- ℃ 11 تركيا
- 18 ديسمبر 2024
محند امقران يكتب: معضلات التنمية.. نساء على الهامش
محند امقران يكتب: معضلات التنمية.. نساء على الهامش
- 10 مارس 2022, 4:26:01 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من معاني التنمية ،مشاركة المواطن من اي موقع كان في أحداث التطور و المساهمة فيه ،ويرتبط هذا المسعى بالتفاعل الحاصل على مستوى العلاقات بين مؤسسات الدولة مؤسسات البحث و التكوين و بنيات المجتمع المدني ،و هذا في إطار تشاركي ،تفاعلي غايته الوقوف على الاعطاب و المساهمة في تذليل الصعاب وهذا كله يتم ضمن حركة اجتماعية إبداعية، تسمح للمواطن بأن يكون فعالا و مشاركة في مسار تشاوري ضمن ما يسمى الذكاء الاجتماعي المواطني . لعل من معضلات التنمية في البلدان المغاربية ،الوصول إلى درجة من التشاركية الفعلية بين كل أطياف المجتمع ،دون استثناء ،متجاوزين كل العقبات المتعلقة ببنية المجتمعات القبلية ،الذكورية ،مراكز التسلط الأسري او المجتمعي،خاصة في مجتمعات الريف. من أهداف التنمية ،الاهتمام بالفرد ،من التنشئة الاجتماعية إلى التحصيل العلمي الجيد ،الذي يسمح له بالانخراط في مسارات التنمية بشكل عام و على مستوى الجوانب المهنية او الالتزامات المدنية و الاجتماعية بشكل خاص . فالمواطنون متساوون مبدئيا في هذا المسعى ،لكن الواقع يخبرنا عكس ذلك ،عن الفروقات الموجودة في التنمية حسب الجهة و حسب سلم العلاقات الاجتماعية و علاقات الرجل بالمرأة، خاصة عند مجتمعات شمال أفريقيا و الشرق الأوسط.
تمثل مشاركة المرأة، معلما من معالم تقييم محاولات التنمية او مساعي إشراك المجتمع في المشاريع التنموية ضمن إطار تشاركي، فما يسمى بالأنظمة التقليدية للحكامة المحلية ك "تاجماعث" او الجماعة في بلاد القباءل بالجزائر او مجالس الاعيان في بلاد المزاب في مدينة غرداية الجزائرية و قصورها ،لا يعبر عن المسعى التشاركي في تسيير الشأن المحلي ،فالهالة المحيطة بهذه المؤسسات التقليدية التي عرفت اندثارا شبه كلي في بلاد القباءل مثلا ،لا تعدو ان تكون وسيلة من وسائل تكريس الحكم الذكوري التسلطي في المجتمع .رغم التحولات الاجتماعية الحاصلة و التي ابرزت دورا متناميا للمرأة في المجتمع الجزائري في الارياف و المدن ،رغم الفروقات التي يمكن أن تظهر للعيان في الولوج لفرص العمل و تثمين الكفاءات النسوية و ظهور المرفق العام كساحة تنافسية بين المرأة و الرجل ،و من هذه الزاوية يمكننا أن نستشف مكمن الخلل في المجتمعات المتداركة الشقاء و التي تحاول الخروج من بوتقة التخلف المرتبط بالنظرة إلى الفرد كفاعل في التنمية و غياب المساواة في فرص المساهمة في التنمية بين المرأة و الرجل ،هذه الفروقات نجدها عميقة في الارياف التي ذاقت ويلات الحربين ،حرب التحرير و الحرب الأهلية و التي كانت من مخلفاتها غياب رؤية واقعية و عقلانية لدور الفرد في التنمية خاصة المرأة.
التنمية بدون المرأة
لم تهتم سياسات التنمية بمكانة الفرد في المجتمع ،خاصة المرأة التي لم تفرد لها برامج خاصة للنهوض بدورها و تثمينه ،خاصة أمام التراكمية السلبية المذهلة التي ادت إلى تراجع دورها في المجتمع .فلا يمكننا الحديث عن التنمية دون الالتفات لدور مهم للمرأة عبر الحقب،عبر الأزمات و عبر المراحل الانتقالية التي عرفها بلد بحجم الجزائر مثلا .بقيت السياسات التنموية حبرا على ورق ،حبيسة ادراج المؤسسات البيروقراطية و بقي دور المرأة خاصة الريفية حبيس الخطابات السياسوية العرجاء ،وحديث الصالونات و النخب الانتهازية ،الشيء الذي لم يمكن جل المؤسسات من المساهمة في أحداث آثار للتنمية.
تنبهنا الدراسات المسحية الاجتماعية و الزيارات الميدانية التي نقوم بها بصورة منتظمة و بمقاربة تأملية،نضالية و تحليلية إلى تردي مشاريع التنمية و عدم نجاعتها،على اختلاف توجهاتها و مشاربها.و الهيئات المكلفة بتنفيذها و الممولين المتدخلين في هذه المشاريع،سواءا اكانوا محليين او ممولين اجانب على شكل منظمات حكومية او غير حكومية ،برامج تابعة للإتحاد الأوربي، الأمم المتحدة ،إلى غير ذلك من الممولين و لعل السبب لا يرجع إلى حجم الاغلفة المالية المرصدة و التي اعتبرها كافية جدا ،و لكن السبب راجع إلى النظرة الاستعجالية و السطحية و عدم الفهم الصحيح لمعضلات التنمية و التي منها عدم إشراك المرأة و تثمين دورها.يبقى الاهتمام بالسياقات الاجتماعية ،الثقافية ودراسة التحولات الاجتماعية خاصة أثناء و بعد الازمات ،الغاءب الأكبر على مستوى المشاريع التنموية .أضف إلى ذلك ،العمل على أحداث التنسيق و المواءمة بين الفرق المتدخلة و الجماهير المستهدفة و غياب التنسيق و تبادل المعلومات بالشكل الايجابي و الفعال بين. المؤسسات المنفذة للمشاريع.
تبرز لنا الزيارات و الخرجات الميدانية و معايشتنا لواقع الريف الجزائري خاصة ،حجم الجهد الذي يجب بذله لتخطي حاجز التقاليد البالية للوقوف على كفاءات المرأة الريفية و التقرب منها و ترويض المجتمع لتقبل دور للمرأة في المساهمة في أحداث وتيرة للتنمية على المستوى المحلي المصغر عن طريق التكوين و التوجيه نحو انشطة مدرة للمداخيل بإمكانها المساهمة في تحسين الظروف الاجتماعية للمرأة الريفية خاصة و للعائلات التي تعاني من الفاقة و العوز. رغم ان النتائج التي نتحصل عليها تبقى متواضعة إلا انها تنبهنا لوجود مخزون هاءل من الكفاءات النسوية التي همشت و تهمش يوميا بفعل التقاليد و التسلط الذكوري و حجم التجاذبات الموجودة في مجتمع مريض بتناقضاته ،بازماته، بانهيار قيمه و خاصة قيم المواطنة الفعالة و الحكم الراشد.
التقيت بنساء من الجزائر العميقة ،من الريف الباءس، في سعيدة،الاوراس،بلاد القباءل ، تلمسان، تيميمون، تندوف عين صالح،ورقلة،الاغواط، و أكاد أجزم لكم ان معضلة التنمية في الجزائر العميقة و الحقيقية ،هي غياب المرأة في اجندات الساسة و المنظمات و الجمعيات،و عشاق و عاشقات الصالونات الفخمة و مؤتمرات البذخ و الترف.
عقد في الجزائر مؤخرا المؤتمر العالمي للمرأة، و كباقي التظاهرات تميز التحضير بالتسرع و التهور و غياب المعلومة ،شاركت نساء من الريف كممثلات للمرأة الريفية و لنجاح المشاريع التنموية في الارياف و نجاح المقاولاتية النسوية الريفية و التي هي بعيدة كل البعد عن معايير النجاح خاصة بفعل غياب المرافقة الجادة و العلمية لبعض من المبادرات النسوية .اختيار المشاركات كان اعتباطيا و بالتالي حتى بالنسبة للنتائج و التوصيات ان كان هناك توصيات ،لا يمكن تثمينها لأنها لم تنطلق من الواقع المرير للمرأة و غيابها الشبه المطلق عن مشاريع التنمية. لقد وقفت على كفاءات مذهلة للمرأة الريفية في الآداب و الثقافات الشعبية ،الحرف التقليدية،المعارف المرتبطة بالفلاحة التقليدية و الأنماط التقليدية لتحويل الغلال،ووقفت كذلك على حجم المعاناة في الارياف الباءسة بفعل التسلط و الاحترام إلى التقاليد البالية ،العلاقات الأسرية التي لا تخلو من العنف و التسلط ،مخلفات الحرب الأهلية من عنف جسدي جنسي و معنوي لم يتكفل به كما يجب ،كلها عوامل همشت دور المرأة.
المرأة بين مأزق المقاربة الجندرية و حتمية العدالة الاجتماعية:
تطرح المقاربة الجندرية نظرة فكرية حول التنمية من منطلق ضرورة المساواة بين المرأة و الرجل ،هذا الطرح الذي يلقى رواجا على مستوى التنظير و الخطابات و التغطيات الاعلامية و على العكس من كل هذا نجد اختلالات عميقة في طرق التوجه الفعلي نحو المساواة كهدف تسطره هذه المقاربة لتحقيق التنمية .هذه الاختلالات راجعة اساسا إلى عدم الفهم الصحيح للمقاربة و للمقاومة الكبيرة التي تلقاها هذه المقاربة و تطبيقاتها على المستويات المؤسساتية و على مستوى السياقات الاجتماعية، التقليدية،الذكورية و مراكز السلطة و النفوذ داخل المجتمعات المغلقة و الانظمة الشمولية. هنالك صعوبات لقيناها لما لاحظنا حجم التكوينات و تصميماتها المتعلقة بالمقاربة الجندرية و التنموية .هذه الصعوبات متعلقة بمنهجية التكوين الموجهة للجماهير المستهدفة في الارياف مثلا و طغيان الجانب النضالي على الجانب التكويني،العلمي، الموضوعي وأمام هذه الوضعية و انطلاقا من مفرزات خبراتنا و دراستنا للواقع ،أظن أنه من المهم بمكان الاستثمار اكثر في مقاربة العدالة الاجتماعية القريبة من الواقع و السياقات المختلفة و انجازات المرأة الريفية ووضعيتها الصعبة ،فمقاربة العدالة الإجتماعية هي مقاربة استشرافية و استراتيجية لدور المرأة كمواطنة فعالة في المجتمع.
لو نتتبع بشيء من التحليل الهادىء ،نسب نجاح البنات في الامتحانات الرسمية ،في التحصيل العلمي على مستوى الجامعات و المخابر ،في المقاولاتية الاجتماعية و الإقبال على سوق العمل ضمن اطره الرسمية ،نجد أن للمرأة حضور بارز و معتبر يمكنها ضمن مقاربة العدالة الاجتماعية أن تتبوا الريادة في التنمية و ليس انتظار نظام الكوطات او الحصحصة للتمتع بحقوقها المدنية،الاجتماعية،المهنية و السياسية.تبرز لنا الجزائر العميقة ،حجم الهوة الموجودة بين الاطر الرسمية و الإعلامية و الواقع المزري.في الجزائر جيوب فقر و بؤس و ليس مناطق ظل ،ففي كل جيب من جيوب الفقر التي عاينتها تمثل وضعية المرأة معلما من معالم تعطل آلة التنمية في جوانبها الفكرية،العلمية،العملية و حتى النضالية.