- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
محمد عايش يكتب: حرب السودان نتيجة طبيعية لحُكم العسكر
محمد عايش يكتب: حرب السودان نتيجة طبيعية لحُكم العسكر
- 18 أبريل 2023, 5:54:28 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الحرب التي اندلعت في السودان أخيراً والتي لا يعلم إلا الله كم ستستمر وإلى أين ستؤدي بالبلاد والعباد، إنما هي نتيجة حتمية وطبيعية لحكم العسكر، الذين يتصارعون على السلطة والكراسي والمصالح المتضاربة، وهي بطبيعة الحال امتداد لواقع بائس في عالمنا العربي، سببه تدخل الجيش في السياسة والحُكم، وانشغاله في الحُكم بدلاً من الالتفات لحماية البلاد ومن فيها.
الخلاف بين البرهان وحميدتي ليس أمراً مفاجئاً لمن يتابع الشأن السوداني، فهو قنبلة موقوتة كان من المتوقع أن تنفجر في أية لحظة، حيث يوجد في السودان جيشان، الأول هو الجيش النظامي الطبيعي الذي يقوده الجنرال عبد الفتاح البرهان الذي يحكم السودان منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير، والثاني هو «قوات الدعم السريع» التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي تحالف مع البرهان، ويشارك في حُكم البلاد ضمن المجلس العسكري الذي تولى مهامه بعد الإطاحة بالبشير وإيداعه السجن.
«قوات الدعم السريع» كانت في الأساس ميليشيا خارجة عن القانون، لكنها تحالفت مع النظام أو أنها كانت صنيعة النظام الذي استخدمها في حرب دارفور، وكانت هذه الميليشيا واحدة من الأسباب التي جعلت البشير مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية، لكن المهم في كل هذه القصة أن النظام السياسي عندما يكون عسكرياً فإنه يتبنى على الدوام الحلول الدموية والخيارات العنيفة، حتى لو أراد النأي بنفسه عن صراع ما، وهو ما حدث في دارفور، عندما لجأ البشير إلى تأسيس ميليشيا يدفع السودانيون اليوم ثمناً غالياً لوجودها عبر هذا الصراع الدموي بينها وبين الجيش.
الدول التي يتم تداول السلطة فيها عبر الانقلابات العسكرية، ويحكمها العسكر بقوة السلاح تعاني على الدوام من أزمات خانقة ومرعبة
والخلاف الأخير الذي أدى إلى هذه المعركة سببه أن البرهان يريد ضم «قوات التدخل السريع» إلى صفوف الجيش وهو ما يرفضه حميدتي، ما يعني أن الخلاف بينهما يتعلق بتقاسم الكعكة والهيمنة على البلاد، إذ لا يريد حميدتي التنازل عن مكاسبه التي ورثها من نظام البشير، بينما يريد البرهان أن يستأثر بالسلطة كاملة ويقول للناس «أنا ربكم الأعلى».. وبينما يدور هذا الصراع الذي لا شك في أن له امتدادات وتحالفات دولية وإقليمية، فإن المدنيين الأبرياء يدفعون الثمن في بلد يعاني أصلاً من أوضاع صعبة، وسوف تؤدي الحرب إلى تفاقمها وتدهورها أكثر. ما يحصل في العالم العربي هو أن الناس يدفعون ثمن الانقلابات العسكرية، ويدفعون ضريبة حكم العسكر المستمر منذ عقود، والصحيح أن التجارب والشواهد التاريخية تؤكد أن الجيش لم يتدخل في السياسة إلا وأفسدها، سواء في بلادنا العربية أو غيرها، لأن قوة السلاح مفسدة لحاملها، لذلك فإن الجيش مكانه في الثكنات وعلى الثغور والحدود، يحمي البلاد لكنه لا يتدخل في العمل السياسي، لأن تدخله في السياسة يعني أنه سيحسم أي خلاف مع خصومه بالعنف والقوة، وهو صاحب الغلبة على الدوام بسبب وجود السلاح والرجال. ولذلك ففي الدول المتقدمة لا يُمكن أن يشارك الجيش في العمل السياسي، كما لا يُمكن أن ينحاز لأي فريق أو حزب أو طائفة.
الدول التي يتم تداول السلطة فيها عبر الانقلابات العسكرية، ويحكمها العسكر بقوة السلاح تعاني على الدوام من أزمات خانقة ومرعبة، أقلها أن الاقتصاد لا يُمكن أن تقوم له قائمة مهما كانت البلاد غنية، وهذا ما حدث أصلاً في السودان عندما أطيح بالرئيس عمر البشير (كان عسكرياً) حيث كانت الاحتجاجات ناتجة عن انهيار العملة المحلية، وتدهور الوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار، وكان السودان قد سجل ثاني أكبر نسبة تضخم في العالم على الإطلاق، وأعلى نسبة تضخم في العالم العربي بأكمله، وكان هذا نتيجة للحكم العسكري الذي يقوده البشير، ونتيجة للحسم العنيف لأزمات البلاد الداخلية. يحتاج العالم العربي – وليس السودان فقط – حكماً مدنياً وإدارة رشيدة ومن ثم يحتاج إلى تحول ديمقراطي سلمي وتدريجي يُعيد للناس الحريات ويحفظ لهم حقوقهم ويُنعش اقتصادهم، ومن ثم تتحسن الحياة العامة وتتجه نحو الأفضل، أما تداول العسكر على السلطة فليس له سوى معنى واحد، وهو أن المعاناة يتم تدويرها، وأن الناس في بلادنا كالمستجير من الرمضاءِ بالنارِ، يخرجون من حفرة إلى أخرى ومن أزمة إلى أزمة، ومن حرب إلى أخرى.. والله المستعان.