فؤاد بكر يكتب:قمة أمنية بأجندات أميركية ..قراءة في البيان الختامي للقمة العربية الطارئة

profile
فؤاد بكر رئيس الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
  • clock 5 مارس 2025, 11:25:47 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

من يطالع البيان الختامي للقمة العربية الطارئة التي انعقدت في القاهرة، يدرك أن الدول العربية لم تسعَ لوضع خطة لمواجهة المشروع الأميركي-الإسرائيلي في الشرق الأوسط، بل اكتفت بتحديد أهدافه والسعي لتنفيذها بأسلوب يحمل طابعًا عربيًا، لكن بروحٍ تتماشى مع المصالح الأميركية والاسرائيلية. 


لقد اختتمت القمة العربية الطارئة أعمالها ببيان ختامي يعكس حجم التباينات والخلافات بين الدول العربية، وذلك بعد تأجيل انعقادها وتحويلها إلى دورة عادية أُدرج فيها الملفان السوري واللبناني، مما يعكس إدراكاً ضمنياً بأن حل القضية الفلسطينية لا يمكن أن يتم بمعزل عن إيجاد تسويات شاملة للأزمات في لبنان وسوريا. ويبرز في هذا السياق، ارتباط إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل في غزة ولبنان، إلى جانب تداعيات النزاع السوري منذ عام 2011، بسياسات محددة وشروط مفروضة من الأطراف الإقليمية والدولية، وهذا ما تناقشه الرؤساء الثلاثة للبنان وفلسطين وسوريا خلال لقاءاتهم الثنائية التي جرت بين محمود عباس، وجوزيف عون، واحمد الشرع.  

التشخيص الخاطئ  
أشار البيان إلى ضرورة معالجة أسباب النزاعات في المنطقة لتحقيق السلام والتعايش المشترك، وهو ما يعكس توجهاً يعتبر أن المقاومة المسلحة هي عامل رئيسي لاستدامة الصراع العربي-الإسرائيلي. ويُفهم من هذا الطرح أن تسوية النزاع تقتضي نزع سلاح الفصائل الفلسطينية والمقاومة اللبنانية والسورية، وحصر حيازة السلاح على المؤسسات الرسمية للدول المعنية. غير أن هذا التوجه يطرح تساؤلات جوهرية حول رؤية الجامعة العربية للصراع، حيث يتم تصوير المقاومة على أنها تهديد للأمن والاستقرار، دون الاعتراف بأنها جاءت كرد فعل على الاحتلال الإسرائيلي في كل من فلسطين ولبنان، بالإضافة إلى الأوضاع في الجولان السوري المحتل.
كما تضمن البيان إشادة بدور الإدارة الأمريكية في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وهو ما يعكس استمرار اعتماد الجامعة العربية على الولايات المتحدة كوسيط رئيسي في تحقيق السلام في الشرق الأوسط. غير أن هذا النهج يتجاهل الدور الأمريكي كشريك رئيسي في الصراع، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى فرض حلول تخدم المصالح الإسرائيلية، من خلال تصفية المقاومة وإعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة. وبهذا، فإن مطالبة الدول العربية للإدارة الأمريكية بقيادة جهود السلام تعكس قبولًا ضمنيًا بفرض وصاية خارجية على المنطقة.

الاهداف الاميركية - العربية المشتركة 
رغم رفض الدول العربية لمشاريع التهجير القسري وضم الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل، إلا أن اشتراط إعادة الإعمار بتقديم تنازلات سياسية، وعلى رأسها تسليم سلاح المقاومة، يشكل مقايضة غير مباشرة قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، خاصة في قطاع غزة. وإذا استمر هذا الشرط دون تقديم بدائل تنموية فعالة، فقد تتحمل الدول العربية جزءًا من المسؤولية عن تداعيات الحصار واستمرار تدهور الأوضاع المعيشية في القطاع.


ومن المؤشرات الأخرى التي تؤكد وجود توجه لربط الإعمار بالمسار السياسي، الترحيب بتشكيل لجنة إدارية لإدارة قطاع غزة، بعيداً عن توافق الفصائل الفلسطينية. كما تم طرح فكرة إرسال قوات أمنية فلسطينية إلى الأردن لتلقي التدريب قبل استلام مهامها في القطاع، مما يثير مخاوف من احتمال اندلاع اقتتال داخلي بين السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية المسلحة في حال اقدمت على تطبيق مشروع نزع سلاح المقاومة. وبالإضافة إلى ذلك، تضمن البيان مطالبة مجلس الأمن الدولي بنشر قوات دولية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يعكس مقاربة أمنية للصراع بدلاً من التركيز على البعد الإنساني والحقوقي للشعب الفلسطيني، وقد طرح ذلك سابقا منذ الايام الاولى لانطلاقة معركة السابع من اكتوبر عام 2023، وتم رفضه فلسطينيا.

خاتمة
تكشف مداولات القمة العربية عن استمرار الخلافات بين الدول الأعضاء بشأن معالجة القضايا الإقليمية، حيث بدا أن هناك توجهًا عامًا نحو تبني سياسات قائمة على تقديم تنازلات سياسية مقابل إعادة الإعمار، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار العربي في التعامل مع القضايا المصيرية للمنطقة. 
كما يبرز دور الفاعلين الدوليين، وخاصة الولايات المتحدة، في صياغة مستقبل المنطقة وفقًا لأولوياتها الاستراتيجية، وهو ما يستدعي مقاربة أكثر استقلالية لضمان تحقيق حلول عادلة ومستدامة، كما ان اعادة الاعمار جرى ربطها بالقضايا الامنية في قطاع غزة، ولم يتم تناول اعادة اعمار لبنان وسوريا، وذلك لان السياسة واحدة، وهي تشمل لبنان وسوريا وفلسطين، عنوانها القضاء على اي مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي في الشرق الاوسط.

يمكن التأكيد، على ان ادراج المسألة اللبنانية والسورية في البيان الختامي، هو تأكيد على نهج ذات المسار فيما يتعلق بضرورة نزع سلاح المقاومة من اجل اعادة الاعمار، وهذا ما بدأ في لبنان الذي طالب رئيسه بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وتسليم سلاح المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وكذلك الامر في سوريا، الذي يعمل جاهدا من اجل تسليم الفصائل المسلحة السورية بما فيها الفصائل الفلسطينية اسلحتها الى الدولة السورية، وهذا يعزز الوجود الاسرائيلي في الاراضي التي احتلتها اسرائيل، والتنازل على نقاط القوة التي تمتلكها الشعوب من اجل تحرير اراضيها.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)