عقيدة "وحدة الساحات": حصاد إيران الاستراتيجي

profile
  • clock 21 فبراير 2024, 9:19:03 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بقلم: تسفي برئيل

منذ 4 فبراير لم يتم الإبلاغ عن أي هجمات لمليشيات مؤيدة لإيران على أهداف أميركية، مقارنة بـ 20 اعتداء في الأسبوع في الفترة السابقة، وحوالى 160 اعتداء في العراق وفي سورية منذ 7 أكتوبر.

في الأسبوع الماضي نشر موقع «أرام» في أبو ظبي نقلاً عن مصادر إيرانية أن سبب وقف الهجمات هو زيارة قائد «فيلق القدس» في حرس الثورة الإيراني، إسماعيل قاءاني، إلى العراق بعد فترة قصيرة على مهاجمة قاعدة أميركية على الحدود الأردنية في نهاية شهر يناير، التي قتل فيها ثلاثة جنود أميركيين.

حسب التقرير، فإن قاءاني التقى مع رؤساء المليشيات المؤيدة لإيران في بغداد وطلب منهم وقف الهجمات، معظمهم وافقوا على ذلك باستثناء رؤساء مليشيا واحدة باسم النجباء.

في نهاية المطاف هم أيضاً وافقوا. وقف الهجمات في الحقيقة لم يمنع هجمات الرد الأميركية. ولكن يبدو أن هذه الهجمات كانت ضئيلة من حيث الحجم والكثافة، ما كان متوقعاً أو ما أشارت إليه الإدارة الأميركية في واشنطن.

القرب الزمني بين زيارة قاءاني ووقف مهاجمة الأهداف الأميركية يجب ألا يكون مفاجئاً.

في الحقيقة إيران عادت وأعلنت أن أي شريك في «محور المقاومة»، ضمن ذلك حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن والمليشيات المؤيدة لإيران في العراق، يعمل بشكل مستقل «حسب الشروط والظروف التي تناسبه في كل ساحة من هذه الساحات».

ولكن ظهور قاءاني في العراق أثبت بشكل واضح، إذا كانت حاجة للإثبات، أنه توجد علاقة مباشرة بين طهران وقيادات «محور المقاومة» في المنطقة.

توجد قيود فرضت على هذه العلاقات الوثيقة، وهي ترسم قيود قوة التأثير. مثلاً، يمكن التساؤل لماذا كان يجب إرسال قاءاني، الذي لا يتحدث اللغة العربية، للالتقاء مع قادة المليشيات وعدم الاكتفاء بتوجيه في الهاتف؟ سبب ذلك مزدوج.

الحكومة في العراق دخلت مؤخراً في حوار مكثف مع الجيش الأميركي حول سحب كل قواته من العراق، الذي يوجد فيه نحو 2500 جندي أميركي.

خوف إيران هو من أن استمرار المواجهة بين الجيش الأميركي والمليشيات يمكن أن يؤخر انسحاب القوات الأميركية وأن يوفر للولايات المتحدة الذريعة لتمديد وجودها في العراق. 

قاءاني احتاج إلى تنسيق الجدول الزمني للانسحاب مع الحكومة العراقية والتأكد من أن العراق لا ينوي التراجع عن قراره.

السبب الثاني يكمن في ضرورة تسوية العلاقات بين المليشيات وبين الحكومة العراقية. المليشيات في العراق غير متشابهة. فكل واحدة منها يوجد لها، إضافة إلى مشاركتها في محور المقاومة، أجندة خاصة بها، التي هي مرتبطة ليس فقط بإيران، بل أيضاً بالزعماء الحزبيين الذين يوجدون في العراق وسلوك الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني.

على سبيل المثال، في يونيو 2020، بعد نصف سنة على تصفية سلفه في المنصب، قاسم سليماني، اضطر قاءاني للمرة الأولى إلى التزود بتأشيرة دخول إلى العراق كي يستطيع القيام بزيارة عمل في هذه الدولة.

رئيس الحكومة في حينه كان مصطفى الكاظمي، الذي قرر تقليص حجم نشاطات المليشيات المؤيدة لإيران ونفوذها، وحتى أنه عمل ضدها بشكل غير مسبوق عندما أمر وحدة مكافحة الإرهاب في الجيش العراقي باقتحام قاعدة مليشيا «كتائب حزب الله» في العراق.

وقد تم العثور في القاعدة على سلاح ومواد متفجرة وصواريخ، تم إعدادها للإطلاق على أهداف أميركية.

قاءاني أيضاً لم يكن له في حينه أي بشرى سارة لرؤساء المليشيات. فقد قال لهم إن إيران تنوي تقليص الميزانيات لهم، وإنه يجب عليهم الاعتماد على التمويل الذي يحصلون عليه من ميزانية وزارة الدفاع في العراق، الذي كان يبلغ في حينه 2 مليار دولار في السنة لكل المليشيات.

المليشيات في العراق أصبحت ليس فقط قوة عسكرية تهاجم قواعد الولايات المتحدة، بل هي تهدد أيضاً قدرة سيطرة الحكومة على الدولة، حسب النموذج الذي يعمل به حزب الله في لبنان.

هذه المليشيات تحولت إلى قوة اقتصادية كبيرة جداً وسيطرت على مشاريع حكومية. قادة المليشيات يشغلون معابر حدودية خاصة، لا سيما على الحدود مع إيران، ويهددون المستثمرين الأجانب ويديرون بنوكاً خاصة. هكذا، هم يفشلون جهود رئيس الحكومة في العراق لتجنيد المستثمرين الأجانب، لا سيما من الغرب.

إيران ربما تستطيع السيطرة على نشاطات هذه المليشيات ضد الأهداف الأميركية. لكن في كل ما يتعلق بسلوكها في العراق وإزاء الحكومة العراقية فإن موقفها معقد ومحدود إلى درجة أنه أحياناً يبدو أنه في الميزان بين المصالح الإيرانية وبين مصالح الزعماء المحليين، معظم المليشيات تفضل العمل حسب أوامر السياسيين المحليين وليس حسب التوجيهات الإيرانية، إلى الدرجة التي تتعلق فيها الأمور بالسياسة الخارجية الإيرانية والأمن الإيراني.

إن تشغيل المليشيات والقوات الحربية المحلية الأخرى عن طريق التحكم عن بعد، حسب أسلوب «وحدة الساحات»، يملي على إيران شروطاً مقيدة حتى في ساحة اليمن وسورية ولبنان.

أول من أمس نشر أن الحوثيين قاموا بإطلاق الصواريخ على سفينة بريطانية ومسيرة أميركية.

في المقابل، نشرت القوات الأميركية أنها للمرة الأولى قامت بإصابة سفينة تعمل تحت سطح المياه للحوثيين.

الولايات المتحدة وبريطانيا في الواقع تهاجمان أهدافاً في اليمن كل يوم، لكن يبدو أن هذه الهجمات لم تنجح بعد في تحقيق الردع المطلوب لوقف استمرار الحرب في البحر الأحمر، التي ثمنها الاقتصادي آخذ في الارتفاع كل يوم.

إيران في الحقيقة هي التي زودت الحوثيين بالسلاح المتطور والمعرفة والتكنولوجيا التي تمكنهم من صناعة الصواريخ والمسيرات بأنفسهم. لكن من غير الواضح إلى أي درجة تستطيع إيران تحديد شروط تشغيلهم وأهدافهم.

الحوثيون يوجد لهم جدول أعمال مستقل، ليس بالضرورة مرتبطاً بجدول الإعمال الإيراني. الرئيس الأميركي جو بايدن قرر وضعهم مرة أخرى على قائمة المنظمات الإرهابية، في مكانة أقل من التي كانت في فترة دونالد ترامب في البيت الأبيض، لكن بصورة تمكن من فرض عقوبات دولية عليهم.

في الوقت نفسه هم يواصلون التفاوض مع السعودية على إنهاء الحرب في اليمن، ويبدو أنهم ينوون استغلال المواجهة أمام قوات التحالف في البحر الأحمر من أجل ابتزاز الإنجازات لأنفسهم، دون صلة بموقف إيران.

لذلك، لا يوجد أي تأكيد على أنه إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحرب في غزة سيوافق الحوثيون على الفور على الانضمام إليه في جبهتهم «الخاصة»، حتى لو طلبت إيران منهم وقف الهجمات في البحر الأحمر.

إيران أيضاً تدرك أن سورية لا يمكنها المشاركة في معادلة «وحدة الساحات» أمام إسرائيل. 
ليس فقط أن وكلاء إيران في سورية، بمن في ذلك قادة كبار في حرس الثورة الإيراني يتعرضون لخطر التصفية، بل إن الرئيس بشار الأسد أوضح لإيران حدود نشاطات المليشيات المؤيدة لإيران ضد إسرائيل.

على سبيل المثال، إيران اضطرت في 2021 بتعليمات من الأسد إلى إعادة الجنرال أحمد مدني من سورية، المعروف بلقب «الحاج جواد الجعفري»، الذي عمل في منصب قائد قوة القدس في سورية.

أحد أسباب إعادته القسرية هو مبادرته إلى هجمات من داخل سورية ضد إسرائيل وضد أهداف أميركية، التي كان يمكن أن تؤدي إلى حرب ضد سورية.

تم استبداله بالجنرال رضي موسوي، الذي تمت تصفيته في ديسمبر في هجوم نسب لإسرائيل.

ليس فقط إسرائيل هي التي تعمل ضد القوات الإيرانية في سورية. فروسيا أيضاً تقيد نشاطاتها العسكرية في إطار تفاهماتها مع إسرائيل التي بحسبها الأخيرة ستواصل التمتع بحرية نشاطاتها الجوية المنسقة ضد أهداف إيرانية تم إعدادها لمساعدة حزب الله، لكنها ستمتنع عن المس بأهداف حكومية في سورية.

إيران نفسها لم تدفع بعد ثمن تشغيل المليشيات والمنظمات التي تعمل باسمها في المنطقة. حيث إنه إلى جانب تنصلها من المسؤولية هي تطرح نفسها أنها الدولة الوحيدة التي تمسك بيدها تشغيل فضاء الساحات العنيفة في المنطقة، حتى في الوقت الذي فيه تحكمها بهذه المليشيات غير كامل ومطلق، وهو يتعلق باعتبارات محلية لا تخضع دائماً لتوجيهاتها.

هكذا، بفضل الحرب في غزة، فإن إيران حققت لنفسها مكانة استراتيجية متميزة. وهذه المكانة تعززت بفضل استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية والحوار السياسي غير المباشر مع واشنطن، التي تحاول تقييد فضاء هذه الساحة.
 

المصادر

هآرتس

التعليقات (0)