ممدوح الولي يكتب: شهادات الادخار المرتفعة العوائد لن تخفض التضخم المصري

profile
  • clock 7 أبريل 2023, 12:05:31 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

استمر الجهاز المصرفي المصري في سياسة رفع سعر الفائدة سعيا نحو خفض معدلات التضخم المرتفعة حاليا، حيث رفع البنك المركزي سعر الفائدة بنسبة 2% في 30 مارس/آذار الماضي، بعد رفعه الفائدة 4 مرات خلال العام الماضي بإجمالي 8%.

كما دفع المركزي أكبر بنكين حكوميين من حيث القدرة على استقطاب الودائع، وهما الأهلي المصري ومصر، إلى إصدار شهادتي إيداع جديدتين في الثاني من الشهر الحالي ذات أجل 3 سنوات، الأولى بعائد شهري 19%، والثانية بعائد شهري متناقص يبدأ بنسبة 22 % بالسنة الأولى، ثم بنسبة 18% بالسنة الثانية ثم بنسبة 16% بالسنة الثالثة، أي بمتوسط سنوي خلال السنوات الثلاثة 18.66%.

ويأتي إصدار البنكين الحكوميين للشهادات الجديدة امتدادا لما قاما به من إصدار شهادات ادخار بعائد 18% بمارس/ آذار 2022 لمدة عام، استمر الاكتتاب بها لمدة  شهرين، ثم إصدار شهادات ادخار بعائد 17.25% في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ثم إصدار شهادات ادخار بعائد 25% أوائل يناير/ كانون الثاني الماضي لمدة عام يتم صرف العائد بنهاية المدة، أو بعائد 22.5 % في حالة صرف العائد شهريا واستمر الاكتتاب بها حتى نهاية الشهر.

عوامل مُعطلة لأثر الفائدة على التضخم

رافق تلك الإصدارات قيام بعض البنوك الخاصة وأبرزها البنك التجاري الدولي أكبر البنوك الخاصة بمصر، وقطر الوطني ثاني أكبر البنوك الخاصة، والعربي الأفريقي، بإصدار شهادات ادخار لمدة عام ونصف بعائد 22.5%، وفي حالة صرف العائد شهريا تنخفض الفائدة إلى 20%.

لكن كل تلك الإصدارات المتعددة لشهادات الادخار لم تفلح في إيقاف تصاعد معدلات التضخم خلال الشهور التالية لإصدارها، حيث كان معدل التضخم الصادر عن جهاز الإحصاء المسؤول رسميا عن حساب التضخم، في فبراير/ شباط من العام الماضي، أي قبل إصدار الشهادات 10%، لكن معدل التضخم ظل يتصاعد منذ ذلك الحين حتى بلغ 32.9% خلال فبراير/ شباط الماضي.

النتيجة نفسها كانت لمعدل التضخم الأساسي الذي يصدره البنك المركزي، الذي كان قد بلغ 7.2% بشهر فبراير/ شباط من العام الماضي، وظل يتصاعد بلا توقف حتى بلغ 40.3% في فبراير/ شباط الماضي.

 

من الإنصاف القول إن الأحوال الاقتصادية بالبلاد لم تكن مستقرة، حتى يمكن قياس أثر رفع الفائدة على الودائع بالبنوك على التضخم بشكل مباشر، حيث تدخلت عوامل أخرى خلال تلك الفترة أججت من تصاعد التضخم، أبرزها خفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار أكثر من مرة خلال تلك الفترة، مما انعكس على زيادة أسعار السلع المستوردة، وكذلك على أسعار المحلية التي تحتوي على مكون أجنبي.

كذلك ما نجم عن نقص الدولار من عدم استطاعة البنوك تمويل الواردات، مما نجم عنه تكدس السلع المستوردة بالموانئ، الأمر الذي أثر على قدرة الشركات على الإنتاج بسبب نقص المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، مما قلل المعروض من السلع بالأسواق وزيادة أسعارها بالتبعية، كذلك التدخل الحكومي غير المدروس بتسعير بعض السلع مما أدى إلى نقصها بالأسواق، وأبرزها الأرز، الغذاء الرئيسي للمصريين.

التضخم يرتبط بنقص العرض وليس بزيادة الطلب

كل تلك العوامل التي أدت لزيادة معدلات التضخم ما زالت موجودة، وعليه فلا أحد يتوقع أن تستطيع شهادات الادخار الجديدة ذات الفائدة العالية إيقاف تصاعد التضخم، فما زالت مشكلة نقص الدولار تهيمن على المشهد الاقتصادي، بل زادت حدتها، حيث أشارت بيانات البنك المركزي إلى زيادة العجز في العملات الأجنبية في فبراير/شباط الماضي إلى 22.99 مليار دولار، منها 9.2 مليارات دولار عجزا بالبنك المركزي و13.8 مليار دولار عجزا بباقي البنوك.

ما زالت مشكلة تكدس السلع بالموانئ لعدم استطاعة البنوك تدبير الدولار للإفراج عنها موجودة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار بعض السلع، أبرزها الدواجن واللحوم، بسبب صعوبات الإفراج عن الأعلاف بالموانئ رغم التصريحات الحكومية بإعطاء أولوية للإفراج عن السلع الغذائية بالموانئ.

السبب الرئيسي لتوقع عدم فاعلية رفع الفائدة على الودائع لخفض التضخم هو عدم صحة الافتراض الأساسي الذي يشير إلى أن رفع الفائدة يؤدي إلى خفض الأفراد إنفاقهم وتوجيه تلك الفوائض إلى الادخار بالبنوك، حيث إن السبب الرئيسي للتضخم المصري ليس تكالب المستهلكين على السلع والذين يعانون من نقص القدرات الشرائية، ولكنه متعلق بنقص السلع.

 

الأمر الثاني أن الأرقام التي تعلنها البنوك عن مبيعات شهادات الادخار غير مُؤثرة، حيث ذكر البنكان الحكوميان أنهما باعا شهادات بقيمة 755 مليار جنيه، خلال شهرين بعد طرحها في 21 مارس/ آذار 2022، وكان الطبيعي أن تنعكس تلك الحصيلة على زيادة الودائع بالبنوك بالقيمة نفسها خلال تلك الفترة، لكن بيانات زيادة الودائع بالبنوك التي تتضمن قيمة الفوائد المتراكمة داخلها كانت أقل من ذلك بكثير.

معظم مبيعات الشهادات استبدال ودائع

في الشهور الثلاثة السابقة على إصدار شهادات ادخار مارس/ آذار 2022، كان متوسط الزيادة الشهرية للودائع من قبل القطاع العائلي صاحب النصيب الأكبر من الودائع المصرفية، متضمنة الفوائد 49 مليار جنيه، وخلال الشهور الثلاثة من مارس/ آذار وحتى مايو/ أيار كانت متوسط الزيادة الشهرية بالودائع للقطاع العائلي 82.5 مليار جنيه.

هذا ليس أمرا غريبا على العاملين بالبنوك الذين يعرفون أنه عندما تطرح البنوك الحكومية شهادات إيداع بفائدة عالية، يقوم المودعون في تلك البنوك بتحويل أوعيتهم الادخارية من الأوعية السابقة ذات العائد الأقل إلى الأوعية الجديدة ذات العائد الأعلى، كما يحول آخرون ودائعهم من البنوك ذات العائد الأقل إلى البنوك صاحبة الشهادات الأعلى بالعائد.

هكذا يصبح الجانب الأكبر من حصيلة الشهادات التي تعلن عنها البنوك قادمة من البنوك المحلية نفسها، ويتبقى جزء قليل قادم من خارج البنوك، وهو أيضا في معظمه قادم من أوعية ادخارية أبرزها دفتر توفير البريد الأقل بالعائد، وصناديق الاستثمار النقدية التي تعطي عوائد أقل.

لهذا أرى أن البنوك عندما تطرح شهادات ادخار جديدة لا تستهدف التضخم بشكل رئيسي، وإنما تستهدف الإبقاء على الودائع الموجودة لديها التي تمثل الرافد الأكبر بمواردها بعد اتساع الفارق بين سعر الفائدة ومعدل التضخم وتحول الفائدة الحقيقية إلى سلبية. ففي فبراير/ شباط الماضي كان معدل التضخم الرسمي 32.9% بينما ما يحصلون عليه من عوائد أقل من ذلك كثيرا، حيث يتراوح ما بين 6.5% وحتى 18% حسب الأوعية الادخارية المتنوعة.

 

الحل في توافر الدولار واستقرار سعره

كذلك ظهور منافس للودائع المصرفية متمثل في المضاربة على الدولار وتحقيق عوائد من ذلك تفوق عوائد البنوك، ويبين أثر ذلك أن حصيلة شهادات الادخار بمارس/ آذار التي بلغ العائد عليها 18% حينذاك كانت 755 مليار جنيه، بينما كانت حصيلة شهادات يناير/ كانون الثاني الماضي 470 مليار جنيه رغم بلوغ العائد عليها 25 %.

هذا أمر لم يقتصر على الودائع المصرفية فقط، ففي يونيو/ حزيران الماضي كانت حصيلة مبيعات أذون الخزانة للأفراد 22.3 مليار جنيه، حين كان العائد على الأذون لمدة 91 يوما 15.3%، لكن تلك المبيعات للأفراد ظلت تتراجع أرصدتها خلال الشهور التالية، حتى بلغت أقل من 10 مليارات جنيه في يناير/ كانون الثاني الماضي، رغم استمرار الفائدة على الأذون في التصاعد حتى بلغت 20.6 % في يناير/ كانون الثاني الماضي حيث اتجه الكثيرون لتوظيف أموالهم بالأصول التي تحقق لهم عوائد تعادل معدل التضخم أو أكثر، وهو ما تعجز عن تحقيقه العوائد الثابتة، ولهذا اتجه البعض إلى الذهب وآخرون إلى السلع الغذائية وغير ذلك من الأصول.

وإذا كان كثير من المتخصصين يرون أن نسبة الرفع للفائدة على الودائع التي قام بها البنك المركزي مؤخرا البالغة 2% لتصل إلى 18.25%  غير كافية من وجهة نظر السوق، وأن الأمر يتطلب مزيدا من رفع الفائدة خلال الفترة المقبلة، خاصة مع بلوغ معدل التضخم الأساسي حسب البنك المركزي 40.3%، واعتقاد الغالبية أن معدل التضخم الحقيقي أعلى مما تذكره البيانات الرسمية، إلا أننا نرى أن الأمر لن يتم حسمه من خلال سعر الفائدة وحده، وإنما من خلال سعر الصرف بشكل أكثر.

تترقب الأسواق خفضا جديدا لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، لتعويض الفجوة الحالية بين السعر الرسمي البالغ حوالي 31 جنيها للدولار والسعر بالسوق السوداء البالغ 36 جنيها، وبلوغ السعر بالعقود الآجلة لمدة 12 شهرا 40 جنيها، وتعامل الكثير من الأنشطة الاقتصادية بالأسواق المصرية على سعر السوق السوداء في تسعير السلع مثل الذهب والسيارات وغيرها من السلع المستوردة.

لكن الأهم من الخفض المرتقب لسعر الصرف هو قدرة البنوك بعد الخفض على توفير الدولار بالسعر الذي ستعلنه، لأنها إذا لم تستطع توفير الدولار للمستوردين بالسعر الجديد فإنها توجد المبررات لاستمرار السوق السوداء، مما يعنى إمكانية ترقب المزيد من الخفض لقيمة الجنيه بالشهور التالية.

 

 

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)