هذه مخاطر الحروب الباردة بين واشنطن وبكين وموسكو

profile
  • clock 8 سبتمبر 2022, 5:30:10 ص
  • eye 444
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يشهد العالم حربا باردة بين الولايات المتحدة وروسيا، بالتزامن مع حرب باردة أخرى مع الصين في عالم لم يعد أحادي القطب، بحسب تحليل لمجلة "ناشيونال إنترست" يحث القيادات في واشنطن وموسكو وبكين على تقييم مساراتها بعناية، واختبار الاستعداد للتحرك في اتجاه آخر.

وقالت المجلة، إن الولايات المتحدة وروسيا دخلتا في حرب باردة جديدة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية قبل ثماني سنوات، وعلى عكس الحرب الباردة المبكرة، لم تكن مدفوعة بالعداء الأيديولوجي، ولم تتكشف في ظل "هرمجدون النووية"، ولم تبتلع النظام الدولي بأكمله، لكنها تشترك في بعض الخصائص الهامة.

وعلى غرار فترة الحرب الباردة المبكرة، اختفت القدرة على تحمل كل طرف لتصرفات الآخر، وحمل كل جانب الآخر المسؤولية الكاملة عن انهيار العلاقات.

واعتقد كلا الطرفان، أن السبب الأساسي للصراع لم ينشأ من تفاعل مليء بالاحتكاك، ولكن من تصرف الطرف الآخر، وافترض البلدان أن الوضع يمكن أن يتغير فقط مع تحول جذري في طبيعة قيادة الطرف الآخر أو على الأقل إعادة توجيه أسياسية لسياسته الخارجية.

وعلى مدار السنوات الماضية، تم التعامل مع الاتفاقات مثل إزالة الأسلحة الكيماوية السورية أو منع الحوادث الخطيرة خلال العمليات الجوية للبلدين في سوريا، على أنها لمرة واحدة ومجرد معاملات، ولم يتبع أي منهما خطوات صغيرة نحو تحول تراكمي محتمل في مسارهما الحالي.

وترى المجلة أن صانعي السياسات على الجانبين الروسي والأمريكي فشلوا في إدراك هذا التغيير النوعي في العلاقة من العقد السابق، عندما لم يكن أي منهما متأكدا تماما مما إذا كان الآخر صديقا أم عدوا، نظرا لتقلبات الصعود والهبوط بعد توسع الناتو.

 كما فشلوا في ممارسة القيادة في إنشاء نظام لتحقيق الاستقرار في عالم نووي جديد متعدد الأقطاب، "ما أوصلنا الآن إلى فقدان الإرادة والقدرة على إدارة علاقتهم النووية المعقدة بشكل متزايد".

وفي الحرب الباردة الأمريكية الروسية الجديدة، أزال الجانبان حواجز الحماية، وحصنوا قواتهم العسكرية على طول جبهة جديدة في أوروبا الوسطى تمتد من القطب الشمالي إلى البحر الأسود.

ورأت أنه لم يتم استكشاف الاستراتيجيات الخاصة بكيفية عمل اثنتين من أكبر أربع دول مسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري معا للتخفيف من التهديدات الناجمة عن تغير المناخ، لا سيما في القطب الشمالي. علاوة على ذلك، تلاشى أي أمل في أن تجد موسكو وواشنطن أنه من الأفضل التعاون في التعامل مع التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، بدلا من استغلالها ضد بعضهما البعض.

ونشأت الحرب الباردة الجديدة بسبب "انغلاق العقول" في موسكو وواشنطن بطرق ساعدت بشكل كبير في الانزلاق إلى الكارثة الأوكرانية الحالية.

وأضافت: "لم يعد أي من الجانبين يحاول جاهدا فهم المخاوف التي تحرك سلوك الطرف الآخر، ولم يعد أي منهما يعتقد أنه من المجدي، كما فعلوا بعد حرب العراق عام 2003، استكشاف أين يمكنهم التوفيق بين مصالحهم الأساسية في حالة حرجة، مثل الأزمة الأوكرانية".

وتابعت بأن "رمية النرد المأساوية لفلاديمير بوتين" دفعت بالحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا إلى مستوى أعمق من الناحية النوعية.

  وبعد أن كانت إدارة بايدن تسير على نهج "الردع" المقترن بالانفراج، بمعنى محاسبة روسيا عندما تهدد أفعالها مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها، ولكن في الوقت ذاته هناك سعي للتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، مثل الحد من الأسلحة النووية والمناخ، لكنه في 24 شباط/ فبراير مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا استبدلت هذه الاستراتيجية.

وعملت الولايات المتحدة على إضعاف وعزل روسيا، وأكد وزير الدفاع لويد أوستن: "نريد أن نرى روسيا ضعيفة إلى درجة أنها لا تستطيع القيام بالأشياء التي فعلتها في غزو أوكرانيا"، وقد يستمر هذا التحول في الاستراتيجية طالما بقي بوتين في السلطة، فلن يتم رفع العقوبات، وبعد إلحاق فنلندا والسويد سيعزز "الناتو" دفاعاته، وسيتم استبعاد روسيا حيثما أمكن من المنتديات والمؤسسات الدولية.

وأدت الحرب في أوكرانيا إلى تقليص الخلافات بين الحربين الباردتين، القديمة والجديدة، حيث أدى حديث بوتين الخطير حول الخيارات النووية لروسيا، إلى إحياء المخاوف من حقبة سابقة. 

وترى المجلة بأن الفرق الوحيد بين الحربين الباردتين هو النطاق، فالحرب الباردة الأولى لم تترك جزءا من العالم دون أن تمسها، ولكن في الحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وموسكو لا تريد الصين أن تكون جزءا منها، كما أن الهند والبرازيل ومعظم دول الجنوب تقف أيضا على مسافة بعيدة.

الحرب باردة بين الولايات المتحدة والصين

وترى المجلة في تحليلها، أن الحرب الباردة بين واشنطن وبكين ستعيد تشكيل النظام الدولي بأكمله من مؤسسات وتحالفات وتدفقات اقتصادية ومناطق الصراع، كما الحرب الباردة الأولى.

ولم تصل الدولتان بعد إلى نقطة المواجهة هذه، "ولكن، ما لم يتم إعادة توجيه الاتجاهات بوعي، فهذا هو المكان الذي تتجه إليه"، كما أن خصائص الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين لا تتشابه بتلك التي بين واشنطن وموسكو.

ويشير التحليل إلى تصريحات لقادة في وزارة الدفاع الأمريكية، اعتبروا الصين الآن أكبر منافس استراتيجي، بما يتضمن ذلك سرعتها في التسليح التقليدي أو النووي ما يغير من ميزان القوى العالمي.

ووفقا للأدميرال تشارلز ريتشارد، الرئيس السابق للقيادة الإستراتيجية الأمريكية، فإن الصين حققت "اختراقا" استراتيجيا "غير ميزان القوى العالمي".
 
وتشير تقارير إلى أن الصين تبني 230 صومعة جديدة من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ما أثار تحذيرات من أن بكين تسير بخطى ثابتة لمواكبة القوات الأمريكية بحلول عام 2030.

من جانبها، تشير الصين إلى أن صعودها العسكري لا يجسد فقط عودة البلاد كقوة عظمى، ولكن أيضا بمثابة رد على ما تعتبره سياسة خارجية أمريكية عدوانية بشكل متزايد.

ويرى الخبراء الصينيون أن الطفرة المفاجئة في البرنامج النووي الصيني لها العديد من التفسيرات المحتملة، وكلها مدفوعة بالعداء المتزايد للولايات المتحدة، وهذا التطور يجبر واشنطن على قبول بكين كما هي والكف عن حملتها "الأيدولوجية" ضد الطريقة التي تختارها الصين في حكمها.

ويرى البعض أن تركيز الولايات المتحدة على تطوير أسلحة نووية قابلة للاستخدام من أجل "خيارات نووية محدودة"، لا يترك للصين خيارا سوى أن تحذو حذوها.

وبجانب التسابق في التسليح من الجانبين، فإن الاتجاه الرئيسي الثاني في الانزلاق نحو حرب باردة بين الولايات المتحدة والصين هو تسريع تسييس العلاقات الاقتصادية، رغم أن اقتصادي البلدين متشابكان إلى حد كبير، ولا يمكن بسهولة تحويل الفوائد المكتسبة من هذه العلاقات إلى أسلحة سياسية. 

وحوالي 20 بالمئة من البضائع المستوردة التي يستهلكها الأمريكيون تأتي من الصين، وتولد التجارة مع الصين ما يقرب من 1.2 مليون وظيفة أمريكية، كما وتمول بكين ما يقرب من أربعة في المئة من الدين القومي للولايات المتحدة، ولديها أكثر من تريليون دولار في سندات الخزانة الأمريكية.

من ناحية أخرى، تظل الولايات المتحدة أكبر سوق تصدير للصين، حيث تستحوذ على ما يقرب من 19 بالمئة من إجمالي صادراتها، وهو ما يمثل 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للصين.

وتحذر المجلة من أنه "لم يعد ينظر إلى هذا الاعتماد المتبادل من قبل أي من البلدين على أنه مفيد إلى حد كبير لكليهما، وأصبحت العلاقات الاقتصادية لا يشوبها سوى الخلافات حول ممارسات تجارية محددة، بل وصل الأمر إلى أن كلتا الحكومتين تنظر إليه الآن على أنه تهديد محتمل للأمن القومي". 

في حين أن حرب الرسوم الجمركية التي أطلقتها إدارة ترامب كانت مطرقة تهدف إلى إجبار الصين على تصحيح الخلل في تجارتها مع الولايات المتحدة، إلا أنها كانت مصحوبة أيضا بخطوات لقطع العلاقات في مجالات التعليم والبحث، وقائمة الشركات السوداء المرتبطة بالدفاع الصيني ووكالات الاستخبارات، ومعاقبة المسؤولين الصينيين الذين أشير إلى تورطهم في أعمال قمعية في شينغيانغ وهونغ كونغ بفرض عقوبات، بل أن ترامب قال في عام 2019 خلال حملته الانتخابية لإعادة انتخابه "لسنا بحاجة إلى الصين، وبصراحة، سنكون أفضل بكثير من دونها".

وأرادت إدارة بايدن تخفيف جوانب الحرب التجارية مع الصين، لكنها أبقت على عناصر أخرى من سياسة إدارة ترامب المتشددة، حيث أضيفت عقوبات جديدة وأدرجت المزيد من الشركات الصينية على القائمة السوداء لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

وحتى أن خطة إدارة بايدن، التي تم الإعلان عنها في يونيو 2021، "لبناء سلاسل إمداد مرنة وتنشيط التصنيع الأميركي"، رغم أهميتها ومحاولتها علاج نقاط الضعف في الاقتصاد الأمريكي المعولم، فإن الهدف الأساسي الواضح منها هي مجابهة الصين.

من جانبها، ترد الصين على كل إجراء أمريكي جديد بإجراءات مضادة خاصة بها، مثل قانون مكافحة العقوبات الشامل الذي تم إقراره الصيف الماضي، والذي يستهدف المشرعين الأمريكيين المسؤولين عن العقوبات المفروضة على الصين، كما وضع الرئيس الصيني استراتيجية لوضع بلاده على طريق الاكتفاء الذاتي وتوطين التقنيات الحيوية، بهدف جعل السوق المحلية محرك النمو الاقتصادي للبلاد.

وحاصر كلا البلدين نفسيهما في صراع من أجل التفوق التكنولوجي مدفوعا بمخاوف الأمن القومي- وهي ديناميكية مشابهة لسباق التسلح النووي في الحرب الباردة.

تحذر المجلة من أن التنافس على التفوق التكنولوجي والعسكري والاستفزازات المتوالية، إذا تعمقت، فإن الخطوط المتغيرة للتنافس الجيواستراتيجي المزدهر ستوفر الشكل النهائي للحرب الباردة الجديدة، وترى أن "الطريق مفتوح الآن من الناحية النظرية والعملية لهذه الحرب الباردة الجديدة لتصبح رسمية".

من وجهة نظر الزعيم الصيني، لا تستطيع الولايات المتحدة" القوة العظمى الحاكمة لكنها مشلولة" ، أن تلتزم بصعود الصين، وهي مصممة على تقويض ديناميكيتها الاقتصادية وكبح نجاح سياستها الخارجية. وردا على ذلك، تعتزم بكين، إلى جانب مزاياها الاقتصادية، تقليص المزايا الجيوستراتيجية الأمريكية.

كما تقوم بكين بالانتشار الأمامي في بحر الصين الجنوبي لمنح الصين الهيمنة العسكرية في أول "سلاسل جزر المحيط الهادئ"، فضلا عن التواجد التنافسي في منطقة المحيط الهندي، ومواصلة تنظيم تدريبات عسكرية مشتركة أكثر طموحا مع روسيا في شمال شرق آسيا، ما يؤدي إلى صراع عسكري محتمل مع الولايات المتحدة. 
 
وإن تحول شكل الحرب الباردة بين البلدين بصورة رسمية، سيتعرض الاقتصاد الدولي للاضطراب الشديد بسبب الحرب الاقتصادية بين البلدين، اللذين يمثلان أكثر من 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والمخاطرة بتقسيم الاقتصاد العالمي بأكمله.

وستصبح منظمات حكومية دولية رئيسية، مثل الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وآليات مثل مجموعة العشرين ساحة صراع، وسيسعى كل جانب إلى تقويض تلك التي يفضلها أو ينشئها الجانب الآخر، فضلا عن تأجيج الصراعات الإقليمية، وجعلها أقل قابلية للإدارة في أجزاء ذات أهمية استراتيجية من العالم.

ورأت المجلة أن اندماج حروب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين، وبين الولايات المتحدة وروسيا، فإن العالم سيصبح أكثر دمارا وخطورة مما كان عليه في الفترة الممتدة من أزمة برلين عام 1948 وحتى أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 بسبب العولمة والاقتصادية المتشابكة في العالم وسلاسل التوريد المعولمة.

كلمات دليلية
التعليقات (0)