- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
محمد الزريعي و ناجي الخطيب يكتبان: رؤية جديدة لاصطلاحات سياسية سائدة
محمد الزريعي و ناجي الخطيب يكتبان: رؤية جديدة لاصطلاحات سياسية سائدة
- 3 يونيو 2023, 6:37:58 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
«من يقاتلون يقاتلون من أجل أمر ما»، هكذا اختصر غسان كنفاني روح أو جوهر النضال، وهو رؤية الشعب الفلسطيني لفلسطين الغد: فلسطين حرة، ينعم مجتمعها السيد في أرضه، من النهر إلى البحر، بدولته الديمقراطية الواحدة. وتشكل بلورة هذه الرؤية السياسية التحررية، من خلال تقديم خطاب سياسي متماسك وسليم لمخاطبة شعبنا كما لمخاطبة العالم وحتى في حالة مخاطبة العدو، أحد أبرز مواجهة مع العدو، وهو المقاومة الثقافية له. فما هي بعض المصطلحات التي تشكل جزءا من خطابنا التحرري وكيف نحرص على حسن اختيارها وحسن استخدامها وحصر دلالاتها السياسية بدقة ووضوح؟
لا يُعد حسن اختيار واستخدام المصطلحات «ترفا فكريا»، ولا يأتي تحليلها من باب التسلية النظرية أو «حوار الصالونات» التي لن تعيد فلسطين لنا
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
توحي عبارة «الصراع» بمعركة بين طرفين متوازنين إلى حد ما من ناحية القوة و/أو متساويين من ناحية الشرعية. أما الواقع فهو أن كتلة من الوافدين أتوا، مدعومين من القوى العظمى، إلى أرض ليطهروها من سكانها الأصليين ويحلّوا محلهم، وأنهم تحولوا إلى قوة نووية ما زال يواجهها السكان الأصليون باللحم الحي. وصف هذه الحالة بالـ»صراع» هو، تبسيط للعبارة، وصف صهيوني يهدف الى طمس الواقع. لذا، فلنتكلم عن احتلال واستعمار واستيطان فلسطين لا عن صراع فلسطيني إسرائيلي.
الاحتلال
غالبا ما يُقرن احتلال الصهاينة لفلسطين بسرقتهم أراضي وبيوت الفلسطينيين. لكن السرقة بحد ذاتها جريمة وليست احتلالا. فلو تنظم، على سبيل المثال، ألوف اللبنانيين لسرقة بيوت كنديين في كندا لكان اسمهم «عصابة» وليس «محتلين». أما لو قاموا بالسرقة نفسها بهدف إقامة دولة خاصة باللبنانيين أو العرب في كندا لأصبحوا محتلين. فما يجعل الجريمة المنظمة احتلالا هو تحديدا المشروع السياسي الهوياتي الخاص بالمجرمين. على هذا النحو، إن عودة اللاجئين واستعادتهم لممتلكاتهم تفض الخلاف العقاري لكنها لا تُعد تحريرا، فالتحرير يكمن في إفشال المشروع السياسي الصهيوني القائم على تسييس الهوية والقائل «بحق اليهود في إقامة دولة خاصة بهم» على أرض فلسطين. ومن الأجدر بالتالي الإشارة إلى هذا المشروع عند تناول الاحتلال أو سرقة البيوت والأراضي.
التحرير
عرف الميثاق الوطني الفلسطيني «التحرير» حين عرف حدود فلسطين وأكد على وحدة أرضها وحدد هوية مواطنيها وميز بين اليهود الفلسطينيين واليهود الغزاة. وقد تبنت منظمة التحرير الفلسطينية عدة صيغ متشابهة لطرح الدولة الديمقراطية الواحدة فحددت الوجهة التحررية، لتعود وتبدأ بالتخلي عن هذا الطرح المتقدم عند إقرار برنامج «النقاط العشر» وعقد مؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو التطبيعية. وهكذا أصبح مفهوم «التحرير» مبهما ومتناقضا، تارة يشير إلى التفاوض على 22% من الأرض وطورا إلى «رمي اليهود في البحر». لذا الحاجة ملحة للعودة للثوابت الوطنية الفلسطينية ولتحين الفرص لتقديم خطاب يرفق «التحرير» بإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي تحرر الأرض من خلال تفكيك دولة الاستيطان بكل مؤسساتها، وتحرر الإنسان من خلال حماية المجتمع من الفكر الصهيوني وحامليه وتبني الإنسان الفلسطيني الحداثي الحر والذي سيكون لبنة المجتمع في فلسطين الغد. وهذا يحول دون الوقوع في مقاربات تطبيعية من جهة أو هوياتية (معادية لليهود كيهود) من جهة أخرى تحت عنوان «التحرير».
حل الدولتين
لم يكن ممكنا، ولا في يوم من الأيام، لطرح الدولتين أن يكون حلا، وهذا لعدة أسباب، أولها أن إسرائيل لم تنو قط السماح للفلسطينيين بإقامة دولة خاصة بهم إذ أن هذا يتعارض جذريا مع المشروع الصهيوني العامل على تحويل كامل أرض فلسطين التاريخية الى دولة يهودية خالصة. من جهة ثانية، يتعارض هذا الطرح مع الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني على أرضه كاملة وذلك بمنحه للغزاة الاستعماريين حقوقا على جزء من أرض فلسطين دون وجه حق. من جهة ثالثة، يقر طرح الدولتين بشرعية الزعم الصهيوني أن يهود العالم ليسوا مواطنين في دولهم بل قوم واحد صاحب حقوق ومنها حق إقامة دولة خاصة بهم على أرض فلسطين. وهذا يهدد بالتفريط بحق عودة فلسطينيي الشتات وخطر التطهير العرقي لفلسطينيي الـ 48، بحيث يصبح من «الطبيعي» أن يقيم العرب في الدولة العربية واليهود في الدولة اليهودية. وأخيرا، يطبع طرح الدولتين مع النموذج الاستعماري الذي ينظر إلى الدول، لا كأدوات لإدارة شؤون المجتمع، بل كآلات حرب في يد فئة بوجه فئات أخرى، مما يشكل خطرا على وحدة وتماسك مجتمعات المنطقة، المُصابة أصلا بآفة التفكك الطائفي والانقسامات الهوياتية. لذا من الأجدر التكلم عن «طرح» الدولتين وليس عن «حل» الدولتين.
الاستقلال
تضمر فكرة «الاستقلال» وجود كيان ما نسعى للاستقلال عنه. لذا تتخذ مفردة الاستقلال كامل معناها في سياق نضال شعب مُحتَل للتحرر من سلطة دولة خارجية تستعمره، كالنضال الجزائري للتحرر من سلطة فرنسا والاستقلال عنها. أما في حالة فلسطين، فالمحتل ليس دولة خارجية، بل مجموعة من المستعمرين أقاموا دولتهم بالقوة على أرض فلسطين نفسها. والنضال ليس، بالتالي، سعي للاستقلال عن دولة إسرائيل، بل مخاصمة شرعيتها من الأساس. لذا، إن الإشارة إلى اسم الدولة التي نناضل من أجلها (فلسطين، لا إسرائيل) وشكلها (ديمقراطية علمانية، لا صهيونية يهودية) ومساحتها الجغرافية (من النهر إلى البحر) تتصل على نحو أدق بجوهر الحق الفلسطيني بأرضه وبجوهر النضال ووجهته.
الأبرتهايد
يشير الأبرتهايد إلى الفصل العنصري داخل مجتمع ما. أما دولة إسرائيل فلم تسع لممارسة الفصل العنصري ما بين المجموعات السكانية القائمة تحت سيادتها فحسب، بل لتصفية المجتمع الفلسطيني واحلال مجتمع استيطاني محله. وهذا المسعى مستمر من خلال رفضها لعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم فيما تمنح الجنسية الإسرائيلية لكل يهود العالم. فلو سعت سويسرا، على سبيل المثال، لمنح امتيازات مدنية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية خاصة بمواطنيها الكاثوليك أو الملحدين أو الجرمانيين أو الرومنشيين لكان يجوز وصفها سياساتها هذه بالأبرتهايد، لكنها لا تكون دولة استعمار استيطاني إحلالي. لذا نحرص إلا نختصر وصف إسرائيل بدولة أبرتهايد.
عرب إسرائيل أو عرب الـ48
تجرد هذه العبارات الفلسطينيين الناجين من عمليات التطهير العرقي من هويتهم الفلسطينية وتفصلهم عن مجتمعهم وتقدمهم على إنهم «أقلية عرقية في إسرائيل» لا سكان الأرض الأصليين. وهي بالتالي جزء من سعي العدو الاستيطاني لمسح المجتمع الفلسطيني وإحلال محله. يكون ردنا باستخدام مصطلحات تؤكد الهوية الفلسطينية لهذه الشريحة من الفلسطينيين مثل فلسطينيو الـ48 أو فلسطينيو الداخل، أو، متى كان هناك حاجة للإشارة إلى جنسيتهم الإسرائيلية، الفلسطينيون الحاملون الجنسية الإسرائيلية أو الفلسطينيون المجنسون قسرا.
العرب/اليهود والتوصيفات الهوياتية الأخرى
غالبا ما تصور القضية الفلسطينية على أنها مسألة «عرب ضد يهود». إلا أن هذه المقاربة الهوياتية تفتقر للدقة: فاليهود الفلسطينيون قبل قيام المشروع الصهيوني كانوا جزءا عضويا من المجتمع الفلسطيني التعددي، في حين أن المزراحيم عرب ولكنهم محتلون بحُكم قدومهم لفلسطين ضمن مشروع استعماري. إن المسألة بجوهرها هي مسألة احتلال واستيطان ولا علاقة لها بالدين أو العرق أو الثقافة أو الهوية. وفي واقع الحال، إن تبني خطاب يقوم على مقولات العرب واليهود يقع في الفخ الصهيوني إذ أنه يوحي بأن الصراع قائم على اختلافات دينية أو ثقافية، مما يحرف النظر عن جوهره كنضال تحرري لسكان أصليين بوجه مشروع استيطاني إحلالي، ويضفي (ولو عن غير قصد) شرعية على الإيديولوجية الصهيونية القائمة على التمييز القسري المُصطنَع لليهود كيهود ينتمون الى «أمة» و»قومية» يهودية مُدعاة. لذا، من الأدق تصوير الكتلتين الموجودتين على أرض فلسطين على أنهما «السكان الأصليون» بمختلف دياناتهم وطوائفهم وأولئك من «الطارئين» أو «الوافدين» ممن حملتهم الغزوة الصهيونية لفلسطين؛ وتصوير الاحتلال على أنه خيار هؤلاء الوافدين أن يكونوا مستوطنين، أي أن يلجأوا للحرب والعنف لحل محل المجتمع الفلسطيني، عوض خيار الاندماج في المجتمع الفلسطيني وفق ما تمليه الشروط التي يضعها هذا المجتمع الأصلاني السيد في دياره، أي تحت سلطة الدولة الفلسطينية، حالهم في ذلك حال أي مهاجر أو مهاجرة في العالم. وهذا الخيار من قبل الوافدين المستوطنين هو ما يضع أمام السكان الأصليين ممارسة حقهم في المقاومة بجميع أشكالها للمشروع الاستيطاني الإحلالي وللمدافعين عنه.
لا يُعَد حسن اختيار واستخدام المصطلحات «ترفا فكريا»، ولا يأتي تحليلها من باب التسلية النظرية أو «حوار الصالونات» التي لن تعيد فلسطين لنا، بل أن تقديم سردية سليمة ومتينة، اُختيرت حججها بعناية، وتتفوق أخلاقيا وثقافيا على «منطق» العدو، ما يعد جزءا لا يتجزأ من المواجهة ويؤثر بشكل مباشر على موازين القوى، فيدحض بروباغندا العدو ويقنع المترددين ويمكن المناضلين والحلفاء.
ومن هنا أهمية تمعننا في خطابنا السياسي وفتح باب النقاش في ما بيننا حول كيفية مقاومة العدو الثقافية من خلال الاستخدام الدقيق للمصطلحات، موازاة لـ وتكاملا مع، كل أشكال النضال.