- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
فورين بوليسي: فقدان الركائز الأربع ينهي حقبة الشرق الأوسط الأمريكي
فورين بوليسي: فقدان الركائز الأربع ينهي حقبة الشرق الأوسط الأمريكي
- 15 سبتمبر 2023, 11:33:37 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
سلط الكاتب الأمريكي من أصل لبناني، هشام ملحم، الضوء على شواهد تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة خسرت ركائزها الأربع بالمنطقة، التي اعتمدت عليها طوال الأعوام الـ 50 الماضية، وهي: السعودية وإسرائيل وتركيا، ومصر، مؤكدا، في الوقت ذاته، أن الحل لا يكمن في التحالف مع أنظمة تلك الدول.
وذكر ملحم، في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن واشنطن عملت مع واحدة أو أكثر من هذه الدول لاحتواء الأزمات الدائمة التي تجتاح الشرق الأوسط، وحتى عندما أشعلت هذه الركائز الأزمات، سواء السعودية في اليمن أو إسرائيل في لبنان أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو تركيا في العراق وسوريا، بقي التنسيق بين الطرفين قائما.
لكن العالم الذي أدى إلى ظهور هذه العلاقات يمر بتغيرات تتطلب إعادة تقييم جادة، بل وجذرية، بحسب ملحم، مشيرا إلى أن التهديد السوفيتي لمنطقة الخليج لم يعد قائما، وأصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، وانهارت، في الوقت نفسه، آخر محادثات للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أمريكية منذ ما يقرب من عقد من الزمن، وأصبح حل الدولتين ميتا منذ فترة طويلة، حتى عن المتطرفين الإسرائيليين يروجون لضم جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة رسميا.
وإزاء ذلك، يحاول زعماء السعودية وإسرائيل وتركيا ومصر رسم مساراتهم الخاصة، ويتجاهلون بشكلٍ صارخ المصالح الأساسية لواشنطن، معتقدين أن العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية الوثيقة مع روسيا أو الصين أو الهند، علناً أو سراً، ستوفّر لهم بدائل مناسبة عن الولايات المتحدة.
كما انخرط الأتراك والإسرائيليون والعرب في الحوار مع بعضهم البعض، واستكشفوا سبلا لإحياء الدبلوماسية الإقليمية والتعاون والاستثمار، ما دفع بعض المحللين إلى ترجيح بزوغ فجر حقبة جديدة في الشرق الأوسط.
ترحيب حذر
لكن ملحم يرى ضرورة الترحيب بتخفيض التصعيد الإقليمي "بقدر كبير من الحذر"، مشيرا إلى أن "من يتغنون اليوم بفضائل المصالحة هم أنفسهم الذين خربوا اليمن وحاصروا قطر واجتاحوا سوريا وليبيا.
وأضاف أن السعودية وإسرائيل وتركيا ومصر تتبع أشكالاً مختلفة من "القومية العدوانية"، فقد قامت إسرائيل بالفعل بتقنين الشوفينية الدينية، ويحرض قادتها بانتظام على الإرهاب ويدعون إلى التطهير العرقي للفلسطينيين في الضفة الغربية.
وفي السعودية، عزز ولي العهد الأمير، محمد بن سلمان، ثقافة جديدة من القومية المفرطة في محاولة لتقليل تأثير المؤسسة الدينية وبناء هوية وطنية سعودية تتمحور حول شخصيته الاستبدادية بوسائل قسرية.
وفي تركيا، يُعرف الرئيس، رجب طيب أردوغان، بإثارة نسخة من القومية التركية المليئة بالإيحاءات الدينية والممزوجة بالإحياء العثماني، في حملاته المتكررة من الترهيب ضد الغرب. أما مصر، فكان حكم رئيسها، عبدالفتاح السيسي، الذي دام عقدًا من الزمن، هو الأكثر استبدادية وكارثية في تاريخ مصر الحديث، بحسب توصيف ملحم.
وإضافة لذلك، توقفت الدول الأربع في الغالب عن التعاون مع الولايات المتحدة بشأن أولوياتها الإقليمية، وكان السيسي يخطط لتزويد روسيا بصواريخ وقذائف مدفعية لاستخدامها ضد أوكرانيا قبل أن تكشف وكالات المخابرات الأمريكية الأمر في وقت سابق من العام الجاري.
وتمكن أردوغان بالكاد من المناورة للخروج من أزمة كبيرة مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وقوى حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأخرى في قمة فيلنيوس الأخيرة، عندما بدا وكأنه يتخلى عن معارضته لانضمام السويد إلى الحلف بعد عام من عرقلته لهذا الانضمام، لكن "ابتزازه لأوروبا عبر التهديد بإطلاق العنان لموجات من اللاجئين السوريين مستمر" بحسب ملحم.
وفي هذا السياق، أصبحت العلاقات الشخصية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أكثر دفئا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وبن سلمان وأردوغان، مقارنة بعلاقات هؤلاء القادة مع بايدن.
ركائز هشة
ولذا شدد الكاتب الأمريكي على أنّ الركائز الأربع التقليدية التي تقوم عليها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أصبحت الآن هشّة للغاية، بحيث لا يمكن الاعتماد عليها مطلقاً، خاصة بعد تغير الدور الذي أدّاه النفط في السابق في تشكيل العلاقات الإقليمية.
فالولايات المتحدة لم تعد القوّة الخارجية الوحيدة ذات المصلحة الاقتصادية في الخليج، إذ أقامت القوى الآسيوية، مثل الصين والهند وغيرهما، أو أعادت تأسيس علاقات اقتصادية وتجارية مُعقدة مع دول المنطقة، ومن الطبيعي أن يجلب نشاطها الاقتصادي المتزايد مكانةً سياسية وعسكرية أكبر.
ويشير ملحم إلى أن هذا الواقع يمثل عودة لتاريخ أعمق للمنطقة قبل فترة طويلة من ظهور عائدات النفط الكبيرة، فقد كانت مدن الخليج الساحلية تشبه المدن الساحلية في المحيط الهندي، وكانت عائلات التجار تهيمن على اقتصادات هذه المدن الساحلية الصغيرة: العربية، والفارسية، والأفريقية، والهندية، وغيرها، وكان السنة والشيعة يعيشون على جانبي الخليج. وعلى مر القرون، طورت هذه العائلات ثقافة بحرية غنية أدت إلى تبادل للسكان والبضائع عبر مدن الخليج وشرق إفريقيا والمدن الساحلية في شبه القارة الهندية وخارجها.
واجتاز هؤلاء التجار المشهورون بمراكبهم الشراعية المنتشرة في كل مكان هذه المياه قبل وقت طويل من سيطرة القوى الغربية عليهم، ما يعني أن توجيه دول الخليج نظرها نحو الشرق "لا يعدو كونه إعادة إنشاء للممرات البحرية القديمة" بحسب ملحم.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب الأمريكي أن اللهجة المفرطة في بعض الدوائر الرسمية بواشنطن بشأن دور الصين في إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران "غير مبررة ومبالغ فيها"، مشيرا إلى أن إنجاز معظم العمل الشاق جرى في وقت سابق من خلال محادثات هادئة في بغداد ومسقط، إلى أن قامت القيادة السعودية بإحضار الصين لإنتاج المشهد الأخير وتوجيهه، بهدف جذب انتباه واشنطن.
ولذا يصف ملحم استجابة إدارة بايدن للضغط السعودي من أجل توقيع اتفاق للتطبيع بين الرياض وتل أبيب بأنها "غير لائقة"، ففي المستقبل المنظور، لا تستطيع أي دولة أو مجموعة من الدول أن تقوض بشكل خطير التفوق الاستراتيجي والاقتصادي والتقني لأمريكا في منطقة الخليج.
وستظل التكنولوجيا والخبرة الأمريكية ضرورية لقطاع الطاقة السعودي، الذي يظل المصدر الرئيسي للدخل في المملكة، ولذا يشدد ملحم على ضرورة أن توضح واشنطن لدول الخليج العربية أن الالتفاف المتهور نحو الصين على حساب الولايات المتحدة سيكون له "عواقب"، لا أن تستجيب لضغوط تلك الدول.
هوس التطبيع
ويضيف ملحم أن "هوس إدارة بايدن الواضح بالتوسط في صفقة بين السعودية وإسرائيل لإضفاء الطابع الرسمي على تطبيعهما الفعلي الحالي هو عمل عبثي، حتى لو نجح جزئيًا، لأنه لن يفيد الولايات المتحدة سياسيًا أو استراتيجيًا على المدى الطويل، وستكون نتيجته السياسية الأساسية تعزيز الحكم الاستبدادي لمحمد بن سلمان وتشجيع نتنياهو في تأسيس إسرائيل أكثر أصولية".
كما أن مثل هذه الصفقة، بغض النظر عن أي ضمانات مقدمة للفلسطينيين، لن تغير واقعهم المعيشي الأساسي وواقع الاحتلال والحرمان من الحقوق الأساسية، بحسب ملحم، مشددا على أن الثمن الذي تحاول السعودية انتزاعه من إدارة بايدن، بما في ذلك الضمانات الأمنية التي ترفع المملكة إلى مكانة الحلفاء الدفاعيين للولايات المتحدة، يمثل عبئا كبيرا لا ينبغي تحمله "لأن بن سلمان، بتاريخه العدواني، ليس شريكاً يستحق هذا الثمن".
ويؤكد ملحم على أن ولي العهد السعودي يستغل مخاوف واشنطن المبالغ فيها من وجود الصين في الخليج للحصول على "تنازلات ستندم عليها الولايات المتحدة" حسب تعبيره.
فاتفاق السلام السعودي الإسرائيلي، إذا تحقق، سيكون، في أفضل الأحوال، بمثابة اتفاق نخبوي وسيعمل على تسريع الانجراف الإقليمي نحو المزيد من الاستبداد، بحسب ملحم، مشيرا إلى أن "مثل هذه الصفقة لن تضمن توقف بن سلمان أو نتنياهو عن الدعم الفعلي لحرب روسيا ضد أوكرانيا، والتي إما تنتهك مصالح الولايات المتحدة أو تلغي قيمها".
وفي هذا الإطار، دعا ملحم الولايات المتحدة إلى أن تعيد تقييم علاقاتها مع السعودية وإسرائيل وتركيا ومصر، "إذ عليها أن تحدّ من وجودها العسكري في المنطقة"، متسائلا عن جدوى وجود قواعد جوية أمريكية كبيرة في الكويت وقطر والإمارات.
واعتبر ملحم أن الولايات المتحدة يمكنها أن تدافع عن مصالحها في الخليج وردع إيران والجماعات الإرهابية في المنطقة فقط من خلال الحفاظ على قاعدتها البحرية في البحرين، مقر الأسطول الخامس الأمريكي، وتكميلها بقوة جوية أكثر تركيزا، مع دعم هذه القوة بشكل أكبر من خلال حاملات الطائرات التي تبحر في المياه القريبة.
مكانة أمريكا
وأشار إلى أنّ النوايا الحسنة في الشرق الأوسط تجاه الولايات المتحدة بدأت تتضاءل، وأنّ احتضان أمريكا لإسرائيل أدّى إلى تعميق واتساع اغتراب العديد من العرب عن الولايات المتحدة، إذ تؤكد استطلاعات الرأي في جميع أنحاء المنطقة وجهات النظر السلبية للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، بل وتجاه الولايات المتحدة نفسها.
ولذا يرى ملحم أن إن خفض حضور واشنطن العسكري في الخليج ورفع مستوى دفاعها عن حقوق الإنسان عالميا من شأنه أن يقطع شوطا طويلا نحو استعادة مصداقيتها لدى شعوب المنطقة، وأن يساعد على درء الاستبداد والقمع والقومية العدوانية.
ويخلص ملحم إلى أن مواصلة تقويض القيم الأمريكية من خلال السعي إلى إقامة علاقات أوثق مع الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط "نوع من الحماقة"، مردفا: "قد تكون السعودية وإسرائيل وتركيا ومصر حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة، لكن أيا منها لا تستحق هذه المكانة اليوم".