- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
فراس الياس يكتب: التعثر الروسي وحصار كييف والخيارات المميتة (3)
فراس الياس يكتب: التعثر الروسي وحصار كييف والخيارات المميتة (3)
- 2 مارس 2022, 9:22:55 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أدت التحولات الإستراتيجية المهمة التي حصلت اليومين الماضيين، إلى دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالإيعاز لوزارة الدفاع الروسية بالهجوم الشامل وعلى أكثر من جبهة، فضلاً عن تجهيز قوة الردع الإستراتيجي النووي. كان في مقدمة هذه التحولات: دخول العقوبات الإقتصادية وتحديداً نظام سويفت حيز التنفيذ، ودخول صواريخ "ستنكر وجافلين"، فضلاً عن طائرات "البيرقدار" مسرح العمليات من قبل القوات الأوكرانية، والتي أستطاعت تحييد أرتال عسكرية روسية عدة. فضلاً عن نجاح القوات الأوكرانية في خلق مناطق عازلة بين القوات الروسية المتواجدة في محيط كييف، وقوات الدعم الوجستي المتواجدة على الحدود، هذه التحولات جعلت القيادة الروسية تراجع خططها العسكرية، خصوصاً بعد نجاح هذه الصواريخ في تدمير أرتال عسكرية وعمليات تجسير وعمليات الإنزال.
هذا التحول دفع روسيا إلى تغيير طبيعة إستراتيجية الهجوم، من خلال إدخال صواريخ أسكندر وغراد، إلى جانب صواريخ قصيرة المدى، والقاذفات الإستراتيجية، وطائرات ساخوي 35، بحيث دمرت العديد من الدفاعات الأوكرانية. رغم أن القتال لا زال مستمر في الجبهة الشرقية، إلا إن الجيش الروسي نجح في محاصرة كييف من أغلب جهاتها، بإستثناء الجبهة الغربية التي لا زالت تواجه مشاكل فيها، إذ إن الجيش الأوكراني أفشلها بإستخدام صواريخ ستنكر، التي عقدت الكثير من عمليات الإنزال مؤخراً. تتمثل مشكلة بوتين اليوم أنه بدأ ينظر إلى أن موازين القوى بدأت تميل لصالح أوكرانيا، بعد عمليات الدعم العسكري والسياسي واللوجستي الغربي، ورغم أنه يمتلك القدرة على الحسم، ورغم إعلانه جاهزية القوات النووية الإستراتيجية، إلا إنه أيضاً يدرك تكاليف إستخدامها، فصاروخ واحد يكفي لإحراق العالم بأكمله. 7. تحاول القوات الأوكرانية جر الجيش الروسي إلى ما يشبه حرب العصابات، في سيناريو مشابه لحرب الموصل، من أجل دفع روسيا التخلي عن فكرة الحصار والعزل، خصوصاً بعد عسكرة المجتمع الأوكراني مؤخراً.
بوتين رجل عمليات خاصة، ويبدو أنه دخل بخطة حرب غير شاملة، وكان يعتقد أنه بإمكانه حسم الحرب خلال 48 ساعة، مستحظراً سيناريو الهجوم على أوكرانيا عام 2014، إلا إنه على مايبدو أن القوات الأوكرانية أستفادت من الدرس السابق، وبنت خطط دفاعية محكمة، أستنزفت الجيش الروسي كثيراً. الأشكالية الأخرى التي تواجهها روسيا أيضاً، أن الجيش الروسي تعود خلال السنوات الماضية على خوض حروب غير مكلفة، مع أعداء ضعيفي القدرات، كما هو الحال في جورجيا والقرم وسوريا، ففي هذه الحروب شاركت روسيا عبر القوات الجوية فقط، فيما تحرك المرتزقة على الأرض. يضاف إلى ذلك: أن التحول الأخير في السلوك الأوكراني عبر دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى تشكيل فيلق دولي لمواجهة الغزو الروسي، سيجعل المهمة الروسية صعبة للغاية، إذ يضم هذا الفيلق حتى اللحظة خليط غير متجانس، من الحركات "القومية واليسارية"، يجمعها العداء لروسيا.
يحاول بوتين الآن مقابلة الخطوة الأوكرانية بالتحشيد الأجنبي، إلى إنشاء تحشيد متطرف، عبر الإستعانة بالفرقة الشيشانية، وقد يلجأ إلى إستخدام شركة فاغنر الروسية للعمليات الخاصة، في تنفيذ عمليات داخل العاصمة كييف من أجل أرباك الوضع، أو حتى إستهداف زيليسنكي شخصياً. يبقى التسأول المهم هنا؛ ما الذي يمكن أن يفعله بوتين الآن في أوكرانيا، إن الإجابة على هذا التساؤل تتمثل بثلاث خيارات مهمة هي؛ تدمير البنية التحتية عبر القصف الشامل "تم"، وحصار المدن "تم"، وإخضاع المدن على النموذج السوري "يعمل عليه حالياً".
يمكن القول بأن الخيار الثالث سيكون هو الخيار الأكثر إغراءً لبوتين، فحديثه عن النازية الجديدة في أوكرانيا، هو تفسير مقابل لتعريف الإرهاب، كما أن إستهداف العديد من المناطق السكانية بالصواريخ قصيرة المدى، يشير إلى أن بوتين بدأ ينظر إليها كحواضن إرهابية، تستوجب التعامل معها بقوة أكبر. يشير الموقف الحالي للقوات الروسية؛ إلى أن هناك غزو بري تجاه العاصمة الأوكرانية كخيار واضح، وفي هذا السياق؛ من المستحيل التأكد مما يفكر فيه الرئيس بوتين، وإن عدم تحقيق الأهداف التي أعلنها الرئيس بوتين يعني أن روسيا ستتحمل تكلفة المصداقية أمام العالم. تشير وجهة النظر الروسية إلى أن تكاليف عدم الحسم العسكري قد يؤدي إلى فشل المحاولات الروسية في ردع الناتو عن توسيع الدعم لأوكرانيا، أو حتى ضمها مستقبلاً، ومثل هذا النهج من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني لروسيا، مما قد يؤدي إلى إبطال الفوائد الأمنية التي كانت تأمل في تحقيقها من الحرب مع أوكرانيا. إجمالاً إن إستراتيجية الحرب الروسية في أوكرانيا لا زالت لم تختبر بما يكفي للحكم النهائي عليها، وتحتاج مزيداً من الوقت من أجل الحكم النهائي عليها.