مضاعفات الوباء.. خطر الفقر يطارد المصريين في زمن الإصلاح

profile
  • clock 5 أبريل 2021, 4:29:03 م
  • eye 700
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أعلنت مصر عن أول حالة وفاة بفيروس "كورونا" في 8 مارس/آذار 2020، بعد أشهر قليلة من انتهاء برنامج "إصلاح"، بدعم من صندوق النقد الدولي، بعد قرض حصلت عليه في عام 2016.

وهكذا شكّل الوباء الاختبار الأول للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي وضعها صندوق النقد الدولي، والتي اعتمدتها الحكومة المصرية.

وفي حين أن الإصلاحات ساعدت على دفع النمو الاقتصادي في وقت الركود العالمي، إلا أنها لم توفر شبكة أمان اجتماعي قوية للأسر الضعيفة خلال الأزمة.

ركّز برنامج الإصلاح في مصر على تقليص العجز المستمر في الميزانية، وبالتالي خفض الدين العام كحصة من الناتج المحلي الإجمالي وتهدئة ضغوط التضخم.

وتجسدت السياسات الرئيسية التي تم تبنيها للسيطرة على العجز، من خلال قانون جديد تمت الموافقة عليه عام 2016، يهدف إلى تحديد سقف أجور القطاع العام مع التحرير التدريجي لأسعار الوقود والكهرباء.

وقد وافق البرلمان المصري قبل أسابيع قليلة من التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، على قانون جديد لزيادة المعدل العام لضريبة القيمة المضافة، كوسيلة لتوليد إيرادات إضافية. بالإضافة إلى ذلك، قام البنك المركزي بتعويم العملة المحلية لمحاربة سوق العملات الموازي.  

وقد أعلن صندوق النقد الدولي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، موافقته على اتفاق ترتيب احتياطي لدعم هذه السياسات.

على الجانب الاجتماعي، ركز صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية على التحويلات النقدية لتخفيف بعض الضغوط الناتجة عن هذه "الإصلاحات"، ويأتي اعتماد القاهرة لسياسات لضمان التحويلات النقدية للفئات الضعيفة ليسبق هذه "الإصلاحات" الأخيرة بفترة طويلة.

وفي الواقع، يعود تاريخ هذه الإجراءات إلى عام 1950، ومنذ ذلك الحين تم تعديلها أو استبدالها بقوانين أخرى مماثلة مرات عديدة. اعتمدت الحكومة المصرية في العقود الأخيرة على نظام الدعم العيني ودعم الأسعار كوسيلة رئيسية لتوفير الرعاية الاجتماعية.

مع تحرير أسعار الطاقة وترشيد دعم المواد الغذائية، وسّعت الحكومة جهودها لحماية الأسر الفقيرة من الآثار الاقتصادية السلبية من خلال استخدام التحويلات النقدية.

وتم إطلاق برنامج التحويلات النقدية الموسع في عام 2015 بدعم من قرض من البنك الدولي بقيمة 400 مليون دولار، ويتألف من برنامجين مختلفين - "تكافل" و "كرامة" - مع ميزة مشتركة، وهي استخدام اختبار الوسائل البديلة.

وفي حين أن "تكافل" عبارة عن تحويل نقدي مشروط يستهدف الأسر الفقيرة التي لديها أطفال، فإن "كرامة" عبارة عن تحويل نقدي غير مشروط يستهدف كبار السن والمواطنين الذين يعانون من إعاقات وأمراض شديدة وكذلك الأيتام.

بالإضافة إلى ذلك، على مدى السنوات العديدة الماضية، بُذلت جهود لتوسيع تغطية التأمين الاجتماعي وزيادة مزاياه. وقد تمت الموافقة على قانون تأمين جديد في عام 2019، تتضمن أحكامه شروطًا لضمان حد أدنى لهذه المزايا، وبالرغم من أن هذا الإجراء قد يحمي القيمة الحقيقية لمزايا تأمين التقاعد، إلا أنه مقيد بنسبة كبيرة من "غير الرسمية" داخل القوى العاملة.

الآثار الاجتماعية لكورونا

كان وباء "كورونا" أول اختبار للهيكل الاقتصادي والاجتماعي الجديد الذي تم إنشاؤه بموجب "الإصلاحات". ومع بداية الوباء، نفذت الحكومة حظر تجول مؤقت وقيدت التجارة والسياحة.

أدت هذه الإجراءات الاحترازية إلى ارتفاع كبير في معدلات البطالة في الربع الثاني من عام 2020، تلاها عودة في الربع الثالث إلى مستوى قريب من مستوى ما قبل الوباء. ومع ذلك، فإن نظرة فاحصة على البيانات تظهر أن العواقب السلبية "لكورونا" لم تقتصر على البطالة أثناء حظر التجول، ولكنها شملت أيضًا انخفاض الأجور وساعات العمل، ويمكن أن يستمر ذلك لفترة أطول بسبب تباطؤ النمو.

قام مسح نشر في يونيو/حزيران 2020 من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الهيئة الإحصائية الرسمية للبلاد، بتتبع التأثيرات المختلفة لـ "كورونا" على الأسر المصرية، ووجدت الدراسة أن دخول 73.5% من العينة قد انخفضت منذ ظهور الوباء؛ ونتيجة لذلك اضطرت العديد من العائلات إلى تقليل استهلاكها للمواد الغذائية باهظة الثمن مثل اللحوم والفواكه.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، أفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن الضغوط على العمال قد انخفضت، لكن أكثر من نصف العينة لا يزالون يعانون من التغييرات القسرية في ظروف عملهم.

يمكن للبطالة أن تدفع بالعديد من الأسر إلى الفقر، فبالرغم من وجود قوانين التأمين المصرية منذ عقود، إلا أن إعانات البطالة، من الناحية العملية، لم يتم تطبيقها على نطاق واسع، إن وجدت.

بالإضافة إلى ذلك، لا يعكس متوسط معدلات البطالة حالة البطالة المزمنة بين النساء، والتي ارتفعت أثناء حظر التجول ثم تراجعت، لكنها ظلت عند مستويات أعلى مقارنة بالرجال. وفي الربع الثاني من عام 2020، الذي تم خلاله تطبيق إجراءات صارمة للإغلاق، كانت بطالة النساء ضعف معدل بطالة الرجال. وفي الربع الثالث، بلغت بطالة النساء 3 أضعاف معدل بطالة الرجال.

وحتى لو تمكن العديد من أولئك الذين دفعوا إلى البطالة أثناء الوباء من العثور على عمل جديد، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنهم سيتم حمايتهم من الفقر.

تعاني نسبة كبيرة من قوة العمل المصرية من انخفاض الدخل، ويمكن لهذا الوضع أن يتفاقم أيضا عندما ينحسر الوباء.

أطلقت وحدة بحثية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، في فبراير/شباط الماضي، مؤشرًا لتقييم جودة ظروف العمل في مصر، وكشف المؤشر عن ارتفاع نسبة العمال المصريين المحرومين من الدخل الكافي بين عامي 2006 و 2018 من 55% إلى 73.3%.

بالرغم من أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لم ينشر بعد أرقامًا حول معدلات الفقر أثناء الوباء، فقد كشفت أحدث بياناته أن معدل الفقر قد انخفض من 32.5% في 2018 إلى 29.7% في الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول 2019 – مارس/آذار 2020.

ومع ذلك أشار خبير مصري بارز إلى أن هذه الأرقام الأخيرة تظهر أن معدل الفقر لا يزال أعلى بنسبة 2% مما كان عليه في عام 2015، عندما بدأ برنامج "الإصلاح". وأشار الخبير نفسه إلى أن أحدث بيانات الأسرة أظهرت اتجاهًا متزايدًا نحو عدم إرسال الأطفال إلى المدرسة.

دور التحويلات النقدية

في ظل الضغوط الشديدة التي أحدثها فيروس "كورونا"، كانت سياسة التحويلات النقدية إحدى الأدوات الرئيسية لحماية الأسر من الوقوع في براثن الفقر. ومع ذلك، لم ترتفع قيمة المزايا النقدية خلال الأزمة، بالرغم من اضطرار العديد من الأسر إلى ترشيد استهلاكها للتكيف مع انخفاض الدخل، كما أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

في الواقع، لم يكن لخطط التحويلات النقدية، منذ بدايتها، قواعد واضحة لتحديد قيمة هذه المزايا. وفي الحالات التي تم فيها الإذن بزيادة التحويلات النقدية، لم يتم ربطها مباشرة بمؤشر التضخم. قيمة برنامج "كرامة" هي 450 جنيهًا مصريًا، لكن الدخل المطلوب للحماية من السقوط تحت خط الفقر هو 857 جنيهًا مصريًا شهريًا.

تواجه الأسر الفقيرة العديد من التحديات للاستفادة من هذه التحويلات النقدية الهزيلة. ولا يدرك الكثيرون أن مثل هذه المزايا موجودة أو ما إذا كانوا مؤهلين للحصول عليها.

علاوة على ذلك، فإن عتبة الدخل للتأهل منخفضة بشكل مذهل. فالأب الذي يعمل براتب شهري منتظم 1600 جنيه مصري (بدون تأمين) لا يحق له الحصول على مزايا "تكافل" لإعالة أسرة مكونة من 4 أفراد. قد يفسر هذا أن عدد العائلات التي تتلقى هذه المساعدة يقدر بحوالي 3.6 مليون من حوالي ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 100 مليون نسمة الذين يعانون من الفقر.

بعد رفع الإغلاق، وافقت الحكومة المصرية على مساعدة مؤقتة جديدة بقيمة 500 جنيه شهريًا تستهدف بشكل أساسي العمال غير النظاميين الذين لا يغطيهم نظام التأمين. لم تكن تكلفة هذه المساعدة المؤقتة للميزانية كبيرة (أي حوالي 800 مليون من إجمالي 100 مليار جنيه إنفاق طارئ تم توجيها لدعم الأعمال)، ويرى العديد من الخبراء أن هذا الإجراء ساعد في تخفيف آثار الأزمة.

كما كان للمساعدة المؤقتة أثر غير مقصود يتمثل في تركيز الانتباه على نقاط ضعف العمال غير النظاميين، ولا سيما أولئك الذين يعملون في قطاع البناء والعقارات، وهم الأكثر عرضة لخطر البطالة.

منذ تسعينيات القرن الماضي، وهو الوقت الذي بدأت فيه مصر في تبني سياسات اقتصادية ليبرالية جديدة، بدأت الدولة في الانسحاب من دورها كصاحب عمل، وتركت الأمر للقطاع الخاص لخلق الوظائف دون التأثير على عجز الموازنة العامة.

ومع ذلك، فقد ثبت أن العديد من الوظائف التي تم إنشاؤها لاحقًا من قبل القطاع الخاص الآخذ في التوسع غير مستقرة. ووفقًا لاستطلاعات السوق، انخفضت حصة القطاع العام في التوظيف بين عامي 1998 و2018 من 39% إلى 26%، بينما ارتفعت حصة الوظائف الخاصة غير الرسمية من 11% إلى 16% داخل المؤسسات ومن 13 إلى 23 % خارج المؤسسات.

وفقا لبعض الدراسات، مر الاقتصاد المصري في هذه العملية، بتحول هيكلي، ويشير الادعاء إلى "تراجع كبير في التصنيع"، وقد لاحظ كتاب أن هذه التغييرات الهيكلية "أدت إلى نمو غير متناسب للعمالة غير الرسمية خارج المؤسسات الثابتة، والتي تعد واحدة من أكثر أشكال التوظيف ضعفًا في مصر".

ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، تهيمن "اللارسمية" على سوق العمل في مصر، حيث يمثل العمال غير النظاميين 63.3% من إجمالي الوظائف. وقد هدد الوباء حياة وسبل عيش نسبة أكبر بكثير من سكان الشعب بأكثر مما يدركه الكثيرون، ولم يكن لدى معظمهم أي ضمان للحماية الاجتماعية في ذلك الوقت، وليس من المحتمل أن يفعلوا ذلك في الأزمة المقبلة دون مزيد من التغييرات في السياسة.

خاتمة

كان عام 2015 هو العام الأول للعودة إلى مستويات النمو قبل عام 2011، بعد فترة من عدم الاستقرار السياسي التي أثرت على الاقتصاد. وأدى نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي لمصر إلى ضعف معدل النمو السكاني تقريبًا.

وبالرغم من انخفاض النمو من 5.6% في عام 2019 إلى 3.6% في عام 2020 بسبب الوباء، كانت مصر الدولة الوحيدة المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان التي توسع اقتصادها خلال تلك الفترة. ومع ذلك، وبالرغم من رواية الحكومة المصرية التي روجت لهذا الإنجاز، فإن الأدلة توضح أن حالة الفقر وعدم المساواة ساءت مع تباطؤ النمو.

ركز برنامج "الإصلاح" في مصر على الأهداف المالية والنقدية؛ مثل ترشيد الإنفاق الاجتماعي العام وتعويم العملة المحلية، ولم يرافقه إصلاحات كافية في السياسات الاجتماعية وسياسات العمل.

نجحت الإصلاحات في كبح جماح عجز الموازنة العامة. لكن خطط التحويلات النقدية الموضوعة لحماية الفقراء من الآثار السلبية للتقشف فشلت في الوصول إلى العديد منهم، ولم توفر سوى إغاثة طفيفة لأولئك المؤهلين للحصول على هذه المساعدة.

دفعت جائحة "كورونا" الحكومة إلى تبني سياسة مؤقتة جديدة لتوسيع التحويلات النقدية إلى العمال غير الرسميين، وهو إجراء بالرغم من ترحيب الخبراء به، إلا أنه يسلط الضوء في الوقت نفسه على مشكلة زيادة عدم التنظيم في سوق العمل التي تعاني بشدة.

تتجاوز الحاجة إلى تغيير هيكلي مثل هذه التدابير الملطفة المؤقتة. في الواقع، يعكس الحجم الهائل لهذا الطابع غير الرسمي تراجع التصنيع في الاقتصاد، والذي لا يهدد استدامة النمو الاقتصادي فحسب، بل يزيد من خطر دفع العدد المتزايد من العمال غير الرسميين وأسرهم إلى الفقر خلال الأزمة المقبلة.

كلمات دليلية
التعليقات (0)