محمد دوير يكتب.. المثقفون و النهر

profile
د.محمد دوير باحث فلسفي
  • clock 12 أبريل 2021, 11:17:43 م
  • eye 692
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

.. في حالات نادرة ، يتراجع التاريخ وتبدأ عجلته بالدوران للخلف. فبينما تتقدم العلوم وتتطور التكنولوجيا في اتجاه تسخير قوي الطبيعة لصالح رفاهية الانسان، وبينما يغزو البشر المناطق غير المأهولة، وأعماق المحيطات والفضاء بحثا عن مناطق نفوذ جديدة واستخراج مزيد من ممكنات الحياة؛ نجد علي النقيض من ذلك،  حالات – هي نادرة عموما – يصبح فيها البشر مضطرون للعيش وفق مستجدات ومتغيرات تبدو قاسية أو غير معتادة..فبلدان الخليج تبحث الآن الحياة ما بعد نفاذ البترول،ويتصور بعض المحللين والمتخصصين الحياة في بلدان كثيرة بعد نفاذ الغاز الطبيعي،وكان هذا السؤال مطروحا علي بلدان أوربا حينما كانت تستخدم الفحم في التولد الوقودي، حتي انقذ العلماء الموقف حينما اخترعوا الآلة البخارية، ثم الكهرباء ، ثم الطاقة النووية، فالشمسية...الخ. وأعتقد أن سؤال المستقبل فرضه نفسه جراء ما يحدث في مشكلات حول مياه النيل الآن.


.. ولم تكن المياة بالنسبة للبلدان ذات النهر تشكل مشكلة كبري في تدبير شئون حياتهم، وكان النيل بوصفه ظاهرة طبيعية، في سريانه وامتداده ، هو الشخصية الأبرز في شرق افريقيا، فتشكلت حضارات مختلفة، وقديمة بصورة مذهلة حتي قيل أن أول انسان وجود له أثر كان في اثيوبيا ، وقيل في كينيا.


.. كان النهر، هو السلطة المركزية، التي باستطاعتها تطويع البشر لقواعده وسننه، ومن التشكل المناخي تشكلت طبائع البشر، وسماتهم وملامحهم وتكوينهم الجسدي والمزاجي.


.. وعندما يقرر التاريخ التراجع للخلف، ويتنازل النهر علي القيام بدور الأب، الراعي، الإله المتجسد في صورة هيكل حضاري امتد لأكثر من عشرة آلاف سنة، حينئذ يجب أو ينبغي أن تبدأ النخب بكافة مستوياتها التخصصية في بحث ودراسة انعكاس تغير ملامح النهر علي الشخصية الحضارية للانسان المصري. 


.. عندما نشأ النزاع التاريخي بين فرنسا وألمانيا علي اقليم الألزاس واللورين، فتح الفلاسفة والمفكرون صفحاتهم للكتابة في موضوع الهوية والمواطنة ، وطرحوا سؤال مهم هل الهوية يحكمها عنصر اللغة أم الأرض ؟ كان السؤال حاسما في بيان كيف تتوافق النخبة مع تحديات عصرها ومشكلات مجتمعاتها.ومنذ فترة بعيدة طرحت النخب العربية اشكال مهم، هل نحن نعيش في ظل حضارة عربية أم اسلامية ؟


.. وعندما يتراجع النهر، ويتعرض لخطر كالذي نحيا في ظله الآن، ما هو الدور الذي ينبغي علي المثقفين القيام به والسؤال الواجب طرحه الآن ؟ إنه سؤال الأثر المنعكس علي ملامح الشخصية المصرية.. سؤال متعلق بموت الأب أو بمرضه.. 


.. أسوأ ما يمكن أن أتوقعه.. هو اعتبار قضية النهر مسألة قانونية تختص فقط بمواثيق دولية أو اقليمية.. فربما يصح هذا التفكير مع مشكلة مثل طابا ، أو حلايب وشلاتين..مثلا.. ولكن فيما يتعلق بالنهر فالموضوع مؤكد وحتما متصل بسؤال الهوية، وملامح الشخصية المصرية واهتزاز نقطة الارتكاز التاريخية التي تأسست انطلاقا منها كل ما يتعلق بحياة المصريين وبعثهم في الحياة الآخرة.

التعليقات (0)