لا أعرف مَن هذا المتخلف الذي ربط بين التعليم والفلوس !!.

هذا الجهول الذي جعل من التعليم سلعة معروضة كما اللبان والشيبسي ومعجون الحلاقة ، فكلما كانت المدرسة مزخرفة وبها حدائق غناء وحمّام سباحة ولها باصات تنقل التلاميذ وتحمل إسماً أفرنجياً ، تكون مصروفاتها أعلى ، وأحياناً بالعُملة الصعبة ، والصعبة هذه يعني الدولار ، لأنه زمان كان صعب الحصول والوصول إلي جلالته إلا في السوق السوداء !!.

وعلى ذكر زمان ، فأنا تعلمت في مدرسة ثانوية ريفية تضم طلاباً من كل القرى المحيطة ، وكانت مجانيّة تماماً ، ورغم هذا فقد كان لكل طالب ميكروسكوب خاص به في معمل الكيمياء ، ودولاب لأدواته ، وتعلمت فيها الرسم على يد مدرس كان فناناً عالمياً ، وتعلمت النحت بتشكيل جذور الغاب المنتشر على ضفاف نيل قريتنا ، وتعلمت الموسيقى والعزف على العود على يد مدرس موسيقى كان ينافس فريد الأطرش ، كل هذا ببلاش ورحمة ستي أم العز !!.

منذ يوميّن ذهبت لأدفع مصروفات الحضانة لحفيدي ، الحضانة وليست جامعة أكسفورد ، فراعني كمّ النصب والمبالغة في بنود المصروفات ، ثم الكتب ، ثم الباص ، ثم اليونيفورم من محل معيّن يبدو أن مدير المدرسة شريك فيه مع صهره أخو مراته ، كل هذا ولن يذهب الحفيد إلى المدرسة سوي يوميّن في الأسبوع ، على اعتبار أن الفيروس إجازته في هذيّن اليوميّن حسب اتفاقه مع معالي الوزير !!.

راعني كل تلك الآلاف المدفوعة لحفيدي ، وأنا الذي حفظت القرآن الكريم كله بحلة بيض وذكر بط وشرش ثوم وحزمة بصل ، وعزومة لشيخي الذي حفظني القرآن وعلّمني تجويده ، وخرجت من بين يديه أجيد القراءة والكتابة والحساب قبل أن ألتحق بالمدرسة !!.

فمَن هذا المجرم الذي ربط التعليم بالفلوس !!.

التعليم ياسادة في العالم كله مجاناً حتى في أعتي الدول الرأسمالية ، لا تصدقوا أكاذيب الحكومة وكُتّابها الأفاقين ، التعليم مجاني في أمريكا واليابان ، لأنهم حريصون على تعليم أبنائهم ، أما هنا ، عندنا ، فقد هجم اللصوص وحراميّة الغسيل وتُجار الخيش والبانجو والمبيدات المسرطنة على الحقل التعليمي - كما هجم السوبكي صاحب محلات الجزارة في الدقي على الفن وإنتاج الأفلام السينمائية  - وحوّلوه من هدف قومي سامٍ إلى سوق للتجارة والمكسب وحصد الملايين ، فصار التعليم عندنا أشبه بسوق المواش ، هناك أسعار للمعيز وأسعار للحمير وأسعار للجواميس ، على أن يتخرج الجميع بهائم في نهاية الحدوتة !!.

والعجيب أن التعليم الحكومي الذي هو بمصروفات أقل هو أردأ أنواع التعليم ، مع أنه المفروض عكس ذلك ، لأن الدولة أغني من كل رجال الأعمال الذين يتاجرون بالتعليم كما يتاجرون في الحديد والكابلات ، 

لكن ربط التعليم بالفلوس له هدف واحد حقيقي ، هو تعميق الطبقية في نسيج هذا الشعب ، ثم ، تخريب التعليم الذي ينتج لنا عقولاً أشد خراباً !!.

راعني رؤيتي لمدرسة مُتهالكة مُهدمة بائسة ولكنها تقع في حيّ الزمالك الراقي الشهير ، اندهشت طبعاً ، لكن سرعان مازال اندهاشي عندما علمت بأنها مدرسة حكومية مجانية لأبناء البوابين خصيصاً !!. 

وبالمناسبة ، سألت تلميذاً في المرحلة الإعدادية عن { السد العالي } ، فقال بأنه { عصام الحضري } حارس مرمى المنتخب ، هذا التلميذ العبقري يدرس في إحدى المدارس الدولية أم مائتيّ ألف جنيه مصروفات !!.