- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
ما مدى فاعلية سياسات التقشف في مواجهة الأزمات الاقتصادية؟
ما مدى فاعلية سياسات التقشف في مواجهة الأزمات الاقتصادية؟
- 31 يناير 2023, 2:05:42 ص
- 390
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في خضم الظروف الاقتصادية والجيوسياسية الحالية الناجمة عن المستويات المرتفعة لنفقات مواجهة جائحة كورونا، وكذلك معدلات التضخم المرتفعة الناتجة عن الحرب الروسية–الأوكرانية، التي أسهمت في ارتفاع عجز الموازنات العامة، ومستويات الديون العالمية؛ اتجهت الاقتصادات العالمية مؤخراً إلى العودة نحو تبني سياسات نقدية انكماشية، والانسحاب من أسواق السندات السيادية؛ ما قد يعيد سياسات التقشف إلى أجندات الحكومات؛ حيث أعلنت العديد من الدول تخفيض النفقات في ميزانياتها السنوية وزيادة الضرائب، فيما يتوقع إجراء تخفيضات في الميزانيات العامة لنحو 159 دولة خلال الفترة من عام 2022 حتى عام 2025؛ إذ يتوقع صندوق النقد الدولي أن تخفض نحو 139 دولة في المتوسط في الميزانية كل عام، وأن يكون التقشف قد ترك تأثير على 6.6 مليار شخص أو 85% من سكان العالم خلال عام 2022؛ حيث لا يزال نحو 4 من كل 5 أشخاص يعيشون في ظل التقشف حتى حلول عام 2025.
وفيما تسعى العديد من الحكومات لانتهاج سياسات التقشف خلال فترة الركود الاقتصادي الراهنة التي تواجهها معظم الحكومات، أثبتت التجارب الواقعية السابقة للعديد من الدول إخفاق سياسات التقشف في تحقيق الأهداف المرجوة منها؛ ما يحتم ضرورة انتهاج سياسات أخرى تحافظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي للحكومات.
واقع مأزوم
إجراءات التقشف هي مجموعة من السياسات الاقتصادية، تتكون عادة من زيادات ضريبية، أو تخفيضات في الإنفاق، أو مزيج من الاثنين، تستخدمها الحكومات بهدف خفض الدين العام، وتقليل عجز الميزانية الناجم عن ارتفاع النفقات الحكومية لتتجاوز الإيرادات، وقد لا ترغب الحكومات في اللجوء إلى مثل هذه التدابير؛ حيث إنها لا تواجه قبولاً شعبياً، ومن ثم تتجه لتمويل العجز بالاقتراض من الأسواق المالية للتخفيف من عجز الميزانية على المدى القصير، وهو ما يستلزم عادةً اعتماد تدابير تقشُّف أكثر صرامةً على المدى الطويل.
وقد دفعت الظروف الاقتصادية السائدة بعض الحكوماتالعربية والغربية إلى اتخاذ العديد من الإجراءات التقشفية التي من شأنها تخفيض العجز في الموازنات الحكومية، ومواجهة تراجع الأوضاع الاقتصادية بها. وكان من بين هذه الإجراءات، خفض النفقات الحكومية من خلال تقليص برامج الحماية الاجتماعية، وترك شبكة أمان صغيرة لجزء صغير من الفقراء، وخفض أو وضع حد أقصى للأجور والموظفين المدنيين المحليين، وتجميد التوظيف وإلغاء الإعانات، وخصخصة أو تسويق الخدمات العامة مثل الطاقة والمياه والنقل العام، والحد من المعاشات التقاعدية وحقوق العمال، فضلاً عن زيادة الإيرادات الضريبية. ومن الدول التي أعلنت مؤخراً إجراءات تقشف جديدة:
1– إقرار حزمة تقشف جديدة بالنمسا: أقرت النمسا حزمة إجراءات تقشفية جديدة تشمل زيادة الضرائب وخفض الإنفاق العام بقيمة إجمالية تبلغ قيمتها نحو 27 مليار يورو (36 مليار دولار) خلال السنوات الخمس المقبلة. وقد دفع الحكومة إلى هذه الإجراءات ارتفاع العجز في الميزانية العامة العام الماضي، الذي يُعزَى إلى زيادة الإنفاق الحكومي لمواجهة تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. ووفقاً لخطة التقشف يتحمل المتقاعدون وموظفو الدولة الجزء الأكبر، سواء من خلال تقليل مرتبات التقاعد أو أجور العاملين في الدولة والقطاع العام، كما تطالب بزيادة سن التقاعد من 58 عاماً إلى 62 عاماً من خلال تقليل مرتب التقاعد لمن يتقاعد في سن مبكرة، كما ستتم زيادة الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع من مستثمري القطاع العقاري والشركات النمساوية العاملة في الخارج، وستؤجل الحكومة بعض مشروعات البنية التحتية الكبرى.
2– التوجه المتصاعد من الدول الأفريقية نحو التقشف: تواجه 43 دولة من أصل 55 دولة من أعضاء الاتحاد الأفريقي تخفيضات في الإنفاق العام يبلغ مجموعها 183 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، كما شجع الصندوق 33 دولة أفريقية على اتباع سياسات التقشف في أعقاب الأزمة الصحية لكورونا؛ فعلى سبيل المثال، اتفقت كينيا وصندوق النقد الدولي على برنامج قرض بقيمة 2.3 مليار دولار في عام 2021، وهو البرنامج الذي يتضمن تجميد رواتب القطاع العام لمدة ثلاث سنوات، وزيادة الضرائب على مصادر الطاقة. ومن المرجح أن تقوم 10 دول منها ناميبيا بتجميد أو خفض الأجور والوظائف في القطاع العام؛ ما قد يعني انخفاض جودة التعليم والرعاية الصحية. وهناك بلدان أخرى من بينها الكاميرون والسنغال مُطالَبة بإدخال أو زيادة تحصيل ضرائب القيمة المضافة، التي يقع عبئها بشكل مباشر على المستهلكين.
3– توسع بريطانيا في سياسات التقشف: على خلفية الركود وارتفاع معدلات التضخم منذ عقود الذي بلغ أعلى مستوى له في 40 عاماً عند 11.1%، وتفاقُم أزمة الطاقة التي حفَّزتها الحرب الروسية لأوكرانيا؛ كشف رئيس الوزراء البريطاني “ريشي سوناك” عن حزمة ضخمة من تخفيضات الإنفاق والزيادات الضريبية المصممة لموازنة الدفاتر المالية لبريطانيا واستعادة مصداقيتها في الأسواق الدولية. وتُحدِّد أحدث خطة اقتصادية لبريطانيا – وهي الثانية في عدة أشهر بعد ميزانية رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس في أكتوبر2022 – نحو 55 مليار دولار موزعة على تخفيضات الإنفاق العام وزيادة الضرائب على مدى الأعوام الخمسة المقبلة. وتضمنت تلك الإجراءات تجميد ضريبة الحد الأعلى للدخل، وزيادة الضرائب غير المتوقعة على منتجي النفط والغاز.
4– محاولات سريلانكا التعافي من أزمتها الاقتصادية: مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سريلانكا، تم الإعلان عن خطوات متتابعة لتفعيل إجراءات التقشف المالي، وكان آخرها في شهر يناير الجاري؛ إذ أعلنت الحكومة تجميد التوظيف الحكومي، وفرض ضرائب جديدة، وكذلك رفع أسعار الكهرباء. وجاءت هذه الإجراءات بعد أن كشفت الأرقام الحكومية الرسمية عن تقاعد 20 ألف موظف مدني في نهاية 2022، وهو ما يزيد بثمانية أضعاف عن العدد المعتاد؛ وذلك بعد أن تم تخفيض سن التقاعد من 65 إلى 60 عاماً.
عوامل معززة
تتعدد الأسباب التي تدفع الحكومات نحو اتخاذ التدابير التقشفية. وتتمثل تلك العوامل فيما يلي:
1– تجنب أزمة الديون السيادية: تضطرب أوضاع الحكومات المالية عندما تفوق النفقاتُ الإيراداتِ، وتكون النتيجة عجزاً كبيراً في الموازنة؛ إذ ترتفع مستويات الدين عموماً عندما تزيد الحكومة من الإنفاق؛ ما يعني تزايد خطر التخلف عن السداد. ولتجنب هذه المخاطر، يفرض الدائنون معدلات فائدة أعلى مقابل القروض، وعندها قد تُجبَر الحكومات على اتخاذ إجراءات معينة بغرض إرضاء دائنيها والتحكم في مستويات مديونيتها.
2– زيادة الإيرادات الضريبية: الضرائب هي القناة الرئيسية لتوليد الموارد، التي تتحقق عن طريق تغيير معدلات الضرائب، أو عن طريق تعزيز كفاءة طرق تحصيل الضرائب والامتثال العام. وتقوم العديد من الحكومات بزيادة الضرائب لتحقيق المزيد من الاستثمار الاجتماعي؛ فعلى سبيل المثال، تمول بوليفيا وزامبيا ومنغوليا معاشات تقاعدية شاملة واستحقاقات للأطفال وغير ذلك من المخططات من ضرائب التعدين والغاز، وأدخلت غانا وليبيريا وجزر المالديف ضرائب على السياحة لدعم البرامج الاجتماعية، وأدخلت البرازيل ضريبة على المعاملات المالية لتوسيع نطاق تغطية الحماية الاجتماعية.
3– استعادة الثقة للدول المقترضة: تطبق الحكومات إجراءات التقشف لتقليص الفجوة بين إيرادات الحكومة ونفقاتها، التي أحدثتها الاستدانة المفرطة أو الزيادة الكبيرة في النفقات. وتلجأ الحكومة إلى التقشف عندما تكون مدينةً بأكثر مما تستطيع جَنْيَه من الإيرادات؛ حيث تساعد إجراءات التقشف على إعادة الثقة بالاقتصاد، بتقليل حجم الفجوة في الموازنة الحكومية. وتخلق الإصلاحات المقترحة مزيداً من الكفاءة، ومن ثم تعد سياسات التقشف مؤشراً على نية الحكومات اتخاذ خطوات تهدف إلى استعادة عافية موازناتها؛ ما يحفز المقرضين على خفض معدلات الفائدة على القروض الممنوحة، وقد يترافق ذلك مع شروط محددة تضبط هذه الخطوات.
4– توفير المرونة في التعامل مع الأزمات الطارئة: ربما تساعد إجراءات التقشف الاقتصادي في توفير قدر من المرونة للحكومات في التعامل مع الأزمات الطارئة. ويتجلى ذلك مثلاً مع حالات التقشف أو الترشيد في بعض القطاعات التي تعاني من مشكلات، على غرار قطاع الطاقة في أوروبا الذي تضرر نتيجة الحرب الأوكرانية وتوقف إمدادات الغاز الروسية؛ إذ أعلنت العديد من الحكومات الأوروبية عن خطط للتقشف وترشيد استهلاك الطاقة؛ فعلى سبيل المثال، أعلنت ألمانيا عن إطفاء إنارة المعالم والمباني التاريخية، كما قطعت بعض المدن، مثل مدينة هانوفر، الماء الساخن عن المباني والمؤسسات العامة. وتضمَّنت الإجراءات التقشفية أيضاً إغلاق النوافير العامة والأضواء الخارجية لمبنى البلدية ومتاحف المدينة والمباني العامة الأخرى فيها.
جدل متصاعد
وعلى الرغم من اعتماد الحكومات تدابير التقشف في أوقات الأزمات الاقتصادية لخفض الدين الحكومي، تسببت تلك السياسات في الكثير من الجدل حول الغرض منها ومدى فاعليتها؛ فبينما يرى مؤيدو إجراءات التقشف أنها سياسة فاعلة في مواجهة ارتفاع النفقات وارتفاع عجز الموازنات خلال فترات الركود، ويمكن أن تكون محفزاً لخفض قيمة العملة الداخلية، ومن ثم تعزيز الصادرات والنمو؛ يعتقد العديد من الاقتصاديين أن إجراءات التقشف لن تسهم في حل الأزمات الراهنة؛ حيث تُخلِّف سياسات التقشف تداعيات سلبية وآثاراً انكماشية على أداء الاقتصادات على المديين القصير والطويل؛ فعلى المدى القصير، يكون الاقتصاد أكثر تقلباً، وترتفع معدلات البطالة، بالتزامن مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم؛ ما يسهم في تعميق الركود الاقتصادي.
كما اختلف الاقتصاديون حول أثر السياسة الضريبية في الموازنة الحكومية؛ ففيما تستهدف الحكومات من زيادة الضرائب، توسيع القاعدة الضريبية وزيادة إيراداتها وخفض العجز المالي لديها، يرى البعض أن خفض الضرائب الموجه استراتيجياً يحفز النشاط الاقتصادي، ويؤدي – للمفارقة – إلى مزيد من الإيرادات الضريبية، ومن ثم تسهم إجراءات التقشف بتداعيات مغايرة لتلك المستهدفة منها؛ فقد تؤدي إلى:
1– التسبب في انتشار عدم المساواة: تميل تدابير التقشف إلى التأثير على أصحاب الأجور المنخفضة أكثر من أصحاب الأجور المرتفعة، ومن ثم فإن الجزء من المجتمع الذي يحتاج إلى أكبر قدر من المساعدة خلال فترة عدم الاستقرار الاقتصادي هو الأكثر تضرراً من السياسات القائمة على التقشف، كما يؤدي خفض الإنفاق الحكومي إلى بطالة واسعة النطاق، وانخفاض إنتاجية الدولة؛ حيث يؤدي تناقص الدخل الخاص إلى انخفاض الإيرادات الضريبية للحكومة؛ ما قد يضر النمو الاقتصادي للدول. ومن ثم تعد البرامج الحكومية هي الخيار الوحيد لتحسين الاستهلاك الشخصي المنخفض خلال فترة الركود؛ حيث يسهم الإنفاق القوي في القطاع العام في تخفيض معدلات البطالة، ومن ثم يَزيد عددَ دافعي الضرائب على الدخل.
هذه المعضلة نبَّهت إليها الأمم المتحدة في بيان لها، يوم 25 يناير الجاري؛ إذ ذكرت أن التوقعات السيئة للنمو للعام الحالي يجب ألا تؤدي إلى “تفكير قصير الأجل أو تقشُّف مالي متسرِّع قد يزيد عدم المساواة ويهدد مخططات التنمية”.
2– تباطؤ النمو الاقتصادي: تؤدي إجراءات التقشف إلى تفاقم الديون وبطء النمو الاقتصادي؛ حيث يؤدي خفض الإنفاق الحكومي وتسريح العمالة إلى انخفاض النشاط الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة؛ ففي الفترة من 2011 إلى 2013 – وهي السنوات التي كان فيها التقشف هو السياسة الأساسية – نما الدين بشكل كبير في الدول الأوروبية والولايات المتحدة؛ إذ ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في أيرلندا من 24.8% في عام 2007 إلى 125.1% في عام 2013، وزادت في البرتغال من 60.0% في عام 2006 إلى 127.2% في عام 2013، وفي اليونان من 106% في عام 2007 إلى 160.5% في عام 2013.
3– انخفاض الاستثمار الابتكاري: تؤدي سياسات التقشف على المدى الطويل، إلى انخفاض الاستثمار في البحث والتطوير، وتباطؤ الانتشار التكنولوجي، ناهيك عن انخفاض الإنفاق الرأسمالي؛ فعلى سبيل المثال، انخفض الحجم العالمي لإقراض تمويل المشاريع من 159 مليار دولار في عام 2011 إلى 99 مليار دولار في عام 2012؛ ما أثر سلباً على الأعمال التجارية وعلى الثقة بالقطاع الخاص؛ حيث انخفض معدل الاستثمار في الأعمال بين عامي 2008 و2012، من 20% إلى 19.7% في منطقة اليورو، بين عامي 2010 و2011، وأسهمت سياسة التقشف في زيادة حالات الإفلاس التجاري لنحو 6.3% في بريطانيا، وفي اليونان بنسبة 27.6%.
4– تعميق مرحلة الركود الاقتصادي: إن رفع الضرائب على الأفراد أو الشركات سيؤدي إلى خفض الإنفاق والمزيد من تسريح العمالة. وسيؤدي رفع ضرائب الدخل إلى ارتفاع عدم المساواة، ونقص القوى الشرائية للمواطنين ومن ثم تراجع حجم إنفاقهم؛ ما يسهم بدوره في تعميق مرحلة الركود السائدة؛ فقد أسهمت سياسات التقشف في تراجع معدلات النمو الاقتصادي في منطقة اليورو من 1% في عام 2010 إلى نحو الصفر تقريباً بين عامي 2011 و2013؛ لذلك يمكن رؤية معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في حالة ركود أو بالقرب منها خلال فترات التقشف.
5– ارتفاع التكلفة البشرية لسياسات التقشف: تشمل التخفيضات في الإنفاق الحكومي تخفيضات في خدمات الرعاية الاجتماعية وبرامج الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية التي تقدمها الحكومة، وهكذا تؤثر تدابير التقشف سلباً على ذوي الدخل المنخفض؛ حيث تتأثر شبكات الأمان الاجتماعي بتخفيضات الإنفاق، ومن ثم يسهم تخفيض النفقات الحكومية في زيادة معدلات الفقر والجوع، وعدم القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية؛ ما يسهم في زيادة حالات الانتحار والموت المفاجئ نتيجة نقص إمدادات الأدوية؛ حيث أدى التقشف في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، إلى زيادة التشرد بنسبة 14%.
روشتة اقتصادية
وانطلاقاً مما سبق، تشهد الدروس الماضية في أجزاء كثيرة من العالم، بإخفاق تدابير التقشف المفروضة في أعقاب الأزمات الاقتصادية في تحقيق الأهداف المرجوة منها؛ حيث إنها لم تساعد الحكومات في الخروج من الركود بشكل أسرع، بل أسهمت في تباطؤ النمو الاقتصادي للدول، وأسفرت عن غضب شعبي كبير واحتجاجات. وقد تكون سياسات التقشف ناجحة إذا لم يتم تصميمها على غرار “النهج المتوازن” الذي يتضمن ارتفاعاً في معدلات الضرائب بالتزامن مع تخفيض الإنفاق العام، بل يجب أن تتزامن سياسات التقشف، التي تتضمن خفض الإنفاق الحكومي غير المستدام، بالالتزامات بتحسين مستويات المعيشة وتخفيضات الضرائب على الشركات الصناعية، كما يجب على الحكومات انتهاج سياسات أخرى بديلة وأكثر فاعليةً من سياسات التقشف أو بالتزامن معها، من خلال اعتماد إطار اقتصادي كلي أكثر ملاءمةً دون تعريض استقرار الاقتصاد الكلي للخطر باتباع سياسات التقشف خلال فترات الركود؛ حيث إن أفضل وقت لاتباع إجراءات التقشف هو عندما يكون الاقتصاد في مرحلة التوسع في دورة الأعمال.
وذلك فضلاً عن إعادة تخصيص النفقات العامة، من خلال تعديل أولويات الميزانية، واستبدال الاستثمارات ذات الآثار الاجتماعية والاقتصادية الأكبر بالاستثمارات العالية التكلفة والمنخفضة التأثير، كما يجب فرض الضرائب التصاعدية، ومنع التدفقات المالية غير المشروعة، وانتهاج سياسات التحفيز المالي من خلال التدخل الحكومي المباشر خلال فترات الركود، بالتخفيضات الضريبية لزيادة الاستثمارات الإنتاجية، وتوسيع نطاق تغطية الضمان الاجتماعي وإضفاء الطابع الرسمي على العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، والحفاظ على مرونة سوق العمل، وتخفيف السياسة النقدية، مثل انخفاض أسعار الفائدة أو زيادة المعروض النقدي لتعويض الآثار الانكماشية لخفض الإنفاق، كما يمكن تخفيض سعر صرف العملات المحلية للحكومات؛ حيث يساعد تخفيض قيمة العملة على استعادة القدرة التنافسية للدولة من خلال ارتفاع الطلب على الصادرات.