- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
مزهر الساعدي يكتب: الحرب في أوكرانيا: تطورات خطيرة تلوح في الأفق
مزهر الساعدي يكتب: الحرب في أوكرانيا: تطورات خطيرة تلوح في الأفق
- 2 يوليو 2023, 6:17:56 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ثمة اختلاف في تعيين الحدث التاريخي الأدعى للمقارنة، أو المشابهة، مع الحمّى الفاغنرية التي انتابت مؤسسات الحكم الروسي بين 23 و24 يونيو: هل يعود هذا الحدث إلى تاريخ روسيا الحديثة أم إلى تاريخ روسيا القيصرية؟ صحيح أن بوتين، المعروف بولعه بالتاريخ الروسي، قد أدلى بدلوه في المسألة قائلا في خطابه الأول إن ما فعله مقاتلو فاغنر الخونة إنما هو طعنة في ظهر بلادنا وشعبنا، تماما مثلما حصل عام 1917 لما تم الإيقاع بالوطن في أتون حرب أهلية. ولكن المتابعين لاحظوا أن بوتين لم يوضّح: إذا كانت أحداث أواخر يونيو 2023 شبيهة بأحداث 1917، فما هو موقعه هو بالضبط: هل هو في وضع نيقولا الثاني الذي أسقطته ثورة فبراير، أم في وضع كيرينسكي الذي أضعفه تمرد الجنرال كورنيلوف (واعتزامه الزحف على موسكو في أغسطس) قبل أن يزيحه البلاشفة في أكتوبر؟
ومع ذلك فإن الإحالة البوتينية إلى واقعة من أخطر وقائع التاريخ الروسي الحديث تؤكد خطورة ما أحدق بالطاغية شخصيا لمدة ثمان وأربعين ساعة أو يزيد.
أما المؤرخون فمنهم من يرى أن الواقعة التي تقرب، في دوافعها ومغزاها، من هبّة يفغيني بريغوجين وأتباعه من المرتزقة المجرمين والسجناء العتقاء إنما هي الانتفاضة التي قادها ييملان بوغاتشوف من عام 1772 إلى 1774 ضد الإمبراطورة كاثرين (التي اعتلت العرش بعد أن أطاحت زوجها بطرس الثالث عام 1762). كان بوغاتشوف ضابطا في الجيش القيصري وخاض حرب السنوات السبع، من 1756 إلى 1763، والحرب التي انتهت عام 1774 بانهزام الجيش العثماني ووقوع عدد من الأراضي العثمانية، بما فيها شبه جزيرة القرم، في منطقة النفوذ الروسي.
تنصّت الكي جي بي يوم 29 يوليو على مكالمة أخبر فيها غورباتشوف خصمه السياسي بوريس يلتسن (الذي انتخب في يونيو رئيسا للجمهورية الروسية) باعتزامه إقالة وزير الداخلية السوفييتي بوريس بوغو ورئيس الكي جي بي فلاديمير كريوتشكوف
وفي 1773 تزعم انتفاضة ضد كاثرين سرعان ما اتسع نطاقها وشعبيتها. ومن الطريف أنه ادعى أنه بطرس الثالث زوج كاثرين (الذي قتل في السجن بعد أيام من خلعه عن العرش) ولا يعلم إن كان الفلاحون وأهل الأرياف صدقوا زعمه هذا، إلا أنهم ساندوا مطالبه بإلغاء الرق (نظام الأقنان) ووعوده بالإصلاح. لهذا تمكن من تجريد جيش سرعان ما غزا كامل المنطقة بين نهر الفولغا وجبال الأورال، نظرا إلى أنه كان مزودا بالمدفعية ومسلحا أفضل تسليح. ولكن رغم انتصار جيشه في سلسلة من المواقع، فقد اندحر آخر الأمر في أغسطس 1774. وفي 14 سبتمبر غدر به أنصاره من القوزاق وأسلموه إلى عدوه. فما كان من قادة الجيش القيصري إلا أن حبسوه في قفص معدني وأرسلوه إلى موسكو حيث أعدم ثم مثّل بجثته.
وعندي أن الحدث الأنسب للمقارنة والأقرب للموازاة مع هبّة بريغوجين، التي هي أجدر من الغزوة البوتينية بذلك الاسم الشهير: «العملية الخاصة» هو محاولة انقلاب أغسطس 1991. وجه الشبه الأول أن الذي أثار غضب بريغوجين هو قرار وزارة الدفاع، بمباركة من بوتين بكل تأكيد، حل جماعة فاغنر ودمج عناصرها في صلب الجيش؛ أما في 1991 فقد تنصّت الكي جي بي يوم 29 يوليو على مكالمة أخبر فيها غورباتشوف خصمه السياسي بوريس يلتسن (الذي انتخب في يونيو رئيسا للجمهورية الروسية) باعتزامه إقالة وزير الداخلية السوفييتي بوريس بوغو ورئيس الكي جي بي فلاديمير كريوتشكوف. ولهذا كان الاثنان ضمن زمرة الثمانية التي قادها غنادي ياناييف (نائب غورباتشوف) والتي أعلنت يوم 19 أغسطس أنه «نظرا إلى أن غورباتشوف عاجز لأسباب صحية عن أداء مهامه» (بينما كان الرجل في صحة جيدة، باستثناء ألم أسفل الظهر!) فإن «لجنة حكم» قد شكلت للغرض وقررت فرض حالة الطوارئ وحل الأحزاب ومنع المظاهرات وإعادة الرقابة على الإعلام. وجه الشبه الثاني أن الاستخبارات الأمريكية علمت باستعداد فاغنر للتحرك أسبوعين قبل الحدث؛ أما عام 1991 فقد أخبر بوش غورباتشوف منذ 20 يونيو (أي قبل شهرين) بأن مؤامرة تحاك ضده.
وجه الشبه الآخر أن في الانقلاب في الحالتين تردّدا وفتور عزم، لهذا أتى «نصف مخبوز». فقد كان بريغوجين ينوي الزحف على موسكو، ثم إذا بمجرد مهاتفة من لوكاشينكو تكفي لتثبيطه! أما عام 1991 فقد كان مظهر المنقلبين في المؤتمر الصحافي عجيبا: كانت يدا ياناييف ترجفان، وكانت أجوبته متناقضة حتى أن الصحافيين تجنشرت الصحافة الروسية وغيرها من الصحف الغربية والأمريكية؛ أن بريطانيا زودت أوكرانيا، أو أنها في الطريق لتزويدها بقنابل اليورانيوم المستنفد، وتبعتها أمريكا بتزويد، أو أنها ستزود أوكرانيا بالقنابل ذاتها. من المهم التذكير هنا بأن أمريكا كانت قد استخدمت هذه القنابل في العراق في عامي 1991 و2003 والأخير؛ هو العام الذي فيه غزت أمريكا العراق واحتلته، بكذبة روجتها عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل. أتذكر أن الجنود الذين عادوا من الحربين؛ تحدثوا كيف أن هذه القنابل عندما تضرب الدبابة تحوّلها إلى قطعة منصهرة هي وضباطها وجنودها. ليس هذا فقط، بل إن استخدام الولايات المتحدة لهذه القنابل حوّل البيئة التي كانت ميدان استخدامها إلى بيئة غير صالحة للعيش، بالإضافة إلى أن انتشارها على مساحات واسعة أخرى؛ سببت تفشي أمراض السرطان في العراق.. هذه السياسة العدوانية فسحت المجال واسعا لكوريا الشمالية؛ للإقدام أو تسريع عملية إعداد مشروعها النووي؛ لصناعة السلاح النووي، وتحقق لها ذلك لاحقا بعد سنوات.
أما روسيا فتمتلك هذه القنابل، ولن تتأخر في استخدامها في حالة الضرورة؛ ما سيؤدي حتما إلى توسعة دائرة الحرب في الكم والنوع وفي الخطورة. طبقا لهذه التطورات فإن الحرب في أوكرانيا مرشحة وبقوة لأن تتوسع، وقد تنزلق إلى ما هو أكثر خطورة وكارثية ليس على طرفي الحرب، بل على دول الاتحاد الأوروبي، وربما على العالم كله. وقد ناقشت بعض الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو؛ انضمام أوكرانيا حتى لو لم تنتهِ الحرب، إلى الحلف، لكن تحفظ ألمانيا وتردد فرنسا وأمريكا؛ أوقف هذه المناقشات أو حال دون بلوغها منصة البحث الجدي. في قمة الناتو المزمع عقدها في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا يومي 11 و12 يوليو الشهر المقبل؛ ستناقش مسألة انضمام أوكرانيا إليه. وفي فبراير من العام الماضي طالب الرئيس الأوكراني زيلينسكي الناتو بقبول الانضمام إليه. من الجهة الثانية مسؤول الناتو ينس ستولتنبرغ؛ صرح بأن انضمام أوكرانيا لن يكون إلا بعد انتصارها على روسيا. ويرى الأمريكيون أن من الممكن؛ أن تكون أوكرانيا ضيفا أو مراقبا، أو مشاركا في مؤتمر أو مؤتمرات الحلف؛ وبهذا ضمنت الاشتراك في الحوارات والقرارات والخطط وأدواتها وطرق تنفيذها، إلى أن تنتصر على روسيا، عندها يجري ضمها رسميا وعلنيا.. إن السبب في عدم المناقشة الجدية حول موضوع انضمام أوكرانيا إلى الناتو؛ يعني تماما، دخول الناتو في حرب مفتوحة مع روسيا مع ما يعني ذلك من دمار وكارثية على الجميع وعلى العالم، لكن في المقابل فإن الحرب في أوكرانيا سوف تنزلق، عاجلا أو آجلا، إلى حافة هاوية ميدان تتصادم فيه جميع أطراف الحرب، أو ستقترب كل أطراف الحرب من خط التصادم، بكل ما يحمل من رعب، وهذا قد يأخذ وقتا ليس بالقصير، أو ربما لن يكون طويلا؛ بعد الانتخابات الأمريكية والروسية؛ وسيقود طرفي الحرب المباشرين، أو أطراف الحرب غير المباشرين؛ إلى البحث عن طاولة المفاوضات. في طريق الوصول إلى مفترق الطرق هذا، الذي سوف يحدد مصير الحرب ونتائجها في تقابل تبادلي بين الطرفين المباشرين، روسيا وأمريكا؛ ستدخل إلى الحرب عناصر فعل أخرى بإرادة أمريكية، بدءا ومسارا وهدفا، جغرافيا وتسليحيا لناحية نوع السلاح وأمكنة تفعيله في اتجاه روسيا، ما يعجل في الوقوف على حافة الهاوية التي لا تبعد إلا خطوة واحدة، تقوم بها جحافل المتقاتلين ليسقط بعدها طرفا الحرب إلى قاع البركان. ليس بعيدا أو خرافة أو تضخيما لوقائع حرب ستبلغ أو تصل إلى آخر ساتر الحماية لغور لا قرار له من العمق الملتهب بنيران فناء الحياة. اعتقد من وجهة نظري؛ أنها لن تصل إليه للأسباب التالية: إن روسيا بوتين تعرف وتدرك على وجه اليقين أن أمريكا ومن خلال الحرب في أوكرانيا تريد وتسعى بجميع ما لديها من عناصر القوة، ومن شركاء وحلفاء على إطالة أمد الحرب كي تستنزف قدرات روسيا؛ في فتح عدة جبهات، وبمختلف وسائل الحرب، بما فيها الأسلحة المحرمة ذات التدمير الكامل للبشر والضرع والأرض والشجر، وما أعنيه هنا هو الأسلحة النووية التكتيكية، وليس الأسلحة النووية التقليدية الاستراتيجية، على سبيل المثال هو تزويد أوكرانيا بقنابل اليورانيوم المستنفد، وزج بولندا في الحرب ودول البلطيق، باستخدام أراضي هذه الدول بالتخزين والتدريب وقواعد لانطلاق طائرات أف 16 هذا ما يؤكده أغلب الكتاب الروس، وهذا سيقود إلى أن تكون هذه الدول أطرافا مشاركة في الحرب في أوكرانيا. هناك تطور آخر أكثر خطورة في اتجاه توسعة هذه الحرب؛ هو قيام روسيا بوتين بتخزين أو نقل أسلحة نووية تكتيكية إلى روسيا البيضاء، ليس فقط حماية روسيا البيضاء الحليف الاستراتيجي للاتحاد الروسي، من غزو أوروبي محتمل أو مفترض (بولندا) لهذه الدولة الحليفة، بل أيضا كقاعدة لاستخدام هذه الأسلحة في هذه الحرب إن دعت الحاجة لها، وإمكانية وصولها إلى أبعد مكان من دوائر الحرب خارج دائرة الحرب في أوكرانيا؛ على دول الاتحاد الأوروبي بضربات منتخبة بأسلحة تقليدية أو نووية تكتيكية، وليس الاجتياح، هناك فرق كبير بين الضربات المنتخبة والاجتياح لجهة دخول الناتو في الحرب مع روسيا، بل إن دول الناتو كاحتواء لهذه التطورات، سترد بضربات مضادة مع ما يرافقها من زخم إعلامي واسع النطاق، وشجب واستنكار وتهديد ومناورات عسكرية على حدود روسيا. في هذه الحالة أو في هذه الأوضاع، التي أن يقترب منها زمن حدوث الزلزال الذي إن بلغ نقطة الصفر وتفجر؛ سوف لن يبقي ولن يذر لجميع أطراف الحرب، عندها سوف يبحث طرفا الحرب (أمريكا وروسيا) وإن كانت بين روسيا وأوكرانيا؛ عن طريقة أو منصة يتم بها إيقاف حركة قوافل الحرب، وإسكات فوهات المدافع؛ لأن مواصلة القتال على هذه الطريقة، وخنق روسيا أو وضعها، أو جرها إلى عدة خوانق حربية، يهددها بالهزيمة وخسارة حربها هذه تماما، بما تعني هذه الهزيمة من مستقبل مجهول لها كدولة كبيرة جغرافيا جدا، ومتعددة الأقوام والأعراق والديانات؛ بفتح عدة جبهات، مع تواصل الحرب على الجبهة الأوكرانية، واستخدام انواع جديدة مما يجبرها (روسيا) على التطبيق الجزئي والمحدود للعقيدة الروسية النووية في الحرب، أي التهديد بتطبيقها قبل تطبيقها؛ باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية في قصف منتخب على دول أوروبا الضالعة في الحرب، بصورة مباشرة لاحقا وغير مباشرة حاليا. هذه هي القناعة الروسية من أن روسيا مهما كلف الأمر، ومهما كانت التضحيات، ومهما اتسع أوار الحرب؛ من أنها سوف تنتصر، ولا خيار أمامها إلا الانتصار. طبقا لهذه النتائج الافتراضية، أو لهذه القراءة التي ربما أكون فيها صائبا وربما لا يكون الصواب من نصيبها؛ أن جسد أوكرانيا الجغرافي سيوضع تحت مشارط الجراحة.. لماذا؟ لأن أمريكا لا يمكن لها وبإرادتها أن تكون كدولة وشعب ضحية للزلزال إن حدث، عندها تفقد كلها ومعها ربما العالم، وهو لن يحدث، لأن لا أحد من طرفي الحرب سوف ينزلق إليه، عليه سيتوقفان على آخر خط الذي بعده تماما المنحدر الرهيب. أمريكا في وقتها سترى أن الخروج من هذا المأزق لا يكلفها أي شيء سوى أنها ستتراجع هيمنتها في العالم وفي دول الاتحاد الأوروبي، التي اي هذه الهيمنة هي في الاساس متراجعة في كل مناطق الصراع في العالم. اعتقد جازما؛ أنه لا شيء بعيد أو أنه بعيد الحدوث في السياسة الامريكية، كل شيء وارد في هذه السياسة التي تستند إلى المصالح التكتيكية والاستراتيجية؛ عندما تقتنع أو ترى أن الخسارة في هذه السياسة، أو تلك السياسة هي حتمية؛ سوف تقوم بتغييرها بزاوية ميل ربما يكون في بعض الحالات بـ 180 درجة..اسروا على السخرية منه على الملأ. ولا عجب، فقد كان زعيم الانقلاب مخمورا!