- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
عن انتهاكات حرية التعبير في مصر خلال الربع الأول من 2021
عن انتهاكات حرية التعبير في مصر خلال الربع الأول من 2021
- 28 أبريل 2021, 7:48:06 م
- 766
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
"مزاعم أم انتهاكات ممنهجة؟"
تقرير حرية الفكر والتعيير
مقدمة
في ١٢ مارس ٢٠٢١، دعت ٣١ دولة في بيان مشترك؛ الحكومة المصرية إلى وقف ملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والنشطاء السياسيين، تحت ستار قانون مكافحة الإرهاب، وضمان مساحة للمجتمع المدني والصحفيين للعمل دون خوف وترهيب، ورفع الحجب عن المواقع الصحفية المستقلة، والكف عن الاستخدام المفرط للحبس الاحتياطي، فضلا عن عدد آخر من التوصيات للحكومة المصرية. جاء البيان على هامش الدورة ٤٦ لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي انعقدت في جنيف في مارس الماضي. ويرجع آخر إعلان مشترك للدول الأعضاء بالأمم المتحدة، بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر، إلى مارس ٢٠١٤، وكان الإعلان حينها بمبادرة من دولة ايسلندا وتوقيع ٢٦ دولة أخرى.
جاء الإعلان هذه المرة مع تزايد الانتقادات الدولية مؤخرا لأداء الحكومة المصرية فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، وعمليات التصفية البطيئة التي يتعرض لها المجتمع المدني في مصر، وخاصة منظمات حقوق الإنسان المستقلة، حيث تضمنت المطالبات الأممية من الحكومة المصرية ضرورة رفع قرارات حظر السفر وتجميد الأصول بحق المدافعين عن حقوق الإنسان، وخص بالذكر موظفي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الذين يخضع بعضهم مع عشرات من العاملين في مؤسسات مجتمع مدني أخرى منذ عام ٢٠١٦، لقرارات قضائية استهدفت تجميد حساباتهم ومنعهم من السفر، في سياق التحقيقات في القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١ والمعروفة إعلاميا باسم قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الأهلية في مصر.
تفاعلت الحكومة المصرية سريعا مع بيان الدول الأعضاء بالأمم المتحدة عبر بيان للبعثة المصرية الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف، والذي وصف الانتقادات الدولية ب "المزاعم والادعاءات" التي استندت إلى تقارير ومعلومات غير دقيقة. وبيان آخر صدر عن وزارة الخارجية. وفي هذا السياق يحاول هذا التقرير، تحديدا في قسمه الثاني، تفنيد تلك الانتقادات باستعراض واقع الانتهاكات التي مارستها السلطات المصرية تجاه الحق في حرية التعبير، بصوره المختلفة، خلال الربع الأول من عام ٢٠٢١، والتي تمكنت وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير من رصدها وتوثيقها، بغية التحقق من كون تلك الانتقادات تعبر عن انتهاكات ممنهجة فعلا تمارسها السلطات المصرية؟ أم مجرد مزاعم وادعاءات؟!.
وجاء الربع الأول من العام ٢٠٢١ مزدحما على مستوى تسارع الأحداث، متوسطا من حيث معدل الانتهاكات، مؤشرا على استحداث أنماط جديدة للانتهاكات تستهدف فرض مزيد من القيود على ممارسة الأفراد حقهم في التعبير عن آرائهم بالوسائل المختلفة. واستمرت السلطات المصرية، خلال هذا الربع، في تضييق الخناق على الفضاء الإلكتروني ومستخدميه، بشكل خاص، باعتباره آخر منافذ التعبير الحر لدى جمهور المواطنين، خصوصا بعد عمليات التأميم الواسعة للمجال العام وقنوات التعبير التقليدية بداخله. كذلك ورغم تفشي الموجة الثالثة من جائحة كوفيد-١٩ في مصر، وبدء حملة موسعة لتطعيم المواطنين ضد فيروس كورونا المستجد، في مطلع مارس الماضي، إلا أن الحكومة المصرية، كعادتها منذ بداية الجائحة، لم توفر المعلومات اللازمة لجمهور المواطنين بشأن تطورات الوضع الوبائي أو القيام بحملات التوعية الطبية بشأن اللقاحات المتوفرة وكل ما يحب أن يعرفه المواطنين بشأنها.
وشهد الربع الأول من عام 2021 كذلك إصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي في مصر، حيث جاء الإسراع في إصدارها، بعد تأخير دام قرابة العام ونصف العام منذ إصدار القانون في أغسطس 2019، على خلفية الحملة الأمنية التي استهدفت قيادات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية[4]، واتهام القائمين عليها بإدارة مؤسسة تمارس أنشطة العمل الأهلي دون الحصول على ترخيص من وزارة التضامن الاجتماعي. وبحسب المادة الثالثة من قانون تنظيم العمل الأهلي الصادر في عام 2019، فإن كافة المؤسسات والشركات التي تمارس أنشطة تقع في إطار العمل الأهلي، كما يحددها القانون، يستلزم عليها توفيق أوضاعها وفقا لأحكام القانون 149 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية، خلال عام واحد من تاريخ العمل باللائحة، مع العلم ان اللائحة نشرت بالجريدة الرسمية في 16 يناير 2021، بقرار من رئيس مجلس الوزراء د.مصطفى مدبولي حمل رقم 104 لسنة 2021.
يحاول هذا التقرير الاشتباك مع واقع حرية التعبير في مصر، خلال الربع الأول من عام ٢٠٢١، وتحديدا ما يتعلق بملفات عمل المؤسسة؛ حرية الصحافة والإعلام، الحق في الوصول الى المعلومات، حرية الإبداع والتعبير الفني، الحقوق الرقمية فضلاً عن الحريات الأكاديمية والحقوق الطلابية. وذلك عبر تحليل السياسات العامة التي تنتهجها الحكومة المصرية تجاه حق جمهور المواطنين في التعبير عن آرائهم، مع فضح أبرز الانتهاكات التي تمكنت، وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، من رصدها وتوثيقهاً، خلال الفترة من 1 يناير 2021 وحتى 31 مارس 2021.
القسم الأول: قراءة في واقع ومستجدات حرية التعبير
بيان لـ 31 دولة ينهي صمتًا دوليًا على الانتهاكات بحق حقوق الإنسان في مصر
في 12 مارس من العام الحالي أصدرت 31 دولة بيانًا مشتركا ينتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر على هامش الدورة 46 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، جاء ذلك بعد سنوات على إصدار بيان مشترك في مارس 2014 حمل انتقادات للحكومة المصرية تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.
وحث بيان الدول الحكومة المصرية على ضمان مساحة للمجتمع المدني ورفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام والمنصات الرقمية ووقف سياسات حجب المواقع الإعلامية المستقلة والإفراج عن جميع الصحفيين المحبوسين، وضمان حرية عمل المدافعين عن حقوق الإنسان دون خوف من الترهيب او المضايقة أو أي شكل من أشكال الأعمال الانتقامية بما يشمل رفع قرارات حظر السفر وقرارات تجميد الأموال الصادرة بحقهم.
كما حث البيان الحكومة المصرية على وضع حد لاستخدام تهم الإرهاب كذريعة لاحتجاز المدافعين ونشطاء المجتمع المدني وتمديد فترات الحبس الاحتياطي وإعادة تدوير المحتجزين إلى قضايا جديدة بتهم مماثلة بعد انتهاء المدة القانونية لحبسهم احتياطيًا، بالإضافة إلى وقف استخدام الإدراج على قوائم الكيانات الإرهابية كأداة لمعاقبة الأفراد على خلفية ممارسة حقهم في حرية التعبير. وانتقد البيان الانتهاكات المتعدد للإجراءات القانونية الواجبة للمحاكمات العادلة والقيود المفروضة على المحامين، بما يتضمن حرمانهم من مطالعة الأدلة والأحراز أو التواصل مع موكليهم.
وبالرغم من غياب أية إجراءات إلزامية على الحكومة المصرية القيام بها إلا أن البيان يسلط الضوء على الانتهاكات الكثيفة التي ترتكبها الحكومة المصرية ضد حقوق الإنسان في مصر خاصة حرية التعبير والحق في التجمع السلمي، والتضييق على المجتمع المدني والمعارضة السياسية، وتوظيف قانون الإرهاب ضد المعارضين السلميين، الصحفيين، والمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية. كما يمثل البيان إدانة للحكومة المصرية على انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان والتي تصاعدت بشدة خلال السنوات الست الماضية.
وكانت 26 حكومة قد أصدرت في مارس 2014 بيانا مشتركا أدانت فيه أحداث فض اعتصام رابعة والذي خلف مئات من الضحايا وآلاف من المحتجزين تحت البند رقم 2 من جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان بخلاف الإعلان الأخير والذي جاء تحت البند رقم 4 الخاص بالحالات العاجلة والطارئة وهو ما يعد رسالة للحكومة المصرية تشير لأن انتهاكاتها الحقوقية أضحت جسيمة بشكل مشابه لانتهاكات حكومات كوريا الشمالية وسوريا وغيرها من الدول التي تخضع للمناقشة تحت نفس البند.
ويأتي البيان بعد أسابيع من بيان مشترك أصدرته ما يزيد عن 100 منظمة حقوقية حول العالم، خاطبت فيه الدول الأعضاء بالأمم المتحدة لتشكيل آلية للرصد والإبلاغ في الأمم المتحدة بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر خاصة بعد تدهورها على كافة الأصعدة كما ذكر بيان الدول.
وعلى مستوى رد الحكومة المصرية فبدلا من تعاطيها الإيجابي مع البيان الصادر من الدول الـ31 والنظر بموضوعية إلي ما ورد فيه من انتقادات محددة تتعلق بسياساتها فيما يخص حقوق الإنسان، والعمل على مراجعة تلك السياسات بما يتيح حرية العمل الأهلي في مصر، ووقف سياسات التنكيل بالمعارضين والصحفيين، إلا أن الحكومة المصرية وكعادتها خلال السنوات الماضية ارتكنت إلى الإنكار عبر وزارة الخارجية التي أصدرت بيانًا[7] قالت فيه أن بيان الدول، تضمن مزاعم وادعاءات حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر. كما أكد البيان على رفض مصر التام لما تضمنه البيان من معلومات مرسلة تستند إلى معلومات غير دقيقة. ودعت الخارجية المصرية الدولة الموقعة على البيان إلى المراجعة المدققة لمثل هذا الكلام المرفوض، مطالبة هذه الدول بالتوقف عن توجيه اتهامات تعبر عن توجه سياسي غير محمود، مؤكدة على عزمها على تسليط الضوء على أوجه القصور داخل الدول الموقعة على البيان خلال إلقاء بعثة مصر بجنيف لبيانها أمام مجلس حقوق الإنسان.
منعطف جديد في صراع المجتمع المدني من أجل البقاء
شهدت نهاية العام الماضي (٢٠٢٠) موجة جديدة من القمع والتضييق الأمني بحق المجتمع المدني والعاملين به، حيث تعرض ثلاثة من العاملين بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بينهم المدير التنفيذي للمؤسسة، جاسر عبد الرازق، إلي القبض والاحتجاز لعدة أيام، على خلفية استضافة المبادرة في وقت سابق من نفس العام، عدد من السفراء والدبلوماسيين، بهدف مناقشة تطورات أوضاع حقوق الإنسان في مصر، كان ذلك بمقر المؤسسة بحي جاردن سيتي، محافظة القاهرة.
تعالت الانتقادات الدولية الموجهة إلى الحكومة المصرية حينها بشكل لافت للنظر، ما استدعى معه ردا من قبل وزارة الخارجية المصرية، حيث أكدت في بيان رسمي أن المبادرة المصرية تعمل بدون ترخيص بالمخالفة لقانون العمل الأهلي رقم ١٤٩ لسنة ٢٠١٩. وبعد رد القائمين على المبادرة أنهم بانتظار إقرار اللائحة التنفيذية للقانون حتى يتمكنون من التقدم بطلب للجهة الإدارية المختصة من أجل توفيق وضعهم القانوني، اضطرت الحكومة المصرية للإسراع في استصدار اللائحة التنفيذية للقانون. وبالفعل في ١٦ يناير ٢٠٢١ نشرت الجريدة الرسمية قرار الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء رقم ١٠٤ لسنة ٢٠٢١ بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم العمل الأهلي.
بحسب القانون الصادر في عام ٢٠١٩ تلتزم جميع المؤسسات والشركات التي تمارس أنشطة العمل الأهلي بتوفيق أوضاعها وفقا لأحكام القانون ١٤٩ لسنة ٢٠١٩ ولائحته التنفيذية، خلال عام واحد من تاريخ العمل باللائحة. وبناء عليه أصبح المجتمع المدني المصري، وتحديدا المنظمات المستقلة العاملة في مجال حقوق الإنسان، أمام منعطف جديد يعد الأبرز والأهم منذ تأسيس الموجة الثالثة من حركة حقوق الإنسان في مصر مع انتصاف العقد الأول من الألفية الثالثة.
تستهدف تلك المنظمات بحث سبل استمرارها في العمل على نقد السياسات الحكومية المنتهكة لحقوق الإنسان، وتقديم الدعم القانوني اللازم لضحايا تلك الانتهاكات. ولكن هذه المرة وفق قواعد جديدة تستلزم العمل من داخل الإطار القانوني الناظم للعمل الأهلي في مصر والذي يشكل عبر القانون الجديد ولائحته التنفيذية تهديدًا لاستقلال عمل تلك المنظمات حيث يفرض القانون ولائحته التنفيذية وصاية الجهة الإدارية، التابعة لوزارة التضامن، على تمويل وأنشطة تلك المنظمات. ذلك بعد سنوات من العمل الحقوقي من خلال أشكال قانونية متعددة، أبرزها؛ العمل كـ شركات ذات مسؤولية محدودة تتبع هيئة الاستثمار، أو شركات محاماة تتبع حاليا النقابة العامة للمحامين.
ورغم وعود الحكومة المصرية بتلافي عدد من مشكلات القانون أثناء إعداد اللائحة التنفيذية، إلا أن عملية إعداد اللائحة برمتها جرت خلف أبواب مغلقة، حيث لم تجري وزارة التضامن الاجتماعي أو مجلس الوزراء أية مناقشات أو حوارات مجتمعية مع الفئات التي يستهدفها القانون، بل تمت عملية صناعة اللائحة بشكل منفرد من قبل الوزارة المعنية، دون إتاحة أي من النسخ المقترحة للائحة، ثم القاءها فجأة في وجه العاملين بالمجتمع المدني. في إخلال واضح بالمادة ٥٧ من الدستور المصري وكذا التزامات مصر وفقا للمعاهدات الدولية التي وقعت عليها بشأن حماية ودعم وتعزيز حقوق الإنسان.
غياب المعلومات حول انتشار الموجة الثالثة من الجائحة وبدء حملة التطعيمات
رغم اشتداد وطأة الموجة الثالثة من جائحة كوفيد-١٩ وفق العديد من المراقبين المحليين إلا أن الحكومة المصرية لم تغير نهجها من حيث ندرة المعلومات التي تشاركها مع جمهور المواطنين بشأن تطورات الوضع الوبائي في البلاد وسياسات الدولة في سبيل مواجهة تلك التحديات الصحية، خصوصا مع بدء الحكومة المصرية في حملة موسعة لتطعيم المواطنين باستخدام لقاحي (سينو-فارم) الصيني و(أسترا-زينك) الانجليزي.
في ٤ مارس الماضي نشر مجلس الوزراء بيانا[9] أعلن فيه بدء السلطات الصحية اعتبارا من تاريخه تطعيم كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة بلقاح فيروس كورونا، وذلك بعد عدة أسابيع من تطعيم العاملين في القطاع الطبي. وأعلن رئيس الوزراء أن الحكومة أعدت 40 مركزا للتطعيم وإنها تعتزم زيادة العدد بعد وصول دفعات إضافية من اللقاحات.
وقد تلقت مصر 350 ألف جرعة من اللقاح الذي طورته شركة سينوفارم الصينية على دفعتين منذ ديسمبر، بالإضافة إلى 50 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا في فبراير الماضي. كما حصلت مصر في نهاية الربع الحالي على ما يقارب 850 ألف جرعة من لقاح استرازينيكا عن طريق مبادرة كوفاكس العالمية التي تهدف لوصول اللقاحات للدولة النامية والفقيرة. وفي 24 فبراير قالت هيئة الدواء المصرية إنها اعتمدت لقاح سبوتنيك في الروسي للاستخدام الطارئ. وقالت شركة برايم سبيد ميديكال المصرية إنها حصلت على حق توفير اللقاح الروسي في مصر وذلك في بيان إلى البورصة المصرية لكنها لم تذكر تفاصيل.
وكانت مصر قد بدأت تطعيم العاملين على الخطوط الأمامية في القطاع الطبي في 24 يناير الماضي باللقاح الصيني، وقالت وزيرة الصحة هالة زايد إن من حصلوا على اللقاح الصيني سيحصلون على جرعة ثانية بعد 21 يوما وإن من حصلوا على لقاح أسترازينيكا سينتظرون 12 أسبوعا للحصول على الجرعة الثانية.
كما هو الحال منذ بداية الجائحة؛ اتسمت المعلومات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة ومجلس الوزراء بالندرة الشديدة، خصوصا ما يتعلق بحملة التطعيم ضد فيروس كوفيد-١٩. بداية من بيان مجلس الوزراء الذي أكد بدء حملة التطعيم لكبار السن وذوي الأمراض المزمنة، ورغم فتح التسجيل بشكل مسبق على موقع الوزارة لتلك الفئات دون غيرها، ألا أنه سرعان ما فتح باب التسجيل لكافة المواطنين مع أولويات تتعلق بالحالات الأكثر احتياجا للتطعيم، ومع الوضع في الاعتبار محدودية أعداد الجرعات المتوفرة لدى السلطات الصحية، فإن التساؤل الرئيسي يكون لماذا لا تشارك الحكومة المصرية مواطنيها بالمعلومات الكافية والتفصيلية بشأن توزيع اللقاحات منذ اللحظة الاولى. كم لقاح سيجري توجيهه للأطقم الطبية، ومن لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة؟. حيث تبدو الأمور عشوائية و مرتجلة ويزيد غياب المعلومات الصورة ضبابية.
أثناء الحصول على اللقاح يطلب منك ملء نموذج خاص بالبيانات الشخصية واستمارة أخرى تحدد فيها من بين متعدد اذا كنت تعاني أي أمراض مزمنة أو مشاكل طبية تستدعي الذكر، تختتم لإقرار بمعرفتك اللقاح الذي ستحصل عليه وكل ما يتعلق به مع تحمل كامل المسؤولية عن ما يترتب على التطعيم باللقاح. ذلك دون وجود لأي دليل استرشادي طبي حول اللقاح المعنى، وكل الشروحات والإرشادات الطبية التي يتطلب أن يكون المواطن على دراية بها قبل الحصول على الجرعات. كذلك لا توفر مراكز التطعيم حول الجمهورية أي شكل من التوعية الطبية المتعلقة باللقاح للمواطنين سواء عبر إرشادات معلقة للجمهور أو أشخاص مسؤولين عن تلبية حق هذا الجمهور في المعرفة.
منذ بدء حملة التطعيمات ضد فيروس كورونا المستجد مطلع مارس الماضي وتقدم مئات الآلاف من المواطنين للحصول على اللقاح، لم تنشر أي جهة رسمية، وتحديدا وزارة الصحة ومجلس الوزراء، أية تقارير أو معلومات بشأن تتبع حالات المواطنين ممن حصلوا على اللقاح. وتحديدا أولئك الذين أتموا الجرعتين. هل تعرض مواطنون للوفاة؟ كم شخص أصابته أعراض جانبية مشتركة؟ إلى آخر تلك المعلومات التفصيلية التي تمكن المجتمع بشكل أوسع والمختصين والخبراء عبر تحليل تلك البيانات من تعظيم استفادة السلطات الصحية وغيرها من الجهات المعنية بتلك البيانات والمعلومات، بهدف ضمان مواجهة مجتمعية أشمل وأكفأ لتطورات الوضع الوبائي في مصر، وحماية لحق المواطنين في معرفة كافة المعلومات اللازمة لمواجهة الأخطار الصحية التي تهددهم. خاصة وأن هناك العديد من التقارير حول نتائج سلبية من استخدام لقاحات استرازينيكا الإنجليزي في عدة دول اوروبية أعلنت وقف مؤقت لاستخدام اللقاح عدة مرات على خلفية تلك النتائج.
القسم الثاني
مزاعم وادعاءات أم انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان؟
حمل بيان الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر انتقادات لاذعة لأداء الحكومة المصرية في ملف حقوق الإنسان، وتحديدا في ملفات الحقوق والحريات. وهي الانتقادات التي وصفتها الحكومة المصرية بـ "المزاعم والادعاءات" مبررة ذلك أنها استندت إلى معلومات وتقارير غير دقيقة بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر.
وفي هذا السياق تؤكد مؤسسة حرية الفكر والتعبير؛ أن كافة الانتهاكات التي أشار إليها بيان الدول، مثلت في أغلبها أنماط اعتيادية للانتهاكات دأبت الحكومة المصرية على ممارستها، بشكل منهجي وعلى نطاق واسع، خلال السنوات الأخيرة، وتحديدا الانتهاكات المتعلقة بالحق في حرية الرأي والتعبير، بحسب ما رصدته المؤسسة ووثقته عبر العديد من التقارير الدورية والنوعية المتعلقة برصد واقع حرية التعبير في مصر في السنوات القليلة الماضية.
وبشكل مبسط نحاول هنا أن نجد الحقيقة وراء "مزاعم" انتهاكات حرية التعبير في مصر عبر قراءة وتحليل الانتهاكات التي رصدتها وحدة الرصد والتوثيق بالمؤسسة خلال الربع الأول من العام ٢٠٢١، وتحديدا في مجالات: حرية الصحافة والإعلام، حرية الإبداع والتعبير الفني، الحقوق الرقمية والحريات الأكاديمية والحقوق الطلابية.
حيث شهد الربع الأول من عام 2021 استمرار السلطات المصرية في استهداف الأفراد على خلفية ممارسة حقهم في حرية التعبير، فقد وثقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير 36 انتهاكا متعلقا بملفات حرية التعبير، من بينهم 4 انتهاكات تتعلق بنشر معلومات او آراء حول انتشار وباء كورونا المستجد في مصر.
ولا يمكن تفسير تراجع معدل الانتهاكات المتعلقة باستهداف مواطنين أو صحفيين على خلفية تعبيرهم عن آرائهم أو نشر معلومات تتعلق بانتشار وباء كوفيد-19 في مصر، إلى تغيير سياسة الحكومة فيما يخص التفاعل الأمني مع الانتقادات التي توجه لسياساتها في مكافحة انتشار الوباء. حيث تنشط السلطات المصرية مع بداية أي ازمة عبر شن حملات أمنية تساعد من خلالها على تسييد الرواية الرسمية حول الأزمة، ومحاربة أي معلومات أو آراء من شأنها التشكيك في سياساتها. ظهر ذلك جليًا في تعاملها مع ازمة انتشار وباء كوفيد-19 "كورونا المستجد"، وحالة الزخم التي صاحبت بداية انتشار المرض في مصر، والانتقادات الحادة التي أطلقها عدد من أعضاء الطواقم الطبية العاملة بالمستشفيات المصرية بالإضافة لمواطنين عبروا عن رأيهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى استهداف عدد من الصحفيين والمواقع الصحفية، على خلفية نشر أو تداول أخبار ومعلومات تتعلق بانتشار الوباء في مصر غير تلك البيانات الصادرة عن الجهات الرسمية.
حيث وثقت المؤسسة خلال الربع الثاني من عام 2020، والذي شهد بداية الانتشار الموسع للوباء في مصر، زيادة في معدل الانتهاكات بلغت حينها 500% بالمقارنة مع الربع الأول من نفس العام. ارتبطت هذه الزيادة الكبيرة في معدل الانتهاكات خلال هذا الربع بشكل مباشر بأزمة انتشار وباء كورونا، حيث شكلت الانتهاكات المرتبطة بنشر آراء أو أخبار تتعلق بكورونا %50 تقريبًا من إجمالي الانتهاكات التي حدثت خلال هذا الربع. ومع مرور الوقت تراجعت الانتهاكات المتعلقة بكورونا.
تهدف السلطات المصرية عبر شنها لتلك الحملات إلى زيادة الترهيب الأمني من تناول موضوعات بعينها، ما ينعكس على ارتفاع معدلات الرقابة الذاتية التي يمارسها المواطنين على أنفسهم عند تناولهم معلومات أو آراء تتعلق بانتشار الوباء. حيث يكون من المعروف حجم الملاحقة التي يمكن أن يتعرض لها الصحفي، المبدع، المواطن في حالة قام بانتقاد أو نشر معلومات تخالف الرواية الرسمية للحكومة. وهي الآلية التي تعتمدها الحكومة مع أي أزمة تواجه المجتمع، حتى لو كانت تلك الأزمة تتعلق بحياتهم وتهدد الصحة العامة.
حرية الصحافة والإعلام
وثقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال الربع الأول من 2021، 7 وقائع انتهاكات شملت 13 انتهاكًا. ويمكن إجمال الانتهاكات ضد حرية الصحافة خلال الربع الأول في ثلاثة عناوين رئيسية.
الإفراج عن صحفيين بعد جهود نقابية والقبض على آخرين
شهد الربع الأول من عام ٢٠٢١ نجاح جهود نقيب الصحفيين، ضياء رشوان، في الإفراج عن 3 صحفيين، هم؛ الناشر والصحفي مصطفى صقر والمخلى سبيله على ذمة القضية رقم 1530 لسنة 2019 حصر نيابة أمن دولة عليا منذ 12 أبريل 2020، والصحفي بموقع درب إسلام الكلحي، مخلى سبيله على ذمة القضية رقم 855 لسنة 2020 حصر نيابة أمن دولة عليا منذ 9 سبتمبر 2020، والصحفي حسن القباني، مخلى سبيله على ذمة القضية رقم 1480 لسنة 2019 منذ 17 سبتمبر 2019.
واجه الصحفيون الثلاثة اتهامات واحدة كان أبرزها؛ الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. وفي الوقت الذي ترحب فيه المؤسسة بجهود نقيب الصحفيين وأعضاء مجلس النقابة للإفراج عن الصحفيين، تطالب المؤسسة نقيب الصحفيين ومجلس النقابة بمزيد من الجهد للإفراج عن بقية الصحفيين المحبوسين، والذين تقدر المؤسسة عددهم بـ 16 صحفيًا ألقي القبض عليهم على خلفية عملهم الصحفي، كما تطالب المؤسسة نقابة الصحفيين بمزيد من الضغط على السلطات المصرية لوقف وقائع استهداف الصحفيين على خلفية عملهم الصحفي أو تعبيرهم عن آرائهم. فبالرغم من نجاح وساطة نقيب الصحفيين إلا أن السلطات المصرية لا تتوقف عن استهداف الصحفيين والتنكيل بهم.
حيث وثقت المؤسسة خلال الربع الأول من العام 2021 إلقاء الاجهزة الامنية القبض على 4 صحفيين، هم:
الصحفي حمدي مختار والشهير بـ "حمدي الزعيم" والذي ألقي القبض عليه في 4 يناير 2021 بعد مداهمة قوة من الأمن الوطني لمنزله بمنطقة الأميرية، محافظة القاهرة. لم يعرض الزعيم على نيابة أمن الدولة إلا في 16 من نفس الشهر متهمًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 955 لسنة 2020 حصر نيابة أمن الدولة العليا. وجهت نيابة أمن الدولة للزعيم اتهامات منها؛ الانضمام لجماعة إرهابية على علم بأغراضها، نشر أخبار كاذبة واستخدام حساب على احدى مواقع شبكة المعلومات الدولية بهدف نشر أخبار كاذبة.
بعد يومين من القبض عليه في 6 يناير، رحل مختار إلى إحدى مستشفيات العزل بالعباسية بعد ظهور أعراض إصابته بفيروس كوفيد-19 "كورونا المستجد"، تم إجراء مسحة لمختار والتي أظهرت سلبية العينة. في 8 يناير أحيلت أوراقه إلى نيابة أمن الدولة للتحقيق معه إلا أن نقله تعذر نظرًا لحالته الصحية.
جدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي تلقي فيها قوات الشرطة القبض على المصور الصحفي صاحب الـ42 عامًا، حيث ألقي القبض عليه في سبتمبر 2016 أثناء قيامه بتصوير إحدى التقارير الصحفية، وظل قيد الحبس الاحتياطي لأكثر من عام ونصف، حيث استبدلت المحكمة حبسه بتدابير احترازية في أبريل 2018.
الصحفي أحمد محمد خليفة: في 19 يناير 2021 ظهر المحرر الصحفي بموقع مصر 360، أحمد خليفة، بمقر نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس بعد 13 يومًا من اختفائه عقب استدعائه لمقر الأمن الوطني بالفيوم. كانت قوة من الشرطة قد توجهت لمنزل الصحفي بقرية التلات بمركز الفيوم في غيابه، قبل أن يتلقى مكالمة هاتفية تطلب منه التواجد بمقر الأمن الوطني بالفيوم، وهو ما أستجاب له الصحفي في 6 يناير. منذ تلك اللحظة وأخبار خليفة منقطعة تمامًا، وينكر الأمن الوطني بالفيوم معرفته بمكانه، إلى أن ظهر متهمًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 65 لسنة 2021 حصر نيابة أمن الدولة العليا. وجهت نيابة أمن الدولة لخليفة اتهامات منها، الانضمام لجماعة إرهابية، نشر أخبار كاذبة واستخدام حساب على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تنفيذ جريمة.
حمدي عاطف هاشم: في 4 يناير 2021 ألقت قوة من الشرطة القبض على الصحفي حمدي عاطف، من منزله بمدينة زفتى، محافظة الغربية. ظل عاطف قيد الاختفاء القسري بمقرات الأمن الوطني بالغربية، حتى ظهر معروضًا على نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس، بالقاهرة، في 11 من نفس الشهر. وجهت له نيابة أمن الدولة اتهامات من بينها، الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار وبيانات كاذبة، واستخدام حساب على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي بهدف نشر أخبار كاذبة، في القضية رقم 1017 لسنة 2020 حصر نيابة أمن الدولة العليا. حمدي عاطف، طالب بالفرقة الرابعة كلية الآداب شعبة الصحافة. يعمل متدرب ومراسل بقسم الحوادث في جريدة مصر البلد الإخبارية، كما يعمل مراسل لصحف، النبأ، البيان، والشورى. ألقي القبض على عاطف على خلفية تغطيته لأزمة نقص الأكسجين عن مصابي فيروس كوفيد-19 “كورونا” بمستشفى زفتى العام.
الكاتب الصحفي جمال الجمل: في 22 فبراير 2021 ألقت سلطات الأمن بمطار القاهرة القبض على الكاتب الصحفي جمال الجمل فور عودته من مدينة اسطنبول التركية على متن الرحلة رقم ms730.
ظل الجمل رهن الاختفاء القسري لمدة 5 أيام حتى ظهر بمقر نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس، شرق القاهرة، في ساعة متأخرة من مساء 27 فبراير 2021، متهمًا على ذمة قضية تعود إلى عام 2017 حملت رقم 977 لسنة 2017 حصر نيابة أمن الدولة العليا. تواجه نيابة أمن الدولة للجمل اتهامات من بينها، الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، نشر أخبار وبيانات كاذبة، واستخدام حساب على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي بغرض تنفيذ الجريمة الثانية. جمال الجمل هو كاتب صحفي مستقل، كتب للعديد من المواقع المصرية والعربية أبرزها جريدتي التحرير والمصري اليوم، وعربي 21. تلقى الجمل في سبتمبر 2014 مكالمة هاتفية من الرئيس عبد الفتاح السيسي، عاتبه خلالها على انتقاد السياسات الحكومية، قبل أن توقف المصري اليوم نشر مقالاته لنفس السبب في عام 2015. نتيجة التضيقات عليه غادر الجمل القاهرة قبل سنوات متوجهًا إلى إسطنبول بعد أن أوقفت جريدة المصري اليوم نشر مقاله الأسبوعي. استمر الجمل في كتابة آرائه أثناء تواجده في تركيا عبر موقع عربي 21.
الخروج عن النهج الرسمي يستدعي العقاب حتى للموالين
ولا تقتصر الانتهاكات عند استهداف الصحفيين غير الموالين أو المعارضين للسياسات القائمة، بل يمكن أن الإعلاميين الموالين للنظام الحاكم يجري استهدافهم في حال ما خالفوا السياسة الإعلامية للدولة المصرية، والتي تضعها وزارة الإعلام حسب الوزارة، ولعل أبرز الأمثلة في هذا السياق هو استهداف الإعلامي بقناة النهار تامر أمين على خلفية ما تناوله ببرنامج أخر النهار عن رغبة أهالي الصعيد والريف بزيادة المواليد لمساعدتهم على زيادة الدخل عن طريق تشغيلهم في سن صغير، بالإضافة لتشغيل الفتيات "خادمات" حسب قوله، وهو ما أثار ردود أفعال غاضبة نتج عنها، قيام المجلس الاعلى لتنظيم الإعلام، تغريم القناة 250 ألف جنيه وإنذارها بسحب التراخيص في حال تكرار المخالفات، وقف الحلقات الخاصة بالإعلامي تامر أمين ببرنامج آخر النهار، ومنع ظهوره الإعلامي في وسائل الإعلام لمدة شهرين، وإحالة البلاغات المقدمة للمجلس إلى النائب العام. فيما أعلن طارق سعدة نقيب الإعلامين إلغاء تصريح مزاولة المهنة لأمين بعد تحقيق استمر ثلاث ساعات فيما حددت محكمة جنح مدينة نصر جلسة محاكمة أمين بتهمة سب وقذف اهالي الصعيد والريف على خلفية رفع المحامي أشرف ناجي، جنحة يتهمه فيها بسب وقذف أهالي الصعيد والريف. فيما جاء بيان وزارة الإعلام عن الواقعة مثمنًا الإجراءات السريعة التي قام بها المجلس الاعلى لتنظيم الإعلام وقناة النهار.
ويكشف بيان وزارة الإعلام بصورة جلية نظرة السلطات المصرية للإعلام في مصر، وهو ما يمكن أن يفسر ردود الأفعال الرسمية تجاه ما تناوله الإعلامي، بجانب ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة من أهالي الصعيد، حيث ترى وزارة الإعلام ما بدر من الإعلامي تامر أمين يعد مخالفة لما أسمتها الوزارة السياسة الإعلامية للدولة المصرية، والتي تقوم وزارة الإعلام بوضعها حسب البيان، فـ وزارة الإعلام ترى وسائل الإعلام المختلفة ترسًا في المنظومة الإعلامية للدولة، ولابد من التزامها بالسياسات التي تضعها الدولة عبر الوزارة ومخالفتها يستدعي العقاب من قبل الجهات المعنية، وهو ما يتنافى مع الدور الأساسي للإعلام كونه ناقلًا للمعلومات وناقدً ومراقبًا لجميع السلطات في المجتمع. وبالنظر إلى السياسات الحكومية في التعامل مع الصحافة والإعلام خلال السنوات الست الماضية نجد أن هناك اتساقًا بينها وبين ما تطرحه الوزارة، فبالنظر إلى خريطة الصحافة والإعلام في مصر والتي بدأت الأجهزة الأمنية في تشكيلها من جديد بعد 2013، نجد أن الدولة سعت إلى ملكية وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لإحكام سيطرتها من المنبع، وبالتوازي فلا يوجد قناة أو صحفي يمكن أن تخرج عن الخطوط الحمراء التي وضعتها السلطة فيما يتعلق بالسياسات التحريرية.
وبالرجوع لما تناوله الإعلامي تامر أمين خلال برنامجه على قناة النهار، فإن مؤسسة حرية الفكر والتعبير تؤكد إن الخطاب الصادر عنه محمي بمظلة حرية التعبير، حيث اقتصر على ابداء رأيه في مسألة الزيادة السكانية والأسباب التي تدفع بعض المواطنين لزيادة المواليد، حتى ولو حدد فئة محددة من المصريين مثل سكان صعيد مصر أو المحافظات الريفية، فقد خلى خطابه من أي دعاوى تحريض على العنف سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما يجعل من تحركات الجهات المختلفة تعديًا على حق الإعلامي في تناول أي قضية.
من فرد امن مدرسة إلى الوزير، الجميع يخاف من الكاميرا
وفي سياق مختلف فقد نشر الإعلامي أحمد موسى في 2 مارس الماضي مقطعًا مصورًا للاعتداء على طاقم تصوير برنامجه المذاع على قناة صدى البلد، على مسئوليتي، ومنعهم من التصوير من قبل أفراد أمن مدرسة بهتيم الثانوية بنين أثناء تغطيتهم سير إجراء امتحانات الصف الأول الثانوي. وطالب موسى عبر برنامجه محافظ القليوبية بالتدخل وإحالة المسئولين عن الاعتداء ومنع فريق برنامجه من التغطية إلى التحقيق.
وفي 6 يناير الماضي أصدرت الهيئة العامة للتأمين الصحي قرارًا بمنع التصوير داخل المستشفيات، سواء فوتوغرافيًا أو تصوير فيديو. وأِشار القرار أن أي مخالف للقرار سيعرض نفسه للمسائلة القانونية. وأضاف القرارأنه لن يسمح للمرضى باصطحاب هواتفهم المحمولة بأقسام الرعاية المركزة أيا كان السبب. أرجعت الهيئة القرار لتعليمات وزيرة الصحة، هالة زايد.
يأتي القرار بعد نشر مواطنين لفيديوهين من مستشفى زفتى العام بمحافظة الغربية، ومستشفى الحسينية بمحافظة الشرقية، يوضح معاناة مرضى وباء كورونا جراء نقص إمدادات الاكسجين ووفاة بعض الحالات، وهو الأمر الذي آثار موجة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الأرجح كانت تلك الأحداث هي المحرك لإصدار هذا القرار.
حرية التعبير الرقمي
وثقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير 18 انتهاكًا على خلفية تعبير مواطنين عن آراءهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شمل 10 حالات قبض، 6 وقائع تدوير وإعادة حبس على ذمة قضية جديدة بعد إخلاء السبيل، وحالة واحدة تمثلت في إصدار حكم بالسجن، وأخيرًا حالة واحدة لإحالة مدير مستشفى للتحقيق الإداري بكفر الشيخ على خلفية نشره لاستغاثة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يطالب فيها المواطنين بتوفير أسطوانات أكسجين لمرضى وباء كوفيد-19 "كورونا المستجد" بعد أزمة طارئة متمثلة في نقص للاكسجين في المستشفى.
وتنشط السلطات المصرية بشكل مكثف في استهداف الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية تعبيرهم عن آرائهم للسيطرة على المحتوى المنشور على الانترنت، ومنع نشر أي آراء ناقدة للسياسات الحكومية. حيث أغلقت كافة منافذ التعبير أمام المصريين ولم يتبقى خارج تلك الدائرة المغلقة إلا وسائل التواصل الاجتماعي.
أبرز أنماط الانتهاكات خلال الربع الأول
استيقاف الأفراد بالاكمنة وتفتيش هواتفهم
اتجهت السلطات المصرية خلال تظاهرات 20 سبتمبر 2019، والتي دعا إليها المقاول المصري محمد علي، إلى استيقاف الأفراد المارين بميدان التحرير وتفتيش هواتفهم والقبض عليهم في حالة العثور على أي تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى معارضة الشخص للسياسات الحكومية. إلا ان هذا الانتهاك كان مرتبطًا بمناطق جغرافية محددة أبرزها ميدان التحرير ومنطقة وسط البلد وضواحيها، بالإضافة أنها كانت تقتصر على الأوقات التي تطلق فيها دعوات للتظاهر. إلا أنه ومع تكرار الدعوة للتظاهر توسع هذا النمط من الانتهاك ليشمل مناطق عدة داخل القاهرة. وهو ما يعد تطورًا جديدًا رصدته المؤسسة خلال الربع الحالي.
حيث لم يقتصر الأمر عند التوسع في ممارسة الانتهاك بمناطق خارج المناطق المعروف اندلاع تظاهرات فيها، وفي أوقات دعي فيها إلى تظاهرات، بل انتقل ليكون عبر أكمنة الشرطة المنتشرة بالمناطق المختلفة، سواء الأكمنة الثابتة إو المتنقلة، وفي أوقات لا توجد بها بالضرورة أية دعوات للتظاهر. فمن بين 10 حالات وثقتهم المؤسسة لمواطنين ألقي القبض عليهم خلال هذا الربع، كان من بينهم 5 حالات ألقي القبض عليهم بعد استيقافهم من قبل أكمنة شرطة، ولعل أبرز تلك الحالات القبض على أحد الأفراد رفض ذويه ذكر اسمه، من إحدى المدن الجديدة، شرق القاهرة، بعد إيقافه بأحد الأكمنة وتفتيش هاتفه وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، والعثور على تدوينات مناهضة للسياسات الحكومية. حيث اختفى المقبوض عليه لما يقارب 16 يومًا قبل أن يظهر متهمًا على ذمة القضية 65 لسنة 2021 حصر نيابة أمن الدولة. واجهته نيابة أمن الدولة بنفس الاتهامات المعتادة وهي الانضمام لجماعة إرهابية، نشر اخبار وبيانات كاذبة، واستخدم حساب على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تنفيذ الجريمة الثانية.
وتهدف الاجهزة الامنية عبر هذا النمط الجديد إلى التضييق أكثر على حرية الأفراد في التعبير عن آراءهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يعد آخر منافذ التعبير الحر ةأمام المصريين.
الحبس الاحتياطي وتدوير المتهمين
تستخدم الأجهزة الأمنية في مصر الحبس الاحتياطي كعقوبة في انتظار أي مواطن يقوم بالتعبير عن آراء ناقدة للسياسات الحكومية. وسط تواطئ من نيابة أمن الدولة والتي تعمل على استمرار تجديد الحبس الاحتياطي للمقبوض عليهم على خلفية تعبيرهم عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بالرغم من انتفاء مبررات الحبس الاحتياطي ووجود بدائل أقرها قانون الإجراءات الجنائية عن الحبس، كـ التدابير الاحترازية المنصوص عليها بالقانون. ويمنع القانون استمرار حبس مواطن احتياطيًا أكثر من عامين على ذمة نفس القضية إلا أن الأجهزة الأمنية تتحايل على هذا القانون من خلال ما يعرف محليا ب"تدوير المتهمين" وإعادة حبسهم بعد إصدار قرار إخلاء السبيل، حيث يفاجئ محامي الضحية أثناء إنهاء إجراءات إخلاء السبيل باختفاء الضحية وإنكار وزارة الداخلية عبر أقسام الشرطة معرفتها بمكانه، إلى أن يظهر بعد فترة بنيابة أمن الدولة متهمًا على ذمة قضية جديدة.
وفي هذا السياق وثقت المؤسسة حبس 16 شخصًا احتياطيًا على ذمة التحقيقات في عدة قضايا مختلفة 10 منهم تم القبض عليهم حديثًا و6 حالات تم تدويرهم وإعادة حبسهم بعد صدور قرار بإخلاء سبيلهم لأسباب مختلفة.
وتعد أبرز الحالات خلال الربع الحالي، إعادة حبس رئيسة قسم الترجمة بمكتبة الأسكندرية خلود سعيد والتي حصلت على قرار بإخلاء سبيلها على ذمة التحقيقات في القضية رقم 558 لسنة 2020 حصر نيابة أمن الدولة في 13 ديسمبر 2020. إلا أن القرار لم ينفذ حيث فوجئ محاميها باختفائها وإنكار وزارة الداخلية معرفتها بمكانها في 26 من نفس الشهر، ولم يعلم مصير سعيد حتى ظهرت معروضة على نيابة أمن الدولة على ذمة القضية رقم 1017 لسنة 2020 حصر نيابة أمن الدولة. واتهمت سعيد بنفس الاتهامات التي وجهت بها في القضية المخلى سبيلها على ذمتها.
وفي نفس السياق أعيد تدوير 4 أشخاص على ذمة القضية 65 لسنة 2021 حصر نيابة أمن الدولة بعد صدور قرارات إخلاء سبيل ثلاثة منهم على ذمة التحقيقات في القضية رقم 535 لسنة 2020 حصر نيابة أمن الدولة، وهم شيماء سامي[24] والمحبوسة احتياطيًا منذ مايو 2020 ونرمين حسين، المحبوسة احتياطيًا منذ مارس 2020، ونجلاء فتحي، والمحبوسة احتياطيًا منذ يونيو 2020. وجدير بالذكر أن نجلاء فتحي عرضت بعد تدويرها على النيابة بملابس السجن البيضاء. أما الرابعة التي رفضت ذكر اسمها فقد كانت محبوسة على ذمة القضية رقم 880 لسنة 2020 حصر نيابة أمن الدولة منذ 18 سبتمبر 2020.
يواجه الأربعة نفس الاتهامات التي وجهوا بها في القضايا المخلى سبيلهم على ذمتها وهي نفس الاتهامات التي يواجه بها كل المعروضين على نيابة أمن الدولة والتي منها الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل.
وفيما يخص وقائع القبض الجديدة خلال الربع الحالي فقد فقد وثقت المؤسسة في 11 مارس الماضي القبض على أدمن مجموعة على فيسبوك تسمى "عالم النقل والسكك الحديدية" شريف ياسين بعد وصوله إلى المطار قادمًا من دولة الإمارات العربية، على خلفية شكوى تقدم بها وزير النقل الحالي كامل الوزير إلى المجلس الاعلى لتنظيم الإعلام يتهمه فيها بـ الهجوم على استراتيجيات الدولة والخطط الخاصة بتطوير منظومة السكك الحديدية، و تعمد نشر أخبار مغلوطة والتقليل من شأن المشروعات الكبرى التي تقوم بها وزارة النقل. وعلى خلفية تلك الشكوى قرر المجلس الاعلى لتنظيم الإعلام، حذف محتوى الصفحة ومخاطبة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لتنفيذ القرار بالإضافة إلى تقديم بلاغ للنائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد المشكو في حقه.
وفي نفس السياق ألقي القبض على، مصطفى صفوت في 4 يناير الماضي.، على خلفية إدارته لإحدى الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. أنكرت وزارة الداخلية معرفتها بمكان صفوت حتى عرض على نيابة أمن الدولة في 9 من نفس الشهر متهمًا على ذمة القضية رقم 1017 لسنة 2020 حصر نيابة أمن الدولة. واجهت نيابة أمن الدولة صفوت اتهامات منها الانضمام لجماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة.
سجن سناء سيف
في 17 مارس 2021 أصدرت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار، مدبولي كساب، حكم بالسجن عامًا ونصف على الناشطة، سناء سيف، الاتهامات من بينها، نشر أخبار وبيانات كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي، سب موظف عام.
تعود وقائع القضية إلى اختطاف قوة من الشرطة لسيف في 23 يونيو 2020 من أمام المقر الذي يتواجد فيه مكتب النائب العام أثناء ذهابها برفقة أسرتها لتقديم بلاغ للنائب العام حول وقائع التعدي عليهم من قبل مجهولين أمام بوابة مجمع سجون طرة على مرأى ومسمع من ضباط وزارة الداخلية، دون أي تحرك.
في 26 أغسطس من نفس العام وبعد شهرين تقريبًا من القبض عليها، أحيلت سيف إلى المحاكمة على ذمة القضية رقم 12499 لسنة 2020 جنايات التجمع الاول والمقيدة برقم 659 لسنة حصر نيابة أمن الدولة، في أمر نادر الحدوث وهو ما يؤكد النية المبيتة للحكم على سيف.
حكم المحكمة أحال القرار إلى عدة اتهامات، حيث حكمت المحكمة بسجنها عامًا على خلفية اتهامها بإذاعة أخبار وإشاعات كاذبة عمدًا من شأنها إثارة الفزع بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، بأن نشرت على صفحتها على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك" أخبارًا ادعت فيها كذبا، حسب المحكمة، تفشى جائحة كورونا داخل السجون المصرية، وغياب التدابير الوقائية منها، وتردى الأوضاع الصحية للمسجونين على إثرها، وإهمال إدارة السجن المتعمد لعلاجهم ضمن انتهاكاتها الممنهجة ضد المسجونين، وكان من شأن ذلك إثارة فزع المواطنين وسخطهم على مؤسسات الدولة وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة. بالإضافة لاستخدام حساب على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بهدف ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا.
بينما قررت المحكمة حبسها 6 أشهر، على خلفية اتهامها، بسب موظف عام عن طريق النشر بسبب أداء وظيفته، بالإضافة إلى التعدي عليه بالقول والوعيد أثناء تواجدها بمحيط منطقة سجون طرة أثناء توليه أعمال تأمين السجن وتنظيم الزيارات.
الحرية الأكاديمية
رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال الربع الأول من 2020 استهداف 3 أكاديميين مصريين، حيث ألقت الأجهزة الامنية القبض طالب ماجيستير بالخارج بعد عودته في أجازة قصيرة، فيما استهدفت عائلة ثاني متواجد بألمانيا، فيما أوقفت كلية الإعل<