- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
نزار بولحية يكتب: لماذا اعترف الإسرائيليون الآن بمغربية الصحراء؟
نزار بولحية يكتب: لماذا اعترف الإسرائيليون الآن بمغربية الصحراء؟
- 19 يوليو 2023, 4:24:54 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ما الذي أرادوا تحقيقه بالضبط؟ وهل أنهم سيطلبون اعترافا مقابل اعترافهم؟ قد يتساءل البعض، ثم هل إن إقرارهم للمغرب بسيادته على الصحراء سيجعله يقر لهم باحتلالهم لفلسطين؟ قد يضيف آخر. ليس من الثابت أن يؤدي قرارهم إلى ذلك. وعلى أي حال فلم يكن من العبث أبدا أن يقدم الإسرائيليون على إعلانه بتزامن مع بدء الحديث عن غزل إيراني نحو المغرب، وفي اليوم الذي انتهى فيه مفعول اتفاقيات الصيد البحري بينه وبين الاتحاد الأوروبي، ووصل فيه الرئيس الجزائري إلى بكين ليبحث مع قادتها عدة ملفات، كانت الصحراء واحدة من أبرزها.
لم تكن تل أبيب بمعزل عن التطورات السريعة التي يعرفها الشمال الافريقي، وعن الصراع المحتدم بين الجارتين المغاربيتين على كسب المواقع والتحالفات، كما لم يكن ممكنا لها أن تحتفظ طويلا بورقة كانت تعلم جيدا مقدار الأهمية الشديدة التي تعنيها للبلد المغاربي الوحيد، الذي يقيم معها اليوم علاقات دبلوماسية.
لم تكن تل أبيب بمعزل عن التطورات السريعة التي يعرفها الشمال الافريقي، وعن الصراع المحتدم بين الجارتين المغاربيتين على كسب المواقع والتحالفات
لقد تقاطعت جملة من الأسباب التي جعلت الإسرائيليين يختارون هذا التوقيت دون غيره، ويعتبرونه الأفضل لقرارهم، وحتى إن قال البعض إن الأمر كان متوقعا ومنتظرا منذ فترة وأعادوا التذكير، على سبيل المثال، بما قاله رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا الشهر الماضي، خلال زيارته إلى الرباط، من أنه «ينبغي على إسرائيل أن تتحرك نحو هدف الاعتراف بالصحراء المغربية، مثلما فعلت الولايات المتحدة أقرب حليف إلينا» وما كشفه في السياق ذاته أيضا من أنه «تجري حاليا مناقشات جادة في حكومتنا حول هذا الموضوع «، ومن أنه يعتقد أن «رئيس الوزراء نتنياهو سيعلن هذا القرار في المستقبل القريب» فإن ذلك كله لم يجعل من إعلانهم ظهر السابع عشر من شهر يوليو/تموز الجاري عن الاعتراف بمغربية الصحراء حدثا عاديا أو بسيطا بكل المقاييس. والسؤال الذي قد يحير كثيرين ربما هو، ما الذي جعلهم وبعد أن أرسلوا في الأسابيع الأخيرة أكثر من إشارة ملتبسة، بل حتى متناقضة ومتضاربة حول المسألة الصحراوية، يحسمون أمرهم ويقررون بشكل مفاجئ وبعيدا عن أي إطار أو مناسبة، أن يقوم رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو بتوجيه رسالة مقتضبة إلى العاهل المغربي يخبره فيها بكلمات دقيقة وواضحة لا لبس فيها، أنه يرفع إلى علمه قرار الكيان «الاعتراف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية» ويبلّغه أن هذا الموقف «سيتجسد في كل أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة» قبل أن يضيف أنه «سيتم إخبار الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية، التي تعتبر إسرائيل عضوا فيها وكذا جميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية» دون أن يغفل عن التأكيد في الأخير على أن إسرائيل «تدرس إيجابيا فتح قنصلية لها في مدينة الداخلة» تكريسا لقرارها، وفقا للبيان الصادر عن الديوان الملكي المغربي؟ إن الطريقة التي اختاروها لذلك تبدو شبيهة، وإلى حد كبير بتلك التي انتهجها الإسبان الربيع قبل الماضي، حين بعث رئيس وزرائهم بيدرو سانشيز رسالة إلى العاهل المغربي كانت كافية لإذابة الجليد بين البلدين، ليخبره فيها أن إسبانيا باتت ترى أن «مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب، تمثل الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل النزاع الصحراوي». ومع أن السياق والظرف مغايران ومختلفان تماما، إلا أن الفرق في المضمون يبدو جليا وبينا أيضا، فالاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء يظهر هنا أكثر حسما ووضوحا، كما أن العبارات والمصطلحات التي اختيرت للدلالة عنه كانت دقيقة وقاطعة، وليست فضفاضة ومفتوحة على أكثر من تأويل. ومن المؤكد أن اعتقاد بعض المغاربة أن ذلك كان المحصلة الموضوعية للضغوط التي مارستها دبلوماسيتهم على مدى الشهور الأخيرة، وأنه يمثل انصياعا ورضوخا تاما للشروط التي وضعتها الرباط للمضي قدما في علاقتها بتل أبيب، قد لا يقدم جوابا شافيا على السؤال، فالإسرائيليون درسوا كل السيناريوهات الممكنة ورتبوا بعناية فائقة أدق التفاصيل وأخذوا بالاعتبار حسابات الربح والخسارة، وحاجتهم للحفاظ على مصالحهم على المدى القريب والبعيد لا في المغرب وحده، بل في المنطقة كلها. ومن الواضح أنهم كانوا وكعادتهم يريدون أن يضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد، فهم كانوا يعلمون جيدا ومنذ أن وقعوا مع المغاربة والأمريكيين قبل أكثر من عامين على اتفاقيات إبراهام، أن الرباط التي أعادت علاقاتها الدبلوماسية معهم لن تكتفي بالاعتراف الأمريكي الذي أعلنه الرئيس ترامب بمغربية الصحراء، بل ستطلب منهم أن يقدموا وبدورهم اعترافا شبيها به، لكنهم لم يكونوا مستعدين لأن يقدموا لها على طبق ما كانت ترغب فيه، فقد كانوا ينتظرون اكتمال طبخة ما، ولأجل ذلك فإنهم كانوا يناورون ويقايضون ويحسبون بدقة حساب ما قد يحصلون عليه من وراء ذلك الاعتراف وما قد يفقدونه أيضا، وربما سيكون من التبسيط أن يعتقد أحد أن الهدف الذي رسموه من خلال تقديم تلك الورقة، كان كسب المغرب أو تحييده في الصراع العربي الإسرائيلي وإخراجه بشكل تام ونهائي من دائرة دعم ومساندة القضية الفلسطينية، فالأمر أبعد من أن ينحصر في ذلك، لأنهم كانوا يعلمون جيدا أن ذلك لن يدفع لتغيير الموقف الرسمي من تلك القضية، كما أنهم لم يكونوا ينظرون إلى ذلك البلد المغاربي بمعزل عن جواره القريب وعن محيطه الإقليمي المباشر وعن التحالفات والصراعات الموجودة فيه.
لقد تمثل المشهد الحالي أمامهم على النحو التالي: في الوقت الذي لم تتنصل فيه إدارة بايدن من اعتراف الإدارة التي سبقتها بمغربية الصحراء، فإنها لم تظهر بالمقابل رغبة في قطع خطوات إضافية على ذلك الطريق، وظل الموقف الأوروبي غامضا ومذبذبا وملتبسا ومقسما بين دول تدعم الحكم الذاتي للصحراء، وأخرى لا تزال مترددة في القطع مع ما تعتبره حيادا مطلوبا في تلك القضية، ومثّل انتهاء مفعول اتفاق للصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في السابع عشر من يوليو الحالي دون تجديده، أوضح مؤشر على وجود مأزق في علاقة الطرفين، وهذا هو المجال المناسب للتحرك في نظر الإسرائيليين، خصوصا مع الحديث عما وصفناه سابقا ببالون الاختبار التجريبي، الذي أطلقته طهران ثاني أيام عيد الأضحى نحو الرباط، فهو ما يجعلهم الآن يقدمون أنفسهم على أنهم الأصدقاء الحقيقيون الوحيدون للمغاربة، وأنهم على عكس الأمريكيين الذين اكتفوا بإعطائهم وعودا دون ترجمتها بشكل عملي، والأوروبيين الذين يواصلون التعامل معهم بمخاتلة، فإنهم لا يترددون في دعمهم بشكل صريح لا لبس فيه في قضيتهم الوطنية الأولى، وهم يوجهون من خلال ذلك أكثر من رسالة إلى أكثر من طرف إقليمي ودولي، ولعل تعيينهم في اليوم نفسه لملحق عسكري في المغرب ليس سوى إشارة أولى على أنهم جاهزون ومستعدون بالفعل للمرحلة التالية لذلك الاعتراف. أما هل إن ذلك سيجعل الصراع على الصحراء يزداد اشتعالا، أم أنه سيعجل بنهايته؟ فذلك ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.