- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
مقال للدكتور مصطفي النجار من خلف أسوار الإختفاء سنوات
مقال للدكتور مصطفي النجار من خلف أسوار الإختفاء سنوات
- 5 يونيو 2021, 2:39:28 ص
- 1848
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ولا نعرف سوى أن نحب هذا الوطن
عزيزى القارىء إذا كان باستطاعتك قراءة هذا المقال الأن فهذا يعنى أن كاتبه قد صار خلف الأسوار فى أسر السجان ، كاتب المقال ليس قاتلا ولا مرتشيا ولا سارقا ولا يتاجر فى المخدرات ، كاتب المقال طبيب تعرفه وبرلمانى سابق ربما تكون انتخبته ليمثلك فى البرلمان عقب ثورة يناير فى أول انتخابات ديموقراطية حقيقية شهدتها مصر فى نهايات 2011 ، كاتب المقال خاض معركة انتخابية كبرى ضد مرشح الاخوان والسلفيين ونجح فى هزيمته ليكون أصغر نائب منتخب فردى فى برلمان 2011 ، جريمة وتهمة كاتب المقال أنه صدق أن الثورة قد نجحت وأصر على أن يكون صوتا معبرا عن عشرات الألاف الذين انتخبوه وعن شعب تاق للحرية وانتظر منى ومن أمثالى أن نتحدث بما يتحدثون به وننقل أراءهم وهمومهم وأحلامهم تحت قبة البرلمان
القضية التى تم ضمى اليها هى القضية المعروفة ب ( إهانة القضاء ) ودليل إدانتى كلمة لى تحت قبة البرلمان تتحدث عن محاكمات نظام ( مبارك ) وعن إفلات قتلة الشهداء من العقاب بسبب طمس الأدلة وتبعثرها ، وهو بالمناسبة نفس ما قاله قاضى محاكمة مبارك فى مقدمته الشهيرة قبل النطق بالحكم حيث أشار لعدم توافر الأدلة
ستسأل عن الحصانة البرلمانية التى يكفلها الدستور والقانون لكل نائب برلمانى تحت القبة ليدلى بأراءه دون خوف ولا تهديد من أى جهة ، وسأشاركك نفس السؤال المحير ؟ كيف تم ضمى أصلا للقضية بدليل إدانة هو مقطع فيديو لكلمة لى مذاعة على الهواء تحت قبة البرلمان ؟ كنت أتحدث فيها عن حقوق الشهداء وضرورة تحقيق العدالة والتأكيد على استقلال القضاء
هذه الكلمة كانت سببا فى الحكم علىَ بثلاثة سنوات سجن ومليون جنيه غرامة ! ، لا تندهش فحتى هذه اللحظة أنا شخصيا غير مستوعب لما حدث ورافض أن أصدقه ! هل يوجد مكان آمن أكثر من البرلمان المنتخب من قبل الشعب لتنطق فيه بما يمليه عليه ضميرك ؟
ستقول لى لماذا لم تترك هذا الوطن وتغادر لوجهة أخرى قبل موعد القضية حفاظا على أمانك الشخصى ؟ وأجيبك أنى سافرت كثيرا منذ بدء القضية المنعقدة على مدار أربعة سنوات وكان يمكننى ألا أعود ، لكننى رافض أن أترك وطنى مهما لقيت فيه من ألم وآسى ، ولدت هنا وتربيت هنا وحلمت لهذا الوطن حلما لم يتحقق بعد ولا أريد أن يجبرنى أحد على ترك بلادى
لست مذنبا حتى أفر ولست مجرما حتى أخاف ، ما هو جرمى ؟ هل تمثيلى للشعب بعد انتخابى أمر يُعاقب عليه القانون ؟ لم أكفر بالعدالة فى وطنى وقررت سلوك درب التقاضى حتى أخره أملا فى ضمائر حية وعقول مستنيرة تخبر السلطة أننى لست من أعداء الوطن وتقول لها أن هؤلاء الشباب هم عماد الوطن ورأسماله الحقيقى ، ولا يعنى عدم تأييدهم للسلطة ومعارضتهم لسياساتها التنكيل بهم وإلقاءهم فى غياهب السجون حتى تخرس أصواتهم
أعرف أن العداء لثورة يناير ليس بالقليل والتشويه والاغتيال المعنوى الذى طالنى أنا وأخرين بسبب انتماءنا للثورة وتصدرنا فى أحداثها لم يتوقف ، نهشوا فى أعراضنا وسمعتنا ، مارسوا كل أصناف التشويه بغرض أن يبغضنا الناس لكن الحقيقة أن كل صاحب ضمير يعرف نبل مقصدنا ويدرك أننا ما فعلنا شيئا سوى لنهضة هذا الوطن وانتشاله من وحل التخلف والاستبداد إلى أفاق العلم والحرية
لست نادما على انتمائى لثورة يناير ولا على مسيرتى السياسية القصيرة فكل ما فعلته كان عن حسن نية ، أصبت بلا شك وأخطأت ، لكن ليس هناك خطأ ارتكبته يتسبب فى أن أترك ثلاثة أبناء بلا عائل وأُلقى فى السجن عدة سنين بلا ذنب اقترفته ، لا ذنب لهؤلاء الأطفال فى حلم أبيهم وتحركه من أجل وطنه يوما ما
لا أبتغى شفقة من أحد ولكنى حزين أن يتساوى الاصلاحيين بالإرهابيين ، كم شاب أغلقت فى وجهه مسارات التعبير السلمى عن الرأى واجتذبه المتطرفون لطريقهم ؟ قضيتى ليست قضية شخص بل قضية جيل يصرون على سحقه وتدمير أحلامه حتى يكفر بالوطن ؟ هل يريدوننى أن أتحول بسبب مرارة الظلم الى داعشى يفجر الناس ويستحل دماءهم ؟ هل يريدوننى أن أتحول لشخص كاره لبلاده وشعبه ؟
لم أشتم وطنى يوما ما ، ولم أهين أيا من مؤسساته ولا شخوصه ، لم أمارس التجريح أبدا فى أى مقال أو كلمات كتبتها لأنى أؤمن أن الصوت الهادىء أفضل من الصراخ والاحترام يسبق الوقاحة ، حتى القضاء الذى يتهموننى بإهانته كنت واحدا من المسحولين فى 2006 بسبب الدفاع عن استقلاله فى مظاهرات استقلال القضاء الشهيرة ، وأكدت فى التحقيقات أننى أحترم القضاء وأن اختلافى مع الأحكام الصادرة لا يعنى إهانتى للسلطة القضائية التى أقسمت على احترامها كمؤسسة من مؤسسات الدولة أثناء حلفى يمين بدء البرلمان
لقد احترمت الدستور والقانون وكنت مواطنا يرنو للمثالية ، لكن كل ذلك لم يشفع لى وكل من يعاين حالنا يدرك المغزى الحقيقى مما يحدث لى ولمن هم مثلى ، ليس أمامى سوى خيارين الخيار الأول أن أكفر بوطنى بسبب مظلمتى وأن أتحول لشخص أخر يشبه هؤلاء المرضى الكارهين لأوطانهم والخيار الثانى أن أحتسب عند الله ما ألقاه وأتمسك بحقى الدستورى والقانونى فى رفع ما لحق بى ، لا تسخر مما أكتب فأنا على يقين أن العدل سيسود هذا الوطن وأن العدالة لم تمت بعد
مكاننا ليس السجون بل ساحات البناء ، هذا الوطن يستحق أن نتحمل من أجله كل أذى وعنت أصابنا وليرفع الله الغشاوة عمن يرون جيلنا عبئا على الوطن وليس زادا وعتادا له
أما أطفالى الثلاثة ( يُمنى وهنا وسُهيل ) افخروا بأبيكم وبما صنعه هو وأقرانه لهذا الوطن من بذل وعطاء ومحبة ، سامحونى فقد كنت أعمل يوميا من الصباح حتى المساء من أجل توفير حياة كريمة لكم حتى تخرجوا مواطنين صالحين فى وطن يقدس أبناءه ، لكن قدرى أن أغيب عنكم وأترككم وحدكم يتولاكم الله برعايته وحفظه ، أما أنت يا أمى فاعذرينى على غيابى عنك وسط مرضك الشديد وحاجتك لمن يرعاكى وسامحينى على تقصيرى وليكن عزاءك أننى ما أذنبت ولا أجرمت بل جهرت بما أعتقدته حق ، لا تكفروا بالوطن ولا تتجرعوا مشاعر الكراهية ، الحب سينتصر والظلام سينجلى واصبر وما صبرك إلا بالله
أكمل مرحلة نقض الحكم ولن أكفر بأمل العدالة وأتمنى ألا يطول البعاد وأعود لحياتى الطبيعة ، وليدعو لى من يحبنى