- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
لبنان: ثلاثة استحقاقات داهمة أمام الأكثرية الجديدة في مواجهة حزب الله ومخاطر الشلل والفراغ تتجدّد
لبنان: ثلاثة استحقاقات داهمة أمام الأكثرية الجديدة في مواجهة حزب الله ومخاطر الشلل والفراغ تتجدّد
- 22 مايو 2022, 4:27:08 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أسبوع مضى على الاستحاق النيابي الكبير الذي أفرز موازين قوى جديدة تحت قبة البرلمان عاكست كل الآراء والتحليلات التي سبقت الاستحقاق وركّزت على مدى أشهر على مقولة أن الانتخابات لن تقدم ولن تؤخر ولن تستطيع إحداث تغيير في بنية المجلس النيابي وأن حزب الله سيبقى ممسكاً بالأكثرية.
غير أن النتائج فاجأت كثيرين وأفضت إلى انتقال الأغلبية النيابية من فريق إلى آخر على الرغم من قرار الرئيس سعد الحريري العزوف عن خوض الانتخابات حيث لعب مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان دوراً رئيسياً في الحؤول دون تسلّل حزب الله إلى البيئة السنية مثلما لعب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي دوراً توعوياً من خلال تحذيره من وصول غالبية نيابية خلافاً للغالبية الشعبية في غفلة من الوعي الوطني، مشدداً على انتخاب القوى القادرة على الدفاع عن كيان لبنان وهويته.
انتخاب بري
وإذا كان من الصعوبة ترجمة الأغلبية النيابية الجديدة في اختيار رئيس جديد لمجلس النواب في ظل وجود مرشح شيعي وحيد هو الرئيس نبيه بري وعدم ظهور أي ملامح لتبنّي ترشيح النائبة عناية عز الدين من «كتلة التنمية والتحرير»، فإن الاختبار الأبرز لترجمة مفعول الفوز في الانتخابات هو في تسمية رئيس الحكومة وفي التشكيلة الحكومية وبعدها في الانتخابات الرئاسية. وتُطرح تساؤلات حول موقف النواب التغييريين ال 14 من شكل الحكومة المقبلة وهل سيصطفون مع الاحزاب المسيحية برفض الجلوس في حكومة واحدة مع حزب الله، فيما يبقى الرهان الابرز هو في اختيار رئيس جديد للجمهورية في المهلة الدستورية من دون أي تعطيل أو فراغ أو تسويات، رئيس مغاير لتوجهات الرئيس ميشال عون وخطه السياسي وتغطيته لسلاح حزب الله، رئيس ينقل البلاد من مكان إلى آخر ومن حافة الانهيار إلى الانقاذ من خلال علاقاته العربية والدولية ونهجه المختلف.
خلاف هذا الامر بدءاً من رئاسة المجلس النيابي إلى الحكومة المتمايزة والرئيس المختلف يعني أن الأغلبية الجديدة ستبقى مجموعة أقليات وسيبقى حزب الله متحكّماً بالبلاد وقرارها من خلال سلاحه. وقد بدأت مؤشرات على تقارب بين القوات اللبنانية وحزب الكتائب والنواب المستقلين كالنائب نعمة افرام والنائب ميشال معوض لتشكيل جبهة سيادية تضم أساساً القوات وحزب الوطنيين الأحرار واللواء أشرف ريفي، وسيتم التواصل مع الحزب التقدمي الاشتراكي والرئيس فؤاد السنيورة ونواب تغييريين جدد من انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر لتوحيد الجهود في المعارك الدستورية المرتقبة وعدم خسارتها أو السماح بانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية كما حصل بعد عام 2009 من خلال الثلث المعطل داخل الحكومة وبدعة الوزير الملك.
وما يعزّز مثل هذا التوجه هو التبدل الكبير في مزاج شرائح واسعة من الشعب اللبناني تجاه حزب الله بدءاً من المزاج المسيحي إلى المزاج الدرزي وصولاً إلى السنّي وحتى الشيعي في بعض الأماكن الذي تُرجم بانخفاض نسبة التصويت وبحجم الأوراق البيضاء التي نزلت في صناديق الاقتراع تعبيراً عن حالة عدم الرضى عن توجهات الثنائي الشيعي الرافض أي تغيير في النهج وفي الوجوه، ويأتي هذا الموقف الشيعي المستجد بعد ما عبّرت عنه أحداث خلدة مع العشائر العربية انتقالاً إلى بلدة شويا وصولاً إلى غزوة عين الرمانة.
فرصة التغيير
وكانت قوى 14 آذار خسرت فرصة التغيير الحقيقي بعد انتفاضة الاستقلال بعد رهانها الفاشل على «لبننة» حزب الله واقامتها تحالفا رباعيا معه سمح للحزب بالتقاط أنفاسه بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط 2005 والمناورة على طاولة الحوار عام 2006 قبل أن ينقلب الحزب على من مدّوا له اليد وعقدوا معه التسويات وحاوروه حول الاستراتيجية الدفاعية ويفرض موازين قوى جديدة على الساحة اللبنانية.
أما الاستحقاقات الداهمة التي تنتظر فريق الأكثرية حالياً فهي:
1-انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس في ظل إصرار الرئيس نبيه بري على الترشح مدعوماً من حزب الله ورفض القوات اللبنانية والكتائب ونواب مستقلين وتغييرين التصويت له، وانتظار مساعي حزب الله مع التيار الوطني الحر لتوفير كتلة مسيحية تصوّت لبري مقابل إسناد موقع نائب رئيس المجلس لعضو التيار الياس بو صعب. وإذا كان انتخاب بري مرّ بسلاسة في دورات سابقة منذ عام 1992 إلا أن هذا الاستحقاق محفوف بكثير من الانقسامات، ولا يمتلك بري 65 نائباً للفوز في الدورتين الأولى والثانية لغاية الآن، وإن أصوات «اللقاء الديمقراطي» ليست محسومة بالضرورة للرئيس بري كما يعتقد كثيرون على الرغم من علاقة الصداقة التاريخية التي تربط بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والرئيس بري حيث أنهما افترقا في الانتخابات النيابية وصبّت أصوات الثنائي الشيعي ضد مرشحي جنبلاط الدروز وكادت تسقط مرشحيه في بيروت الثانية والبقاع الغربي. وإذا كان الزعيم الدرزي فضّل الانكفاء وتسليم زمام القيادة لنجله تيمور، فإن هناك من ينصح بري بإفساح المجال لغيره وإحداث نقلة نوعية في رئاسة المجلس.
2-تسمية رئيس الحكومة الجديد حيث كان يأمل الرئيس نجيب ميقاتي الذي لم يترشح إلى الانتخابات إعادة تسميته، لكن اختلاف المشهد السياسي والنيابي بعد الانتخابات بدّل الصورة، وبدأت تُطرَح أسماء جديدة بينها ابراهيم منيمنة عن قوى التغيير أو السفير نواف سلام أو عبد الرحمن البزري وهذا ما لن يقبل به الثنائي الشيعي ولا التيار الوطني الحر وباتا يرفضان أيضاً حكومة تكنوقراط ويطالبان بحكومة سياسية تحسباً لأي فراغ في رئاسة الجمهورية في حال عدم التوافق على انتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية وتكرار تجربة ما قبل انتخاب العماد ميشال عون. فيما القوات اللبنانية ومعها الكتائب وبعض القوى تدرك أنه من المستحيل في عهد الرئيس عون أن تحظى تشكيلة حكومية بتوقيعه ما لم يكن للتيار العوني الحصة الرئيسية فيها والحقائب السيادية رغم ما آلت إليه نتائج الانتخابات من تراجع شعبية التيار في الدوائر المسيحية. ولذلك فالقوات تطالب بحكومة مستقلين في انتظار انتهاء ولاية عون، الأمر الذي يفضي إلى بقاء حكومة ميقاتي كحكومة تصريف أعمال حتى ذلك الوقت.
3-انتخاب رئيس الجمهورية حيث تراجعت حظوظ مرشحَي حزب الله وهما رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية ورئيس التيار العوني جبران باسيل على الرغم من محاولة الأخير نفخ تكتله وتصوير نفسه أنه ما زال الأقوى مسيحياً ووطنياً من خلال تكبير تكتله النيابي ومدّه بنائب من هنا ونائب من هناك. وإذا كانت نظرية الأقوى مسيحياً ستُطبّق هذه المرة أيضاً في الانتخابات الرئاسية فهذا يعني أن رئيس القوات سمير جعجع هو الأوفر حظاً للرئاسة، لكن مشكلة جعجع أنه يصطدم بفيتو شيعي، الأمر الذي يستدعي ظروفاً محلية وإقليمية مؤاتية أكثر لانتخابه خصوصاً أنه شخصية ترفض التسويات والمساومات، وقد تكون المرحلة الراهنة تتطلّب وجهاً وسطياً كالنائب نعمة افرام أو قائد الجيش العماد جوزف عون.
سلاح حزب الله
وانطلاقاً من هذه الوقائع، صحيح أن المعارضة المسيحية المناهضة لحزب الله حققت تقدماً ونالت الاعجاب بحسب مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق دايفيد هيل إلا «أن النتائج لم تكن كافية لتوجيه المشهد السياسي، وأحد الأوهام هو أن تقليص حضور حزب الله البرلماني وتحالفاته يقلّل من قوته».
وكان أمين عام حزب الله حسن نصرالله أنكر وجود أغلبية لأي فريق، وهو وإن أطلّ على الشاشة بعد الانتخابات بخطاب هادئ نوعاً ما إلا أنه بعث برسالة معبّرة عندما رأى «أننا في لبنان اليوم أمام تحديات كبيرة وخطيرة جداً، والتحدي الداهم هو الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وأزمة الخبز والدواء والكهرباء، وليس سلاح المقاومة». وفي هذا الكلام دعوة ضمنية إلى عدم طرح مسألة السلاح تحت طائلة انتقاله من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة المواجهة، بحيث أنه في حال شعر بأي تطويق للحزب وبأي محاولة لطرح مسألة سلاحه بشكل جدي كما جرى في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة فهو قد لا يتردّد في تكرار تجربة 7 ايار/مايو واستخدام السلاح للدفاع عن السلاح.
وعلى هذا المنوال، ليس هناك من أمل كبير في إيجاد حل بين الفريق السيادي والتغييري من جهة وبين الفريق الممانع من جهة أخرى، بل ان المرحلة المقبلة تؤشّر إلى توترات وإلى مواجهة قاسية يُخشى أن تستحضر سيناريو شبيه بالسيناريو العراقي وأن تحذو إيران من خلال حزب الله في لبنان ما فعلته في العراق من تعطيل بعد الانتخابات من خلال رفضها تشكيل حكومة من الأكثرية الجديدة إلى حين بروز تسوية برعاية عربية ودولية.
(القدس العربي)