- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
علي الصلابي يكتب: “رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِناً”.. لماذا دعا إبراهيم بالأمن لمكة دون أي دعاء آخر؟
علي الصلابي يكتب: “رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِناً”.. لماذا دعا إبراهيم بالأمن لمكة دون أي دعاء آخر؟
- 20 يونيو 2023, 7:43:56 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من جملة ما ذكره الله سبحانه عن أبينا إبراهيم عليه السلام؛ دعاؤه لمكة بالأمن والأمان، وعرض الله لنا هذا الدعاء في كتابه الكريم مرتين؛ الأولى: قبل بنائه الكعبة فجاء في سورة البقرة المدنية {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً}. والثانية: صدر فيها دعاء إبراهيم بعد بناية الكعبة فجاء التعبير في سورة إبراهيم المكية {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً}، والمعنى هنا: ربّ اجعل هذا المكان الذي مصرته وصيّرته معرّفاً كما سألتك من قبل اجعله آمناً. ولقد مهّد إبراهيم -عليه السّلام- بهذا الدعاء الذي استجابه الله له السبيل للعابد في هذا البلد أن يتمكن من عبادته، بلا خوف أو تهديد من عدوّ، وساد الأمن والطمأنينة والاستقرار في ربوع مكة، وعمّ الخير فيها وكثر ساكنوها، وتوافد إليها أصحاب الحرف والتجارات.
من جملة ما ذكره الله سبحانه عن أبينا إبراهيم عليه السلام؛ دعاؤه لمكة بالأمن والأمان، وعرض الله لنا هذا الدعاء في كتابه الكريم مرتين؛ الأولى: قبل بنائه الكعبة فجاء في سورة البقرة المدنية {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً}. والثانية: صدر فيها دعاء إبراهيم بعد بناية الكعبة فجاء التعبير في سورة إبراهيم المكية {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً}، والمعنى هنا: ربّ اجعل هذا المكان الذي مصرته وصيّرته معرّفاً كما سألتك من قبل اجعله آمناً. ولقد مهّد إبراهيم -عليه السّلام- بهذا الدعاء الذي استجابه الله له السبيل للعابد في هذا البلد أن يتمكن من عبادته، بلا خوف أو تهديد من عدوّ، وساد الأمن والطمأنينة والاستقرار في ربوع مكة، وعمّ الخير فيها وكثر ساكنوها، وتوافد إليها أصحاب الحرف والتجارات.
وقال تعالى في سورة إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} (إبراهيم:35).
هذه بداية الآيات التي اشتملت على فقرات كثيرة من الأدعية، ومنها ما جاء على سبيل الرمز والتعريض تأدباً وحياء، وأكثرها جاء عن طريق الإيضاح والتصريح استعظاماً وطمعاً، كما أننا نلاحظ أن إبراهيم مزجها بالثناء والحمد لله في أولها وأوسطها وآخرها.
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}:
{وَإِذْ} أي واذكر على لسان إبراهيم، وقد رفع دعاء للخالق المربي طالباً عطاء الربوبية من الربِّ الكريم سبحانه وتعالى.
{رَبِّ} وقد تكرر الدعاء هنا مستفتحاً بلفظ {رَبِّ} الذي يدلُّ على تذلل الدّاعي وخشوعه من رغبته الأكيدة في الاستجابة من المدعو عزّ وجل.
{اجْعَلْ} وهذا على رقّة إبراهيم وسلاسة دعائه وانكساره بين يدي الله تعالى.
{هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}، فالملاحظ هنا مجيء اللفظتين معرّفتين بــ"الـ" مع خلوّهما من هذا التعريف في الآية الواردة في سورة البقرة {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}، وما ذاك إلا أن الدعاء أولاً كان لمكة المكرمة قبل أن تكون من جملة البلاد، إذ كانت مجرد واد قفرٍ خال من كل شيء، فطلب عليه الصلاة والسلام الدعاء لها أولاً لتتمكن هاجر وابنها إسماعيل عليه الصلاة والسلام من سكنى المكان والبقاء فيه، أما وقد استقر الأمر وقد أصبحت بلداً كسائر البلاد آهلاً بالناس عامراً بما فيها، فكان من الطبعي بل من حكمة النبي الكريم أن يدعو لها بالأمن إذ لا قيمة للحياة في بلد خالٍ من الأمن.
ومر أن كلمة بلد جاءت مرتين في القرآن الكريم بصيغتين مختلفتين، وإذا تساءلنا كيف جاءت "بلداً" النكرة في سورة مدنيّة؟ وجاءت {الْبَلَدَ} المعرفة في سورة مكيّة؟ وكان المتوقع أن يكون العكس؟ فالجواب: لأن ذلك الكلام كان حكاية عن إبراهيم عليه السلام، فلا فرق بين نزوله بمكة أو المدينة.
لقد أصاب إبراهيم – عليه السّلام – الحقيقة في دعائه المذكور؛ لأن الأمن مصدر الخيرات، وأعظم نعم الله على بني الإنسان إذ به تتم أعمال الدين والدنيا، ولذلك سئل بعض العلماء: الأمن أفضل أم الصحة؟ فردّ قائلاً: لو أن شاة انكسرت رجلها لصحّت بعد مدة من الزمن، ولقامت بعد ذلك مقبلة على الرعي والأكل، ولو أنها رُبطت في موضع ورُبط بالقرب منها ذئب، لأمسكت عن تناول الأكل إلى أن تموت، وإن دلَّ هذا على شيء، فإنما يدلُّ على أن الضرَّ الحاصل من الخوف أشدّ إيلاماً من الضرّ الحاصل من ألم الجسد.
وطلب إبراهيم – عليه السّلام – الأمن لمكة واستجاب الله له دعاءه، فخصها بمزيد من الأمن، فهي دوحة الإيمان، وفيها أول بيت وضع للناس في الأرض للعبادة والأمن والإسلام، فأمن الخائف إذا التجأ إليها، حتى كان المرء يلقى قاتل أحب الناس إليه فلا يمسه بسوء أو مكروه.
لقد أدرك إبراهيم – عليه السّلام – بما وهبه الله من عقيدة راسخة منذ آلاف السنين أن البلد الذي أقيمت فيه الكعبة الشريفة لن يكون بلداً يرفع الحضارة الإنسانية الربانية بحق إلا إذا كان آمناً، وفعلاً استجاب الله لدعاء خليله، فحتى طيره لا يطارد، بل حتى نباته لا يُعضد، أمّا عن حجاجه فحدّث ولا حرج حتى عندما أشرك الناس كان للبيت حرمته، وبقي الأمن فيه.
فلتنتبه البشرية اليوم عندما ترسي قواعد العمران ترسي أسباب الأمن معها، ولن تكون آمنة بحق إلا إذا استمدت قوانين التعامل معها ممّا جاء في شريعة الإسلام من كليات في هذا الشأن، ومن بينها أنّ جبريل ما زال يوصي النبي صلّى الله عليه وسلّم بالجار حتى ظن أنه سيورثه، فأين مثل هذه المعاني مما تتألم البشرية من ويلات فقدانها في حواضر العالم المترامية الأطراف، حيث يتجرع المواطن من مرارة الفزع ما لا يخطر على بال مما لا يتفنن الأدباء في تصويره عسى أن يظفروا بشيء من الأمن ولكن يبقى هذا الأمن بعيداً، ذلك أنهم ضلوا سواء السبيل.
إنَّ نعمة الأمن نعمة ماسة بالإنسان، عظيمة الوقع في حسِّه، متعلقة بحرصه على نفسه، والسياق هنا يذكرها ليذكّر بها سكان ذلك البلد، الذين يستطيلون بالنعمة ولا يشكرونها، وقد استجاب الله دعاء أبيهم إبراهيم فجعل البلد آمناً، ولكنهم هم سلكوا غير طريق إبراهيم، فكفروا النعمة وجعلوا لله أنداداً، وصدوا عن سبيل الله، ولقد كانت دعوة أبيهم التالية لدعوة الأمن.