية والمادية؛ حيث تأثر الشارع تأثرا كبيرا بها بخاصة أنهم لا يعرفون الكثير عن العلي وقضيته. . كذلك تعرض الشريف لحملة مقاطعة من الدول العربية، التي رفضت أن تعرض أفلامه في دور السينما لديها، وفي مصر تعرض لحصار كبير منعه من الإنتاج.

الفيلم لم يعرض سوى لمدة أسبوعين فقط في دور العرض، ليتم سحبه بعدها مباشرة نتيجة الهجوم الذي تعرض له ما أدى لعزوف الجمهور عن مشاهدته من جهة، وخوف أصحاب دور العرض من رد فعل الجمهور من جهة أخرى ليظل ممنوعا من العرض لعقود، بل وليظل اسمه لعنة تطارد الشريف وشركاءه.

لم يتراجع نور الشريف أمام هذه الاتهامات البشعة وخرج في كل مكان يدافع عن الفيلم، ويؤكد أن الفيلم لا يهاجم مصر على الإطلاق، وأن ناجي العلي ما كان أبدا ليهاجم مصر.

وفي مقال له عن الفيلم قال الشريف: "صورنا الهجوم، نحن فريق الفيلم، كما لو كنا مجموعة من الخونة صنعوا فيلماً خصيصاً ضد مصر، حتى أنهم كتبوا وقالوا نور الشريف يقوم ببطولة فيلم الرجل الذي "شتم" مصر في رسوماته.. والحقيقة أن هذا الاتهام باطل، فناجي العلي كان يعشق مصر لأبعد الحدود، وهذا ما توضحه رسوماته، ولكنه هاجم السادات عند زيارته للقدس، وهاجم اتفاقية كامب ديفيد"، وهو التصرف الذي رفضه جميع المعارضين للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

كانت دور عرض السينما على موعد مع بدء عرضه يوم 20 يناير، 1992، وتوجهت الأنظار إلى كيف سيكون استقباله جماهيريا بعد أن شن الكاتب الصحفى إبراهيم سعدة رئيس تحرير «أخبار اليوم»، حملة هجوم شرسة ضده، فور عرضه فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى يوم 2 ديسمبر 1991.

تحول الهجوم ضد الفيلم إلى معركة، يعتبرها الكاتب والناقد السينمائى سمير فريد فى كتابه «تاريخ الرقابة على السينما فى مصر»: «من أكبر معارك الدفاع عن حرية التعبير فى السينما العربية فى العقد الأخير من القرن العشرين".

يسجل «فريد» فى كتابه يوميات هذه المعركة، وفيها أن «سعدة» جدد هجومه ضد الفيلم قبل عرضه بيومين، مما أكد إصراره على تشويهه جماهيريا وتدميره ماديا، ففى 18 يناير، مثل هذا اليوم، 1992، نشرت «أخبار اليوم» على صفحتها الأولى صورة نور الشريف وعنوان «نور الشريف ودولاراته»، وفى الصفحة الثانية كتب «سعدة» مقالا بعنوان «من أجل حفنة دولارات».. قال فيه: إنه اعترض من أول لحظة على أن يقوم نور الشريف بتمثيل شخصية ناجى، وأن يساهم كما يقال فى إنتاج الفيلم، لأن ناجى العلى رسام متواضع الموهبة جند ريشته من أجل التشهير بمصر حاكما وحكومة وشعبا ودورا بكل ما هو وضيع ومقزز وبأقذر الاتهامات، وأنه كان يحقد على مصر ويكره مصر.. وتساءل: «هل قبل نور الشريف الدور من أجل المال؟.. وهل تستحق كنوز الدنيا كلها أن يبيع بلده من أجلها؟».. وتحفظ قائلا: «لا أظن»، ثم عاد وقال: «إذا كان نور الشريف يباع بالمال، فأخبار اليوم لا تباع، ولهذا رفضت نشر الإعلانات عن الفيلم». 

اصطف إلى جانب «سعدة» من الأقلام الصحفية، حسن شاه رئيسة تحرير مجلة الكواكب، التى كتبت فى افتتاحية المجلة يوم 28 يناير 1992، أن الفيلم موجه ضد قلب الأمة العربية مصر، وتساءلت كيف وافق نورالشريف وعاطف الطيب وبشير الديك على صنع هذا الفيلم، وأين كان ضميرهم الوطنى؟.. ورأت أن ناجى العلى صاحب خطوط رديئة غليظة وكان يهاجم مصر، ويعير أبناءها بالفقر، وأن حنظلة شخصية كاريكاتورية تتمتع بثقل الظل، وزعمت أن ناجى اغتيل لأسباب غرامية وليس لأسباب سياسية.. وقال سمير رجب رئيس تحرير الجمهورية، يوم 29 يناير 1992، إن نور الشريف يحاول تمجيد رسام كاريكاتير طالما أساء إلى مصر وشعب مصر، وصحافة مصر، وفى مجلة أكتوبر 2 فبراير 1992، شكك عبدالعظيم رمضان فى وطنية نور الشريف.


فى المقابل، ساند الفيلم، أسماء عديدة.. فى يوم 22 يناير 1992 كتب محمود سعد فى «الأهالى» يوم 22 يناير 1992، متهما الذين يهاجمون الفيلم بأنهم لم يشاهدوه ولا يعرفون هذا الرسام الفلسطينى الذى كانت ريشته قنبلة فى وجه كل من يتخلى عن فلسطين.. وكتبت صافيناز كاظم فى «المصور» 24 يناير 1992: «ناجى فنان كبير مميز اجتمعت فيه رموز الصيحات الفلسطينية الجارحة، ونور الشريف قدم عملا نبيلا فوق كونه شجاعا وجريئا وهو مفخرة لمصر». يوم 26 يناير، 1992، وفى جريدة المساء وجهت الناقدة خيرية البشلاوى، التحية إلى المخرج عاطف الطيب لأنه قدم فيلما يمتلك السمة العالمية، وقال الكاتب والناقد طارق الشناوى فى روزاليوسف، 27 يناير 1992، إن الخلاف حول ناجى العلى لمصلحة الفيلم على شرط أن يظل خلافا فى الرأى يبتعد فيه الجميع عن زرع حقول الألغام، ولم يكتف «الشناوى» بالكتابة، وإنما نقل المعركة إلى «نقابة الصحفيين»، حيث نظم ندوة من داخل اللجنة الثقافية برئاسة الكاتب الراحل مجدى مهنا، حضرها نور الشريف وعاطف الطيب وبشير الديك ومحسن أحمد، كما حضر عدد من صحفيى «الأخبار» لإحداث شوشرة أثناء النقاش، لكن الندوة نجحت وقيلت كلمة الحق فى صالح الفيلم، حسب تأكيد الشناوى .

أخذت المعركة شكلا ومضمونا جديدين بعد أن طلب «سعدة» منع عرض الفيلم فى مهرجان الأفلام الروائية يوم 16 فبراير 1992

فى هذه الفترة، صدر قرارا بمنع عرض جميع أفلام نور الشريف في الخليج ليس بسبب «ناجي العلي»، وإنما كان ذلك ضمن قائمة من المثقفين والمفكرين المصريين أولها اسم الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، وكان نور الشريف من بينهم، وحتى لا يكون وحده ضموا إليه الفنانتين محسنة توفيق ونادية لطفي.

عاش «فتى الشاشة الأول» محنة حقيقية قاسية تعتبر أسوأ 6 أشهر في حياته، وكان يتساءل باستمرار كيف سيعيش هو وأسرته، وهو ليس لديه عمل آخر يتقنه سوى فنه، وهنا قرر الهجرة إلى انجلترا للعمل هناك مذيعا أو أن يكتب في الصحافة العربية الصادرة من لندن حتى يستطيع أن يعيش هو وأسرته.

تحدث «نور» عن هذا الأمر في مقابلة مع الاعلامية هالة سرحان قائلاً: «كنت بتشتم يومياً على الاقل 6 صفحات في صحيفتين، واتهمت بالخيانة الوطنية»، وأضاف: «هذه التجربة كشفت لي الكثير من الزملاء والاصدقاء». وتابع النجم الراحل باكيا: «لم أنس أبدا موقف سمير صبري، فكان الفنان الوحيد الذي اتصل بي يوميا في تلك الأزمة، رفض قرار مقاطعتي، والأمر نفسه بالنسبة لمحمود ياسين ويحيى الفخراني، فكلاهما رفض أن يهاجم الفيلم، وأرسلا إنذارا للصحف بمنع نشر أي كلمة على لسانيهما ضدي"

وفى حوار له مع عمرو الليثي في حوار تلفزيوني، قال «نور»: «أنا كنت صديق للرئيس الراحل ياسر عرفات، لكننا اختلفنا بسبب فيلم (ناجى العلى) وزعل ياسر عرفات لأن تم إبلاغه أننا نتهم المنظمة فى أحداث الفيلم باعتيال ناجي العلي، وأن (أبو عمار) هو المسئول".

وأضاف «نور»: «وهذا غير صحيح وللتاريخ ولأول مرة جاء (أبو عمار) القاهرة ليمنع عرض فيلم (ناجى العلى) فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي، وقال له أسامة الباز، الرئيس الأسبق مبارك، شاهد الفيلم وهو فلسطيني أكثر منكم، وسأل مبارك مستشاره (الباز): (هل هناك أي إساءة للمنظمة الفلسطينية؟)، فقال: (لا)، فأمره بعرض الفيلم".

الفيلم ظل ممنوعا لما يقرب من اثنين وعشرين عاما، ليعرض للمرة الأولى على التليفزيون المصري في 2014، ليعلن انتصار نور الشريف وفريق الفيلم في المعركة التي حاربهم فيها الجميع، والتي شرعت في وجوههم كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، وليعلن أن أحدا لا يستطيع منع الكلمة من أن تنتشر وتحلق وتدوي.

رحل الشريف لكنه لم يغب ولن يغيب، فكما أن رسومات العلي ما زالت شاهدة على حياته، وكما أن "حنظلة" ما زال يعلن يوميا في كل أرجاء العالم أنه حي، فإن أعمال الشريف ستظل شاهدة على خلوده، فالمبدعون لا يموتون

التعليقات (0)