- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
محمد سيف الدولة يكتب الردة المستحيلة
محمد سيف الدولة يكتب الردة المستحيلة
- 9 أبريل 2021, 9:05:16 م
- 884
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مصر والردة المستحيلة لما قبل الميلاد
ان الذين يتصيدون اى حدث أو مناسبة ولو كان استعراضا ناجحا نظمته الدولة للترويج عالميا للآثار والسياحة المصرية، ويحاولون توظيفها فى تضليل الشباب والاجيال الجديدة وتشكيكهم فى هويتهم الوطنية والقومية والحضارية الثابتة والمستقرة منذ قرون طويلة، سيفشلون فشلا ذريعا كما فشل الذين من قبلهم.
فمنذ بدايات عصر كامب ديفيد، يدور فى مصر صراع شرس على انتماء مصر العربى وهويتها الحضارية ودورها فى التصدى للعدوين الامريكى والصهيونى.
أنصار كامب ديفيد واصدقاء امريكا يعادون العروبة، تحت رعاية السلطة وفى حمايتها.
وباقى الشعب وقواه الوطنية يدافعون عن وحدة الامة ووحدة قضاياها ومعاركها، مسلحون بالشرعية التاريخية ونصوص الدستور.
وهو صراع مستمر لم يتوقف لحظة، ولكنه يشتد ويحتد فى اوقات العدوان على اى طرف عربى؛ فنغضب نحن ونطالب بالتدخل والمساندة والمشاركة وقطع العلاقات وغلق السفارات والغاء المعاهدات والعودة الى الصف العربى.
ويصمتون هم ويتجاهلون او يتواطأون وينادون بضبط النفس والحكمة وبر الامان.
وفى سبيل تبرير مواقفهم المراوغة، يكذبون فيقلبون الحقائق ويزيفون التاريخ.
ومن اجل ذلك يوظفون اعدادا من الكتاب والمثقفين ليديروا لهم الجانب الفكرى من الصراع.
ومن اول هؤلاء، كان توفيق الحكيم عندما كتب عام 1978 مقالا بعنوان "مصر والحياد" طالب فيه بأن على مصر ان تقف على الحياد بين العرب و(اسرائيل) كما وقفت سويسرا على الحياد فى الحرب العالمية الثانية. فمصر ليست عربية. وانضم اليه حسين فوزى ولويس عوض يؤكدون ما قاله ويتحدثون عن الغزو العربى الاسلامى لمصر، وعن مصر الفرعونية وحضارة 5000 سنة ..الخ. وتصدى لهم احمد بهاء الدين ورجاء النقاش وآخرون. وكانت معركة شهيرة انتصر فيها فى ذلك الحين شرفاء الامة لهويتها وعروبتها.
وتكررت هذه الحملات مع كل عدوان على أى جزء من الامة خلال الأربعة عقود الماضية، فهم يريدون ابراء ذمتهم من اى مسئولية للدفاع عن الشعب العربى، بحجة اننا لسنا منهم، وهم ليسوا منا.
وأبناؤنا هم أول ضحايا لهذه الاكاذيب، فقد يصدقونها ويعتقدون بان مصر أمة قائمة بذاتها، ليس لها شأن بما يدور حولها.
إلى هؤلاء الأبناء الأعزاء، سأحاول ان أقدم قراءة موضوعية لتاريخ مصر الحقيقى لكى يعلموا من نحن وما هى امتنا وما هى هويتنا؟ حتى لا يضلوا الطريق.
وسأبدأ بالجدول التالى الذى يلخص فترات احتلال مصر قبل الفتح العربى:
احتل الهكسوس مصر 108 عاما متصلة من عام 1675 ق.م الى عام 1567 ق.م
واحتلتها قبائل ليبية 220 عاما من 950 ق.م الى 730 ق.م
ثم احتلتها قبائل جنوبية لمدة 95 عاما من 751 ق.م الى 656 ق.م
ثم احتلها الفرس 130عاما من 525 ق.م الى 404 ق.م، ومن 341 ق.م الى 332 ق.م
ثم جاءت عصور الاحتلال الأوروبي:
التى بدأت بالاسكندر والبطالمة الذين احتلوا مصر 302 عاما من 332 ق.م الى 30 ق.م
ثم جاء الرومان فاحتلوها 425 عاما من 30 ق.م الى 395 م
ثم أخذها البيزنطيون بعد تقسيم الإمبراطورية الرومانية واحتلوها 247 عاما من 395 م الى 642 م
وما حدث مع مصر حدث مثله وأكثر مع كافة اقطار المنطقة فى تلك الأزمان.
من الجدول السابق يتضح لنا الآتى:
ان الحضارة المصرية القديمة "العظيمة" بدأت تضعف وتندثر منذ الالف الاول قبل الميلاد وبدأت مصر تدريجيا تفقد المقدرة على الاحتفاظ باستقلالها الى ان فقدته تماما ولمدة الف سنة تقريبا فى الفترة قبل الفتح الاسلامى.
وقبل ذلك وحتى فى فترات تحررها، كانت مصر دائما مشتبكة فى حروب ومعارك للدفاع عن وجودها وامنها وحدودها ضد الاعداء الخارجيين.
وكان هذا مؤشرا ودليلا ان هذه الارض الطيبة، عليها ان تبحث عن مصيرها وامنها داخل نسيج اكبر اوسع منها، يضمها هى وجيرانها الذين لم تختلف ظروفهم كثيرا، حتى تستطيع ان تتصدى للحملات العدوانية المتكررة القادمة من الضفة الأخرى من البحر الابيض المتوسط. وان تحتفظ باستقلالها بعد ان تحققه، وان تصنع نقلة نوعية حضارية جديدة قادرة على المنافسة والبقاء فى عالم اصبح شديد المراس.
ولكن من اين لها ذلك؟
جاءت الاجابة مع الفتح العربى الاسلامى الذى نجح خلال بضعة قرون قليلة فى فتح كل هذه الاقطار وتحريرها من الاحتلال الاوروبى الطويل، وتأسيس دولة امبراطورية مركزية كبرى، صهر فيها الجميع، لتخرج الى الوجود امة وليدة جديدة لسانها عربى هضمت واستوعبت كل ما كان قائما وموجودا على هذه الارض الشاسعة والممتدة، ولكنها اكثر تطورا.
واصبحت مصر جزءا لا يتجزأ من كل ذلك.
ولأول مرة تنتقل حدودها الآمنة بعيدا عنها الى اقاصى الشرق والغرب والجنوب، ولتتبوأ بسبب ذلك مكانة القلب من هذه الامة الوليدة الفتية.
فمصرنا القوية القائدة التى يفخر بها العرب والمسلمون وكل شعوب العالم، لم تصبح كذلك الا بسبب انتماءها الجديد الى امتها الاوسع والارحب بعد الفتح العربى الاسلامى.
وظهرت هذه المكانة الخاصة بوضوح فى اثناء الحروب الصليبية 1096 ــ 1291 التى انكسرت فيها قوى العدوان على ايادى جيوش عربية اسلامية تحت قيادة مصرية، وبعض التذكرة مفيد:
فى عام 1187 نجح صلاح الدين الايوبى، بعد ان وحد مصر وسوريا وشمال العراق، فى ان يحرر القدس وعكا ويافا وصيدا وبيروت وعسقلان.
بين اعوام 1217 و1221 فشلت الحملة الصليبية الخامسة فى احتلال مصر.
فى عام 1244 نجح الصالح ايوب حاكم مصر وبجيش عربى فى تحرير القدس مرة اخرى بعد ان كان قد اعيد احتلالها فى عهد السلطان الكامل عام 1228.
فى عام 1250 فشلت الحملة الصليبية الأخيرة بقيادة لويس التاسع فى احتلال مصر وتم اسر الملك الفرنسي.
فى عام 1261 نجح قطز حاكم مصر وبقيادة جيش عربى فى هزيمة التتار فى معركة عين جالوت بعد سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية عام 1258.
فى عام 1286 حرر السلطان بيبرس حاكم مصر انطاكية والكرك وقيسارية وارسوف ويافا.
فى عام 1289 استولى السلطان قلاوون حاكم مصر على امارة طرابلس واللاذقية
فى عام 1291 حرر السلطان الاشرف خليل بن قلاوون حاكم مصر صور وحيفا وبيروت وعكا لتتحرر بذلك آخر إمارة صليبية.
هذا هو مختصر دروس التاريخ عن مصر والفتح الاسلامى والامة العربية والعدوان الاجنبى. وهى دروس وعاها جيدا قادة العدوان الغربى الحديث منذ قرنين من الزمان، وتحركوا على هديها ولا يزالون .
فها هو نابليون وهو بصدد السعى لضرب المصالح البريطانية فى الشرق، يختار مصر ليبدأ بها ويحاول احتلالها عام 1798. وتفشل محاولته بسبب المقاومة الوطنية وبسبب عدم سماح الانجليز له بذلك، وضربهم لاسطوله فى الاسكندرية.
ثم تتأكد هذه المكانة ثانية على يد محمد على حاكم مصر، الذى حاول تجديد شباب الامة بتاسيس دولة فتية جديدة تخلف الدولة العثمانية وتضم الحجاز والشام والسودان، فتجتمع الدول الغربية وتحاربه وتنتصر عليه وتوقع معه " معاهدة كامب ديفيد الاولى " المشهورة باسم معاهدة لندن عام 1840، و التى سيسمحون له فيها بحكم مصر وتوريثها لذريته بشرط عدم الخروج الى العالمين العربى والاسلامى والانعزال عنهما تماما.
وبعد عزل مصر محمد على، تم احتلال معظم الاقطار العربية، ثم العودة الى مصر ذاتها لاحتلالها عام 1882.
وكانت هذه هى باكورة مشروعات تقسيم وتجزئة الامة العربية التى اكتملت فى ترتيبات الحرب العالمية الاولى بمعاهدة سايكس بيكو وصكوك الانتداب الانجليزية الفرنسية الايطالية على اقطارنا. وتوطدت بزرع الكيان الصهيونى. وهى الترتيبات التى لم ننجح حتى الآن من التحرر من آثارها.
ومع بدية حركات التحرر الوطنى بعد الحرب العالمية الثانية بدأت الامة العربية تستعيد ادراكها ووعيها بهويتها، فتحررت معظم الاقطار ما عدا فلسطين. وتم تأسيس جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامى، وتضامن العرب فى حروب 1948 و1956 و1967 و1973 والتفوا معا حول قضية مركزية هى قضية فلسطين. وتوحدوا ضد العدو الصهيونى وانشأوا اتفافية الدفاع العربى المشترك ..الى آخره .
ولكن هذه الصحوة المؤقتة والناقصة سرعان ما ضربت مع انسحاب مصر من ميدان المعركة وانعزالها وعزلها عن امتها العربية بعد حرب 1973 بموجب اتفاقيات السلام المصرية الاسرائيلية المشهورة باسم كامب ديفيد.
وبانسحاب مصر توالت الهزائم العربية: فطُرِّدت قوات المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982، واعترفت قيادتهم باسرائيل، وتنازلت عن 78 % من فلسطين عام 1993، وعجزت باقى دول الطوق العربية عن مواجهة (اسرائيل) بدون مصر، وانتقل الصراع ضد الصهاينة الى صراع عربى ــ عربى، واحتلت امريكا العراق 2003، وتغولت (اسرائيل) وتكررت اعتداءتها على لبنان وسوريا وابتلعت واستوطنت مزيد من الارض الفلسطينية. ونشطت مشاريع التفتيت فى السودان ولبنان والعراق.
وانتقل الضعف الى مصر ذاتها وتراجع دورها الإقليمي، وفقدت ارادتها الوطنية، وسقطت فى التبعية للولايات المتحدة الامريكية
انه نفس الدرس التاريخى القديم الجديد، ان انعزلت مصرعن الامتين العربية والاسلامية، يضعف الجميع وينتصر الأعداء، وتحتل الأوطان.
ان عزل مصر هو هدف دائم لأعداء الامة، وهو عودة فاشلة ومستحيلة الى عصور ما قبل الميلاد، عصور ما قبل الفتح العربى الاسلامى، عصور ظلت مصر خلالها محتلة ألف عاما متصلة.
((الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها)) من نص المادة الاولى فى الدستور المصرى.