- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
كيف تواجه "جوجل" تهديدات مكانتها العالمية؟
كيف تواجه "جوجل" تهديدات مكانتها العالمية؟
- 27 مايو 2023, 8:54:40 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عقب إطلاق شركة (Open AI) الأمريكية روبوت المحادثات القائم على الذكاء الصناعي (Chat GPT)، بدأ الحديث عن الخسائر الكبيرة التي ستتكبدها “جوجل”، والمستقبل الضبابي الذي ستواجه شركة ” ألفابت” القابضة، التي تندرج تحتها شركة جوجل أكبر لاعب في الساحة التكنولوجية العالمية. وقد توالت التحديات التي أضعفت استقرار أسهم الشركة في سوق البورصة العالمية، ناهيك عن لجوء إدارة “ألفابت” إلى تسريح الآلاف من الموظفين، انتهاءً بإعلان أحد أبرز وأهم المؤسسين لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المعتمدة على فرضيات علم النفس “جيفري هينتون”، الاستقالة من الشركة، في شهر مايو الجاري، وتحذيره من مستقبل البشرية في حالة استمرار “جوجل” وغيرها من الشركات التكنولوجية في تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على هذا المنوال. وعلى الرغم من تقديم الشركة، في مؤتمرها للمطورين I/O 2023، عدداً من المنتجات التكنولوجية الداعمة للذكاء الاصطناعي التي تمثل طفرة حقيقية في الميدان، فإن الضبابية والغموض ما زالا يُخيِّمان على مستقبل الشركة.
تحديات بالجملة
مثَّل عام 2022 نقطة تحول كبيرة في تاريخ شركة “جوجل” المهني؛ حيث أظهرت التطورات الكبيرة التي شهدتها المنتجات القائمة على الذكاء الاصطناعي، عدم استعداد الشركة بصورة أو بأخرى للتعاطي مع هذه القفزة النوعية في صناعة التكنولوجيا. وقد برز عدد من التهديدات الوجودية للشركة تمثلت في الآتي:
1– تهديد (ChatGPT) ريادة “جوجل” في مجال البحث والإعلانات: ساهم طرح شركة (Open AI) روبوت المحادثات القائم على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في إحداث اضطرابات داخلية بشركة “جوجل” والشركة الأم “ألفابت”. وقد أوردت مجلة “نيويورك تايمز”، عن مصادر داخلية بالشراكة، قيام “جوجل” برفع حالة التحوط إلى أقصى درجاتها، وإعلان حالة الطوارئ؛ لمجابهة التحديات التي تواجهها الشركة عقب إطلاق (ChatGPT).
ويتمثل التحدي الأكبر للتطبيق في كونه يبرز أداةً بديلةً يمكن للأفراد الاعتماد عليها في عمليات البحث المختلفة التي يقومون بها عبر الإنترنت، وهو ما سيُفقد “جوجل” الملايين من المستخدمين، وبالتبعية مليارات الدولارات التي تحققها الشركة عبر الإعلانات التي تظهر على الصفحة الأولى لمحرك البحث عند قيام المستخدمين باستخدامه للوصول إلى معلومة أو البحث عن جهة أو أمر بعينه. وقد حققت شركة “ألفابت” في عام 2021، أرباحاً تقدر بـ 208 مليارات دولار أمريكي عبر إعلانات محرك البحث “جوجل”، وهو ما يمثل 81% من إجمالي أرباح الشركة خلال هذا العام. وخسارة جميع هذه الأرباح لصالح (Open AI) قد يكون بمنزلة الضربة القاضية التي تنهي التاريخ التكنولوجي الممتد لشركة “جوجل” الرائدة. وقد تضاعفت الأزمة عقب مسارعة “جوجل” إلى طرح الروبوت الخاص بها للدردشة “بارد”، وقيامه بالرد بشكل خاطئ على سؤال عن “تلسكوب جيمس ويب”. وقد كلَّفت هذه الإجابة الخاطئة لروبوت الدردشة، شركة “جوجل” ما يقارب 100 مليار دولار في سوق الأسهم والبورصة العالمية.
2– تسريح عدد كبير من الموظفين: في 21 يناير من عام 2023، أعلنت الشركة الأم لشركة “جوجل” عن تسريح 6% من قوتها العاملة العالمية؛ أي ما يعادل 12000 موظف. وعلى الرغم من أن أغلب الموظفين الذين تم تسريحهم يحتلون وظائف غير تقنية، فإنها قد طالت أيضاً عدداً من العاملين في مجال تطوير الروبوتات، وتكنولوجيا العالم الافتراضي، كما أفيد في فبراير الماضي بإقالة الشركة 450 موظفاً من أقسام مختلفة بمقر الشركة في الهند.
قامت أيضاً وحدة التكنولوجيا المتخصصة (Waymo) التي تتبع شركة “ألفابت” بتسريح عدد كبير من العاملين داخلها في 24 يناير 2023. وعلى الرغم من عدم معرفة العدد المحدد للموظفين الذين تم تسريحهم، فإن العديد من المنشورات المشاركة عبر منصتَي (LinkedIn) و(Blind) سلطت الضوء على هذه الموجة من التسريحات بداخل هذه الوحدة، التي عادت في الأول من مارس 2023 بجولة ثانية من التسريحات، أظهرت تخليها عن ٨% من قوتها العاملة؛ أي ما يقارب 209 موظفين.
3– بروز تخوفات بشأن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي: ظهرت عدد من الانتقادات للميثاق الأخلاقي الذي تعمل شركة “جوجل” وفقاً له؛ ففي يونيو من عام 2022، أقدمت الشركة على وضع أحد مهندسي تطوير روبوت المحادثة القائم على الذكاء الاصطناعي ” بليك ليموين”، في إجازة مفتوحة إجبارية؛ وذلك عقب نشره نص محادثة بينه وبين الروبوت، الذي أظهر – وفقاً لـ”ليموين” – قدراً كبيراً من العقلانية والوعي البشري، وهو أمر لا يجب على هذا النوع من التكنولوجيا التمتُّع به.
وعقب مرور عام تقريباً على هذه الواقعة، خرج واحد من أبرز الأسماء في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي “جيفري هينتون”، في بداية شهر مايو الجاري، ليُعلن عن تقديم استقالته وانتهاء تعاونه مع شركة “جوجل”. وقد برر “هينتون” هذه الخطوة بالقول إنه يسعى إلى التحذير من النتائج السلبية المترتبة على التطوير المتسارع وغير المحسوب لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، دون أي يُسبِّب أي حرج للشركة التي يتبعها. وعلى الرغم من ذلك، فإن خروج “هينتون” من “جوجل” في هذا التوقيت – قبيل كشف “جوجل” عن عدد من التطبيقات والتكنولوجيات المتطورة التي ستخدم الذكاء الاصطناعي بصورة كبيرة في مؤتمرها للمطورين – يظهر بصورة أو بأخرى وجود خلافات حقيقية فيما بين “هينتون” والنموذج العملي الذي تتبناه “جوجل” في الوقت الحالي.
4– هيمنة البيروقراطية على نظام العمل في “جوجل”: عبَّر العديد من الموظفين والشركات العاملة تحت مظلة “جوجل” عن تذمُّرهم وامتعاضهم من نمط الإدارة السائد حاليّاً في “جوجل”. وخلافاً لما هو معروف عن عملاق التكنولوجيا، أكد الكثير من العاملين في صفوف “جوجل” سيطرة حالة من البيروقراطية والآنية على نظام العمل داخل الشركة، وميل مجلس الإدارة برئاسة “ساندر بيتشاي” إلى اتباع نظام روتيني ونمطي في تسيير مختلف الأنشطة والقطاعات العاملة داخل الشركة، مع عدم إتاحة الفرصة للموظفين لاستغلال قدراتهم الإبداعية والاستكشافية، ناهيك عن عدم تشجيع الإدارة الابتكار والخروج عن المألوف، بما يتيح طرح تطبيقات وأدوات جديدة للسوق الاستهلاكية، ما لم تكن هذه التطبيقات والأدوات تلقى قبولاً مبدئياً لدى الرأي العام.
ويرى العديد من نقاد “جوجل” أن المدير التنفيذي يتجنب اتخاذ قرارات عملية حاسمة، وأنه لولا إطلاق شركة (Open AI) روبوت المحادثات الخاص بها (ChatGPT)، لمَا أقدمت “جوجل” على إطلاق “بارد” وإضافته إلى عدد من الخدمات والتطبيقات التي ترعاها الشركة.
5– مساعي حكومات غربية لفرض ضوابط جديدة على “جوجل”: شهدت السنوات الماضية تزايد الاحتكاك بين شركات التكنولوجيا، بما فيها “جوجل”، والحكومات الغربية، وظهر ذلك مؤخراً – على سبيل المثال – مع تحرك الحكومة البريطانية، في شهر أبريل 2023 لوضع قانون جديد لتقييد نفوذ شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل جوجل وفيسبوك وأمازون بهدف إضعاف قدرتها على خنق المنافسة في الأسواق الرقمية. وذكرت الحكومة أن التشريع سيُعزز أيضاً حماية المستهلكين من خلال تسهيل الانسحاب من الاشتراكات عبر الإنترنت، وتسهيل معالجة المراجعات المزيفة. وإذا مرَّر البرلمان هذا القانون فسوف يتم منح وحدة الأسواق الرقمية بهيئة المنافسة والأسواق البريطانية صلاحيات جديدة للمراقبة على شركات التكنولوجيا.
مستقبل ضبابي
أظهرت شركة “جوجل” خلال الأشهر الأخيرة إقدامها على تبني عدد من التغيرات الجوهرية في النموذج العملي للشركة وطبيعة الصناعات التي سيتم التوجه إليها خلال الفترة القادمة، ويأتي مجال الذكاء الصناعي في مقدمة المجالات التي ستركز الشركة استثماراتها فيها خلال الفترة القامة؛ هذا بجانب تطوير عدد من الخدمات القائمة بالفعل؛ وذلك على النحو التالي:
1– طرح مجموعة جديدة من الأجهزة التكنولوجية: كشفت شركة “جوجل”، خلال مؤتمر المبرمجين الذين عقدته في العاشر من مايو 2023، عن إقدامها على طرح عدد جديد من الأجهزة، على غرار الهواتف القابلة للطي التي حملت اسم (The Pixel Fold)، بجانب جهاز جديد للهاتف (Pixel 7a) يمتلك كاميرا مميزة، بجانب سرعة برامج المعالجة الداخلية التي تم تزويده بها، كما تم طرح مجموعة جديدة من أجهزة التابلت (Google Pixel Tablet) التي ستُطرح في الأسواق في 20 يونيو 2023، وتستهدف المستخدمين الراغبين في التحكم بالوظائف الداخلية في منازلهم، كإعدادات درجة الحرارة، والتأكد من غلق الأجهزة الكهربائية والإضاءة بالمنزل بأكمله.
2– تقديم جيل جديد من أجهزة الحاسب الفائقة: طرحت شركة “جوجل” في مؤتمر المبرمجين جيلاً جديداً من أجهزة الحاسب الفائقة بوحدة معالجة رسومات (GPUs) تصل إلى 26000 وحدة، وقد أُطلق على هذا الجيل من الحواسيب العملاقة اسم “A3″، وهو أول حاسوب يوجد على أرض الواقع يمتلك قوة معالجة قدر هائل من البيانات، على غرار قوة مجموعة من الحواسيب المترابطة التي تعمل معاً عبر التقنية السحابية (Cloud Technology). وتستهدف الشركة من خلال هذا الحاسوب تسهيل عمل الشركات المتخصصة في تدريب النماذج اللغوية الضخمة ( large–language models)، وهي الآلية التي يتم الاعتماد عليها في الوقت الحالي لتطوير روبوتات المحادثات القائمة على الذكاء الصناعي.
3– إضافة “بارد” إلى بعض خدمات وتطبيقات “جوجل”: تعمل “جوجل” في الوقت الحالي على توسيع إدماج روبوت الدردشة التابع للشركة “بارد” (Bard) وإتاحته بعدد من الخدمات والتطبيقات التي تقدمها الشركة بالفعل؛ وذلك على غرار خدمة البريد الإلكتروني (Gmail) وإعداد قواعد البيانات (Sheets) والملفات (Docs)؛ ما يسمح للمستخدمين بطرح الأسئلة والتعاون مع روبوت الدردشة داخل التطبيقات التي يستخدمونها؛ هذا بالإضافة إلى إتاحة استخدام الأداة في 120 دولة وبـ40 لغة؛ وذلك بعد أن كانت الأداة متاحة للمستخدمين في الولايات المتحدة الأمريكية فقط وباللغة الإنجليزية.
4– إصدار أداة جديدة منافسة لـ(GPT–4): أعلنت شركة “جوجل” أيضاً عن قيامها في الوقت الحالي بتطوير روبوت جديد للدردشة يحمل اسم (PaLM 2). وتستهدف الشركة من خلال هذه الخطوة منافسة أداة (GPT–4) التي تم إصدارها من قبل شركة (OpenAI)، وقد وعدت الشركة بأن تقوم الأداة بعمليات رياضية أكثر تقدماً وتعقيداً من تلك التي تقوم بها أداة (GPT–4)، كما ستكون الأداة على إلمام بعدد أكبر من لغات البرمجة، وعلى صلة أوسع بقواعد البيانات والمعلومات المتداولة بصورة لحظية.
5– محاولة تعزيز دور الشركة في المجالات الحيوية: حاولت شركة جوجل، ومن خلال توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي، تعزيز دورها في المجالات الحيوية المهمة، ولعل هذا ما اتضح مع إطلاق Google Cloud ، في 16 مايو 2023، أداتين جديدتين تعملان بالذكاء الاصطناعي، تهدفان – بحسب تقرير لسي إن بي سي عربية – إلى مساعدة شركات التكنولوجيا الحيوية والأدوية على تسريع تطوير الأدوية والطب الدقيق. وتعرف الأداة الأولى بـTarget and Lead Identification Suite لمساعدة الشركات على التنبؤ وفهم بنية البروتينات، وهي جزء أساسي من تطوير الأدوية، بينما تعرف الأداة الأخرى باسم Multiomics Suite ويتوقع أن تساعد الباحثين على استيعاب كميات كبيرة من البيانات الجينومية وتخزينها وتحليلها ومشاركتها.
ختاماً، فإنه عقب انتهاء مؤتمر المبرمجين لشركة “جوجل”، ارتفعت أسهم الشركة بصورة ملحوظة، كما ارتفع إجمالي صافي ثروة مؤسس الشركة “لاري بايج” بمقدار 9.4 مليار دولار، وارتفع صافي ثروة “سيرجي برين” الشريك المؤسس بنحو 8.9 مليار دولار؛ وذلك وفقاً لمؤشر “بلومبرج للمليارديرات”. وعلى الرغم من الزخم الكبير الذي أحدثه المؤتمر، ووجود نظرة مستقبلية عامة إيجابية تجاه الشركة، فإن البعض يشكك في قدرة “جوجل” على مواكبة التطور الحالي الذي يشهده مجال التكنولوجيا المتقدمة، ويرجحون استمرار الشركة في اتباع سياسة “اليوم التالي”، في إشارة إلى تبنيها استراتيجية رد الفعل، وبناء خطط جديدة للعمل بناءً على التوجهات المهيمنة على سوق التكنولوجيا، بدلاً من خلق هذه التوجهات، على غرار الهزة الكبيرة التي أحدثتها الشركة الناشئة والمنافس الأقوى لـ”جوجل” حاليّاً “Open AI”.