- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
قبيل الانتخابات التركية.. لماذا يتمنى الغرب رحيل أردوغان؟ (تحليل)
قبيل الانتخابات التركية.. لماذا يتمنى الغرب رحيل أردوغان؟ (تحليل)
- 29 أبريل 2023, 10:19:04 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
"القادة الغربيون يمنون النفس برؤية ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو يغادر منصبه بعد خسارته الانتخابات التركية المقبلة".. قد تكون هذه الجملة التي ساقها المحلل الهندي في "بلومبرج"، بوبي جوش، معبرة عن المشاعر الغربية ضد الرئيس التركي ومشروعه وحزبه الذي يحكم تركيا منذ عقدين.
وانطلاقا من أن "مشروع أردوغان" بتجلياته وتحدياته المستمرة بات مصدر إزعاج في الدوائر الغربية والأمريكية، تتزايد النظرة للانتخابات التركية المقررة في مايو/أيار المقبل، وبدأت جولاتها في الخارج بالفعل، على أنها "الأهم في العالم حاليا"، وفقا لتعبير جوش، فهناك أطراف دولية متعددة تنتظر نتائجها بشغف.
ووفقا لمتابعين، فإن تلك الانتخابات ستشكل جزءا كبيرا من الحسابات الجيوسياسية والاقتصادية في واشنطن وموسكو، فضلاً عن العواصم في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا.
حملات ضد أردوغان
مراقبة واشنطن وعواصم أوروبية للمشهد الانتخابي التركي المقبل ارتكزت على مقاربة قوامها الحملات الإعلامية ضد أردوغان وحزبه التي وصلت إلى حد تصريحات من ساسة ومسؤولين غربيين، قد يكون أبرزها وأكثرها صراحة هو التعهد الذي قطعه الرئيس الأمريكي جو بايدن، حينما كان لا يزال مرشحا للرئاسة، بالعمل على دعم المعارضة التركية لإسقاط أردوغان.
وشكل الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، منتصف 2016، تغيرا كبيرا في طريقة تعاطي أردوغان مع العلاقات مع الغرب الذي حملته أنقرة مسؤولية دعم هذه المحاولة التي تميزت بالدموية ومحاولة حسم الإطاحة بأردوغان عسكريا، بعدما باتت محاولة إقصائه انتخابيا أمرا صعبا، نظرا لتشرذم المعارضة التركية.
لكن الوضع الآن يختلف بشكل ملحوظ، مع توحد تلك المعارضة ووجود ما يشبه دعما مؤسسيا يتخطى حدود تركيا بكثير لها، ومحاولات جادة لتطوير قدرتها على تقديم نفسها إلى الناخب التركي كبديل عن أردوغان ومشروعه الذي هيمن على تركيا ومحيطها، وألهم الأتراك بالأمل في دولة قوية تناطح الهيمنة الغربية باستمرار.
بداية المقاربة
حتى العقد الأول من الألفية الثالثة، كان الغرب ينظر إلى أردوغان على أنه نموذج للقيادة الإسلامية الديمقراطية، في دولة علمانية تنتمي للعالم الإسلامي، واستثمر مع الولايات المتحدة التحالف مع تركيا بطريقة ما، للتدليل على أن الحروب التي شُنت ضد دول إسلامية كالعراق وأفغانستان لم تكن ضد الإسلام، ولكنها كانت ضد الإرهاب.
لكن، مع تمكن أردوغان من إحراز تقدم هائل في الملف الاقتصادي داخل بلاده، وبلورة مشروع سياسي يقوم على جعل تركيا قوة عالمية لا تشكل تكملة للنفوذ الأمريكي والأوروبي، بل تعمل على استبدالهما ومواجهتهما، أصبح يُنظر إليه على أنه يمثل سلطة ديكتاتورية ومزعجة.
ويقول "سنان أولجن"، مدير مركز الأبحاث EDAM في إسطنبول، إنه "في حال هزيمة أردوغان بالانتخابات المقبلة سيحول خليفته تركيا إلى ممثل مختلف في السياسة الخارجية، أكثر ارتياحًا لموقعها كدولة غربية، وهو ما سيشكل إنجازا غربيا مهما لتسكين الصداع الذي سببه أردوغان ومشروعه".
لماذا يتمنى الغرب خسارة أردوغان؟
يجمل بوبي جوش، في مقاله الذي كتبه بـ"بلومبرج"، خلال يناير/كانون الثاني الماضي، أسباب رغبة الغرب في الإطاحة بأردوغان، قائلا: "لقد قوض أمن الناتو من خلال الحصول على أنظمة دفاع صاروخي من روسيا، وأحبط التحالف من خلال منع عضوية السويد وفنلندا، وهدد مرارًا بإغراق أوروبا باللاجئين، وفي الأشهر الأخيرة، ألقى بخطاب عدواني بشكل متزايد تجاه اليونان، وبدت علاقات أنقرة مع واشنطن متوترة لدرجة أن كبار المسؤولين الأتراك يتهمون بشكل روتيني الولايات المتحدة بدعم انقلاب ضد أردوغان والتواطؤ مع الجماعات الإرهابية".
من هنا، يمكن إجمال أسباب رغبة الغرب في رؤية "ظهر أردوغان المغادر"، فيما يلي:
أولا: العلاقات مع روسيا
كونها أحد أبرز النقاط الساخنة التي تجمع أوروبا مع روسيا جغرافيا، تعاملت أنقرة باستمرار مع موسكو بميزان حساس أساسه الحفاظ على وتيرة مقبولة وثابتة من العلاقات، ومقاومة أية محاولة من موسكو للتمدد بأريحية في الفضاء السوفييتي، الذي بات يشكل ملعبا مهما لأنقرة، لاسيما مع التوترات التاريخية الكبيرة بين تركيا وروسيا القيصرية.
لكن أردوغان طور هذه المقاربة لتقوم على أسس التعاون البناء مع روسيا كجار ضخم يشكل أحد أبرز القوى العظمى في العالم، وقد أدى الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016 إلى تطوير التعاون بين أردوغان وفلاديمير بوتين، والذي تحدثت تقارير عن دور إيجابي للأخير في إحباط محاولة الانقلاب على الأول.
تجلى هذا التعاون في ميادين إقليمية مهمة، مثل سوريا، وصولا إلى الميدان الدولي الأبرز حاليا، أوكرانيا، حيث صنع أردوغان مقاربته الخاصة للتعامل مع تلك الأزمة، لدرجة أنه حافظ على علاقاته الودودة مع موسكو ورفض الانخراط بجدية في حراك العقوبات الغربية ضدها، وفي نفس الوقت دعم كييف دبلوماسيا وحتى عسكريا بشكل أشادت به الأخيرة.
لقد كان هذا التوازن الغريب محيرا ومربكا للغرب بشدة.
وبقدر ما أثارت هذه الاستراتيجية حنقا غربيا على أردوغان، بقدر ما أجبرت الغرب على مهادنة الرئيس التركي، رغبة في عدم خسارة حليف بقدرة وحجم أنقرة داخل الناتو في خضم أخطر نزاع مع روسيا.
وكانت أخطر محطات النزاع الأمريكي التركي بسبب روسيا، كانت عندما اختار أردوغان اقتناء منظومة "إس-400" للدفاع الجوي الروسية، بعد تمنع واشنطن في منحه منظومات "باتريوت" و"ثاد" لحماية سماء بلاده، ما أشعل غضبا في واشنطن دفعا لطرد تركيا من برنامج تطوير المقاتلة المتطورة "إف-35"، وعرقلة إمداد أنقرة بمقاتلات "إف-16" وتحديثاتها، وهي المقاتلات التي لا تزال تشكل العمود الفقري لسلاح الجو التركي.
ثانيا: التجاذبات داخل حلف الناتو
منذ مجيئه، لم يكن أردوغان ينظر بعين الرضا إلى طريقة التعامل مع تركيا داخل حلف الناتو، والتي كان يرى أنها لا تتناسب ولا تليق مع حجمها بالحلف كثاني أكبر جيش داخله.
وكانت أنقرة، بطبيعة الحال، تتلقى العبء الأكبر في مسألة التوتر بين الناتو وروسيا، باعتبارها بوابة بين الحلف وموسكو، بحكم موقعها الجغرافي المجاور للروس، لكن أردوغان كان يرى أن ما يتلقاه في المقابل أقل مما يستحقه.
لقد استمر الرئيس التركي في الضغط على الناتو من أجل تموضع جديد لبلاده داخل الحلف الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وأبرز القوى الغربية، وكانت انتقاداته للحلف لاذعة، حينما اعتبر أن الناتو ترك تركيا وحيدة أمام تحديات أمنية وعسكرية كبيرة فرضتها الأحداث في محيطها، لاسيما في خضم توتر العلاقات بين أنقرة وموسكو بسبب سوريا، والتي وصلت إلى حد الاقتراب من صدام عسكري حينما أسقطت تركيا مقاتلة روسية على الحدود التركية السورية عام 2015، وهي الحادثة التي دفعت موسكو للتصعيد ضد أنقرة.
أيضا مثل صمت الناتو على دعم الولايات المتحدة للتنظيمات الكردية في سوريا والعراق، والتي تعتبرها أنقرة أخطر تهديد إرهابي، نقطة أخرى لزيادة التوتر بين أردغان وقيادة الناتو.
ثالثا: مقاومة انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو
هذا الملف مرتبط بشكل وثيق بالنقطة التي سبقته، فالنظرة الغربية لأردوغان على أنه مقوض لتماسك الناتو تعززت بعد مقاومته لعملية انضمام فنلندا والسويد للحلف، وهو الانضمام الذي كانت تدفع له واشنطن وعواصم غربية كأحد أبرز الردود على غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا.
كان موقف أردوغان الصلب في رفض انضمام الدولتين للحلف مثيرا للغضب في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث أصر على تلبية مطالب تركيا الأمنية من الدولتين، والتي تتعلق في الأساس لدعمهما المتصاعد للتنظيمات الكردية، وبالفعل لم يتم السماح سوى لفنلندا بالانضمام، قبل أيام، بعد تلبية المطالب التركية، بينما لا يزال ملف السويد معلقا حتى الآن.
رابعا: العلاقات التركية اليونانية
كان اشتباك أردوغان مع اليونان صعبا منذ اللحظة الأولى التي وصل فيها للسلطة، بسبب رفض أثينا المستمر الاستجابة للمحاولات التركية لتقليل التصعيد في بحر إيجه والبحر المتوسط، فيما بدا أن قوى أوروبية وواشنطن يقفون وراء الصلف اليوناني باستمرار، لاسيما فرنسا.
ومن المعروف أن أردوغان أعلن في عام 2004 دعمه خطة الأمم المتحدة لتسوية الأزمة القبرصية، لكنّ القبارصة اليونانيين عارضوها بتحريض من أثينا، واستمرت اليونان في تحركاتها لعسكرة الجزر التي تسيطر عليها قبالة سواحل غربي تركيا، بالتزامن مع تعاون عسكري متصاعد مع فرنسا والولايات المتحدة، وهو ما دفع تركيا للتهديد علنا بالتحرك ضد جارتها الأوروبية.
وكان من الواضح أن اليونان ستظل الملف العالق لأردوغان، الذي اعتبر أن أثينا استساغت لعب دور البيدق الغربي والأمريكي الأبرز ضد تركيا، مقابل مكاسب سياسية واقتصادية لأثينا.
سوء تقدير
وفي الواقع، كان النهج العدائي الغربي لأردوغان قصير النظر وينبع من سوء تقدير كارثي لمخاطره. لقد أدى إلى جعله أكثر عدوانية تجاه الغرب، كما تسبّب بإفساد بعض التحولات الإيجابية المهمة التي طرأت على العلاقات التركية الغربية في عهده.
ولا يملك الغرب في الوقت الراهن رفاهية مواصلة نزاعات جانبية مكلفة مع شريك رئيسي لا تقتصر أهميته فحسب على صعيد دعم أوكرانيا وموازنة تأثير روسيا في منطقة البحر الأسود وأمن الطاقة للأوروبيين، بل أصبح قوة رئيسية في محيطه الإقليمي، ويعمل منفردا على مواجهة الفراغ الذي أحدثه تراجع التأثير الغربي في بعض المناطق.
لكن فكرة الإطاحة بأردوغان وتولي المعارضة، التي لا تمتلك رؤية الندية مع الغرب، مقاليد الأمور في تركيا، سيكون أفضل الحلول الآن، فهل يتحقق ما يسعون له؟