فورين بوليسي: هل سيلقى السيسي مصير جمال عبد الناصر ومبارك؟

profile
  • clock 30 أبريل 2021, 2:03:11 م
  • eye 738
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

هل سيلاحق التاريخ نظام عبد الفتاح السيسي، كما لاحق من قبل نظام مبارك وعبد الناصر؟ يجيب روبرت كابلان من معهد أبحاث السياسة الخارجية في مقال نشره بمجلة “فورين بوليسي” قائلا إن أحسن منظور عن حاكم مصر العسكري الحالي، هو معارضٌ شاهد صعود وسقوط حكام سابقين.


ويقدم كابلان خلاصة حوار مع المعارض المصري والناشط في مجال حقوق الإنسان المعروف، سعد الدين إبراهيم (82 عاما). فهو إلى جانب نشاطه، كاتبٌ لعدة مؤلفات، وأستاذ في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وعُرف بمعارضته للوحشية والجمود في عهد حسني مبارك الذي استمر 30 عاما.
وقال كابلان إن حديثه المعمق مع إبراهيم ذكّره بحديثه في الثمانينات من القرن الماضي مع ميلوفان ديغلاس، الذي اكتشف الفساد والعفن في النظام اليوغسلافي مبكرا، وتكهن بانهيار بلاده قبل ذلك بسنوات طويلة. ومع أن إبراهيم كان حذرا في حديثه عن الماضي، واختار كلماته بدقة، إلا أن مبارك هو الذي سجنه بسبب مقال نشرته مجلة أسبوعية سعودية وصف فيه نظام الحكم في مصر بأنه لم يعد جمهوريا، بل “جملوكيا” بعدما تبين أن مبارك كان يحضّر ابنه جمال لخلافته.وكان الخلاف بالنسبة لمبارك شخصيا، فسعد الدين إبراهيم صديق العائلة، حيث درّس سوزان زوجته وابنه جمال في الجامعة الأمريكية، ولهذا كان المقال خيانة بالنسبة للرئيس السابق. وقال: “هذا الرجل الغبي” عن إبراهيم “كان يستطيع الحصول على كل شيء يريده”، هذا إن كان مواليا له. وهو نفس الوضع مع ديغلاس الذي كان رفيقا لزعيم يوغسلافيا جوزيف بروز تيتو أثناء الحرب العالمية الثانية، ومرشحا لخلافته، ولكنه انشق عن رفيقه بسبب خلافات أخلاقية وسياسية.
وعلم تيتو على الأقل أن خلافه مع زميله كان أيديولوجياً حاول سحقه وسجنه بسببه. ولكن مبارك الرجل الممل وضيق الأفق لم يفهم لماذا ضحّى إبراهيم بالحياة الناعمة والمميزات التي يعرضها عليه من أجل مبادئه. ولم يكن إبراهيم في بداية القرن الحالي يدعو للإطاحة بمبارك، كل ما كان يدعو إليه هي “اللبرلة” وتحويل مصر لمكان تحكمه ديكتاتورية متنورة مثل عُمان.
وفي مقاله الذي كتبه منتصف عام 2000، تكهن إبراهيم أن مبارك يحضّر سرا ابنه جمال لخلافته بعدما تولى المنصب في سوريا بشار الأسد بعد وفاة والده حافظ. وبعد عقدين، يقدم إبراهيم تقييمه لحكم مبارك في تضمينات للرئيس الحالي: “مبارك قدّم خدمات عظيمة للبلد في العقد الأول من حكمه، ونشر الهدوء في داخل البلد الذي كان على حافة النزاع بعد اغتيال أنور السادات، وأعاد الاقتصاد إلى مساره. وكانت سنوات عقده الثاني حافلة بالوعود بدون إنجازات، أما العشرية الأخيرة من حكمه فقد كانت كارثة، حيث أهين المصريون بسبب الكساد السياسي والاقتصادي”.
وهي قصة معروفة عن الديكتاتور الذي يفكر بتحرير بلاده، ففي السنوات الأولى، أرسل مبارك إبراهيم إلى المكسيك لدراسة عمليات التحول هناك، ولكنه تراجع إلى موقفه الديكتاتوري بسبب المخاوف والمخاطر الناجمة عن الإصلاح. وعندما كبر في العمر، بدأ يفكر بطرق لحماية العائلة والثروة التي جمعها وإنشاء عائلة شبه ملكية.
وكما يقول إبراهيم: “أي رئيس مصري يكون جيدا في البداية، وعندما يمنح وقتا لا يعمل جيدا”. وكان الربيع العربي الذي أطاح بمبارك بمثابة الخيبة وحتى خيانة. ووضح أن الثورات عادة ما يتم اختطافها، فقد تم اختطاف الثورة الروسية من البلاشفة، والثورة الإيرانية من رجال الدين، وكان للثورة الفرنسية فترتها من الإرهاب والقتل والحكم العسكري تحت قيادة نابليون بونابرت. وكانت الثورة الأمريكية تطورا وليست ثورة بالمعنى الحقيقي؛ بسبب الممارسات الدستورية البريطانية.
ولم يندهش إبراهيم من اختطاف الربيع العربي. فعندما عاد من المنفى ونظر إلى ميدان التحرير شعر بالقلق: “لم يكن هناك قادة، والحماس ليس بديلا عن الحكم” وكتب مقالا عن اختطاف الثورة. وبعد عقد على حكم الإخوان المسلمين والحكم العسكري يقول: “حركة الإخوان لم تحلّ أبدا، لديها جيش احتياط مدني بهيكل وضبط مثل الجيش، وما يبقي الجيش في الحكم ليس ذكرى حكم الإخوان ولكن الفوضى الذي رافقته”. ولهذا السبب يعتمد السيسي في شعبيته على ذكريات تلك الفترة.
وماذا عنه؟ يقترح إبراهيم وغيره أن القادة الذين يدّعون الشرعية في أعقاب الثورة، هي مجرد طموح: طموح لبناء وتطوير بلده. وهو ما ادّعاه محمد علي بعد رحيل بونابرت عن مصر. وما زعمه الخديوي إسماعيل في منتصف القرن التاسع عشر.
ويرى كابلان أن السيسي على خلاف مبارك، حريص على ألّا يصل إليه الشارع الذي أطاح بمبارك وبمحمد مرسي. ويحاول تقليد “لي كوان كيو” في سنغافورة، وبارك تشانغ في كوريا الجنوبية، من خلال بناء المشاريع -عاصمة جديدة في الصحراء بمساعدة من الصين، ومئات المشاريع في الصيد وإدارة المياه العادمة والتخلص من العشوائيات بمساعدة من اليابان وأوروبا.لكن الاقتصاد المصري لا يزال تحت سيطرة الجيش بهيكليته وعدم مرونته، أما المخابرات فتسيطر على الإعلام. وسجل السيسي في مجال حقوق الإنسان بشع، وهناك تقارير عن اعتقال الناشطين وتعذيبهم وتغييبهم. ونظرا لعدم السماح بالنقد من خارج النظام، فهناك مخاطر من تقويضه لغياب مناخ التفكير النقدي.
وفي الحقيقة كان غياب النقاش في ظل نظام جمال عبد الناصر وأيديولوجيته الصارمة سببا في كارثة مصر في اليمن أثناء فترة الستينات والهزيمة عام 1967. وكان العقد الأول للسيسي كما في عهد مبارك مليئا بالوعود.
والعبارة الشائعة في واشنطن أن “مصر هي دولة مستبدة أهميتها أخذة بالتلاشي” غير صحيحة، فالعلاقة الأمنية مع إسرائيل قوية ومكثفة، ومعاملة النظام للأقباط أفضل مما كانت عليه قبل نظام الضباط الأحرار في 1954.
وكما يظهر تحرير سعد الدين إبراهيم، فالسيسي ربما يتعرض لنفس قوى التراجع كما حدث لسابقيه من الحكام العسكريين. فالطاقة الكبيرة والنماذج الآسيوية ليست كافية، ورسالة إبراهيم كما هي رسالة ديغلاس: “بدون حقنة حيوية من الحرية وحقوق الإنسان لن تحدث الحداثة الحقيقية”. وكانت هذه هي مأساة عبد الناصر ومبارك، فهل سيكون السيسي قادرا على كسر الدائرة؟

التعليقات (0)