مرشحات الأقليات: حقوق منتهكة ضمن كوتا المكونات في العراق

profile
إسراء طارق إسراء طارق
  • clock 13 فبراير 2024, 3:58:32 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

"عمري في مؤسسات الدولة أكبر من عمر العملية الديمقراطية في البلاد" هذا ما تصف به نفسها الحقوقية نوال عبدالرزاق الخميسي وهي من طائفة الصابئة المندائية ببغداد (احدى الاقليات الدينية في العراق). أكملت دراستها في كلية القانون وعملت لأكثر من 23 سنة داخل المؤسسات الحكومية، وتشغل اليوم منصب معاون مدير أملاك بغداد. كان حافزها للترشح في الانتخابات المحلية هو التخلص من "عقدة الهرم الوظيفي" الموجودة لدى أغلب صناع القرار، وللخروج من الإطار التنفيذي والارتقاء لمناصب صنع القرار داخل المجلس المحلي.

تقول نوال وهي المرشحة الوحيدة بين اربعة رجال يتنافسون على كوتا الصابئة المتمثلة بمقعد واحد ضمن مجلس محافظة بغداد، "ان كوتا الاقليات غير منصفة للمكونات لكونها حددت المقعد لكنها لم تضع معيار النوع الاجتماعي في ذلك المقعد"، وبعد إعلان النتائج شغل رجل كوتا الصابئة وهذا ما جعلني اصف نفسي بـ"رابحة لكن لست فائزة"، هكذا تقول الخميسي عن تجربتها في الانتخابات المحلية لكونها المرشحة الوحيدة بين اربعة رجال تنافسوا على مقعد الصابئة ضمن مجلس المحافظة، على الرغم من التحديات والصعوبات التي واجهتها في العملية الانتخابية، بالاضافة الى تحدي كسب عدد اصوات توازي عدد أصوات الرجال لتتمكن من الفوز بكوتا الصابئة.

 

نوال الخميسي

2024 الحقوقية نوال الخميسي المرشحة عن كوتا الصابئة المندائية ببغداد

يقابل قلة ترشيح النساء من الأقليات، كثرة من الشابات اللواتي يرغبن بالدخول بالمجال السياسي ومشاركتهن في الانتخابات المحلية، وهذا الإقبال النسوي تصفه الخميسي بأنه مشهد جيد ويعزز دور النساء للدخول في العملية السياسية ويساهم في زيادة عددهن. لكن القيادية في حزب تقدم، السيدة دهاء الراوي ترى أن على المرأة في العملية السياسية ان تتمتع بالخبرة والكفاءة الإدارية والسياسية للتقليل من الانتهاكات والمضايقات في العمل السياسي الوعر، وما قد يصل في بعض الاحيان الى تشويه السمعة والطعن بالشرف وتعدى ذلك الى التهديد بالقتل.

سقف الانتهاكات يصل للتهديد بإنهاء الحياة

تخللت الانتخابات المحلية التي أجريت في كانون الأول من العام الماضي انتهاكات مختلفة منها ما هو اصبح مألوفا للنساء في العملية الانتخابية كازالة وتمزيق اللافتات الاعلانية الخاصة بهن، الهجمات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تشويه السمعة، الطعن بالشرف، جميعها باتت مألوفه، لكن جاءت الانتخابات المحلية بانتهاك من نوع آخر تمثل بتهديد بإنهاء حياة اولاد احدى المرشحات في حال استمرارها بالترشح في الانتخابات.

تقول المرشحة زينة الصالحي، وهي ناشطة مدنية من محافظة ديالى، أنها تلقت تهديدا من جهة مجهولة بإنهاء حياة أولادها في حال استمرت في طريقها لخوض تجربة الانتخابات المحلية، والمثير في الأمر أن التهديد كان حتى قبل أن تعلن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الأسماء النهائية للمرشحين والمرشحات، وهذا ما جعلها تعلن انسحابها من العملية السياسية برمتها وابلاغ الجهات الامنية في المحافظة عن حادثة التهديد هذه، لكن إصرار عائلتها وجمهورها على أن تمثلهم داخل المجلس جعلها تعدل عن قرارها وتشارك في الانتخابات، وتجدر الاشارة الى ان من قام بالتهديد لايزال مجهولا.

أما المرشحة عن ائتلاف الاساس في بغداد السيدة جيهان الخفاجي فشهدت انتهاكا من نوع آخر لكونها كانت قد شاركت في الانتخابات النيابية بتشكيل سياسي يختلف عن التشكيل السياسي الذي نزلت معه الانتخابات المبكرة، حيث تعرضت لنوعين من الانتهاك تمثل احدهم بازالة لافتاتها الدعائية من الشوارع بعد وضعها بساعات، اما الاخر فكان هجمات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وصلت إلى السب والقذف. وعند الحديث عن الجهات التي تقف وراء هذه الانتهاكات، تقول الخفاجي: "جماعات معروفة بالنسبة لنا تحاول عدم انجاح الانتخابات وجهات ممتعضة من تغييري من تشكيل سياسي إلى آخر على الرغم من أنه حق مشروع". وتصف الخفاجي الهجمات الإلكترونية "بالذباب الالكتروني الذي لا يقوى سوى على ضغط الزر والتجاوز على الآخر".

 

 

المرشحة جيهان الخفاجي

المال والجمال يقلبان الطاولة

"الجمال معيار ترشيح النساء في أغلب الكتل السياسية"، هكذا تصف الراوي بعض المرشحات في الانتخابات المحلية، مما جعلهن طعما سهلا من قبل بعض الاحزاب المتنفذة، مستخدمين أساليب الجذب البصري للجمهور الناخب. 

هذا ما لا تتفق معه عضو مجلس محافظة بغداد المهندسة علا التميمي التي تمكنت من الفوز في الانتخابات المحلية وكانت لديها تجربة سابقة في العملية السياسية حين شاركت في الانتخابات النيابية المبكرة، حيث تقول: "من خلال تجربتي بالعملية السياسية "الجمال ليس معيار للفوز"، ويجب على المرأة التي ترغب بالترشيح ان تعمل على بناء قاعدة جماهيرية وتكون قريبة من الجمهور وتتواصل معهم وبناء برنامج انتخابي قريب من احتياجات المواطنين وتكون قادرة على تحقيقه. وترى أن الاعتماد على الجمال وحده لا يجدي نفعا، "الكثير من النساء الجميلات شاركوا بالتجربة الانتخابية ولم يحققوا شيء يذكر". وتوضح ان الناخب اليوم أصبح لديه وعي سياسي وانتخابي امتلكها من كثرة الانتخابات التي مرت على البلاد فأصبح يبحث عن من يمثله بصورة حقيقية وقادر على خدمته وهذا هو المعيار الحقيقي للمرشح والمرشحة، وفقا للتميمي.​

 

عضو مجلس محافظة بغداد المهندسة علا التميمي

علا التميمي

وتضيف الخميسي على ذلك أن على المرشحات ان يفهمن العملية السياسية وتكون لهن خبرة في آليات العمل الحكومية قبل الدخول في هذا المجال الذي يلعب المال به دورا مهما من خلال الميزانيات الضخمة التي صرفتها الأحزاب على مرشحيهم، بينما خصصت ميزانيات أقل للنساء المرشحات داخل الحزب نفسه، وهذا ما دعا المرشحة سحر عبدالكريم المرعاوي من محافظة الانبار للانسحاب من الانتخابات قبل ساعات من بدء التصويت الخاص بالانتخابات المحلية.

النساء المستقلات ونساء الأقليات هن الأكثر تضررا من المال السياسي المباح، وفقا للراوي، معللة ذلك بأن النساء المستقلات يتعرضن لمضايقات وتحديات أوسع من النساء المنتميات لتشكيلات سياسية، حيث يتطلب منهن بذل جهد مضاعف للوصول للناخبين والناخبات واقناعهم ببرنامجها الانتخابي. ومن وجهة نظرها فإن نساء الأقليات يأتين بالمرتبة الثانية، لأن فئتهن المستهدفة غالبا ما تكون معلومة وواضحة. وتبين نوال الخميسي أن نساء الأقليات ينافسن المستقلات والمنتميات لتشكيلات سياسية بالرغم من قلة الدعم المالي الذي يتوفر لديهن، وأن ذلك يجعل الاحزاب السياسية تعتقد بأنه مقعد سهل يحاولون كسبه ضمن تشكيلاتهم السياسية لكون أينما وجد المال وجدت السلطة.

 

التمكين يلحق الفوز

هذا ما تجمله الراوي عن دور أغلب الكتل والأحزاب السياسية، وبأنها تزج المرشحات للانتخابات دون تطوير أدواتهن المتمثلة بمهارات الخطاب الإعلامي، الظهور الإعلامي، القيادة السياسية، كيفية كتابة البرامج الانتخابية، آليات طرح البرنامج الانتخابي، والمفاهيم السياسية، وغيرها من التدريبات التي يفترض على المرشحة أن تتلقاها لتكون في موقف قوي خلال السباق الانتخابي. وتثني على دور منظمات المجتمع المدني بعملهم على تمكين النساء سياسيا في ظل غياب تمكين الأحزاب لهن، وغياب من يمكن المستقلات منهن.

المرشحة دهاء الراوي

من جانبها تؤكد رئيسة تجمع صحفيات العراق الصحفية ريا فائق، أن العلاقة بين المجتمع المدني والنساء السياسيات علاقة ثقة مبنية على تقديم الخدمات من المنظمات للسياسيات، كخدمات الدعم القانوني والاستشارات القانونية، وحديثا تم استحداث خدمات الدعم النفسي للتقليل من أثر الانتهاكات التي يتلقينها خلال مدة قصيرة، فضلا عن التدريب والتمكين السياسي للنساء اللواتي يرغبن بالانخراط في العملية السياسية. وهذا ما تؤكده الخميسي، لأن نساء الأقليات يفتقدن لمن يمكنهن في الجانب السياسي، وهذا ما شكل حافزا لها للتفكير بتأسيس ائتلاف لطائفة الصابئة المندائية كأول تشكيل سياسي منظم لأبناء الطائفة، لتمكين الشباب والشابات الراغبين بالترشيح وتجهيزهم/هن للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة.

 

وما أن تنتهي انتخابات تطوي معها صفحة الانتهاكات، حتى يتم الحديث عن الانتخابات التي تليها دون معالجة الانتهاكات التي تعرضت لها النساء المرشحات من تهديد بالقتل كزينة الصالحي، مضايقات وتمييز داخل الحزب السياسي كسحر المرعاوي، هجمات الكترونية وإزالة لافتات كجيهان الخفاجي، وضغوطات حزبية وقلة تمويل كنوال الخميسي. ويبقى السؤال بعد مضي ما يقارب الربع قرن على التغيير الديمقراطي، متى ستتمتع المرأة العراقية بحقوقها في العملية السياسية أسوة بشريكها الرجل؟ وما هي معالجات الحكومات المتعاقبة للتقليل من هذه الانتهاكات تجاه شريحة تمثل نصف المجتمع؟

 

رسم بياني يوضح نسبة النساء في انتخابات مجالي المحافظات 2023


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)