مستوطنة جديدة في القدس.. حرب الجغرافيا والديمغرافيا

profile
  • clock 5 أكتوبر 2021, 6:00:26 م
  • eye 4380
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

وفا- أعادت إسرائيل الدفع مجدداً بمشروع قديم، يتضمن بناء مستوطنة جديدة تضم آلاف الوحدات السكنية والتجارية على أراضي مطار القدس، الواقع في منطقة قلنديا شمال المدينة المحتلة.

وأوردت القناة 13 الإسرائيلية، أن بلدية الاحتلال في القدس تعمل في الوقت الراهن على الترويج لبناء 10 آلاف وحدة استيطانية في منطقة قلنديا، وتحديدا على أراضي المطار المستولى عليه من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967.

ويستدل من تقرير نشرته حركة “السلام الآن” الإسرائيلية في أب/ أغسطس الماضي، أن إسرائيل تخطط لإقامة مستوطنة فوق ما تصنفها إسرائيل “أراضي دولة”، وهذا يمكنها من البناء دون الحاجة إلى الاستيلاء على أراضٍ فلسطينية أو تلقي اعتراضات بشأن ملكية الأراضي.

إلا أن ذلك، لن يعفي المستوطنة من تشكيل خطر يستهدف بالأساس وفي الإطار المصغر فلسطينيين من أصحاب الأراضي والمنشآت القريبة من الموقع، ومستقبل حل الدولتين والتواصل في القدس الشرقية، في الدائرة الأشمل.

وحمل تقرير المنظمة الحقوقية تحذيرا من خطورة بناء المستوطنة الجديدة، والتي ستكون الأولى على أراضي القدس الشرقية، منذ أن صادقت إسرائيل على مستوطنة “هار حوما”، التي أقيمت على جبل أبو غنيم انطلاقا من العام 1997.

وأشار التقرير إلى أن الخطوات الإجرائية التي تسبق الشروع في البناء ستدخل حيز التنفيذ في كانون الأول /ديسمبر 2021، وقد تستغرق 3 أعوام على أبعد تقدير، لا سيما أن الحديث يدور عن مخطط ذي أبعاد خطيرة، سيعمل المستوى السياسي في تل أبيب على تعجيل اجتيازه إجراءات المناقشة والمصادقة والموافقة أو العقبات القانونية.

“السلام الآن” طالبت الحكومة الإسرائيلية بإزالة المخطط من جدول أعمالها وتعليق العمل به بشكل فوري، كونه ينضوي على خطر جديد يهدد حل الدولتين، حيث تقع المستوطنة في قلب التواصل الإقليمي الحضري والجغرافي الفلسطيني بين القدس الشرقية والمناطق الأخرى شمالاً، وبالتالي توجيه ضربة قاصمة أخرى لإمكانية قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

وبحسب الخبراء، فإن المستوطنة الجديدة ستقام على 900 دونم من أصل 1200 دونم المساحة الإجمالية لأراضي المطار، الذي أغلقته إسرائيل عام 2000 وأوقفت استخدامه، بعد أن خصصته للرحلات الداخلية منذ احتلالها له.

وبيّن مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية “أريج” سهيل خليلية، أن مخطط إقامة مستوطنة على أراضي مطار القدس الدولي قديم جداً، وراوح خلال الفترة الماضية بين فترات مدّ وجزر تبعاً للضغوط السياسية وبفعل الإجراءات البيروقراطية التي يتوجب اجتيازها.

وقال، هذا المخطط يعود للعام 2004، وعادة ما تمر المشاريع الاستيطانية بعشر مراحل، تحصل في كل منها على مصادقة جهة أو إدارة أو هيئة، وعدا عن ذلك كان هناك تشويش على التنفيذ بفعل الضغوط التي مورست من قبل المجتمع الدولي وإدارات أميركية مختلفة، تبعاً لحساسية المنطقة التي ستقام عليها المستوطنة.

والمهم بالنسبة لخليلية، أن مشروع إقامة المستوطنة دخل المراحل الأخيرة التي تسبق إقرار موعد بدء التنفيذ، بعد أن عاد ليطفو على السطح مع تولي دونالد ترمب مقاليد رئاسة الولايات المتحدة الأميركية في الفترة السابقة، في حين أن صعود نفتالي بينيت لرأس الهرم السياسي في إسرائيل سيسرع من دفع هذا المخطط نحو التنفيذ.

وأَضاف: “بينيت دفع بالمشروع إلى المراحل الأخيرة من المصادقات التي تسبق مشاهدة الجرافات على الأرض، والتي لن تتأخر عن الربيع القادم”.

وحذر مدير وحدة مراقبة الاستيطان في “أريج” من ترويج المشروع على أنه حي استيطاني، وأكد أن المخطط يشمل بناء مستوطنة كاملة تخصص لأغراض السكن بشكل أساسي وترويجها تجاريا بضم المنطقة الصناعية الموجودة هناك “عطروت”.

وقال: “المشروع يتضمن وحدات سكنية ومحال تجارية ومنطقة صناعية، وهذا يؤهل المستوطنة المتوقعة إلى الارتقاء لمصاف مدينة كاملة تتسع لما لا يقل عن 40 ألف مستوطن يتوزعون على 10 آلاف وحدة، قد يضاف لها 3 – 4 آلاف وحدة في المستقبل القريب”.

وأكد أن المستوطنة ستكرس لخطة الفصل ما بين القدس ومحيطها أو امتداداها الفلسطيني مع الضفة الغربية، وهي ستعيد رسم حدود ما تعرف إسرائيلياً بـ”القدس الكبرى”، التي تضم الكتل الاستيطانية الكبيرة، “غوش عتصيون” جنوب بيت لحم، و”معاليه أدوميم” شرقي القدس، و”جفعات زئيف” شمال غرب القدس، والتي ستضم في طياتها المستوطنة الجديدة.

وتابع في هذا السياق: “فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها سيكون من منطقة القدس، وتحديداً من منطقة تكتل “معاليه أدوميم ” الاستيطاني المقامة شرق القدس، والتي لا تعتبر في الوقت الراهن جزءاً من القدس ولكن من الضفة الغربية، ولكن الاحتلال حين يعيد رسم حدود منطقة القدس الكبرى سيضم هذا التكتل الاستيطاني، وبالتالي سيكون هناك فصل جغرافي، لأن امتداد حدود نفوذ بلدية الاحتلال في القدس سيصل إلى منطقة البحر الميت”.

من جانبه، لفت منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان جمال جمعة، إلى أن مشروع المستوطنة الجديد القديم، لن يتوقف عند حدود 9 أو 10 آلاف وحدة، بل قد يصل إلى 15 ألفاً، وستشيد على أراضي مطار فلسطين الدولي أو ما يعرف بمطار قلنديا، القائم منذ عام 1920 وكان يتبع الأردن قبل الاحتلال الإسرائيلي، وبعد فترة الانتداب البريطاني.

وأوضح أن المستوطنة الجديدة، ستقام في المنطقة الوحيدة التي تغلق دائرة الاستيطان حول القدس، وتعمل فصلاً كليا بالمستوطنات ما بين المدينة وما بين امتدادها باتجاه الغرب في رام الله وقرى شمال غرب القدس، وهذا خطر سياسي يهدد مستقبل قيام الدولة الفلسطينية وفصل عاصمتها عن امتدادها الجغرافي مع المناطق المحيطة بها في الضفة الغربية.

ولا ينظر جمعة بعين التفاؤل إلى فكرة أن “أراضي الدولة” التي ستقام عليها المستوطنة، لن تهدد بمصادرة أراضٍ ولا بطرد الفلسطينيين، إذا ما استطعنا تجاوز أنها منطقة مستولى عليها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ويجب أن تعود لأصحابها.

ويقول: “المناطق المحيطة بالمطار هي: حي كفر عقب شمالاً، ومن الغرب أحياء من مدينة البيرة، ومن جهة الجنوب الغربي قلنديا البلد وبلدة بير نبالا، وعملياً ستقع المستوطنة الجديدة وسط تجمعات فلسطينية كثيفة سكانياً، وهذا من شأنه أن يضع مخاطر على سكان تلك الأماكن، ولا أحد يعلم كيف يمكن أن تتطور الأمور، إذ قد نشهد توسعات جديدة للمستوطنة، وبالتالي هدم منازل وترحيل سكان.

ويشير منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان إلى أن عشرات البيوت الفلسطينية تقع بين المطار ومنطقة “عطروت” وفي المنطقة بين حاجز قلنديا وبين المطار، وإنشاء المستوطنة الجديدة سيهدد وجودها، ويضاف ذلك إلى 20 منزلاً ومنشأة دائرة خطر الهدم في منطقة قلنديا البلد، التي شهدت عام 2016 هدم 33 بيتاً.

وينظر جمعة إلى خطر آخر ينضوي عليه هذا المشروع الاستيطاني، ويتمثل في الميزان الديمغرافي الذي تسعى إسرائيل إلى ترجيح كفة اليهود فيه على حساب الفلسطينيين في منطقة القدس.

ويضيف في هذا الإطار: “المشروع الاستيطاني الجديد يضع عجلة إضافية في مخطط إسرائيل للحفاظ على غالبية يهودية في مدينة القدس، وجعل الفلسطينيين أقلية هناك، حيث أن المخطط يتضمن تسكين ما لا يقل عن 45 ألف مستوطن وغالبيتهم من المتدينين”.

ويشدد على أن إسرائيل تعمل على الأرض وفق هندسة ديمغرافية، لطرد أكبر عدد من الفلسطينيين من القدس، واحتواء أكبر عدد من اليهود، لذلك تستخدم العوامل الطاردة للمقدسيين، كالمنع من تشييد المساكن وتعقيد إجراءات منح تصاريح البناء، وفرض القوانين المشددة التي تصعب الحصول على حق لم الشمل وتسهل سحب الهويات المقدسية.

ويضاف إلى ذلك حرمان مواطني القدس من التأمين الصحي والتقاعد إذا ما خالفوا شروط الإقامة في مركز القدس، والتي لا تفرض على سواهم، فضلاً عن إغراقهم بالضرائب وملاحقات التأمين الوطني، دون إغفال سياسة الهدم التي تنفذ بشكل ممنهج وبطريقة تبدو عشوائية حتى لا تثير ضجة عالمية، وتهدد أكثر من 15 ألف منزل موضوعة حالياً على لوائح الهدم في وزارة الداخلية الإسرائيلية وبلدية الاحتلال.

ولا يستبعد جمعة أن ترفع إسرائيل في المستقبل القريب مسؤوليتها عن الفلسطينيين من سكان المناطق التابعة لمدينة القدس والواقعة خلف جدار الفصل العنصري وسلخهم عن المدينة، بداعي عدم وجود ارتباط بينهم وبينها من الناحية الجغرافية، خدمة لمشروع ميزانها الديمغرافي.


التعليقات (0)