- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
علي الصاوي يكتب: عريان أفندي
علي الصاوي يكتب: عريان أفندي
- 13 أبريل 2022, 6:58:53 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
"إذا انتصبوا للقول قالوا فأحسنوا..لكن حسن القول خالفه الفعل" كل إنسان عاقل يعلم أن من كان كلامه من عمله أقل الكلام وأكثر من العمل، أو صمت فلا يدعو لفضيلة لا يقوى على الامتثال بها ولا يرفع راية لا يقدر على حملها، وإلا كان كالحمار يحمل أسفارا، وكالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.وبطل قصتنا اليوم هو الموظف البيروقراطي الوصولي رياض محجوب الشهير بـ"عريان أفندي" موظف على الدرجة الثانية في الشهر العقاري بقرية "ميِت جبان" شخصية وصولية الطبع متقلبة المزاج شاردة الهوى، منذ أن التحق بالشهر العقاري في قرية "ميت جبان" وهو يتقلّب بين نار الرغبة من أجل الترقي وضعف القدرة في الوصول إليها، فكان يلجأ إلى حيل كثيرة تُعبّد له الطريق إلى القمة، لا تَهمه الوسائل طالما الغاية في نظره نبيلة.
ظل يتودد ويتملّق مديره العام ويُقدم له نذور المدح وقرابين الثناء ليبسط له جناحه ويُقرّبه كأول الطريق نحو الترقية، لكن ذلك لم يكن كافيا، فكان لا بد لرياض محجوب من حاضنة صداقة داخل مقر العمل ولو مزيفة، تُلمع صورته وتُبرز محاسنه ليحظى بمكانة معنوية تدفع مديره العام بتزكيته مع أول ترقية إدارية.لم يكن رياض شخصا سهلا، كان يُجيد مكر الثعالب وتلون الحرباء عند الشدة ووثوب الأسد وسرعة الفهد ساعة تتهيأ الفرصة فينتهزها على حين غفلة من خِصمه، فيقضى عليه، ثم يأكل من ساعدوه في معركته لإخفاء شواهد ضعفه وغدره بخصومه.
استطاع أن يُكوّن لنفسه مجموعة من المعارف داخل العمل متناقضة في المبادئ وصدامية في الأفكار، لا يجمعهم رابط ولا يلتقون في نقطة، إلا ما يقوم به رياض محجوب من إغراءات في مناسبات عدة ليأمن جانبهم ويحظى بدعمهم للوصول إلى هدفه، لا يجمع بينهم شيء إلا موائد طعامه المسمومة وحفلاته التنكرية المليئة بزيف المنح، والنفاق الاجتماعي والمجاملات الفاترة، في حديقة منزله الواسع بالقرية، يتخلق بأخلاق كل واحد منهم ليكسب وده، فأمام المتدين تجده هادئ الطبع مثال للعفة والأمانة، ومع المنفلت أخلاقيا تراه طويل اللسان مفلوت الزمام وقد يصل به التماهي إلى أن يكون خادما لمن يفوقه قدرة ومكانة، ومع الأشخاص الوقورة تجده قليل الكلام أنيق المظهر لا يتكلم إلا بحساب خشية أن تهتز صورته عندهم، يتخلّق بأخلاق كل واحد منهم عندما تقتضي الحاجة. ظل رياض يُخطط كيف يزيح مديره ليجلس مكانه؟ فيقول في نفسه: لقد هيأت كل الأجواء والسياقات الإدارية والاجتماعية للظفر بلقب المدير العام، لم يبق لى سوى عدة أمتار لأجتاز تلك المسافة الصغيرة التى تحول بينى وبين هذا اللقب، يا لحظك التعيس يا رياض!
فكّر كثيرا إلى أن هداه شيطانه بأن يُلفق تُهمة للمدير ويُخرجه بفضيحة ليملأ هو مكانه، لا يتورع رياض محجوب من فعل أى شيء لتحقيق مراده، فبدأ ببث شائعات بأن مديره على علاقة آثمة مع سكرتيرة مكتبه، ومن كان يُكذّب تلك الفِرية الحمقاء من الموظفين، اتهمه رياض على الفور بأنه على علاقة معها هو الأخر، لم يَسلم منه أحد، وصم الجميع بالخيانة والمشى البطال، كاد الجميع أن يُصدّق خاصة بعد أن استدعى مجلس الإدراة المدير العام للتحقيق معه في هذا الافتراء، ورياض محجوب ينفث خبثه هنا وهناك ليشعل نار الفتنة أكثر ويحشد الرأى العام في المكان، ليُسرّع من الأحداث كى يحظى بالمنصب الجديد، فالترقية في انتظاره والأجواء جاهزة لاستقباله، لكن رياح التآمر لا تأتي دائما كما يشتهى المتآمرون، فثغرة بسيطة قد تكشف كل مُخطط خبيث وعمل شيطاني، وكلما كان مكر المرء أكبر، كانت الأشياء البسيطة هى التي تُوقعه في الفخ.
تلك الثغرة كشفها عامل البوفيه "عرابي جلهوم"، ففي أخر الدوام وبعد أن غادر الجميع سمع همسا وحركة غير معتادة في مكتب رياض محجوب، لكنه كان ذكيا فلم يفتح الباب واختبأ بعيدا ليرى من تلك الأنثى التى سمعها تتأوه وتتمايع في الداخل في وقت انتهاء الدوام. فات من الوقت ربع ساعة وعرابي ينتظر حتى خرجت إمرأة بدينة تهندم في ثيابها ليكتشف عرابي أنها سكرتيرة المدير العام الذي اتهمه رياض بأنه على علاقة معها، مرّت أيام وعرابي جلهوم يَهمس لكل موظف ويُخبره بما رآى، وعلى إثر ذلك تخلى حلفاء رياض عنه اتقاء الشُبهة، ممن كان يُغريهم بالعزومات والهدايا الثمينة، لم يكن كلام عامل البوفيه مسموعا لكن نظرات الموظفين لبعضهم خلقت مناخا من الاحتقان والشك تجاه رياض والسكرتيرة، وبدأ غطاء الحقيقة ينكشف بالتدريج.
اتفق الجميع على أن ينصبوا لهما كمينا في ساعة متأخرة خاصة أنصار المدير العام المُفترى عليه، فقد تظاهروا بمغادرة المقر وعادوا بعد نصف ساعة حين أشار لهم عامل البوفيه عرابي جلهوم، وهنا وقعت الفضيحة واكتشفوا حقيقة رياض محجوب متلبسا ليفضحه ربه على الملأ، وأخرجوه عاريا من مكتبه وهم يرددون "عريان أفندي ، عريان أفندي " فوقف عامل البوفيه "عرابي جلهوم" وهو يسأل الله الستر ويقول: الحقيقة زى الجريمة مسير يجي لها يوم وتنكشف" يارب استرنا.
وبعد أن فُتح تحقيق في الواقعة تم تبرأة المدير العام واتهام رياض محجوب بفعل فاحش في مؤسسة حكومية بعد انتهاء دوام العاملين إضافة إلى رمى مديره العام بالزور والبهتان، لكن المفاجأة كانت في السكرتيرة فقد اتضح من التحقيقات أنها زوجته، وكتم رياض هذه المعلومة لأنه كان يستخدمها في أعمال منافية داخل المؤسسة وخارجها وهو من ساعدها في التعيين برشوة جنسية، وكشفت التحقيقات أنها تواطأت معه في محاولة الإيقاع بالمدير العام، ورضيت بتشويه سمعتها طواعية، لينزاح من أمامهم المدير ويخلو لهما جوّ الشهر العقاري لفعل ما يريدون من خطط ومؤامرات. هكذا كشف الله رياض محجوب، الذي لطالما رمي الناس بالباطل كذبا، وكان هو أول ما يقوم به في الظلام بلا حياء أو خجل، حتى لُقّب بعريان أفندي، فلكل رياض محجوب منفلت الأخلاق عديم المروءة، عرابي جلهوم يفضحه ويكشفه أمام الله والناس.