هاشم عبدالعزيز يكتب : التنويم المغناطيسي بين أوتو بريمينجر وكمال الشيخ

profile
هاشم عبدالعزيز كاتب وقاص
  • clock 10 يونيو 2021, 3:50:29 ص
  • eye 1144
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 " الدوامة " لاوتو بريمينجر و"المنزل رقم 13" لكمال الشيخ .

"سنة الإنتاج والفكرة والمصدر والنوع "

- ظهر فيلم الدوامة لأول مرة عام 1950 وهو مأخوذ عن عمل روائي وفكرته تدور حول ماذا لو سيطر أحد المجرمين على إرادة إحدى البريئات عن طريق التنويم المغناطيسي ليستخدمها في تنفيذ إحدى جرائمه ، ويندرج فيلم اوتو بريمينجر  تحت نوع الإثارة النفسية . 

- اما المنزل رقم 13 فكان ظهوره الأول عام 1952 وقد  كتب  المخرج كمال الشيخ في مقدمة الفيلم أن الفكرة مأخوذة عن خبر في جريدة "  المصري " وهو من تأليفه وإخراجه وفكرته تدور حول نفس موضوع الفيلم الأول وهي عن ماذا لو سيطر أحد المجرمين على إرادة أحد الأبرياء عن طريق التنويم المغناطيسي ليستخدمه في تنفيذ إحدى جرائمه ويندرج المنزل رقم 13 تحت نوع افلام  الجريمة . 

"  الدافع للقتل وإصرار المجرمين وترصدهما وتخطيطهما الطويل قبل قتل المجني عليهما  " 

- السيد  "كورفو"  المجرم الفعلي  لفيلم الدوامة شخصية شديدة التعقيد والخطورة ، يعمل معالجا روحانيا كما ان لديه نوع من المعرفة عن التنجيم وقراءة الكف والتنويم المغناطيسي ، كان قد  تشكل دافعه للقتل بعدما نصب على  سيدة ثرية  " المجني عليها " واستولى على ثروة ابنتها بإسم الحب الذي لم يدم طويلا حتى عزف السيد كورفو عنها مما دفعها إلى المطالبة بالمال مهددة بفضحه في كل مكان ان لم يعيد لها "كورفو" ثروة ابنتها وروحها التي سرقها منها بفراسته وسيطرته النفسية عليها مستعينة في ذلك بأحد الأطباء النفسيين وهو زوج الضحية " المتهمة "  التي سيستخدمها كورفو في التخلص من السيدة الثرية وسنعرف فيما بعد تفاصيل ذلك كله 

- أما السيد عاصم المجرم الفعلي ل"المنزل رقم 13 " فلا نعرف عنه من خلال المعلومات الضئيلة التي مدنا بها كمال الشيخ -نظرا لتغيير نوعية الفيلم التي تركز على الحدث نفسه دون الدخول في أبعاد الشخصيات النفسية  -   الا أنه مجرما وفقط يعمل طبيبا نفسيا وعلى علاقة غرامية بإحدى الراقصات التي تعرف رجلا ثريا ( المجني عليه ) والذي قدم نفسه للقتل بمجرد ان اخبر معشوقته الراقصة انها ستحصل على مبلغ مالي في حالة وفاته بموجب بوليصة تأمين وهنا أخذ الدكتور عاصم يعد العدة لتنفيذ الجريمة مستخدما في ذلك زبون عيادته و ضحيته    "  المهندس شريف  " في قتل الرجل الثري وسنعرف تفاصيل ذلك فيما بعد   .

" تاريخ المتهمين النفسي وعلاقته بالجريمتين والتنويم المغناطيسي نفسه " 

- السيدة "  آن " المتهمة في فيلم الدوامة ذات تاريخ نفسي حافل بالاضطرابات والتباريح  التي كانت تظهر وتخبو كلما ساعدت البيئة وطقوس الحياة في ذلك 

ان "آن" الطفلة الصغيرة المصابة بداء السرقة كانت تسرق زميلاتها في المدرسة عقابا لأبيها الغني الذي يحجب المال عنها حتى إذا مات وتزوجت بطبيب ناجح ينفق جل وقته في العيادة والكتابة عن الإنسان والنفس مما شعرت ببخل لديه في الوقت والشعور الواجب عليه نحوها ، البخل الذي ذكرها ببخل الأب في المال حيث عادت الآلام من جديد ثم أخذ النوم يغيب عنها لأيام حتى ذهبت إلى أحد المتاجر وذلك هو المشهد الأول في فيلم الدوامة حيث تسرق " آن " دبوسا ذهبيا " من المتجر ثم يتم القبض عليها من قبل الأمن ويكون المجرم " كوروفو " خارجا حينها من باب المتجر ليقفل عائدا إلى غرفة التحقيق وهو الذي يعرف " آن " جيدا وزوجها الذي يقف حائلا أمام قتل السيدة الثرية حيث يمتلك اسطوانات التسجيلات الصوتية الفاضحة له و التي كان يسجلها الطبيب أثناء جلسات علاج المجني عليها وذلك ما دفع " كورفو " إلى مراقبة الطبيب وأخذ يتحين الفرصة المناسبة لضرب كل العصافير بحجر واحد عندما اكتشف بفراسته حالة " آن " النفسية عندما رأى غرقها في اضطرابها أمام محقق المتجر وهنا يتدخل " كورفو " لينقذ " آن " من هذه الورطة المخجلة ويخبر  المحقق بمكانة " آن " الاجتماعية مما سيمنح المتجر عند  الفضيحة  بسمعة سيئة كما انها في وسعها ان تشتري صندوق كامل من هذا الدبوس ، الخلاصة ان " كورفو " انقذ " آن " ولم يتوقف الأمر عند ذلك فحسب بل استطاع ان يحل لها مشكلة النوم بتنويمه المغناطيسي وبذلك يكون قد سيطر على  " ان " سيطرة كاملة بعد ان أخذ يطوف بها في كل مكان أثناء سفر زوجها ويلقي أمامها بالسيدة الثرية المجني عليها والتي حذرت " ان " من كورفو وهو معالج " ان " الوفي الذي يجب ان تدافع عنه ، نتج عن ذلك ما يشبه المشاجرة التي ستكون دليلا بعد ذلك يدين " ان " بقتل السيدة غيرة منها على كورفو الساحر الذي ينصب على النساء .

عند ذلك فقط تكون شهادة الطبيب في حق كورفو لا قيمة لها في حالة اختفاء الادلة المادية الهامة الثابتة لمنفعة كوروفو بقتل السيدة كما انه يستطيع ان يدحض شهادة الطبيب ويكشف بطلانها بمجرد ان تجر زوجته  في لعبة القتل ، هكذا ضرب كورفو كل العصافير بحجر واحد متخلصا من التهديدات ومن الطبيب نفسه الذي ينظر إلى " كورفو " من مسافة عالية حيث لا يؤمن الطبيب بمواهب كورفو الشخصية ويقدم لها الإهانات في كل مكان وزمان . ترى ماذا سيفعل الطبيب عندما يرى زوجته " ان " في قبضة الشرطة ويسمع باذنيه عن علاقتها الحميمية بكورفو وقتلها لغريمتها السيدة الثرية وكيف سيحل اوتو بريمينجر تلك العقدة لتظهر الحقيقة وتنقذ " ان البريئة لينتهي الفيلم !؟

- أما المهندس شريف متهم " المنزل رقم 13 " فلا نعرف عنه الا أنه مصاب بانهيار الاعصاب  منذ زمن مما دفعه لطلب العلاج من الدكتور عاصم الذي نومه مغناطيسيا وذهب به إلى منزل الرجل الثري ليقتله بيده على عكس ما حدث في الدوامة حيث ان كورفو هو الذي قتل السيدة الثرية . 

هنا فقط يجب ان نعود إلى الحقائق العلمية المستقرة وقتذاك حول التنويم المغناطيسي والتي تقول انه لا سيطرة لأحد على أحد في تلك المسائل التي تخص الأمور الأخلاقية والدينية بالذات . 

بمعنى ان كورفو لم يقتل السيدة بيد " ان " بل جعل " ان " تسرق الاسطوانات المسجلة من خزينة زوجها وامرها أثناء التنويم بوضعها في مكان ما في منزل السيدة الثرية وبينما كانت "ان" تسرق الإسطوانات كان كورفو قد قتل وانصرف لتدخل ان المنزل وتدس الاسطوانات في المكان المتفق عليه لتستيقظ بعد ذلك مرتعبة امام ميل رأس السيدة المقتولة إلى أسفل ثم تدخل الشرطة لننتظر حل العقدة والنهاية .. 

اما في فيلم " المنزل رقم 13 " والذي قتل فيه شريف رجل لا يعرفه بالإضافة إلى غياب صفة القتل والإجرام عنه فلا يستطيع عاصم منطقيا ان يطلب منه القتل فيقتل الا اذا كان قاتلا .. 

ان كورفو عندما طلب من " ان " السرقة ، سرقت لانها سارقة مصابة بهذا الداء ولكنه لم يطلب منها القتل حتى لا يوقظها الطلب من نومها حيث يرفض عقلها الباطن الفكرة ذلك انها تتعلق بمسألة أخلاقية ودينية . 

اذن يتضح لنا من هذه المقارنة غياب المنطق والمتعارف عليه عن " المنزل رقم 13 " بينما يظهر جليا في الدوامة خاصة مع لعب الديكور والاكسسوار دور هام في حدوث ذلك .. 

عندما نفذ كورفو خطته ترك في مسرح الجريمة " دبوس " ان الذهبي الذي ظهر في المشهد الأول والمثبت في فاتورة شراء المتجر بالإضافة إلى وشاح كان قد دسه في جيبه دون ان تدري في إحدى الجلسات التي أستطاع خلالها أيضا الحصول على كأس مطبوع عليه بصمات " ان " وغير قليل من مكياجها بالإضافة إلى الاسطوانات المدفونة فوق أحد الدواليب والتي  سنسمع من خلالها الكثير عن كورفو في مشهد النهاية 

اما السيد عاصم فقد ترك في مسرح الجريمة بطاقة شريف  الشخصية بالإضافة إلى جرح غائر في رسغ شريف ومفتاح المنزل الذي أخرجه شريف على غير إرادة منه أمام المحقق مما كب على النار مزيدا من الزيت ليتورط شريف في القضية مزيدا من التورط وتدور الأحداث ليتمكن من الهرب ليطارد عاصم بنفسه على عكس ما حدث في " الدوامة " حيث ذهبت " ان " مع زوجها والمحقق الى مسرح الجريمة حتى تتذكر " ان " ما حدث بعد ان ذهب كورفو إلى المنزل نفسه ليدمر الاسطوانات التي تدينه ليفاجيء بقدوم " ان " وزوجها والمحقق الذي أقتنع بتحليل الطبيب النفسي الذي يظهر كورفو على حقيقته المتحامل على نفسه وهو ينزف الدماء ليموت متأثرا بذلك بعد الاعتراف أمام المحقق بكل شيء لينتهي الفيلم 

اما المنزل رقم 13 فينتهي بالقبض على عاصم بعد مطاردة شريف الهارب له ثم قدوم البوليس لتظهر كلمة النهاية .. 

عند الانتهاء من مشاهدة الفيلمين يظهر لي ان تغيير نوع الفيلم قد أظهر " المنزل رقم 13 " في صورة خفيفة إذ قورنت بصورة " الدوامة "  المليئة بالغوص في نفس الأبطال ودوافعهم وابعادهم النفسية .. 

لقد وضع كمال الشيخ كل تركيزه على الأحداث ورصها بجوار بعضها دون النظر إلى حقيقة التنويم المغناطيسي نفسه فضلا عن غياب المعلومات التي عرفها المشاهد عن الضحية والمتهم والمجني عليه مستخدما في ذلك إضاءة هيتشكوك المظلمة والخيالات التي على الحوائط والتي تخدم النوع أكثر ما تخدم  فهم المشاهد للموضوع بشكل عام . 

ان أكثر ما برع فيه " اوتو بريمينجر " هو توزيع المعلومات في الوقت المناسب وتقديمها بصورة جيدة حيث لا تتعارض في كونها محتوى تقريريا مع الصور المتتابعة التي لم تتأثر بوضع المعلومة من خلالها بحرفية " بريمينجر " الرائعة . 

عندما تنتهي من مشاهدة الدوامة ترى كل الأبطال رؤية واضحة ، تعرف من هو " ان " و " كورفو " وغيرهما اما المنزل رقم 13 فلا تعرف منه الا الحدث وفقط 

ورغم كل ذلك حقق المنزل رقم 13 ، نجاحا ملحوظا ولكنه لم يكن مثل  " حياة او موت " الذي أخرجه قبل شهور ليست بالطويلة ،والذي نجح نجاحا لا مثيل له حيث عاش في وجدان الأجيال منذ ظهوره حتى الان ، أما المنزل رقم 13 فلا يتذكره أحد لا لانه فيلما رديئا بل هو فيلم جيد غابت عنه تفاصيل هامة ولكنه ليس ممتازا مثل حياة او موت كما انه لا يعرض الا في القنوات التي لها حق عرضه بموجب صفقة البيع التي تمت في تسعينيات القرن الماضي وكان المنزل رقم 13 من بينها .

التعليقات (0)