مونديال 2022.. هكذا ساهمت كرة القدم في استراتيجية الأمن القومي لقطر

profile
  • clock 16 نوفمبر 2022, 5:29:20 ص
  • eye 975
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

سيكون يوم 18 ديسمبر/كانون الأول يومًا مميزًا بالنسبة للقطريين، حيث سيجتمعون في الصباح للاحتفال باليوم الوطني للبلاد، بينما سيحضرون في المساء لمشاهدة المباراة النهائية لمونديال قطر الذي ينطلق يوم الأحد المقبل. وتعد هذه المصادفة السعيدة بمثابة تتويج لاستراتيجية قطر لكرة القدم: جعل هذه الرياضة ركيزة لصعودها الدولي وتعزيز أمنها القومي.

في العقدين الماضيين، أصبحت كرة القدم أداة قوة ناعمة للعديد من الدول الغنية، من دول الخليج العربي إلى روسيا إلى دول جنوب شرق آسيا. ومن السهل فهم السبب حيث إن كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية في العالم، ويشاهدها المليارات من المشجعين في جميع القارات. ويضمن الاستثمار في كرة القدم ظهورًا عالميًا وإيرادات مالية مذهلة.

لكن بالنسبة لقطر، فإن كرة القدم لا تتعلق فقط بإعطاء صورة دولية إيجابية أو تعزيز السياحة أو تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الغاز الطبيعي، بل هي ضمانة لأمن البلاد، وتحميها من النوايا المعادية لبعض جيرانها.

وبدأ القادة القطريون وضع هذه الاستراتيجية في أوائل التسعينيات، بعد وقتٍ قصيرٍ من انتهاء حرب الخليج الأولى. لقد كانوا قلقين من أن بلدهم، الذي يتمتّع بموارد طبيعية كبيرة لكنه مُحاطٌ بأعداء ومنافسين أقوياء، يمكن أن يواجه نفس مصير الكويت (غزو من قبل جارٍ أكبر).

وبعد وصوله إلى السلطة في العام 1995، تحرّك حاكم البلاد آنذاك الشيخ "حمد بن خليفة آل ثاني" على جبهاتٍ مختلفة لتأمين مستقبل قطر. وافتتح في عام 1996 قاعدة العديد الجوية - والتي تعد اليوم أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط. وفيما يتعلق بالقوة الناعمة، أطلق الأمير قناة "الجزيرة" التي أصبحت واحدة من العلامات التجارية القطرية الأكثر شهرة وأداة تأثير هائلة في المنطقة وخارجها.

وفي السنوات التي تلت ذلك، استثمرت الدوحة في شركات عالمية بارزة للغاية، مثل  مثل “هارودز” (Harrods) و”ميراماكس فيلمز” (Miramax Films) و”رويال داتش شل” (Royal Dutch Shell) و”بورشه” (Porsche). وكان التفكير أنه كلما تحدّث العالم عن قطر، قلَّ إغراءُ جيرانها للقيام بعمل عدواني ضدها.

وأصبحت الرياضة الدولية بسرعة أداة رئيسية لهذه الإستراتيجية. واستضافت قطر أكثر من 20 حدثًا من الدرجة الأولى والثانية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك الألعاب الآسيوية لعام 2006، وبطولة العالم للدراجات لعام 2016، وبطولة العالم لألعاب القوى لعام 2019. وكانت الراعي الأول على الإطلاق لحدث سباق الخيل الملكي في عام 2014.

قد نقلت كرة القدم، بشعبيتها المتزايدة وإيراداتها الهائلة، هذه الإستراتيجية إلى مستوى مختلف. وتتضاءل بقية الأحداث الرياضية التي تستضيفها قطر مقارنة بكأس العالم 2022، وهو حدث عالمي حقيقي من المتوقع أن يشاهده عبر التلفزيون أكثر من 5 مليارات شخص. 

وأنفقت قطر 220 مليار دولار في التحضير للبطولة وبناء الملاعب الجديدة والمستشفيات والفنادق والمطارات وشبكات النقل. ومن المتوقع أن يحقق كأس العالم إيرادات بقيمة 9 مليارات دولار للدوحة - بالإضافة إلى الشهرة والمجد في جميع أنحاء العالم بالطبع.

منذ أن تم منح قطر حقوق استضافة كأس العالم في عام 2010 أصبحت الدولة الخليجية قوة رياضية عالمية. لقد فعلت ذلك من خلال استراتيجية مفصلة تطورت في 3 اتجاهات.

أولاً، ربطت قطر نفسها بأفضل أندية كرة القدم في العالم، إما عن طريق الرعاية المربحة أو السيطرة المباشرة. واعتاد المشجعون في الوقت الحاضر على رؤية اسم قطر على قمصان أنديتهم الوطنية الأكثر نجاحًا، من نادي برشلونة في إسبانيا إلى بايرن ميونيخ في ألمانيا إلى بوكا جونيورز في الأرجنتين.

ويعتبر نادي باريس سان جيرمان الفرنسي جوهرة تاج كرة القدم في قطر. استحوذت شركة قطر للاستثمارات الرياضية التي تسيطر عليها الحكومة على نادي باريس سان جيرمان في عام 2011، مما جعله أحد أنجح الأندية الأوروبية. وكان الرجل الذي اختير لقيادة النادي هو "ناصر الخليفي" مدرب التنس السابق والمقرب من الأمير "تميم بن حمد آل ثاني".

،ومع أدواره القيادية في اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، فقد أصبح "الخليفي" أحد أقوى الفاعلين في كرة القدم العالمية اليوم.

وكانت السيطرة على حقوق البث الدولي وسيلة ثانية لتوسّع قطر في عالم كرة القدم. ويشاهد مئات الملايين من مشجعي هذه الرياضة مباريات كرة القدم على شبكة الرياضة القطرية  “beIN Sports”، التي تصل إلى 43 دولة في 5 قارات، مع قنواتٍ باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والتي يترأسها أيضًا "الخليفي". وعلى غرار قناة "الجزيرة"، تُعَدُّ “BeIN” أداةً قوية للتأثير الإقليمي –على الأقل، هذا ما يعتقده منافسو قطر.

أخيرًا، كانت الاستثمارات المحلية الضخمة هي الطريقة الثالثة لقطر لتحسين مكانتها الكروية الدولية، فأكاديمية "أسباير"، التي تأسست في عام 2004، هي واحدة من أشهر برامج تنمية مواهب كرة القدم في العالم، وتستكشف كل عام 5000 طفل قطري تبلغ أعمارهم الحادية عشرة، وتُقدّمُ المنح التعليمية للأكثر موهبة حتى سن الثامنة عشرة.

ومن خلال إعطاء الأولوية للاعبين المولودين في قطر وكذلك الشباب غير القطري المولد –عادةً أطفال المهاجرين الذين عاشوا معظم حياتهم في قطر– حسّنت “أكاديمية أسباير” جودة حركة كرة القدم في قطر بشكلٍ كبير، كما أعادت تعريف معنى أن يكون الإنسان قطريًا.

لكن هل استراتيجية كرة القدم القطرية تؤتي ثمارها في النهاية؟ بالنظر إلى الطريقة التي انخرط بها كل من باريس سان جيرمان وقنوات "بين سبورت" والمنتخب القطري في الجغرافيا السياسية في السنوات الأخيرة، سوف يستنتج المرء أن الجواب نعم، ففي الأيام الأولى من حصار قطر كان باريس سان جيرمان أداة اتصال هائلة.

وبعد أسابيع قليلة من بدء الحصار، وقع الفريق صفقات قياسية للحصول على قائد المنتخب البرازيلي "نيمار" والنجم الفرنسي الصاعد "كيليان مبابي". وجلب الاستثمار، الذي تجاوز 450 مليون دولار للاعبين، اهتمامًا غير مسبوق لقطر وقوتها المالية الهائلة في وقت كان من المفترض أن تكون فيه الدولة معزولة دوليًا. ورُغمَ أن علاقاتها الإقليمية كانت في الحضيض، كانت قطر في ذروة شهرتها العالمية.

وسرعان ما امتد الخلاف الخليجي إلى حقوق بث كرة القدم أيضًا. وفي أواخر عام 2017، بدأت قناة قرصنة تسمى “beoutQ”، والتي تم تتبع أصولها بسرعة إلى السعودية، في بث محتوى قنوات “BeIN” بشكل غير قانوني، مما تسبب في إلحاق ضرر كبير بصورة قطر ومواردها المالية. وبعد سنوات قليلة من الجدل وبدعم من البطولات الأوروبية الكبرى لكرة القدم، كان لقطر الكلمة الأخيرة في هذا الشأن.

وفي عام 2020، قضت منظمة التجارة العالمية بأن السعودية انتهكت القواعد العالمية لحقوق الملكية الفكرية من خلال عدم ملاحقة جهة البث المقرصنة.

وتجلت التوترات بين قطر وجيرانها في ملاعب كرة القدم أيضًا. وحتى يومنا هذا، ربما يظل الفوز على الإمارات في نصف نهائي كأس آسيا 2019 أكثر اللحظات فخراً في تاريخ كرة القدم القطرية. وقد أقيمت المباراة المشحونة سياسياً في أبوظبي أمام جمهور معادٍ تمامًا لقطر، ولم يُسمح إلا للمشجعين المحليين بدخول الملعب. ومع فريق تم تطويره بالكامل تقريبًا في أكاديمية "أسباير"، هزمت قطر الإمارات 4-0 ثم ما لبثت بعدها أن فازت بالبطولة في المباراة النهائية ضد اليابان. وغاب المسؤولون الإماراتيون عن حفل توزيع الجوائز وطعنوا في النتيجة بعد ذلك.

ويرى العديد من المراقبين أن مونديال 2022 لعب دورًا في إنهاء الحصار الخليجي في أوائل عام 2021. فبعد محاولة فاشلة لتجريد قطر من البطولة، اضطر جيرانها في النهاية إلى إنهاء الحصار من أجل المشاركة في الإيرادات التي ستجلبها البطولة للمنطقة.

ويبدو أن حسابات الدوحة الأولية – أنه كلما تحدّث العالم عن قطر، قلَّ خطر العدوان – لا تزال صحيحة. لكن كرة القدم جلبت الكثير من الصحافة السيئة لقطر أيضًا. وتعمدت هذه الصحافة تسليط الضوء على ظروف العاملين في البنية التحتية لكأس العالم، والأثر البيئي الكبير للبطولة، و"الحماية غير الكافية لحقوق المرأة والمثليين" في الدولة الخليجية. لكن يمكن للدوحة أن تتجاهل كل الانتقادات: لقد تم بالفعل كسب أكبر جائزة لكأس العالم ــ الشهرة على مستوى العالم.

ولكن إذا كانت كأس العالم هي لحظة التتويج لاستراتيجية قطر لكرة القدم، فهي أيضًا نقطة تحول في السياسة الخارجية للبلاد. وعندما تنتهي البطولة، ستحتاج الدوحة إلى التفكير في طرق جديدة لتعزيز طموحاتها الدولية. وستتطلب "استراتيجية ما بعد كأس العالم" من الأمير "تميم" إعطاء مضمون جديد للموقف العالمي للبلاد - من موازنة موقفها بين الصين والولايات المتحدة إلى المساعدة في إصلاح نقص الطاقة في أوروبا وأن يصبح مركزًا إقليميًا للطاقة الخضراء.

لكن القرارات الأخيرة التي تمنح قطر حقوق استضافة كأس آسيا لكرة القدم 2023 ودورة الألعاب الآسيوية 2030 تشير إلى أن اهتمام الدوحة بالقوة الناعمة لكرة القدم والرياضة سيظل قائمًا.

 

المصدر | فرانكيسكو سيكاردي - كارنيجي

التعليقات (0)