منافسة روسية غربية إسرائيلية.. خارطة متشابكة لصراع السلطة والنفوذ الدولي بالسودان

profile
  • clock 10 فبراير 2023, 7:47:05 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على خارطة التشابك بين نفوذ القوى الدولية وصراع السلطة في السودان، مشيرا إلى زيارة وفد إسرائيلي، ضم وزير الخارجية "إيلي كوهين"، إلى السودان، الأسبوع الماضي، ولقائه قائد القوات المسلحة "عبدالفتاح البرهان" في إطار ما وصفه الإسرائيليون بـ "زيارة دبلوماسية تاريخية" تهدف إلى تمهيد الطريق لتوقيع اتفاق سلام في وقت لاحق من العام الجاري.

وذكر الموقع المبريطاني، في تقريرترجمه "الخليج الجديد"، أن وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" وصل، الأربعاء، إلى العاصمة السودانية في إطار جولة تشمل العراق ومالي وموريتانيا، وعقد اجتماعات منفصلة الخميس مع "البرهان" ونائبه قائد قوات الدعم السريع "محمد حمدان دقلو"، المعروف باسم "حميدتي".

وقال "لافروف"، في مؤتمر صحفي بالخرطوم، الخميس، إن مجموعة المرتزقة الروسية "فاجنر" تحارب الإرهاب في جمهورية إفريقيا الوسطى، وإنه سيتم إنشاء قواعد عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر بالسودان، وأن القوى الغربية تضغط على الحكومات الأفريقية للتنديد بروسيا.

في الوقت نفسه، التقى مبعوثون من الولايات المتحدة وفرنسا والنرويج والمملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء مع مسؤولين محليين من أجل دفع الاتفاقية الإطارية الموقعة بين الجيش السوداني وتحالف من كبار الفاعلين المدنيين في السودان ديسمبر/كانون الأول 2022.

ويرى "باتريك سميث"، محرر مجلة "أفريكا كونفيدينشال"، أن تزامن زيارة الزيارات إلى الخرطوم  ليس صدفة، بل تأتي في إطار تنافس القوة بين الأطراف ذات النفوذ الدولي.

لعبة العروش

كما يأتي تدفق الزوار إلى الخرطوم أيضا مع استمرار "لعبة العروش" في السودان، في ظل تزايد الخلاف بين "البرهان" و"حميدتي"، وعودة الشخصيات الإسلامية المرتبطة بنظام "عمر البشير" إلى الظهور، والانقسام في المعارضة المدنية حول كيفية انتزاع السلطة من الجيش.

ووفقًا لـ "خلود خير"، مؤسسة مركز أبحاث Confluence Advisory ومقره الخرطوم، فإن "برهان" و"حميدتي" والقوى الإسلامية التي دعمت الانقلاب العسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بمن فيها "أحمد كرتي"، وزير الخارجية في عهد "البشير"، لديها أفكار مختلفة حول وجهة السودان ومن يجب التعامل معه للوصول إليها.

وترى "خلود" أن "الزيارات الإسرائيلية والروسية والغربية تؤكد على دور القوة داخل القوات الانقلابية في السودان. فالأمر يتعلق بمن سيوصلهم (الانقلابيين) إلى حيث يريدون الذهاب وبأسرع طريقة ممكنة".

وأضافت: "اتفاقية ديسمبر الإطارية في صالح حميدتي. المصريون يفضلون البرهان. كل جانب له مساره الخاص.. الإسلاميون يعارضون أيديولوجيا حكومة السيسي المصرية، لكنهم سيستخدمونها لإعادة أصدقائهم في الجيش إلى السلطة".

بينما أقرت مجموعة الرباعية - الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة - بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة اتفاقية إطار العمل في ديسمبر/كانون الأول، والتي تحدد مسار انتقال السودان إلى حكومة مدنية. لا يشمل مصر التي تسلك مسارًا موازيًا للفصائل السياسية المقربة من البرهان.

ويلفت "ميدل إيست آي" إلى أن "صلاح قوش"، رئيس المخابرات السودانية السابق، يعيش في القاهرة ويقال إنه مفتاح مسار النفوذ المصري، ويعتقد أيضًا أنه مهد الطريق لعملاء المخابرات السودانية لزيارة واشنطن في يناير/كانون الثاني الماضي.

تتمتع مصر بعلاقات أعمق مع السودان أكثر من أي قوة أجنبية أخرى، لكنها "تخسر الخرطوم الآن كحليف، حيث يقترب السودان من إثيوبيا، ويغير سياساته بشأن سد النهضة"، بحسب "سميث"، مشيرا إلى أن الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" حليف قديم لـ "البرهان"، لكن الجنرال السوداني مدعوم من قبل الإسلاميين السودانيين المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين أعداء "السيسي" اللدودين.

وتنتقد معظم لجان المقاومة السودانية، جنبًا إلى جنب مع الحزب الشيوعي، اتفاق ديسمبر/كانون الأول، الذي وقعته قوى الحرية والتغيير المدنية وقوبل بغضب واسع النطاق في الشارع.

تسببت الصفقة في حدوث انقسام بالتكتل المدني، وإنشاء "قوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية"، ككيان منشق، حيث ويجادل منتقدو اتفاقية ديسمبر/كانون الأول بأنها كانت نتيجة محادثات سرية للغاية، وتتجاهل معظم مطالب مناطق السودان العديدة، وتحافظ بشكل أساسي على سيطرة الجيش.

مصالح روسيا

ما علاقة ذلك بروسيا؟ تعود الإجابة إلى مصالح موسكو في السودان، وعلى رأسها قطاع التعدين، وخاصة الذهب، وصادرات القمح والأسمدة، إضافة إلى وجود مجموعة فاجنر في السودان والمنطقة المحيطة به.

ويشير "ميدل إيست آي"، في هذا الصدد، إلى اعتقاد مفاده أن "حميدتي" مرتبط بمجموعة المرتزقة الروسية من خلال قوات الدعم السريع، التي يقودها، وله علاقات وثيقة مع موسكو، التي زارها مع بدء الحرب في أوكرانيا.

وخلال تلك الزيارة، تمت مناقشة رغبة روسيا في إنشاء ميناء على البحر الأحمر، وحمل "حميدتي" الاقتراح معه إلى الخرطوم.

وقالت مصادر مطلعة على المحادثات إن "البرهان" كان معارضًا للاقتراح الروسي، وأن الأمر انتهى إلى تولي الإمارات مشروع الميناء، رغم ادعاء "لافروف" خلاف ذلك.

سلام مع إسرائيل

ومن جانب إسرائيل، فإن اهتمام تل أبيب بالخرطوم رمزي وتاريخي، خاصة أن السودان كان داعمًا قويًا للقضية الفلسطينية قبل اتفاقية التطبيع الأخيرة مع إسرائيل، حيث قاتلت الكتائب السودانية ضد إسرائيل في حرب عام 1948 وفي حرب عام 1973.

وفي عهد "البشير"، الذي حكم السودان من 1989 إلى 2019، مرت أسلحة متجهة إلى حماس وجماعات فلسطينية مسلحة أخرى عبر السودان.

ولهذا السبب، قصفت إسرائيل المصانع والمخازن في السودان في عدة مناسبات، حسبما يرى "إيهود يعاري"، الزميل بمعهد واشنطن، مؤكدا أن "البحر الأحمر مهم جدًا لإسرائيل للتأكد من أن سواحل البحر الأحمر ليست معادية".

وفي عام 2016، بدأ "البشير"، الذي كان يعاني من نقص التمويل من حليفته إيران، التي كانت تعاني ضائقة مالية وأرهقته العقوبات الأمريكية، في تلطيف موقفه وتطلع إلى تطوير علاقة مع إسرائيل.

وفي عام 2020، بعد الإطاحة بـ "البشير"، التقى "البرهان" برئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في أوغندا في اجتماع بوساطة الرئيس الأوغندي "يوري موسيفيني" وزوجته "جانيت". وانضم السودان إلى اتفاقات التطبيع، التي توسط فيها "دونالد ترامب"، والمعروفة باسم اتفاقيات إبراهيم، بعد فترة وجيزة.

وفي الأسبوع الماضي، كان "البرهان" هو الزعيم الذي جاء الإسرائيليون لزيارته، وذلك رغم أن "حميدتي" لديه علاقة مع جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد).

فاللاعبان العسكريان يمتلكان مصادر مختلفة للسلطة والثروة ويتبعان استراتيجيات خارجية موازية بالإضافة إلى خططهما المحلية، وهو ما أشار إليه "يعاري" بقوله: "نحن ندرك أن هناك القليل من التوتر بين البرهان وحميتي، فهما شركاء في المنافسة".

وأضاف أن "البرهان ونتنياهو يتعايشان بشكل جيد للغاية"، وأن  "اللعبة لا تلعبها وزارة الخارجية الإسرائيلية ، بل الدفاع والاستخبارات"، في إشارة إلى من كان يقود العلاقات مع السودان على الجانب الإسرائيلي.

وتابع أن العلاقات بشكل رئيسي مع البرهان وأقل من ذلك مع حميدتي، الذي هو أكثر إشكالية، لكنه استدرك: "لدى حميدتي اتصالات وثيقة في الإمارات. لولاهم ولولا السعوديين لما مضى السودان قدما في التطبيع مع إسرائيل".

فـ "حميدتي" مقرب من حاكم أبو ظبي، "محمد بن زايد"، ويقال إنه وإخوته يسيطرون الآن على مناجم الذهب في السودان، التي تصدر الخام إلى الإمارات بقيمة 16 مليار دولار سنويا.

ويشير "يعاري" إلى أن الخرطوم بالنسبة لـ "نتنياهو" هي مفتاح مهم لضمان القيام برحلات جوية مباشرة من إسرائيل إلى أمريكا الجنوبية، ومن أجل القيام بذلك، تحتاج إسرائيل إلى أن تكون قادرة على تحليق الطائرات عبر المجال الجوي الشاسع للسودان.

لقد حصل "نتنياهو" بالفعل على موافقة حول مسار رحلات الطيران المدني من تشاد ويتطلع إلى التحدث مع مالي وموريتانيا. والمناقشات جارية مع الحكومة النيجيرية حول الرحلات الجوية المباشرة من تل أبيب.

القضية الفلسطينية

وفي السياق، يرى "ألون بينكاس"، الدبلوماسي الإسرائيلي الذي عمل مستشارًا لـ 4 وزراء خارجية إسرائيليين، أن صفقة نتنياهو بشأن رحلات الطيران المدني عبر السودان مرتبطة بنظرية مفادها أنه "إذا كان بإمكان إسرائيل تطبيع العلاقات مع سلسلة من الحكومات المتوالية في المنطقة العربية الأوسع، فيمكن إثبات أنه لا أحد يهتم بالفلسطينيين وأن القضية الفلسطينية ليست مركزية في الصراع العربي الإسرائيلي".

ومن جانبها، عارضت لجان المقاومة السودانية والأحزاب اليسارية والجماعات الإسلامية والنشطاء السياسيين الاجتماع الذي أجراه "البرهان" مع "كوهين" والوفد الإسرائيلي، والخطوات نحو اتفاق سلام مع إسرائيل.

وقال "يسرا محجوب"، المتحدثة باسم لجان المقاومة، إنهم عارضوا الصفقة لأنها ضد الثورة ليس فقط في السودان ولكن في المنطقة بأكملها، مضيفة: "لا يمكننا المطالبة بحرية الشعب السوداني وإهمال الفلسطينيين. فإسرائيل دولة عنصرية إرهابية تقف ضد حقوق الفلسطينيين. وتمثل مصالح الاستعمار الجديد. نرى أن الاستيلاء على الأراضي في فلسطين مستمر، لذلك نحن ضد القهر في كل مكان".

كما ترفض الأحزاب اليسارية في السودان التطبيع مع إسرائيل وتقف ضد الحكام العسكريين للسودان، وهو ما عبر عنه المتحدث باسم حزب البعث العربي الاشتراكي "وجدي صالح" بقوله إن "الجيش السوداني ليس له الحق في تحديد السياسة الخارجية للبلاد"، مضيفا: "نحن ضد التطبيع مع اسرائيل وسنقاوم ذلك في الشوارع. كما أننا ضد استخدام الجيش لهذه التكتيكات من أجل البقاء في السلطة".

وتابع: "نرى أيضًا تدخلًا خارجيًا واسع النطاق في الوقت الحالي من العديد من الحكومات من حولنا ، لذلك نحث الثوار على توخي الحذر الشديد والحزم في الرد على هذه المحاولات لإجهاض الثورة السودانية".

التعامل مع واشنطن

وبالنسبة للاعبين الأقوياء في الخرطوم، كانت الزيارة الإسرائيلية في جزء منها تتعلق بالولايات المتحدة. ففي 30 يناير/كانون الثاني، أطلق السودان سراح قاتل عامل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "جون جرانفيل" وسائقه و"عبدالرحمن عباس رحمه" في الخرطوم في عام 2008. واعتُبرت هذه الخطوة علامة على زيادة نفوذ الإسلاميين وأدانتها الولايات المتحدة.

ولذا فإن تطوير العلاقات مع إسرائيل هو شكل من أشكال "الكفارة" السودانية ووسيلة لشراء الدعم الأمريكي، حسبما يرى "سميث"، مضيفا: "إنها ليست بطاقة خروج آمن للجيش السوداني لكنها تقترب من ذلك".

وتابع: "إذا استمرت عملية انتقال السلطة في السودان كلعبة عسكرية لكسب الوقت، فيمكن لصفقة مع إسرائيل أن تمثل علامة فارقة لصالح العسكريين"، مشيرا إلى أن جنرالات السودان سيحبون بلا شك وضع أيديهم على برنامج التجسس الإسرائيلي بيجاسوس.

وعلى الجانب المدني، ستكون التكنولوجيا الإسرائيلية، خاصة في مجالي تحلية المياه والري، ميزة مهمة للزراعة السودانية.

ومع توالي زيارات وفود القوى الدولية والإقليمية إلى الخرطوم، يبحث النشطاء السودانيون عن طريقة للعودة نحو الديمقراطية، ولاتزال الاتفاقية الإطارية التي أبرمت في ديسمبر/كانون الأول بتأييد "حميدتي"، تحتوي على العديد من القضايا العالقة.

ومن شأن الاتفاق ترك القوات المسلحة السودانية دون مس إلى حد كبير، في حين لن يكون ذلك مقبولا من نشطاء ورموز ثورة السودان المستمرة، الذين يخرجون إلى الشوارع أسبوعًيا.

كلمات دليلية
التعليقات (0)