- ℃ 11 تركيا
- 17 نوفمبر 2024
محند أمقران عبدلي يكتب: وجوه من شمال إفريقيا 1 سعادة السفير
محند أمقران عبدلي يكتب: وجوه من شمال إفريقيا 1 سعادة السفير
- 17 نوفمبر 2024, 4:07:40 م
- 96
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
محند أمقران عبدلي
بين جمهورية الرمال كما تقول كاراتيني و شساعة صحراء تندوف الجزائرية التي تحتضنهم منذ مايقارب نصف قرن ، تمتد مخيمات العزة و الكرامة أو مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف ، هي عزيزة و كريمة على أي زائر، متضامن وجاد ، إن كنت محبا و مطلعا على قضية هذا الشعب و مسلحابالإيجابية و حب الاكتشاف و البحث و التدبر فطوبى لك من زائر.
الثقافة الحسانية متأصلة في شمال إفريقيا و إمتداداتها عابرة للحدود ،الثقافة الشعبية من أمثال و حكم و شعر و كلام موزون و موسيقى تأخذك بلا أدنى شك لتلامس حكاية هذا الشعب المناضل ، القنوع،الصبور .
تعرفت على سعادة السفير ، و هو اللقب الذي أطلقه منذ مدة على الفنان الصحراوي محمد سليمان لبات . في إحدى الإقامات الجامعية بولاية باتنة الجزائرية أين كان يزاول دراسته في جامعة نفس المدينة في تخصص الأدب و اللغة الإنجليزية .
أول لقاء بيننا كان وديا ،ابتسامة و سلام و دعوة للشاي ، و جلسة الشاي أو حلقة الشاي لدى الصحراويين ،فرصة للتعارف ،للتآلف،للتحاور و التدبر في الحياة و القضية .لها آدابها ورمزياتها و عمقها التاريخي و الإجتماعي . بدأت التعرف على محمد سليمان الطالب الجامعي ،و كان هذا اللقاء أول لبنة في مسار الإهتمام بهذا الشعب الذي نحتضنه و لا نعرف عنه الكثير للأسف ، ترسخت في عقيدتي أن معرفة الشعب الصحراوي و القضية الصحراوية لا يتم إلا بأمثال محمد سليمان . شاب مرتبط بثقافته و أصوله و قضيته ،مبدع في تصوراته ، قد تلاحظ في مساره عبثية و لكن عبثية محمودة ،حاملة لنظرة جديدة للنضال الذكي المستدام .
زرته أول مرة ،بمناسبة إلتحاقي بالعمل الإنساني في مخيمات اللاجئين الصحراويين ،لحساب منظمة إنسانية غير حكومية إيطالية . كانت مناسبة لأنهل من مخيمات الصحراويين المزيد من المعرفة و الدراية بالقضية الصحراوية و خاصة ببنيات المجتمع الصحراوي المذهل .
توالت الزيارات و تعددت ، و الحقيقة أني بعد الجلسات مع محمد سليمان و عائلته ،كنت أمضي ساعات طوال ،داخل خيمة الضيافة ،أو بالقرب منها متأملا ، متدبرا ،ملاحظا، معجبا و ناقدا . حكاية هذه العائلة تختصر لك نضالات شعب بأكمله ، كنت أقضي أوقاتا ممتعة مع والد محمد سليمان ، في التدبر في أصول التسميات الصحراوية أو طوبونيميا الصحراء الغربية ،و كلما وقفنا على أصول أو نطق أمازيغي للأسماء الصحراوية نضحك كثيرا ،ضحكة المودة و التآزر و الإنتماء لنفس الأرض الأصيلة ،أرض تامزغا.
محمد سليمان ،كان يشاركنا الضحك و النقاش حول أصول الأماكن و تسمياتها .لتضيف لنا إطلالة والدة محمد سليمان البهية ، قدسية من نوع خاص .
قدسية الإنتماء و النضال ، هنا مكانة المرأة في هذا المجتمع مصونة و محفوظة ، ملهمة حقا ،لقد نسيت قراءاتي المتعددة عن النسوية الجديدة و الجندرية لأبدأ مسارا آخر في القراءة و التدبر حول المرأة الصحراوية و نضالاتها .
محمد سليمان يهتم بالشجر و الحجر و الماء و حبيبات الرمل و بالخردوات و القمامات التي أصبحت كثيرة في المخيمات ، فالمساعدات الإنسانية القليلة الآتية للمخيمات تخلف معلبات و قمامات ،يلامسها محمد سليمان فتصبح مادة فنية و تكوينية حول الرسكلة الفنية للنفايات ، قد تكون على شكل موجة أو صورة معبرة عن تأثيرات جانبية للمساعدات الإنسانية .
يبحث كذلك في البناء في مثل هذه المناطق الصعبة التي تحتضنهم و كذلك في طرق إقتصاد و تدوير الماء و التوجه للمزارع العائلية التضامنية ،لبعث الأمل بالممكن . هنا المستحيل لا محل له من الإعراب ،و لم يسبق أن تناولته الألسن خلال زياراتي .
يواصل فناننا محمد سليمان إهتمامه بالخيمة الصحراوية فيبدع في حملها و السفر بها ،للتعبير عن عبقرية صحراوية متجذرة و متميزة ، فالخيمة الصحراوية رمز الوجود و النضال . لا يتوقف هنا ،فالاهتمام بمناخ الصحراء الغربية أو في المخيمات باعث على التدبر في الملكوت ، العاصفة الرملية عند محمد سليمان هي ظاهرة علمية ،مناخية،طبيعية لابد منها لاستمرار الحياة و استدامة التفاعل بين الإنسان و بيئته تناغما و انسجاما و ليس تناطحا و بهتانا.
لقبته بسعادة السفير ،لأنه يعبر بطريقة متميزة و مبدعة عن الإنسان الصحراوي ،في مخيمات اللاجئين بتندوف ، في المهجر ،في الأراضي المحررة أو على مستوى الجبهة. أعماله ترمز لمواطنة ذكية من مكان و مستوى آخر غير معهود ربما بالنسبة للكثير من متتبعي مسار القضية الصحراوية و لكنها تجربة جديدة و جدية طرحها تكمن في أنها مبدعة و عابرة للأطر المعهودة في النضال أو التمثيل الدبلوماسي .
شكرا لك سعادة السفير