علي حسون يكتب: من أسقط سعد الحريري وماذا يعني إقصاء السنة في لبنان؟

profile
علي حسون كاتب صحفي
  • clock 23 يناير 2022, 1:52:32 ص
  • eye 723
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عاد سعد الحريري الى لبنان بعد غياب طوعي أعقب عدم السماح له تشكيل الحكومة اللبنانية واضطراره توفير الغطاء السني اللازم لحليفه اللدود نجيب ميقاتي لتأليف حكومة "الفوز بالنقاط"  لرئيس الجمهورية ميشال عون وتياره البرتقالي برئاسة صهره جبران باسيل، والذين سبق وأعلنا من الرابية (مقر إقامة عون حينها) في العام 2011 قرار حزب الله إقالة حكومة الحريري الأولى وإبعاده بال(وان واي تيكيت) عن لبنان لمدة 5 سنوات، تخللها اندلاع ثورات الربيع العربي وتدخل حزب الله العسكري في سوريا وانقسام عامودي بين السنة والشيعة بلغ حد الاقتتال وصولا الى حكومة ربط النزاع مع الحزب برئاسة تمام سلام-2014 التي ارتكبت خطيئة تسليم وزارة المالية للثنائي الشيعي وبالتالي صادقت على دخول "المثالثة" بين المسيحين والسنة والشيعة حيز التطبيق في حكم لبنان مما يشكل ضربة جديدة في مقتل لاتفاق الطائف الذي أرسى المناصفة بين المسلمين والمسيحين.

ترحيب حذر صبغ  عودة زعيم التيار الأزرق التي تأتي في ظل جو من الإيجابية ساهم به تحسن سعر صرف الليرة في مقابل الدولار وعودة الحكومة الي الانعقاد، وخصوصا أن العائد لم يحمل معه هذه المرة كما في العام 2016 تسوية أهدت ميشال عون مفتاح قصر بعبدا ( مقر رئاسة الجمهورية) وقانونا انتخابيا هجينا قلص كتلة تيار المستقبل الى النصف بالإضافة الى تحالف انتخابي  تحت عنوان "انتخبوا صدقي جبران" ساهم في نفخ كتلة التيار الوطني الحر الى الأكبر في المجلس النيابي، على ان السؤال الأهم ليس عن قرار الحريري الابن فيما يتعلق بالانتخابات النيابية المقبلة والمقررة في 15 أبريل\ أيار المقبل والذي لم يصدر حتى كتابة هذه السطور ولكن: عن وضع وموقع الطائفة السنية على الخريطة السياسية بعد القرار المفترض بالعزوف ،الشخصي والحزبي، عشية الاستحقاق الانتخابي الذي يعتبر الأول بعد ثورة 17 تشرين وما تلاها من تداعيات وجودية أصابت الكيان اللبناني؟

الإحباط والتشظي عنوان المرحلة:

نتائج انتخابات  2018 عززت حالة الوهن التي يعيشها زعيم السنة بعد احتجازه قبلها بأشهر في السعودية وتخلي الراعي العربي عنه، فقد سحبت منه أحادية تمثيل الطائفة التي استأثر بها منذ اغتيال والده  في العام 2005، فأشركت معه تيار العزم ( نجيب ميقاتي) وأعادت الى ساحة النجمة (مقر مجلس النواب) حلفاء سوريا وحزب الله أمثال عبدالرحيم مراد وعدنان طرابلسي (الأحباش) وفيصل كرامي الذين نظمهم الحزب في قالب سياسي تحت عنوان اللقاء التشاوري وألزم الحريري تمثيلهم في حكومته، مما فرض عليه اختيار أهون الشرور بالتحالف مع ميقاتي وتشكيلهما نادي رؤساء الحكومات السابقين ككيان موازي للثنائي الشيعي.

 ولكن الأوراق اختلطت مجددا مع اندلاع احتجاجات 17 أكتوبر\تشرين من العام 2019 التي شكلت مدن طرابلس وبيروت وصيدا، خزان المستقبل الشعبي، عصبها فسقطت حكومة الحريري واستبدل بحسان دياب الذي اعتبره الكثيرين أداة بيد حزب الله وحلفاءه وما لبثت التحركات المطلبية أن تراجعت في الشارع وتصاعد شعور "السنة" بالتعرض للخيانة كونهم تجردوا من انتماءاتهم الطائفية وأسقطوا ممثلهم في الدولة في حين تخاذلت باقي المكونات عن اسقاط رئيسي الجمهورية ومجلس النواب.

انفجار المرفأ والفرصة الأخيرة :

"ميني-هيروشيما" سحقت العاصمة بيروت في 4 آب 2020 فكانت حافزا لعودة الاهتمام الدولي ومعه الاحتجاجات الشعبية الى الشارع وسرعان ما تهاوت حكومة حسان دياب  مما شكل فرصة جديدة لوقوف أحزاب السلطة أمام هيئة المحلفين الدوليين ممثلين بالرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" الذي لم يفهم سوى متأخرا أن زيارتين الى لبنان وحصوله على تعهدات من القادة السياسيين في قصر الصنوبر ( مقر السفارة الفرنسية) ليست سوى عملية إلهاء تتقنها الطبقة السياسية لتحصيل مزيد من المكاسب الشخصية بغطاء فئوي، وضاع 13 شهرا في حرب الشروط المعلنة بين الأفرقاء  وكباش غير مرئي بين ميقاتي والحريري الى أن نجح الأول في دخول السراي الحكومي ( مقر رئاسة الحكومة) فيما بدأ الأخير كتابة فصله السياسي الأخير.

"السنة" وعقدة الأقليات:

مجددا قرر الشارع مدفوعا بالظروف المعيشية الضاغطة تقبل فكرة إعطاء فرصة للحكومة المسماة " معا للإنقاذ" وخصوصا أنها حققت للطرف المسيحي- التيار الوطني الحر الحد الأدنى من شروطه المعنونة ب"حقوق المسيحيين" وادعاءات خوضهم معركة الوجود، كما حفظت للدروز دورهم وأحكمت يد الثنائي الشيعي  على السلطة التنفيذية وهو الذي يُرغِّب بيئته تارة بأن وجوده الضامن لموقعهم في الدولة والحامي لهم من "الدواعش" ويرهبهم تارة أخرى بسلاحه.

 فيما "المسلمين السنة" ليس لديهم هذه الهواجس الوهمية وعلى الرغم من حالة الإحباط التي يعيشونها منذ العام 2005 فهي لم تكسرهم ولن تجبرهم على التخلي عن "لبنانيتهم" وهذه القناعة لها مبرراتها الجغرافية والتاريخية، فهم أكثرية في الشرق وسبق لهم التغلب على اغتيال زعاماتهم من رياض الصلح الى رفيق الحريري مرورا برشيد كرامي وحالتهم "المزرية" في الإقليم من سوريا الى العراق واليمن لن تدوم.

جثة سياسية هامدة...والعواقب وطنية:

اندفاعة الحكومة لم تدم كثيرا فقد عطلها الثنائي الشيعي اعتراضا على أداء المحقق العدلي في انفجار المرفأ وفاقم من محنتها الأزمة مع الخليج التي فجرتها تصريحات وزير الاعلام السابق جورج قرداحي وما سبقها وتلاها من تدخل لحزب الله العسكري في الإقليم ومواقفه الإعلامية من المملكة ودول الخليج، وهو الأمر أثبت فرضية أن "السنة" أصبحوا رسميا من دون راع إقليمي بعكس باقي المكونات، بغض النظر عن صوابية خيارات هذا الراعي.

ومع قرار الحريري الابن العزوف عن الترشح وربما الاعتزال السياسي والذي سبقه اليه الرئيس السابق تمام سلام وربما سيلحق به نجيب ميقاتي وفي ظل حالة الضعف الشعبي التي تعيشها الحركات الإسلامية، والتبعية للمحور الفارسي من قبل "سنة الممانعة" يمكن القول أن وضع " سنة لبنان"  يشبه الى حد كبير "المسيحيين" بعد اتفاق الطائف ومقاطعتهم الانتخابات النيابية واستبعادهم من الحياة السياسية نتيجة أنانية ميشال عون وحروبه العبثية وانحرافات وممارسات سمير جعجع وقواته وتطبيق سوريا-حافظ الأسد لاتفاق الطائف من وجهة نظر نظامه.

أما ما وصل إليه "السنة" فهو نتيجة الخيارات الخاطئة والرهانات السطحية والتسويات القاتلة بدعوى المصلحة الوطنية وقلة الخبرة السياسية والتنازلات المتتالية. 

وعليه فإن دخول قوى 17 تشرين الى البرلمان سيكون من حصة "السنة" و الباقي سيتم توزيعهم على القوى السياسية بشكل مباشر كما في حالة نائب كتلة حركة أمل "قاسم هاشم" أو بشكل غير مباشر كما حالة نائب الأحباش "عدنان طرابلسي"، ولأن التغيير الجذري في المشهد العام واختراقات قوى الثورة ستقتصر على نسبة غير كافية سيغيب التأثير "السني" عن الساحة السياسية لأمد ليس بقصير.

ولكن هذا الغياب لن يكون على حساب أبناء هذه الطائفة فحسب ولكن تداعياته ستطال كل لبنان، الكيان والفكرة والرسالة، وسينعدم التوازن لمصلحة قوى ايران التي ستنبري للانقضاض على باقي المكونات المتربصة اليوم لافتراس حصة شريك وطني مؤسس ضحى في ال1920 بفكرة سوريا الكبرى وارتضى الانتماء لآخر دولة يقودها رئيس مسيحي في الشرق عام 1943 وتعالى عن أحلام الوحدة العربية لصالح نهائية الوطن اللبناني وعضّ على جراح تصفية قياداته السياسية والدينية منذ 1951 وتسامح مع حرمانه من المقاومة بسطو حزب الله عليها وتشويهها بعد 1982 وشكلوا حاضنة للجيش والقوى الأمنية في حربها على الإرهاب 2008  وتحمل ذنب السكوت على ذبح ثورة الشعب السوري صونا للوحدة الوطنية.

ولكن الحقيقة الثابتة، أن الطائفة السنية أكبر من شخص أو حزب ووجودها راسخ وتهديده يعني سقوط فكرة لبنان وزواله عن الخريطة.

التعليقات (0)